الصراع بين الحق والباطل: سنة حاصلة وماضية (خطبة)
الصراعُ بين الحقِّ والباطل سُنَّةٌ حاصلة وماضية
المقدمة:
أيها المسلمون، إن الباطل في كل زمان ومكان يحشِد جنده من أجل محاربة الحق، ولا يأنَفُ أن يستخدم أقذرَ الأسلحة التي لديه لمواجهة الحق؛ فلا مبادئ ولا أخلاق في صراعهم مع الحق، والقرآن الكريم يحدِّثنا عن أسلحة متنوعة يلجأ إليها الباطل ليواجه الحق.
أيها المسلمون، حديثُنا إليكم في هذه الجمعة عن “سُنَّة ربانية وسُنَّة كونية”؛ ألَا وهي «سنة الصراع بين الحق والباطل في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة».
قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: 43].
أيها المسلمون، الصراعُ بين الحق والباطل ليس وليدَ اليوم، بل هو ممتد في عمق التاريخ، منذ خُلِق آدم عليه السلام، فقد حسده إبليس وتوعَّده بالعمل على إضلاله وإضلال ذريته: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ص: 82].
والآيات في ذلك كثيرة التي تتحدث عن طبيعة الصراع بين الحق والباطل؛ قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ﴾ [الرعد: 17]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ﴾ [الكهف: 56]، وقال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴾ [محمد: 3].
فهذه الآيات وغيرها، تُبيِّن مسار التاريخ، وأنه صراع بين الحق والباطل، وتصارُعٌ بين الخير والشر؛ قال جل جلاله عن المشركين وأهل الكتاب الكفرة: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]، وقال المولى تبارك وتعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ﴾ [البقرة: 120].
عباد الله، إن الصراع منذ القدم قائم بين الموحِّدين والملحدين، بين المشركين والمسلمين، بين المسلم النقيِّ والكافر الشقيِّ، بين من ﴿ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2] وبين مَن إذا ذُكِرَ الله وحده اشمأزت قلوبهم ونفرت وكرِهت.
أيها المسلمون، لقد تجلَّى الصراع في هذا العصر بين الإسلام والكفر، فهذه الدول الكافرة الظالمة تُوجِّه سهامها إلى نحور أهل الإسلام؛ فاليهود والنصارى، وأهل الشرك، وعُبَّاد البقر، وعُبَّاد الأوثان والأصنام، وعُبَّاد الشهوات، وأهل الشُّبُهات، وسائر أهل الضلال، كل هؤلاء في خندق واحد، حرب على الإسلام وعلى ثوابت الإسلام، وعلى مقدسات الإسلام، وعلى مسلَّمات الدين، وحرب على المنهج الحق؛ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأزواجه أجمعين.
أيها المؤمنون، ما نراه اليوم من تكالب أعداء الإسلام على هذه الأمة المباركة ليس بمستغرَبٍ؛ حيث إن الصراع صراع بين حقٍّ وباطل؛ حقٍّ يتمثل في طائفة من هذه الأمة المباركة قائمة بالحق، عاملة به، سائرة على منهج الله المعصوم؛ كتابِ الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وباطل يتمثل في اليهود والنصارى، وأهل الشرك وأهل الضلال، وهنا تبرز صفات أهل الحق؛ حيث أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تزال طائفة من أُمَّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)).
أيها المؤمنون، وعن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَيبلُغنَّ هذا الدين أو هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر))؛ [مسند أحمد].
أيها المؤمنون، لقد وُجِد دومًا إيمان وكفر، وحق وباطل، وظلم وعدل، وخير وشر، ولكل طرف أنصار يقومون به.
أيها المسلمون، ومعنى سُنَّة التدافُع أن الله تعالى يدفع الكفار بالمؤمنين، وأهل الباطل بأهل الحق، وأهل الفساد بأهل الصلاح.
ولولا هذا التدافع لفسدت الأرض، وعمَّ الكفر والخُبث، وحينئذٍ يحُلُّ على الأرض عقاب الله تعالى الذي لا يُبقي ولا يَذَرُ.
أيها الناس، لقد تكالب أعداء الإسلام على هذه الأمة المباركة، وجنَّدوا أهل الضلال والفساد لتحقيق مآربهم، ونشر ضلالهم، فعلى أهل الحق ممن تمسَّك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر.
وعلى أهل الإسلام أن يُعيدوا النظر في تربية الأجيال على الدين والعقيدة الصافية، وعلى الالتزام بالسنة المطهرة، وأن تترسم هذه الأجيال خطى الصحابة رضي الله عنهم جميعًا.
وعلى هذه الأمة أن تستعدَّ لأحداثٍ جِسامٍ، وأن تتهيأ لمقارعة عدوِّها وجهاده، لكي تبقى كلمة الله هي العليا: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140، 141].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين؛ أما بعد أيها المسلمون:
فلا ريب أن من أعزِّ مقاصد المؤمنين، وأشهى مطالبهم وغاية نفوسهم رؤيةَ دينهم ظاهرًا، وكتاب ربهم مهيمنًا، وسُنَّة نبيهم ظاهرةً يعمل بها كل مؤمن موحِّد صادق، مع قهر أهل الكفر والطغيان وإذلالهم.
أيها المؤمنون، إن هذا الهدف الأعظم وتلك الأمنية السامية لا تتحقق عن طريق الدعاوى والأمانيِّ، بل عن طريق البحث والتنقيب عن سنن الله تعالى في النصر، تلك السنن الربانية التي قدَّرها الله تعالى لنصر حزبه المؤمنين الموحِّدين، وخِذلان حزب الشيطان اللعين.
أيها الناس، إن الله تعالى بعلمه الشامل، وحكمته البالغة، قدَّر وقضى أن يكون الصراع بين الحق والباطل موجودًا إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها.
وأما عن طبيعة الصراع، فسِمَةُ هذا الصراع أنه حرب ضروس، لن يخمُد لهيبها إلى قيام الساعة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]؛ ومن هنا – أيها المسلمون – وجَبَ إعداد العُدة، والأخذ بالسنن الربانية لتحقيق النصر على الأعداء؛ ومن هذه السنن:
1- الإيمان بالله تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [غافر: 51].
2- ومن سنن النصر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
فلا بد من تغيير النفوس من داخلها، والسعي في تزكية النفوس بالإيمان والعمل الصالح، وتهذيبها بالقرآن والسنة المطهرة، وإبعاد هذه النفوس عن مواطن الرِّيبة، وأماكن المعصية حتى تستحق النصر والتمكين بإذن الله تعالى؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].
فبمعاصينا وآثامنا وأخطائنا ذلَّت أُمَّتُنا، وهانت على عدوها.
أيها المسلمون، سُنَّةُ التدافُع باقية وماضية، ولقد قصَّ الله تعالى علينا في كتابه الكريم قصصًا عديدة فيها بيان سنة التدافع؛ ومن هذا الصراع قصة آدم عليه السلام وزوجته حوَّاء، كذلك قصة إبراهيم الخليل مع الطاغية النمرود، وهكذا قصة موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون وهامان، وقصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش؛ فالصراع بين الحق والباطل قائم وحاصل إلى قيام الساعة.
أيها الناس، وما نشاهده اليوم ونراه من الصراع الدائر في كثير من بلاد الإسلام إنما حقيقته صراع بين حق وباطل، بين خير وشر، بين الفضيلة والرذيلة، وبين كفر وإسلام، وبين الهدى والضلال، وبين سنة وبدعة.
وها هم اليهود والنصارى والأمريكان وسائر أهل الضلال وأهل النفاق، وأهل الملل والنِّحَلِ، كل هؤلاء في خندق واحد، حرب على الإسلام، وعلى مقدسات الإسلام، وعلى ثوابت ومُسلَّمات الدين، وحرب على العقيدة الصحيحة، وحرب على ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرب على الفضيلة، وحرب على الأخلاق.
فهل تستيقظ هذه الأمة؟ وهل تعقل هذه الأنظمة التي تتحكم في العالم الإسلامي؟ وهل تعي القيادات في العالم الإسلامي هذا الخطرَ وهذه المؤامرات على العالم الإسلامي؟
وخيرُ شاهدٍ على ما قلناه هذا التكالب على الأرض المباركة؛ أرضِ الشام وبيت المقدس، والزحف مستمرٌّ من أعداء الإسلام على أُمَّتنا، وعلى بُلداننا، وعلى شعوبنا.
فاللازم على الأمة أن تُعيدَ حساباتها وبرامجها، وأن تعد الخطط لمواجهة هذا السيل الجارف من العداء والاحتلال، وأن تسعى هذه الأمة إلى تربية الأجيال وعموم المسلمين على:
• العقيدة الصحيحة التي وردت في الكتاب والسنة، وعلى ما كان عليه الصحابة.
• التربية على تعظيم الشرع المطهَّر، وحث الأمة على الالتزام بالكتاب والسنة، وعلى ما كان عليه الصحابة.
• نشر العدل والخير والفضيلة في أوساط المسلمين.
• إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتراحم والتعاطف فيما بين المسلمين، وأن يكونوا عباد الله إخوانًا.
• تربية الأجيال وعموم المسلمين على العزة والكرامة.
• نشر ثقافة الأُلْفة والمحبة والإخاء بين المسلمين.
• إعداد العُدة، وتجييش الأمة للقيام بدينها وحماية مقدساتها، وحماية شريعة الله تعالى، وحماية ثوابتها؛ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من التغيير والتعطيل والتحريف.
• تهيئة الأمة وإعدادها لمواجهة الكفر والكافرين.
• فتح المجال للعلماء الربانيين، والدُّعاة الصادقين، لتربية الأمة على الحق والهدى، ونشر التدين في أوساط المسلمين على وفق منهج الله تعالى؛ كتاب الله تعالى والسنة المطهرة.
• تشجيع الشباب والأطفال على حفظ القرآن الكريم، وحفظ سنة سيد المرسلين.
• تعليم الأجيال سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرة الخلفاء الراشدين، وسيرة الصحابة أجمعين، وسير العلماء والقادة والمجاهدين عبر العصور.
• العناية بالمرأة المسلمة مُربِّية الأجيال بتعليمها دينها وكتابَ ربِّها وسُنَّةَ نبيها صلى الله عليه وسلم.
•الاهتمام بالإعلام وتنقيته من كل الشوائب والشرور والفتن، وأن يكون هذا الإعلام إعلامًا هادفًا ينشر الخير والفضيلة، وينشر القرآن الكريم والسنة المطهرة.
• عندها ﴿ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 4، 5]، وتأييده، وتعود لهذه الأمة مكانتها، وعزها، وكرامتها؛ ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7]، ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ﴾ [محمد: 38].
ألَا وصلوا وسلِّموا على خير خلق الله…