الرقيب التقليدي يقاوم ثورة التكنولوجيات في صالون الجزائر الدولي للكتاب |
الجزائر – شكل حرمان الكاتبة الفرنسية الحائزة على جائزة نوبل للآداب آني إيرنو، من تأشيرة الدخول إلى الأراضي الجزائرية للمشاركة في صالون الجزائر الدولي للكتاب، وإعلان دار “كوكو” للنشر عن تلقيها خطابا من محافظة الصالون، يقضي بمنع مشاركتها في التظاهرة، دون تلقي مبررات مقنعة، ضربة مبكرة لمقص الرقيب على محتوى التظاهرة الثقافية الأولى في البلاد، رغم أن التكنولوجيا مسحت الحدود وأنهت الحظر، ولم يعد الرقيب التقليدي إلا ذكرى من الماضي.
أفادت مصادر متطابقة بأن الكاتبة الفرنسية لم تحصل على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الجزائرية للمشاركة في الطبعة السادسة والعشرين للصالون الدولي للكتاب، المنعقدة بين السادس والعشرين من أكتوبر والرابع من نوفمبر، بناء على دعوة تلقتها من طرف المركز الفرنسي بالجزائر.
وذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن “السفير الجزائري في باريس سعيد موسي، تدخل شخصيا لدى المصالح القنصلية من أجل الحيلولة دون حصول الأديبة الفرنسية على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الجزائرية”، وهو ما نفته مصادر جزائرية صرحت لموقع “كل شيء عن الجزائر” الناطق بالفرنسية، بالقول “ملف الأديبة الفرنسية موجود قيد المعالجة، وأن إصدار التأشيرات يخضع لنصوص ناظمة، حيث يتطلب الأمر إيداعه قبل أسبوع، بينما المعنية قدمت ملفها 48 ساعة قبل انطلاق التظاهرة”.
خطأ سياسي وثقافي
ومن جهتها أفادت إدارة الصالون، حسب نفس الموقع، بأن “آني إيرنو ليست ضيفة التظاهرة”، وهو ما يوحي بأن المتوجة بجائزة نوبل للآداب غير مرغوب فيها بالجزائر، وأن تلقيها الدعوة من طرف المركز الثقافي الفرنسي، وربما يعود ذلك لموقفها الداعم لإطلاق سراح الإعلامي والناشر المسجون إحسان القاضي، حيث كانت من بين الشخصيات الفكرية والأكاديمية الدولية التي وقعت على العريضة التي رفعت للرئيس عبدالمجيد تبون، الذي قد يكون هو السبب وراء قرار عدم حصولها على التأشيرة الجزائرية.
وأعرب مهتمون بالشأن الثقافي والأدبي عن “أسفهم لقرار حرمان الكاتبة الفرنسية من دخول الأراضي الجزائرية لحضور التظاهرة الثقافية الأولى في البلاد، خاصة وأنها شخصية فكرية وأكاديمية وازنة وذات امتداد دولي، وصاحبة مواقف وأفكار مؤيدة للحريات والحقوق، وداعمة للشعب الفلسطيني في معركة التحرير”.
وكتبت الإعلامية غنية موفق، على حسابها على فيسبوك، “من خلال إغلاق باب بلادنا في وجه إرنو، ورفض منحها تأشيرة دخول إلى الجزائر، فإن من اتخذوا هذا القرار يرتكبون خطأ سياسيا وثقافيا مؤسفا”. وأضافت “نحن لا نغلق الباب أمام صديق في هذه اللحظات الخطيرة من المواجهات الثقافية ذات الملامح الدرامية، حيث يكون لكل دولة أصدقاؤها وحلفاؤها لرفع صوتها وإسماعه للآخرين”.
وتابعت “أصبحت آني إرنو، الكاتبة الفرنسية، المدعوة إلى معرض الكتاب بالجزائر العاصمة من قبل المعهد الفرنسي، الحائزة على جائزة نوبل في الأدب، واحدة من الأصوات العظيمة في العالم الذي يمزق نفسه، من خلال اختراع لغة محكمة ودقيقة”.
وكانت الكاتبة الفرنسية قد دعت إلى جانب العديد من الممثلين والمخرجين والفنانين، عبر مقال نشرته في صحيفة “ليمانيتيه” الفرنسية الأحد الماضي، إلى “وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في غزة”، كما نشرت شهر مايو الماضي مقالا في صحيفة “لوموند”، بمعية مفكرين وكتاب عالميين على غرار نعوم تشومسكي، وأرونداتي روي، والمخرج البريطاني كين لوتش، دعوا فيه إلى إطلاق سراح الإعلامي والناشر المسجون إحسان القاضي.
من جهته كشف مدير دار “كوكو” للنشر أرزقي آيت العربي، عن استبعاد الدار من المشاركة في الطبعة السادسة والعشرين من صالون الجزائر الدولي للكتاب، الذي انطلقت فعاليته للجمهور بداية من الخميس، دون أن يقدم توضيحات حول ظروف وملابسات القرار، في المنشور الذي جاء في الصفحة الرسمية للدار.
ولفت الناشر إلى أنه تم “إخطارنا من طرف محافظ الصالون الدولي للكتاب، عبر البريد الإلكتروني، باستبعاد إصدارات دار ‘كوكو’ من الحضور إلى التظاهرة، وأن المبرر هو التجاوزات الملحوظة في المنشورات التي تعرضها الدار في جناحها، والمخالفة لأنظمة الصالون الدولي للكتاب”.
مضايقات غير قانونية
واعتبر البيان قرار محافظ المعرض خرقا للتشريعات الناظمة، خاصة وأن دستور البلاد في بنده الرابع والخمسين ينص على أنه “لا يجوز منع نشاط المطبوعات إلا بموجب قرار قضائي”، وبالنسبة إلى الناشر، فإن استبعاد منشورات دار “كوكو”، هو انتهاك للإجراءات القانونية، وأن وزارة الثقافة اخترقت القانون الأساسي واغتصبت صلاحيات السلطة القضائية.
وألمح الناشر إلى أن الدار تتعرض إلى مضايقات وتحرشات من طرف الإدارة، دون أن يشير إلى سبب معين، غير أن خطها التحريري وتبنيها لأعمال غير مرغوب فيها من طرف السلطة، جعلها عرضة للحواجز المفتعلة، مشددا على أن الدار عازمة على استخدام كافة الوسائل القانونية لتأكيد حقوقها كناشر وحماية حرياتها كمواطن.
وأشار الناشر إلى أن الدار تعرضت لممارسات الترهيب والتجاوزات منذ مشاركتها الأولى في معرض العام 2011، وأن منصتها تعرضت للنهب العام 2016، فضلا عن محاولة للاستيلاء على اثنين من أعمالها العام 2018 دون قرار قضائي، وخلال العام الماضي تعرضت لحظر 12 عملا من أعمالها التي أعدتها للعرض.
ودعا البيان إلى ضرورة تحمل الحكومة لمسؤولياتها والوقوف في وجه الانتهاكات المتكررة، من خلال فرض القوانين والنصوص على الدوائر والمصالح التابعة لها، وعدم الانسياق وراء ما أسماه بـ”الخيالات الأيديولوجية”.
وتستقبل الطبعة الـ26 لصالون الجزائر الدولي للكتاب، التي تجري تحت شعار “أفريقيا تكتب مستقبلها” 1283 دار نشر من 61 بلدا، منهم 267 عارضا محليا، و361 عارضا عربيا، وينتظر حضور أدباء وكتاب من 18 دولة أفريقية، حيث سيتم تسليط الأضواء على المكتسبات التاريخية المشتركة والتعريف بها وتثمينها ثقافيا واقتصاديا.
كما تمت برمجة عدة أنشطة وندوات ثقافية وأدبية، على غرار “الفكر الأفريقي وتأكيد الذات في القرن الحادي والعشرين”، و”المشترك الصوفي الجزائري الأفريقي، قوة ناعمة من أجل مستقبل أفريقيا”، و”نيلسون مانديلا (1918- 2013)”، و”إرث فرانز فانون في العالم”، و”الكتاب الورقي والكتاب الرقمي وتداولهما في أفريقيا”، و”الفكر الأفريقي وتأكيد الذات في القرن الحادي والعشرين”، و”آفاق النقد العربي” و”الرواية العربية، بين المحلية والعالمية”.