العولمة الاقتصادية


العولمة الاقتصادية

 

إن التوجهَ إلى العولمة بمفهومها الاقتصادي – بما في ذلك الانخراط في مفهومات المنافسة الدولية وتنظيم الأرباح – سيؤدي ذلك إلى الدخول في “نطاق ممارسة الضغوط والمناورة في المجالات العمالية؛ بهدف تخفيضِ كلفةِ العمل؛ أي: العمل على إنقاص الأجور، وتقليص الخدمات الاجتماعية، وإهمال العناية والرعاية المكفولة للقوى العاملة؛ تدريبًا وتوجيهًا وتأهيلًا، وقد يميل التفضيلُ للقطاعات الاقتصادية التي لا تولِّد فرصَ عملٍ جديدة، ولا تعتمد على كثافة اليد العاملة؛ عملًا بالقاعدة الاقتصادية الذهبية التي تحكم اقتصادَ العولمة، وهي: إنتاج أكبر قدر من السلع والخدمات بأقل عدد ممكن من العمَّال.

 

قد يتزامن ذلك مع إضعافِ قدرات الدولة، من حيث حرمانُها من الموارد المالية، التي تحصل عليها في شكل ضرائبَ ورسوم مختلفة”[1]، ممَّا يشكِّك بدوره في وعود العولمة الإيجابية، تلك التي أعطت الصورةَ المشرقة في مجال تهيئة الموارد البشرية، وتوافرها مؤهَّلةً مدرَّبة[2].

 

يُدخِلنا هذا في مفهومٍ جديد للعمل عند النظر إليه من البعد الاقتصادي، وليس البعد الاجتماعي فقط، بل إن مفهومَ العمل نفسه أضحى يتطور تطورًا ملحوظًا، حيث التركيزُ على تقنية العمل، وذلك ببروزِ وجوهِ نشاطٍ جديدة؛ كالبحث والتطوير، والتركيز على الرموز والبيانات، لا على الأدوات والآلات.

 

هذا المفهوم الجديد إنَّما هو جزءٌ من عملية التدويل والعولمة، وبدأنا الآن نسمع عن أساليبَ جديدة في العمل، مثل مفهوم (العمل عن بُعد)[3].

 

من هذا المنطلق كذلك، بدأنا نسمع عن أُطروحات (نهاية العمل) كما جاء به جيرمي ريفكين، الاقتصادي الأمريكي الذي أطلق هذه الأطروحةَ سنة 1415هـ/ 1995م، ورافقه عالمان فرنسيَّان طرحا شيئًا حول ذلك:

أوَّلهما: روبير كاستل الذي تحدَّث عن تحولات المسألة الاجتماعية، وثانيهما: دومينيك ميدا التي أصدرت كتابًا بعنوان: (العمل قيمة في طريقها للاختفاء)، ويعضدهما من منطلقٍ آخرَ وليام بريدج في كتابيه: (الاستحواذ على العمل)، و(قرية عالمية)، حيث يتوقَّعون جميعًا نهايةَ الأجرة لصالح تطوُّر العمل المستقل.

 

أوجد هذا الطرحُ طرحًا مناقضًا؛ حيث انبرى مَن يقول: “إن العملَ يظلُّ واقعةً أساسية ومعقَّدة بصورة غير متناهية، ويصعب تخيُّلُ ثقافةٍ يخلو أُفُقُها من العمل”، كما تقول آن ماري غروز بلير في مؤلفها: (من أجل الانتهاء من نهاية العمل)[4].

 

من هنا، يتأكد تحوُّلُ الشأنِ العمَّالي من الشأن الاجتماعي إلى الشأن الاقتصادي، وتدخُّل منظمة التجارة العالمية بالشأن العمَّالي يأتي من كونه شأنًا اقتصاديًّا؛ إذ لم تتدخل المنظمة مباشرة في جوانب الرعاية الاجتماعية أو التنمية الاجتماعية بمفهومهما المتخصِّص، مما يسوِّغ انفكاكَ الشأن العمَّالي عن الشأن الاجتماعي، ليستقلَّ الشأنُ العمَّالي بهيئاته ومؤسَّساته، بعد أن كان مقرونًا هيكليًّا بالشأن الاجتماعي، وهذا ما حدث أخيرًا في بعض دول منطقة الخليج العربية، مثل: عمان والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى بعض الدول العربية الأخرى: مصر ولبنان والسودان والجزائر والمغرب.

 


[1] انظر: منظَّمة العمل العربية، العولمة وآثارها الاجتماعية، القاهرة: المنظَّمة، 1998م، ص 210.

[2] انظر: New York: W._. Joseph E. Stiglitz. Globalization and its Discontent .52 _ p. 23 – W. Norton and Company. 2002

[3] انظر: يحيى اليحياوي، في العولمة والتكنولوجيا والثقافة: مدخل إلى تكنولوجيا المعرفة، بيروت: دار الطليعة، 2002م، ص 151 – 155.

[4] انظر: رجب بو دبوس، العولمة بين الأنصار والخصوم، بيروت: الانتشار العربي، 2002م – ص 99 – 100.



Source link

أترك تعليقا

مشاركة
عملية طوفان الأقصى والحل الأمريكي بعيد المدى | كتاب عمون
ضحايا حريق الفن.. أحدث إصدارات بيت الحكمة لعيد عبد الحليم – صدى البلد