الحكم، الحكيم، الكريم، الوهاب، البر، القريب
معاني أسماء الله الحسنى
الحكم، الحكيم، الكريم، الوهاب، البر، القريب
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61].
القريب سبحانه ممن دعاه، يجيب دعوة السائلين، ويقبل التائبين، ويكشف كربة المكروبين، ويسمع دعاء المؤمنين، لا يغيب عنه شيء من خلقه.
عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على وادٍ، هلَّلنا وكبَّرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، ارْبَعُوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا؛ إنه معكم؛ إنه سميع قريب))[1].
وهذا الاسم الكريم لله تعالى يحث على التقرب منه؛ ففي الحديث القدسي: ((إذا تقرب عبدي مني شبرًا، تقربت منه ذراعًا، وإذا تقرب مني ذراعًا، تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة))[2].
وقربه سبحانه لا ينافي علوَّه وفوقيَّته؛ فهو قريب سبحانه من عباده بعلمه لا يغيب عنه شيء؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61].
ومن ثنائه أمرُه سبحانه أنه يجيب الداعي إذا دعاه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
واسم الله تعالى المجيب من الأسماء التي تزيد يقينَ العبد بالله، وتُعمِّق صلته بربه، وترغِّبه فيما عند الله من الخير العظيم، والفضل الكبير، وتقوِّي رجاءه بالله، فالله سبحانه يجيب الداعي، بل يغضب ممن لم يسأله؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يسألِ الله يغضبْ عليه))[3].
اللهُ يغضب إن تركتَ سؤاله وبُنَيُّ آدم حين يُسأل يغضبُ |
فلا تقطع رجاءك بالله أبدًا، بل ارفع يديك، وسَلْ ربك؛ واعتقد جازمًا بقوله سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
فهو سبحانه يجبر الكسير، ويُغني الفقير، ويرفع الحقير، ويُشبِع الجائع، ويكسو العريان، ويشفي المريض، ويعافي المبتلى، ويغفر للمذنب التائب، وينصر المظلوم، ويخذل الظالم، وهو الذي أمرنا بسؤاله؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]، وقال تعالى: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 3]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [ص: 35]، وقال تعالى: ﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ﴾ [الطور: 37]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28]، وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].
وعن معاذ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يُرِدِ الله به خيرًا، يفقِّهه في الدين، والله المعطي، وأنا القاسم))[4]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى جَوَاد يحب الجود))[5]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل محسن يحب الإحسان))[6].
هذه أسماء الرب سبحانه تدل على عظيم عطائه، وسَعَة فضله وجوده، وكرمه وإحسانه، وعلى عظيم هباته، فإنه سبحانه إذا أعطى، فإنه يُغني ويُقني، وإذا وهب، وهب الجزيل من هباته.
أنعم على عباده النعم الغزيرة الواسعة التي لا تُحصى؛ نعمة الإيمان، ونعمة الإسلام، ونعمة القرآن، ونعمة الرسالات، ونعمة العافية، ونعمة المأكل والمشرب، والملبس والمركب، نعمة السمع والبصر، نعمة العقل، والنعم التي قد لا نعلم منها إلا النَّزر القليل؛ فهو سبحانه الكريم الأكرم، والجامع للمحاسن والمحامد، ذو الفضل العظيم، والرزق الواسع، جعل دعاءه دليلًا على كرمه وعطائه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيءٌ أكرم على الله سبحانه من الدعاء))[7]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن ربكم حَيِيٌّ كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفرًا))[8].
وهو سبحانه يعطي عباده من النعم والأرزاق من غير أن يُسأل سبحانه، ومن كرمه سبحانه إذا وعد أوفى، وإذا قدر عفا، وهو الذي من كرمه يضاعف الحسنات، ويرفع الدرجات، ويكفر السيئات، وأصل الكرامة وعنوانها هي تقواه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
وهو الوهَّاب سبحانه الذي شمل الخلائق بهباته؛ فما من نعمة إلا منه سبحانه، وقد عدَّد الله عز وجل في سورة مريم الهبات على أنبيائه وأصفيائه؛ سأله زكريا الولد فبشَّره بيحيى؛ وقال عن إبراهيم الخليل: ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 49]، وقال عن موسى الكليم: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ﴾ [مريم: 53].
ومن حكمته سبحانه أنْ رَزَقَ مَن رزق الذرية، ومنع مَن منع منها لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى؛ قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50].
ومن أعظم الْمِنَنِ على العبد من هبات الرب: الإيمان والاستقامة؛ ولهذا كان دعاء الراسخين في العلم وفي الطاعة: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].
وهو سبحانه البَرُّ الذي كثُر خيرُه، وعظُم برُّه وإحسانه، ويهب عباده الخيرات، ويدفع عنهم المضرات.
وهو سبحانه الواسع الكامل في أسمائه وصفاته، واسع العظمة والملك والسلطان، واسع الفضل والنِّعَمِ والإحسان.
وهو المعطي سبحانه، يعطي البَرَّ والفاجر، والمؤمن والكافر، يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة؛ فلا مانع لِما أعطى، ولا معطيَ لِما منع.
هو سبحانه الجواد؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يد الله مَلأى، لا يُغيضها نفقةٌ، سحَّاءُ الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يُغْضِ ما في يده))[9]، سبحانه وتعالى وتقدَّس.
وهو سبحانه المحسن الذي بلغ كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله، وعطاؤه لعباده أثر من آثار جوده وإحسانه.
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 83]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم: 4].
وقد جاء من أسمائه الحسنى “الحكم”؛ كما في قوله تعالى: ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا ﴾ [الأنعام: 114]، وقد جاء اسمه الحكم بصيغة الجمع؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [الأعراف: 87].
واسم الله تعالى “الحكيم” ورد كثيرًا في كتاب الله تعالى؛ فقد ورد أربعًا وتسعين مرة، وكثيرًا ما يُقرَن باسمه “العزيز”؛ ما يدل على أن عزته سبحانه مبنية على الحكمة، وهي وضع الشيء في موضعه اللائق به.
“والحكيم والحكم والحاكم” أسماء حسنى تدور على معانٍ؛ منها الحكم؛ وهو الفصل بين المتخاصمين، والإحكام؛ وهو الإتقان، أحكم الشيء؛ أي: أتْقَنَهُ، والحكمة؛ وهي وضع الشيء في موضعه اللائق به، وكلها معانٍ حق لله سبحانه؛ قال ابن كثير رحمه الله: “الحكيم في أفعاله وأقواله، فيضع الأشياء في محالها بحكمته وعدله”[10].
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: “يدل هذا الاسم الكريم على أن الحكم لله، ويدل على أن الله موصوف بالحكمة؛ لأن الإحكام هو الإتقان، والإتقان وضع الشيء في موضعه”[11]؛ قال تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 57]، وهذا الاسم العظيم دال على ثبوت كمال الحكم لله، وكمال الحكمة، ودال على حكمه الكوني القدري، وهو ما قضاه الله وقدره، ودال على حكمه الشرعي المتعلق بالأمر والنهي، ودال على حكمه الجزائي؛ وهو ما يكون يوم القيامة من فصل القضاء، وانقسام الناس إلى فريقين؛ فريق في الجنة، وفريق في السعير.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾ [غافر: 48].
والإيمان بهذا الاسم العظيم يقتضي الاعتقاد الجازم بأن الحكم لله، وأن حكمه أحسن الأحكام وأفضلها على الإطلاق؛ قال تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]، وشرف وفضل كتابه العظيم القرآن، وإتقان ألفاظه وأحكامه؛ قال الله تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، وما شرع الله عز وجل فيه من الحلال والحرام، والعبادات والمعاملات، والقِصاص والحدود، وغيرها في منتهى الحكمة.
ومن عظيم الثمرات بهذا الاسم بأنه الرب الذي لا يظلم أحدًا، ولا يؤاخِذ أحدًا بجريمة غيره، وأنه سبحانه يثيب الطائعين بفضله، ويؤاخذ المذنبين بعدله؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]، ويُورِث في قلب المؤمن السلوانَ والسعادة؛ لِما في ذلك من رفع الدرجات، وكثرة الحسنات، وتكفير السيئات.
ومن آثار اسم الله الحكيم أنه يُؤتي الحكمة لمن يشاء من عباده؛ قال تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]، والحكمة كما قال ابن القيم رحمه الله: “الحكمة: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي”[12].
[1] رواه البخاري 6610، ومسلم 2704.
[2]رواه البخاري 7405، ومسلم 2675.
[3] رواه الترمذي ٣٣٧٣.
[4] رواه البخاري 6882.
[5] رواه البيهقي 10346، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1627.
[6] رواه الطبراني في الكبير 7121، صحيح الجامع 1824.
[7] رواه ابن ماجه، ٣٨٢، وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجه 2/ 310.
[8] رواه الترمذي، ٣٥٥٦، وصححه الألباني، صحيح الترمذي، ٣٥٥٦.
[9] رواه البخاري (4684)، ومسلم (993)، باختلاف يسير.
[10] تفسير ابن كثير، 1/ 184.
[11] شرح الواسطية، 122.
[12] مدارج السالكين، 2/ 449.