الحيرة في اختيار التخصص الجامعي
♦ الملخص:
طالب في كلية الطب في حيرة من أمره؛ فقد رسب في السنة الأولى فيها، ولا يعجبه تخصُّص الطب؛ فهو اختيار والده له، واختياره مبني على أساس أن الوظيفة فيه مضمونة، لكنه يكره تخصص الطب، ومصاريفه المالية تسبب له ضغطًا وضياعًا لوقته، ويسأل: ما النصيحة؟ هل يكمل في تخصص الطب أو يغير تخصصه؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حصلت – والحمد لله – على معدل عالٍ في الثانوية، والآن أنا في كلية الطب، ولم أستطع اجتياز المرحلة الأولى منها، فقد رسبت في المواد الأربعة الأساسية، ولقد فكَّرتُ كثيرًا في إيجابيات هذا التخصص وسلبياته، فوجدت أن الإيجابيات هي: أنه كان اختيار أبي وحكمه، ثم الراتب الثابت والوظيفة المضمونة بعد التخرج، والمكانة الاجتماعية التي تصلح في العمل الدعوي، أما السلبيات فهي: كرهي للتخصص، والاختلاط في الدراسة؛ وهذا يفقدني تركيزي، والضغط الناتج عن المصاريف المالية، وضياع الوقت بسببها، أضف إلى ذلك أنني لا يمكنني إلا أن أكون طبيبًا عاديًّا، والدي يرى أن غيره من التخصصات لا يكون فيها نصيب وافر من المال، ولا تعيين مضمون، فهل هذا صحيح؟ أكثر ما أحبه متابعة الدعاة، وأكثر مادة تميزت فيها الرياضيات واللغة العربية، ولديَّ قدرة متميزة في الشرح، فهل تخصص الطب يناسبني؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص رسالتك هو:
1- تخرجت من المرحلة الثانوية بتقدير عالٍ، ووالدك نصحك بدراسة الطب لفوائده المتعددة، ومنها ما ذكرته من سهولة الحصول على وظيفة حكومية براتب ثابت، وكذلك الوجاهة… وتقول: إن والدك اختار لك هذا التخصص عن خبرة وحكمة، وتقول: إنك تجيد تخصص الرياضيات، وكذلك اللغة العربية، ولكنك لا ترتاح لدراسة الطب، بل تكرهه لأسباب منها ما تتضايق منه من الاختلاط بين الجنسين، ومنها صعوبة المواد الدراسية، والكلفة المالية وغير ذلك.
2- ثم درست المرحلة التمهيدية في كلية الطب، ولم تجتَزْها.
3- وتسأل: هل ما يقوله والدك حقًّا من أنك لن تجد وظيفة مرموقة، وراتبًا مناسبًا، إلا بدراسة الطب؟
4- ثم تطلب إفادتك بالرأي والمشورة، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: ميول الطالب لتخصص ما لها أثر واضح في توفيقه أثناء دراسته؛ ولذا يبدو أنك لم توفَّق في بداية دراستك للطب، مع أنك متفوق جدًّا في المرحلة الثانوية، وذلك بسبب تنافره مع ميولك وقدراتك.
ثانيًا: رأي والدك – حفظه الله – رآه ناصحًا لك مما يُرى فيه مصلحة دنيوية لك، فجزاه الله خير الجزاء، ومع أن رأي الوالد سديد في الجملة، ونابع من قلب محبٍّ، إلا أن قدراتك ورغباتك لها أثر قوي في التوفيق.
أخشى أن تتعثر دراسيًّا ووظيفيًّا أيضًا عند التنافر بين رغباتك وقدراتك من جهة، والتخصص الذي لا ترغبه من جهة.
والفيصل في هذا أن تعيد دراسة وضعك على ضوء قدراتك ورغباتك، ثم تستخير الله سبحانه بتجرد كامل؛ يعني تفوض الأمر لله عز وجل بعيدًا عن الهوى.
وبعد ذلك إن شاء الله ستتخذ قرارًا حازمًا، وأنت مطمئن ساكن النفس.
الاستخارة مهمة جدًّا في حياة المؤمن، وما شُرعت عبثًا، وإنما شُرعت لحكم عظيمة؛ فالاستخارة توحيد ودعاء وتوكل على الله سبحانه، ومن لجأ لله بصدقٍ، لا يخيبه؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
ثالثًا: المستخير يكون بأحد الأحوال الآتية بشرط أن يستخير بتجرد كامل، وتفويض كامل للأمور لله سبحانه؛ وهذه الأحوال هي:
1- أن يستخير ويرتاح ويقدم ويتيسر الأمر، فهذه في الغالب خير للمؤمن.
2- أن يستخير ويرتاح، ولكن الله سبحانه يصرف عنه ما يريد، فيكون الارتياح ابتلاء وامتحانًا، وعدم التيسير هو الخير.
3- أن يستخير ولا يرتاح، وهذا أيضًا في الغالب خير، فعلى المستخير الانصراف.
رابعًا: أما مسألة الرزق، فقد يكون صحيحًا أن تخصص الطب في بلدكم أفضل من غيره، من ناحية المستقبل المادي، ولكن بدون ضمان مؤكد؛ لأن هذا علم غيبي، بل قد يكتب الله لك الرزق الأكثر، والوجاهة، في تخصص آخر ترتاح له، وتبدع فيه، وتتحصل فيه على الشهادات العليا؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
خامسًا: تشكر كثيرًا على حبك للدعاة، ولكن أنصحك بملازمة العلماء الربانيين، والنهل من علمهم، فإن كون الإنسان داعية لا شك أن عنده خيرًا، ولكن الأطيب والأنفع لك هو ملازمة العلماء، والاستفادة من علمهم وورعهم وأدبهم.
سادسًا: تشكر كثيرًا على كراهيتك للدراسة المختلطة، ومع صدق النية، لعل الله سبحانه يعوضك بدراسة علم نافع، بعيدًا عما تخشاه؛ كما قال سبحانه في الآية السابقة: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
حفِظك الله، ووفَّقك لِما فيه صلاح دينك ودنياك، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.