الحديث المصحف
الحديث المصحَّف
الحديث المصحف:
التصحيف هو التغيير إلى الخطأ.
واصطلاحًا:
يقول الإمام السخاوي في تعريف التصحيف: “هو تحويل الكلمة عن الهيئة المتعارفة إلى غيرها”[1].
فالتصحيف هو تغيير الكلمة في الحديث إلى غير ما رواها الثقات لفظًا أو معنًى.
صور التصحيف:
(1) تغيير في حروف الكلمة مما تختلف فيه صورة الخط:
مثاله:
قال الشافعي: “صحَّف مالك في عمر بن عثمان، وإنما هو عمرو بن عثمان، وفي جابر بن عتيك وإنما هو جبر بن عتيك، وفي عبدالعزيز بن قرير، وإنما هو عبدالملك بن قريب”[2].
وقال أحمد: “صحَّف شعبة في مالك بن عرفطة، إنما هو خالد بن علقمة”[3].
(2) تغيير في نقط أو شكل الكلمة مع بقاء صورة الخط: وهذا أكثر إطلاق المحدثين.
مثاله: تصحيف ابن معين العوام بن مراجم بالراء والجيم، إلى مزاحم بالزاي والحاء[4].
ومثال ذلك أيضًا ما غير باسم الراوي أبي حرة، فقرأه بعض طلبة العلم والناقلين باسم أبي جرة.
جاء في الإصابة لابن حجر (1/ 219) في ترجمة جاهمة السلمي قال: “وقال ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن ابن إسحاق بهذا الإسناد، لكن حرف اسم الصحابي ونسبته، قال: عن جهم الأسلمي”؛ [انتهى].
وفي موضع آخر من الإصابة (1/ 270) قال: “صحف ابن لهيعة اسمه ونسبته، وإنما هو جاهمة السلمي”؛ [انتهى].
(3) قلب الاسم: قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: صحف فيه أبو حنيفة، لإجماع أصحاب الزهري على روايته عنه، عن الربيع بن سبرة عن أبيه، وهو إنما قال: عن سبرة بن الربيع[5].
(4) إبدال لفظة مكان أخرى فيحصل تصحيف وتغيير في متن الحديث النبوي الشريف، فيتغير مفهوم ومعنى ذلك اللفظ في متن الحديث: مثاله: روى الحاكم حديث المحرم الذي وَقَصَتْهُ دابته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا تخمروا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبِّيًا))، ثم قال: ذِكْرُ الوجه تصحيف من الرواة؛ لإجماع الثقات الأثبات من أصحاب عمرو بن دينار على روايته عنه، “ولا تغطوا رأسه”، وهو المحفوظ[6].
ومنها قول الراوي في الحديث: “من صام رمضان وأتبعه (شيئًا) من شوال”، والصواب: ستًّا من شوال؛ كما في مسند الإمام أحمد، وصحيح الإمام مسلم، والسنن الأربعة.
ومثال ذلك أيضًا ما كان في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه “احتجم” في المسجد، فصحَّفه بعضهم إلى “احتجر” رسول الله في المسجد؛ أي: جعل له حُجْرة وزاوية يصلي فيها.
ومثاله كذلك حديث أنس مرفوعًا: ((ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزِنُ ذَرَّة))؛ [متفق عليه]؛ قال ابن الصلاح: “قال فيه شعبة: ذُرَةً – بالضم والتخفيف – ونُسب فيه إلى التصحيف”[7].
ومن التصحيف ما جاء في سير النبلاء للذهبي (9/ 568) في ترجمة عبدالرازق بن همام، في حديث روى عنه مصحفًا: “النار جبار”.
قال الذهبي: “أظنها تصحفت عليهم، فإن النار تكتب النِّير على الإمالة بياء، على هيئة البئر، فوقع التصحيف”.
وصواب نص هذا الحديث: ((البئر جبار))؛ أي: هدر، إذا سقط إنسان فيها فهلك فدمه هدر، وتمام الحديث: ((المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جبار)).
(5) تصحيف بإبدال راوٍ بغيره؛ كمن يصحف صهيبًا بـ”شعيب”، أو أبو الحوراء بـــ”أبو الجوزاء”، وهذا أشد أنواع التصحيف.
(6) تصحيف ثنا بـــ(بن)، وعن تُصحَّف إلى أن.
(7) تغيير المعنى.
قال العراقي في [التبصرة والتذكرة (2/ 300، 301)]: “ومن أمثلة تصحيف المعنى ما ذكره الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال: ما حلقت رأسي قبل الصلاة منذ أربعين سنة، فُهم منه تحليق الرؤوس، وإنما المراد تحليق الناس حِلقًا”؛ [انتهى].
ما رُوِيَ أن سليمان بن عبدالملك الخليفة الأموي كتب إلى ابن حزم عامله على المدينة أن أحصِ مَن قِبلك من المخنثين، فصحف كاتبه فقرأه: اخْصِ، قال: فدعا بهم فخصاهم[8].
تنبيه: والمصحَّف هو المحرَّف عند ابن الصلاح، وسمَّى النوعين محرفًا.
وبعض الناس يقول التصحيف هو ما كانت فيه المخالفة مع تشابه صورة الخط، فإذا أدت المخالفة إلى تغيير الخط فهو التحريف.
وقال الحافظ ابن حجر: “إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحَّف، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف”[9].
أسباب التصحيف:
(1) ضعف البصر، فترى القارئ يقرأ من الكتاب فيصحف في الحديث؛ بسبب ضعف بصره.
(2) ضعف السمع، فأحيانًا يسمع الطالب فيصحف ما سمعه بسبب ضعف سمعه، أو بسبب عدم تمكُّنه من السماع بدقة.
نحو حديث لـعاصم الأحول، رواه بعضهم فقال: عن واصل الأحدب.
وقد ذكر الإمام الدارقطني أنه من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر؛ قال ابن الصلاح: “كأنه ذهب – والله أعلم – إلى أن ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة، وإنما أخطأ فيه سَمْعُ من رواه”[10].
(3) الأخذ من الصحف وعدم السماع من الشيوخ، فالشيوخ تضبط أسماء الرواة، فمن اعتمد على الكتب والصحف يقع في مثل هذا التصحيف.
قال سعيد التنوخي: “لا تحملوا العلم عن صَحَفِيٍّ، ولا تأخذوا القرآن عن مُصْحَفِيٍّ”.
قال علي بن المديني: “كنا في مجلس الحديث فمر بنا أبو عبد الله الجماز، فقال: يا صبيان إنكم لا تحسنون أن تكتبوا الحديث، كيف تكتبون أُسَيدًا وأَسْيَدَ وأُسَيِّدًا؟ فكان ذلك أول ما عرفت التقييد وأخذت فيه”[11].
(4) الجهل فيقع الجاهل في التصحيف بجهله، مثل ما وقع لبعض الناس؛ لما قرأ حديث: ((الحبة السوداء شفاء لكل داء))، فصحَّفه إلى “الحية السوداء شفاء لكل داء”، فصار يصف شحم الحية وسمها للتداوي.
(5) الاعتماد على نسخ غير مصححة، وغير معتمدة، وغير مقابلة، فيقع التصحيف والتحريف.
(6) إهمال علامات الترقيم، وهذا في المعاصرين بعد وضع علامات الترقيم، فعلامات الترقيم تضبط الفهم.
(7) إهمال ضبط الكلمات أو النقط، وكان قبل انتشار تشكيل الكلمات يضبطون بالكلمات، فيقولون: بكسر المهملة، وضم المعجمة، وهكذا.
ومن ذلك عَلي بن رباح، والصواب عُلَي بن رباح بضم العين، وكان عالمًا ثقة كان اسمه عَليًّا بفتح العين، ولكن سمع أبوه أن بني أمية يقتلون كل مولود اسمه علي، أقبل على تصغيره فقال: عُلَيٌّ، واشتُهر بذلك.
ومما يتصل بتصحيف الأسماء أيضًا ما نسمعه في ترجمة ابن النفيس الطبيب المشهور؛ حيث قالوا: علي بن أبي الحزم القُرشي، هذا تصحيف، والصواب “القَرْشي” بفتح القاف وسكون الراء؛ نسبة إلى قَرْش، وقرش اسم بلدة فيما وراء النهر، ولكي يتجنب المحقق الوقوعَ في مثل هذه التصحيفات؛ عليه الرجوع إلى كتب الأعلام والبلدان، وغيرها من كُتُبٍ تكشف له عن هذا[12].
(8) التصحيف في المعنى دون اللفظ، ومنشؤه من الفهم الغلط، مثاله: قول محمد بن المثنى: “نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة”.
قال ابن الصلاح: “يريد ما رُوي: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة، فتوهَّم أنه صلَّى إلى قبيلتهم، وإنما العنزة ها هنا حربة نُصِبت بين يديه فصلى إليها”[13].
حجية ما صُحِّف من الحديث:
الحديث المصحَّف من أقسام المردود عند أهل العلم، فهو من أقسام الضعيف لا يُحتَج به، بل يُحذَر منه.
هذا ما تيسر، والله وحده من وراء القصد.
[1] فتح المغيث (3/ 72).
[2] معرفة علوم الحديث (150).
[3] معرفة علوم الحديث (146).
[4] تدريب الراوي (2/ 648).
[5] معرفة علوم الحديث (150).
[6] معرفة علوم الحديث (148).
[7] مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 253.
[8] أخبار المصحفين للعسكري، ص 53.
[9] نزهة النظر (47).
[10] معرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 256.
[11] أخبار المصحفين للعسكري ص 40.
[12] أصول البحث الأدبي للجامعة العالمية، ص 344.
[13] مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 254، 255.