الفاتحة وتوحيد الألوهية
الفاتحة وتوحيد الألوهية
عندما نشرع في صلاتنا يقف المسلم في صلاتهِ وقوف الخاشعين، وقوف الفقر والتذلل والخضوع والاحتياج بين يدي ربهِ – جَلَّ وَعَلَا – اَلَّذِي لا غنى لهُ عنهُ طرفة عين، ليردد في أعماق قلبهِ وجنبات فؤادهِ يقينًا صادقًا وإيمانًا راسخًا: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة:5].
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾تتحقق بكلمةِ لا إله إلا الله، فلا معبود بحقٍّ إلا الله، ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ تتحقق بكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله.
إنَّ من الجهل المبين والضلال العظيم أنْ يقر الإنسان بـ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾،ثم ينصرف من صلاتهِ تأليهًا واستعانةً بغير الله – جَلَّ وَعَلَا – يمد يديه قائلًا: (مدد مدد يا فلان)، أو (أغثني، أغثني يا فلان)، دعاءٌ للأموات في قبورهم، أو دعاءٌ لحي غائبٍ ليس بحاضر.
فهو عندما يقول هذه المناداة قد التجأ إلى مخلوقٍ مثلهُ لا يعطي، ولا يمنع، ولا يملك لنفسهِ موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، فضلًا أنْ يملك ذلك لغيرهِ، إنَّ مَنْ فهم ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾حقَّ الفهم لا يمكن أنْ يتوجه بأي حالٍ من الأحوال إلى غير الله – جَلَّ وَعَلَا – ولا يمكن أنْ يستعين إلا بالله.
إنَّ مظاهر شرك الألوهية في أوساط بعض المسلمين كثيرةٌ ومتعددة، فالواجب على المسلم أنْ يقيم التوحيد في نفسهِ مقام صدقٍ ويقين، ولا يمكن ذلك إلا برفع الجهلِ ونشر العلمِ وظهورهِ وتحقيقهِ، والدعاة اليوم مطالبون أكثر مما مضى في تعميق قضايا التوحيد والدعوة إلى الله على بصيرة.
إنَّ صور شرك الألوهية متعددة في أوساط المسلمين، فإننا نجدُ مَنْ يقف في صلاتهِ ويقول: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾،ينتهي من صلاتهِ فيرتمي في أحضان السحرة والكهنة والمشعوذين، والدجالين والمنجمين والعرافين، يسألهم ويستعين بهم من دون الله – جَلَّ وَعَلَا – فأين ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾؟!
ومن الناس مَنْ يحلف بغير الله – جَلَّ وَعَلَا – أو يضيف في ثنايا عباراتهِ وكلامهِ واو التسوية، أنا عند الله وعندك، أو يعلق التمائم والحروز والطِّيرة، هذه كلها طوام من انصراف القلب لغير الله – جَلَّ وَعَلَا – وهو يردِّد ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، والأدهى من ذلك ما حذَّر منهُ النبي – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مما يخالفُ توحيد الألوهية ولا يعلم بهِ، ولا يطلع عليهِ إلا الله – جَلَّ وَعَلَا – قد انطوت سريرتهُ على شرك النيات، فيحسن أعمالهُ ومقاصدهُ رياءً وسماعةً؛ طلبًا للشهرة والتسميع والتزين للمخلوقِ أمام حق الله جَلَّ وَعَلَا العظيم.
فلا شك أننا بحاجةٍ إلى قراءة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾،ولكننا بحاجةٍ إلى الرسوخ في فهمِ هذه الكلمة العظيمة حتى نحقق التوحيد كما أراد الله، وبيَّن رسول الله – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فاللهم: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.