الزلازل ظاهرة كونية أم عقوبة إلهية؟
الزلازل ظاهرة كونية أم عقوبة إلهية؟
تُعتبر الزلازل من أشدِّ الكوارث الطبيعيَّة التي تُهدِّد العالَم؛ لِمَا تسبِّبه من أخطار وآثار مُدِّمرة على الأفراد والممتلكات، وقد أتت الزلازل على مدى القرن الماضي على أرواح مِئات الآلاف من سُكَّان الأرض، ولم تستطعْ وسائل التكنولوجيا وما وصل إليه العِلم الحديث من تطوُّر أن تتنبأَ بوقت حدوث الزِّلازل، أو الإنذار المُبكِّر لحدوثها، وهذا يَحول دون اتِّخاذ الترتيبات المناسبة أو الحد منها.
ونحاول هنا أن نُزيل الغُموضَ الذي يشوب تلك الظاهرةَ من حيثُ كيفيةُ وقوعها، ولماذا تقع؟ وكيف يتمُّ التعامل معها؟ أم هي مجرَّد ظاهرة كونية؟ أم عقوبة إلهيَّة؟
نشأة الزلازل:
ترى أبرز نظرية تُفسِّر الزلازل أنَّ الأرض منذُ نشأتها كانت جسمًا ساخنًا كسائر الكواكب، وبعدَما تكوَّن الغُلاف المائي، وجذب له الغُلاف الهوائي، ومع زِيادة البرودة تكوَّنت الطبقة الصُّلبة الخارجيَّة للأرض المعروفة باسم القِشرة، لكنَّ باطن الأرض ظلَّ ساخنًا حتى الآن، ويحتوي على المعادن، والحرارة الشديدة في باطنِ الأرض تؤدِّي إلى تآكُل الصُّخور الصُّلبة، وتآكُلِ القِشرة الصُّلبة التي تتكوَّن من ألواح ضخمة جدًّا، كلٌّ منها يحمل قارَّة أو أكثر، وعند الْتقاء هذه الألواح تحدُث عملية التصدُّع، وحين تَزيد هذه القوَّة الضاغطةُ بسبب الحرارة على احتمال الألواح تخترقُ صخورَ القِشرة الأرضيَّة، وتجعلها تهتزُّ وترتجف على النحو المعروف، وبسبب ذلك تنشأ مناطقُ ضعيفةٌ في القِشرة الأرضية، سُمِّيت بمراكز النشاط الزِّلْزالي، أو مخارج تنفس مِن خلالها الأرض الطاقة التي بداخلها.
التنبؤ بالزلازل:
إنَّ تحديدَ مكانِ وزمان الزلازل بدقَّة غيرُ متاح على المستوى العالَمي، أمَّا التوقُّع بالتخمين فهو قائمٌ على أساس دراسات تاريخيَّة مستمرَّة للمنطقة جيولوجيًّا وزلزاليًّا؛ أي: إنَّ توقُّع حدوث الزلازل غير ممكن حتى يومِنا الحالي، ولا أحدَ يستطيع أن يجزم بحدوث زلزال مِن عدمه.
أمَّا الظواهر التي يُمكن مِن خلالها التنبؤُ بحدوث الهزَّة الأرضيَّة، فتتمثَّل بخروج الثعابين من جُحورها، وهِجرة الطيور، وانزعاج بعض الحيوانات؛ مثل: الكلاب، والخيول، وتصاعُد غاز الرادون، أمَّا عملية التنبؤُ فقد أثبتتْ فشلَها في عدد كبير من الزَّلازل، ولم تنجح، ولو لمرَّة واحدة في تاريخ الزلازل، وهذا يُؤكِّد فشلَ عملية التنبؤ.
التعامل مع الزلازل:
يَرى خبراءُ الزلازل أنَّ أفضل الطُّرق لتجنُّب وقوع حوادث في أثناء وقوع الزلازل هو الابتعادُ عن النوافذ والشُّرفات، والنزول إلى الشَّارع ما أمكن ذلك.
وفي حالة عدم القُدرة على الخُروج من المنزل، يُفضَّل الجلوس أسفل جُسور البيت، أو الصُّعود إلى أسطُح المنازل، وعدم النزول إلى البدرومات.
أمَّا الأشخاص في الطُّرقات، فيجب أن يبتعدوا عن المنازل، ويتوجَّهوا إلى أقربِ ساحة أو حديقة، وبذلك يكون البُعدُ عن البنايات والمساكن الخَراسانيَّة أفضلَ السُّبُل لتجنُّب أَخطار الهزَّات الأرضيَّة.
وقد وصف العلماءُ المنازلَ حين حدوثِ الهزَّات الأرضية بأنَّها قاتلة البشر، وهي السبب في وقوع الإصابات، وليستِ الهزَّة الأرضيَّة نفسها، وإنَّ التوجُّه إلى أبنية لا تتأثر بهزَّات أرضيَّة حدَّ كثيرًا من الخسائر بالأرواح، برغم الكثافة السُّكَّانيَّة في تلك الأبنية.
المنطقة العربية والزلازل:
في الآونة الأخيرة كَثُرت الأسئلة حولَ احتمال تعرُّض المناطق العربية للزلازل والهزَّات الأرضيَّة، وقد أظهرت معظمُ الدِّراسات الزلزاليَّة التي أُجريت في المنطقة أنَّ هناك احتمالاتٍ لتعرض المنطقة للزلازل مستقبلاً، ومن المتوقَّع ألاَّ تزيد عن ستِّ درجات ونصف الدرجة، حسب مقياس ريختر، وأظهرتْ بعضُ الدِّراسات احتمالَ وصولها إلى سبع درجات.
ومن المؤسِف أنَّ الخسائر في حالة وقوع هزَّات أرضية في المنطقة العربية سوف يُؤدِّي إلى خسائرَ فادحة؛ لأنَّ المباني الحالية لا يتحقَّق فيها الحدُّ الأدنى من مُتطلَّبات مقاومةِ الزلازل، إلاَّ أنَّ هناك رأيًا آخرَ يرى أنَّ المنطقة العربية بعيدةٌ عن أحزمة الزلازل الرئيسة في العالَم، والتي تأتي في مُقدِّمتها قيعان المحيطات، وأنَّ ما يحدث من زلازل متوسطة في المغرب العربي وإيران من وقت إلى آخر يُعدُّ مَصدرًا للأمان؛ إذ إنَّ التنفُّس الدائم لباطن الأرض يُزيل فرصةَ حدوث زلازل قويَّة مُدمِّرة.
مقتل آلاف البشر:
حَدَث خلالَ السنوات المائة الماضية مئاتُ الزلازل التي راح ضحيَّتَها آلافُ البشر، ومِن أبرز تلك الزلازل ما يلي:
• في ديسمبر كانون الأول 1999، وفي الأيَّام الأخيرة من القرن العشرين، ضرب زلزال شدته خمس درجات وثمانية أعشار الدرجة مناطقَ في غرب الجزائر، وقتل ثمانية وعشرين شخصًا، وأصاب مائة وخمسة وسبعين آخرين.
• في نوفمبر تشرين الثاني 1999، تعرَّضت تركيا لزلزال عنيف تزيد قوته على سبع درجات، وأودى بأرواح أكثر من أربعمائة وخمسين شخصًا.
• في سبتمبر أيلول 1999، ضرب تايوان أعنفُ زلزال تبلغ قوتُه سبع درجات وستة أعشار الدرجة على سلم ريختر، وأدَّى إلى مقتل ألف وخمسمائة شخص، وإصابة وتشريد ألوف آخرين.
• في أغسطس آب 1999، هزَّ زلزال مروِّع تراوح قوتُه بين ستِّ درجات وثمانية أعشار الدرجة، وسبع درجات على مقياس ريختر – شمالَ غربي تركيا، مُسبِّبًا عشراتِ الآلاف مِن القتلى والجرحى.
• في يوليو تموز 1998، قُتل أكثرُ من ألف شخص في الساحل الشمالي الغربي في بابوا غينيا الجديدة، بفِعْل الأمواج التي سبَّبها زلزال وقع تحت سطح البحر.
• في مايو آيار 1998 وقع زلزال في أفغانستان، وقتل أربعة آلاف شخص.
• في فبراير شباط 1997، هزَّ زلزال بقوة خمس درجات ونصف الدرجة حسب مقياس ريختر – المناطق الرِّيفيَّة في شمال غربي إيران، وقتل ألف شخص، وبعد ثلاثة أشهر وقعتْ هزَّات عنيفة أدَّت إلى مقتل ألف وخمسمائة وستِّين شخصًا في شرق إيران.
• في مايو آيار 1995، ضرب زلزالٌ بقوَّة سبع درجات ونصف الدِّرجة جزيرةَ ساخالين الروسيَّة النائية، وقتل ألفًا وتسعمائة وتسعة وثمانين شخصًا.
• في نوفمبر تشرين الثاني 1995 ضَرَب زلزالٌ مركزُه في خليج العقبة منطقةَ الشرق الأوسط، وشملَ مناطقَ الساحل السياحيَّة في مصر، إضافةً إلى الأردن، وإسرائيل، والمملكة العربيَّة السعودية، وشعر به سكَّان لبنان، وسوريا، وقبرص.
• في يناير كانون الثاني 1995م، هزَّ زلزالٌ مدينةَ كوبي اليابانية، وأدَّى إلى مقتل ستَّة آلاف وأربعمائة وثلاثين شخصًا.
• في يونيو حزيران 1994، قُتِل ألف شخص في زلزال وانزلاقات أرضيَّة في كولومبيا.
• في سبتمبر أيلول 1993، أدَّى زلزالٌ إلى مقتل نحوِ اثنين وعشرين ألف قروي في جنوب غرْب الهند.
• في أكتوبر تشرين الأول 1992، ضرب زلزالٌ بقوَّة خمس درجات وثمانية أعشار الدَّرجة مصرَ، وأدَّى إلى مقتل نحو ثلاثمائة وسبعين، وإصابةِ أكثر من ثلاثة آلاف شخص، كان مركز الزلزال جنوبَ غربي القاهرة بالقرْب من الفيوم والجيزة التي ضُرِبَت بعُنف.
• في 1990 قتل أكثر من أربعين ألف شخص في منطقة غيلان شمال إيران.
• في ديسمبر كانون الأول 1988، دَمَّر زلزال بقوَّة ست درجات وتسعة أعشار الدرجة على مقياس ريختر شمالَ غربي أرمينيا، وقتلَ خمسة وعشرين ألف شخص.
• في سبتمبر أيلول 1985 هزَّ زلزالٌ عنيف العاصمةَ المكسيكيَّة، ودمَّر المباني، وقتل عشرة آلاف شخص.
• في أكتوبر تشرين الأوَّل 1980 ضرب زلزالانِ عنيفان متتاليان: الأوَّل: بقوة سبع درجات وثلاثة أعشار الدرجة، والثاني: بقوة ستِّ درجات وثلاثة أعشار الدرجة، حسبَ مقياس ريختر – مدينةَ الأصنام (الشلف حاليًا) في غرْب الجزائر، وأدَّيا إلى مقتل نحو ثلاثة آلاف شخص، ودمَّرا معظم أجزاء المدينة.
• في 1976 تحوَّلَت مدينةُ تانغشان الصِّينية إلى أنقاض، بفِعل زلزال أتى على أرواح خمسِمائة ألف شخص.
• في 1960 أقوى زلزال على النِّطاق العالمي سجل في تشيلي، وبلغت قوَّته 9,5 على مقياس ريختر، وقد أزال عن وجه الأرض قرى بكامِلها، وقتل الآلاف من البشر.
• في 1954 ضرب زلزالٌ مدينةَ الأصنام (الشلف) الجزائريَّة، التي كان اسمُها آنذاك زورليانزفيل، وقَتَل ألفًا وستَّمائة وسبعة وخمسين شخصًا.
• في 1948 زلزال فوكوي في شرْق بحْر الصِّين، دمَّر مناطقَ غرْب اليابان، وقتل ثلاثةَ آلاف وسبعمائة وسبعين شخصًا.
• في 1931 وقع زلزالٌ شدَّتُه خمس درجات ونصف الدرجة بمقياس ريختر، مركزُه ساحل بحر الشمال في بريطانيا، وكانت الخسائر بالأرواح قليلة.
• في 1923 حصد زلزال كانتو، ومركزُه خارج العاصمة اليابانية مباشرة – أرواحَ مائة واثنين وأربعين ألف شخص في طوكيو.
• في 1906 ضربت سلسلةٌ من الهزَّات العنيفة مُدَّتها دقيقة واحدة سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة، وقتلتْ نحوَ ثلاثة آلاف شخص بسبب انهيار المباني، أو بسبب الحرائق.
عقوبة إلهية أم ظاهرة كونية؟
وعن كون الزَّلازل ظاهرةً كونيَّة، أو أنها عقوبةٌ إلهية، يقول د. زغلول النجار: إنَّ فَهْمَنا لميكانيكية حدوث أيِّ ظاهرة لا يخرجها عن كونِها من جُند الله، وإذا لم تُؤخذْ بهذا المعيار، فلن يستفيدَ الناس من حُدوثها، ولو استطاعوا التنبؤَ بها، أو اخترعوا الوسائل المختلِفة لمقاومتها، وفي ذلك يقول عليٌّ – رضي الله عنه -: “ما وقع عذابٌ إلاَّ بذنبٍ، وما رُفِعَ إلاَّ بتوبة”.
والكوارث الكونيَّة وغيرها من صُور الابتلاء المختلفة تَحدُث عقابًا للعاصين، وابتلاء للصالحين، وعبرةً للناجين، وحدوثها في كثيرٍ من مناطق الفُقراء والمساكين لا يعني أنَّهم جميعًا عُصاة، ولكن لا بُدَّ أن يكون مِن بينهم عصاة، أمَّا الذين يُقتلون أو يُصابون بأضرار عبرَ هذه المِحن، فقد يكون ذلك ابتلاءً من الله لهم؛ تكفيرًا لذنوبهم، ورفعًا لدرجاتهم، وتطهيرًا لهم.
زلازل مفيدة:
ويُضيف د. النجار أنَّ كلَّ الظواهر الكونيَّة لها فوائدُ مباشِرة، أو غير مباشرة، مع كونها في الأصل صورةً من صُورِ العِقاب الإلهي، فالزلازل – مع أنَّها مدمِّرة للمنشآت التي تحدث فيها – وسيلةٌ من وسائل إعادةِ تشكيل سطح الأرض، وهي لازمةٌ من لوازم جعل الأرض صالحةً للحياة، والزلازل هي التي تُسبِّب عادةً البراكين، والبراكين على شدَّة أخطارها تعمل على زيادة الثروات المعدنيَّة في الأرض، كما أنَّ ما يخرج من كميات البخار والغازات من فوهة البركان تُعيد تركيب الغلاف الغازي.
وهنا نجد أنَّ الزلازل والبراكين وبقية الظواهر الطبيعيَّة تُعيد ضبطَ الظروف العامَّة للأرض، وتُثريها بالثروات المائية والغازيَّة والمعدنية.
ويجب أخيرًا أن ندرك تمامًا أنَّ من الأخطاء التي يقع فيها الناس الحُكمَ على الأحداث بعِلمهم القاصر، ولو اطَّلع البشرُ على الغيب لعَلِموا أنَّ ما يقع هو في مصلحتهم، وسورة الكهف فيها أكبرُ دليل على ذلك.
المستقبل – العدد – 174 شوال 1426 هـ، نوفمبر 2005 م.