الفاتحة وشرط الإخلاص


الفاتحة وشرط الإخلاص

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

ومن هدايات هذه السورة العظيمة: أنها اشتملت على شرطي قبول العبادة، فالعبادات على كثرتها وتنوُّع أحوالها لا يقبلها الله – جَلَّ وَعَلَا – من العبد إلا إذا كانت لهُ خالصةً، ولسُنَّة نبيهِ – صلى الله عليه وسلم – موافقه.

 

أمَّا شرط الإخلاص: ففي قول الله – جَلَّ وَعَلَا -: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة:5]، أي: نخصك وحدك بالطاعة يا ألله، لا نصرف شيئًا من العبادات لأحدٍ غيرك، فيا أيها الموحد علِق قلبك بالله الواحد الديان، وسترى أثر فضائل هذا العمل الباطني القلبي اَلذِي هو سر بينك وبين الله.

 

فبالإخلاص لله وحدهُ لا شريك له يُنجيك الله من إظلال الشياطين ومن إغوائهم، قال: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص:82 – 83]، فبالإخلاص لله وحده لا شريك له تُفرَج الهموم، وتُزال الكروب، ويتطهَّر القلب، يتطهر من الحقدِ ومن الحسدِ والبغضاء، وهو طريقك الموصل إلى الرضوان ومحبة الرحمن.

 

إن مما نتواصى بهِ الحذر أشد الحذر من الشرك، وأنا أقصد هنا الشرك اَلذِي لا يطلع عليهِ إلا الله، ولا يعلم بحالهِ إلا الله، ألا وهو ما انطوت عليهِ هذه النفس من شرك النيات والمقاصد، فقد ابتُلي بعضُ المسلمين بالبحث عن الشهرة وحظوظ النفس عند الناس، فلا يجد من طريقٍ إلا صالح القول والعمل، فتارةً يُسمِع بهذا العمل، فلا يترك شيئًا بينهُ وبين الله إلا أظهرهُ وتزين بهِ.

 

والبعض لربما ونعوذ بالله من ذلك – انطوت نفسهُ على نيةٍ خبيثةٍ فاسدةمن أصلها، وهي هذه الدسيسة وهذه الخسيسة، بمعنى: أنَّ النية من أصلها لم تكن لله، وإنما من أجل الرياء والسمعة.

 

ولذلك جاء في الحديث القدسي قال الله – جَلَّ وَعَلَا -: «أنا أغْنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ، مَنْ عمِلَ عملًا أشركَ فيه معِيَ غيري تركتُهُ وشِركَهُ»[1]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أُخبركم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيحِ الدجالِ؟ الشركُ الخفيُّ: أنْ يقوم الرجل فيصلي فيزين»، وفي روايةٍ: «فيزيد صلاتَه؛ لما يرى من نظرِ رجلٍ»[2]، وقال -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أيُّها النَّاسُ، اتَّقوا هذا الشِّركَ؛ فإنَّه أخفى مِن دَبيبِ النَّملِ»[3].

 

ثم أرشدنا – عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – إلى هذا الدعاء العظيم اَلَّذِي إذا حافظنا عليهِ أذهب الله عنا الشركَ كبيرَه وصغيره.

اللهم إنَّا نعوذ بك أنْ نشرك بك شيئًا نعلمهُ، ونستغفرك لما لا نعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.


[3] حسّنه الألباني.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
مستحبات الصيام وآدابه
تبييت النية من الليل في صوم الفريضة