العقوبات التربوية المفيدة
العقوبات التربوية المفيدة
هناك عقوبات تربوية ناجحة يجدر بالمعلم استعمالها نحو المخالفين لآداب الدرس ومكانة الأستاذ، وهي عقوبات تربوية مأمونة العواقب، مضمونة النجاح بمشيئة الله وهي على أنواع:
1 – النصح والإرشاد:
وهي طريقة أساسية في التربية والتعليم لا يستغني عنها، وقد سلكها المربي الكبير مع الأطفال والكبار:
(1) أما مع الأطفال، فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم غلامًا تطيش يده في الطعام فقال له يعلمه الأكل: (يا غلام سَمِّ الله تعالى وكُلْ بيمينك وكُلْ مما يليك)؛ متفق عليه.
ولا يقولن أحد إن هذه الطريقة قليلة التأثير مع الصغار، فقد جربتها بنفسي عدة مرات فكان لها أطيب الأثر، وقد تقدم في موضوع التحذير من الأمور الضارة قصة الولد الذي كان يَسب الدين كيف نصحته وقبل النصح.
وحدث مرة حينما كنت سائرًا في الشارع مع أحد المعلمين فرأينا طفلًا يبول في وسط الشارع فصاح به المعلم: ويلك ويلك.. لا تفعل، فَذُعِرَ الصبي وقطع بوله وهرب، فقلت لذلك المعلم: لقد أضعت علينا النصح لذلك الولد، فقال لي: وهل يجوز أن أترك الولد يبول في الشارع أمام الناس، قلت له: لا، فقال المعلم: وماذا تريد أن تفعل غير ذلك؟! قلت له: أترك الطفل حتى ينتهي من بوله، ثم أدعوه إليَّ، وأتعرف عليه، ثم أقول له: يا بُنَي إن هذه الشوارع طريق للمارة، لا يجوز فيها البول، وقريبًا منك مكان (دورة مياه) فاحذر أن تعود لمثل هذا فأنت ولد مهذب، أرجو لك الهداية والتوفيق. فقال لي: هذه طريقة حكيمة ومفيدة، قلت له: هذه طريقة مربي الإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وحدثته بقصة الأعرابي المشهورة التي تأتي الآن:
(ب) أما النصح والإرشاد مع البالغين فأكبر مثال على تأثيرها قصة الأعرابي الآتية: (عن أنس رضي الله عنه قال:
بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد).
أصحابه صلى الله عليه وسلم: (يصيحون به) مَهْ مَهْ (أي اترك).
الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تُزْرموه دعوه (لا تقطعوا بوله).
(يترك الصحابة الأعرابي يقضي بوله ثم يدعو الرسول الأعرابي).
الرسول (للأعرابي): (إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لِذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن).
الرسول (لأصحابه): (إنما بُعِثتم مُيسِّرين، ولم تُبعثوا مُعَسِّرين صُبوا عليه دَلوًا مِن الماء).
الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا.
الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقد تحجَّرتَ واسعًا) (أي ضيقت واسعًا). “متفق عليه”.
2 – التعبيس:
يستطيع المعلم أن يعبس في وجه طلابه أحيانًا إذا رأى منهم فوضى ليحافظ على نظام الدرس وهيبته، فذلك خير من التساهل معهم أولا، حتى إذا ما اشتطوا عاقبهم.
3 – الزجر:
كثيرًا ما يلجأ المربي إلى زجر أحد الطلاب الذين يكثرون الأسئلة لضياع الدرس، أو يستخفون بالمعلم، أو غير ذلك من الأخطاء التي يرتكبها الطالب، فإذا ما زجره وصاح به المعلم سكت وجلس بأدب، وهذه الطريقة استعملها الرسول المربي صلوات الله وسلامه عليه حين رأي رجلًا يسوق بدنَه: الرسول صلى الله عليه وسلم: (اركبها).
الرجل: أنها بدنة.
الرسول صلى الله عليه وسلم: (اركبها).
(يركب الرجل البدنة يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها)؛ رواه البخاري.
4 – الكف عن العمل:
حينما يرى المعلم الطلاب يتكلمون في الدرس فيطلب منهم الكف عن الكلام بصوت قوي، فقد طلب الرسول عليه الصلاة والسلام من الشخص الذي تجشأ في حضرته وقال له: (كُفَّ عنا جُشاءك). “حسن انظر صحيح الجامع 4367”.
5 – الإعراض:
بإمكان المربي أن يُعرض عن ولده أو تلميذه إذا رأى منه كذبًا أو إلحاحًا في أسئلة غير مناسبة، أو غيرها من الأعمال الخاطئة، فيشعر المتعلم بإعراض معلمه أو أبيه عنه، فيرجع عن خطئه.
6 – الهجر:
على المربي أن يهجر ولده أو تلميذه إذا ترك الصلاة أو ذهب إلى السينما أو قام بعمل مناف لآداب الدرس، وأكثر الهجر ثلاثة أيام لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لِمسلم أن يَهجرَ أخاه فوق ثلاثٍ لَيال) “متفق عليه”.
فإن في الهجر تأديبًا للابن وللطالب معًا، قال الشاعر:
يا قلب صَبرًا على هَجرِ الأحِبة لا تجزَع لِذاك فبَعض الهجرِ تأديب
|
7 – التوبيخ:
للمربي أن يوبخ ولده أو طالبه إذا اقترف ذنبًا كبيرًا، ولم يؤثر فيه النصح والإرشاد.
8 – جلوس القرفصاء:
إذا ضاق المعلم بأحد الطلاب ذرعًا لكسله، أو وقاحته أو غير ذلك فليخرجه من مكانه وليجلسه أمامه جلوس القرفصاء على قدميه، ويرفع يديه إلى الأعلى، وهذا ما يتعب التلميذ ويكون ذلك عقوبة له، وذلك أفضل بكثير من معاقبته باليد أو العصا.
9 – معاقبة الأب:
إذا تكرر الخطأ من الطالب فليرسل المعلم إلى وليه، ويكلفه معاقبته بعد أن ينصحه، وبذلك يتم التعاون بين المدرسة والبيت على تربية الطالب.
10 – تعليق العصا:
يستحب للمعلم والمربي والأب أن يعلق السوط الذي يضرب به على الجدار ليراه الأولاد فيخافوا من العقاب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عَلِّقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم). “حسنه الألباني في صحيح الجامع”.
قوله: (يراه أهل البيت) فيرتدعون عن ملابسة الرذائل، خوفًا لأن ينالهم منه نائل. قال ابن الأنباري: لم يُرِدْ به الضرب، لأنه لم يأمر بذلك أحدً، وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم.
وقوله: (فإنه أدب لهم) أي هو باعث لهم على التأديب، والتخلق بالأخلاق الفاضلة، والمزايا الكاملة. [ذكره المناوي في فيض القدير ج 4/ 322].
11 – الضرب الخفيف:
يجوز للمربي والأب أن يضرب ضربًا خفيفًا، إذا لم تنفع الوسائل المتقدمة، ولا سيما لأداء الصلاة لمن كان عمره عشر سنين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عَلِّموا أولادكم الصَّلاة إذا بلغوا سبعًا، واضربوهم عليها إذا بَلغوا عَشرًا، وفرِّقوا بَينهم في المضاجِع)؛ صحيح رواه البزار وغيره.
والتفريق في المضاجع بين الأولاد عند النوم أمرٌ مُهم، ولا سيما البنت والصبي، حتى يحفظ الأب أولاده من الانحراف، ولا سيما ما يراه الأطفال من المسلسلات الجنسية والأفلام الخلاعية في السينما والتلفاز والفيديو، مما يزيد في انحرافهم، فلينتبه الآباء والأمهات، وإذا لم يتمكنوا فعليهم أن يباعدوا بينهم، ويضعوا لكل واحد غطاءً مستقلًا، وليراقبوهم.