الخلف وسوء الأخلاق في رمضان
الخلف والتقصير في العمل
من السلوكيات المشينة التي تظهر في رمضان إضاعة وقت العمل في اللهو:
فتجد أكثر الناس تتشاغل عن أداء حقوق الوظيفة بأي شيء تافه؛ كقراءة الجريدة أو الحديث في الهاتف، أو اللهو في وسائل التواصل الاجتماعية، ولا أدري أعلم هؤلاء أن ما يفعلونه يفسد عليهم حياتهم بأكملها أم لا؟ أما علمت أن طيب المطعم هو سبيلك لإجابة الدعوة؟ كيف تقبل أن تحصل على راتب لقاء عمل لم تقُم به؟ ألا يعلم واحدكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: “إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت”؛ رواه ابن حبان في صحيحه؟!
لقد كان سلفنا الصالح يقومون في صيامهم بأشق الأعمال، فلا يتذمرون:
حتى إنهم كانوا يجاهدون وهم صائمون، وقد حقَّقوا أروع الانتصارات في جهادهم وهو صائمون، فعلى الرغم من أن الإنسان لا يأكل ولا يشرب، فإنه بالقوة التي تصيب روحه يشتد ساعده، فينتصر على عدوه كما انتصر على نفسه.
لقد كانوا يخوضون المعارك على شدتها وقساوتها في نهار رمضان، فيمتنعون عن الطعام والشراب، ويحملون السلاح ويقاتلون ويسيرون في حر الظهيرة وقيظها، فلا يمنعهم صيامهم وجوعهم وعطشهم من القتال حتى النصر، ونجد اليوم شبابًا بطالًا يجلس على المكتب في المراوح والمكيفات، فيرمي برأسه على المكتب؛ ليكمل نومه أو يعبث بالهاتف والملهيات حتى ينقضي النهار، ويكسل عن عمله ويضيع أمانته، وكل هذا بحجة أنه صائم، فالفرق الشاسع بين السلف والخلف.
ومن المؤسف أن نقول: إن الأمانة اليوم صارت عملة نادرة:
وكأننا حقًّا في ذلك الزمان الذي لا يبالي فيه الناس من أين طعموا ومن أين اكتسبوا أموالهم، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ، أمن الحلال أم من الحرام”؛ رواه البخاري والنسائي، ونسي هؤلاء أو تناسوا أن الله سائلهم عما أخذوا واكتسبوا من مال، ففي الحديث الحسن الصحيح عن أبي بردة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبهوفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه”؛ رواه الترمذي.
إن الأمانة جزء لا يتجزأ من صلاح العبد واستقامته على ما يرضي الله:
ولا أدري كيف نجد من يصلي ويصوم وهو خائن ومضيِّع للأمانة؟ فهل الدين مجرد صلاة وصيام؟ وفي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أربع إذا كن فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة”؛ رواه أحمد، ورُوي عن واثلة عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كن ورعًا تكن أعبد الناس، وكن قنعًا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك، تكن مؤمنًا”؛ رواه ابن ماجه.
ومن أخطر ما يقع في الصائم أن يأكل السحت:
فمن السلوكيات المشينة التي يقوم بها الناس في رمضان وفي غير رمضان: التساهل في أكل الحرام، فتكاسله عن أداء حقوق عمله يدفعه لأخذ راتب لا يستحقه، فيكون بذلك سحتًا ومالًا حرامًا، أو أن يقبل الرشوة ونحوها، أو أن يكسب من مصدر خبيث رزقه، وفي الحديث الصحيح لغيره عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا كعب بن عجرة، إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبَتَا على سحت، النار أولى به، يا كعب بن عجرة الناس غاديان؛ فغاد في فكاك نفسه فمعتقها، وغاد فموثقها، يا كعب بن عجرة الصلاة قربان، والصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا”؛ رواه ابن حبان في صحيحه.
أما تعلم أن رزقك واحد، قد ضمنه الله لك، فلم تستعجل أن تناله من حرام؟
عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس من عمل يقرِّب من الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرب من النار إلا وقد نهيتكم عنه، فلا يستبطئن أحد منكم رزقه، فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدًا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا ينال فضله بمعصيته”؛ رواه الحاكم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا أيها الناس، إن الغنى ليس عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس، وإن الله عز وجل يؤتي عبده ما كتب له من الرزق، فأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرَّم”؛ رواه أبو يعلى وقال الألباني: إسناده حسن إن شاء الله تعالى.
فلا تسارع في أكل الحرام، فإنما تسارع لنفسك في قطعة من نار جهنم، فلا تحشو فمك بالنار، وتذكر أن أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج، ففي الحديث الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسُئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: الفم والفرج”؛ رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه.