السابقون إلى الجنان


السابقون إلى الجنان

 

قال عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَدَعَا بِلَالًا، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ الْبَارِحَةَ، فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُرَبَّعٍ مُشْرِفٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ: فَقُلْتُ: أَنَا قُرَشِيٌّ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ‌وَمَا ‌أَصَابَنِي ‌حَدَثٌ ‌إِلَّا ‌تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِهَذَا» صَحِيحٌ[1].

 

دروس وعبر:

في القصة ما يدل على اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام بأصحابه وقربه منهم، يظهر ذلك في دعوته لبلال ومحاورته له، وتحفيزه لما عمله من طاعات، وهذا شأن القدوة والمربي تجده يتلمس حاجات أبنائه وطلابه، وأفراد أمته، ويسعى لقضائها، ويحل مشاكلهم وينشر الحب والوئام بينهم.

 

فضل المسابقة إلى الجنة والمبادرة إليها، فها هو الرسول عليه الصلاة والسلام يسأل بلالًا عن سبب سباقه له إلى الجنة، وقد أمر الله عباده المؤمنين بالمسارعة والمسابقة إلى الجنة، فقال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقال: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]، وقال: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50]، وقد ظهر ذلك في مواطن عدة، فقد أثنى على أبي بكر لَما كان صاحبه في الهجرة، وعلى عثمان يوم العسرة، وعلى خالد في الجهاد وغيرهم.

 

في القصة ما يدل على فضل بلال رضي الله عنه، ومن أبرز فضائله أن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته وحركته في الجنة، ومن فضائله رضي الله عنه تضحياته التي قدمها لدين الله؛ حيث عذِّب من قِبَل قريش بأنواع العذاب، ليُعيدونه عن ما ذهب إليه، إلا أنه كان يرد عليهم وعلى عذاباتهم بالتوحيد، ومن فضائله أيضًا أنه مؤذن الإسلام الأول رضي الله عنه وأرضاه.

 

في الجنة قصور وبيوت وغرف، وهي مساكن طيبة جعلها الله للفائزين بجنته يتمتعون بها، ويسكنون فيها ويتجدد نعيمهم فيها، قال تعالى: ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الصف: 12]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37]، قال ابن كثير في تفسير (3 /714): ((أي في منازل الجنة العالية، آمنون من كل بأسٍ وخوف وآذى، ومن كل شر يُحذر منه))، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ ‌لِلْمُؤْمِنِ ‌فِي ‌الْجَنَّةِ ‌لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمِ الْمُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا»[2].

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «‌إِنَّ ‌أَهْلَ ‌الْجَنَّةِ ‌لَيَتَرَاؤَوْنَ فِي الْغُرَفِ كَمَا تَتَرَاؤُوْنَ الْكَوْكَبَ الشَّرْقِيَّ، أَوِ الْغَرْبِيَّ الْغَارِبَ فِي الْأُفُقِ، أَوِ الطَّالِعَ فِي تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ، قَالَ: «لَا، بَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ»[3]، وغيرها من الآيات والأحاديث التي تدل على أن في الجنة قصورًا وبيوتًا وغرفًا وخيامًا يفوز بها من آمَن بالله تعالى ورسوله، وعمل الطاعات وترك المنكرات.

 

في القصة بيان لمكانة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنه من أهل الجنة، وأن له قصرًا مربعًا مشرفًا فيها، ومما ثبت في عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌وَضَعَ ‌الْحَقَّ ‌عَلَى ‌لِسَانِ عُمَرَ» [4]، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “‌اللَّهُمَّ ‌أَعِزَّ ‌الْإِسْلَامَ ‌بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ”[5].


[1] (الترمذي: (5/ 579) (50) كتاب المناقب (18) باب في مناقب عمر بن الخطاب – رقم (3689).

[2] أخرجه البخاري في ألصحيح 6/ 318، كتاب بدء الخلق (59).

[3] أخرجه البخاري (3242)، و(3680)، و(5227)، و(7023)، و(7025)، ومسلم (2395)، وابن ماجه (107)،

[4] أخرجه ابن سعد 2 /335، والبزار في “مسنده” (4059).

[5] «سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط» (1/ 77): «وأخرجه ابن حبان (6882)» الصَّحِيحَة: 3225، صحيح موارد الظمآن.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
التفسير الموضوعي للقرآن: البعث والحساب
الطالب المتميز