الفقيه المصرفي المجتهد، شروطه وأجرته
الفقيه المصرفي المجتهد، شروطه وأجرته
جاء في التراتيب الإدارية ما نصّه: “وعن البزازية لا يحل لأحدٍ أن يشتغل بالتجارة ما لم يحفظ كتاب البيوع، وكان التجار في القديم إذا سافروا استصحبوا معهم فقيهًا، يرجعون إليه في أمورهم”،[1] وإذا كان ذلك في السابق، فإن العصر الحاضر بما تشهده المؤسسات المالية والمصرفية من تطورٍ أحوج إلى صناعة هذا الفقيه.
وقد يكون الناظر في فقه النوازل المصرفية وبدائلها فردًا، وقد يكون هيئةً شرعيةً، وإنما تتكون الهيئات الشرعية من مجموعةٍ من الفقهاء المصرفيين، فلنبدأ إذًا بتناول ما يتعلق بالفقيه المصرفي؛ إذ هو نواة الهيئات الشرعية للمصارف.
المطلب الأول: شروط الفقيه المصرفي المجتهد:
هل يتجزأ الاجتهاد؟ وهل هناك ما يسمى – اليوم – بالفقيه المصرفي؟، ويُقصد به من بلغ رتبة الاجتهاد في أبواب المعاملات المالية وما تعلق بها، دون غيرها؟، أبدأ هذا المطلب بعرض هذه المسألة.
مسألة: هل يتجـزأ الاجتهاد؟
تصوير المسألة:
يراد بتجزؤ الاجتهاد: أن يتمكن المجتهد من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض[2] وسبب ذلك: تحصيله ملكة الاجتهاد؛ باجتماع شروط الاجتهاد العامة فيه، وتحصّله على دربة الاجتهاد في مناط أدلةٍ، وفروعٍ خاصةٍ ببعض المسائل دون بعض.
محل الخـلاف:
جعل الزركشي خلاف أهل العلم في مسألة تجزؤ الاجتهاد منحصرًا في بابٍ دون باب، أما الاجتهاد في مسألةٍ دون مسألة فلا يتجزأ قطعًا،[3] وقد سحب الخلاف إلى هذه ابن تيمية،[4] وابن القيم،[5] وذكره قولًا صاحب الكوكب المنير[6].
واختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز تجزؤ الاجتهاد.
وهو قول جمهور الأصوليين[7].
واستدلوا من السنة، والمعقول:
(1) استدلوا من السنة بثلاثة أدلة:
الدليل الأول: ما أخرجه أحمد والترمذي والنسـائي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدّهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم لكتاب الله أُبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمّةٍ أمينًا، ألا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح”[8].
ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خصص بعض الصحابة رضي الله عنه ببعض أبواب الفقه؛ كعلي رضي الله عنه في القضاء، وزيد رضي الله عنه في الفرائض.
ويمكن أن يناقش من وجهين:
الأول: أن الحديث أعلّ بالإرسال[9].
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن هؤلاء الصحابة قد بلغوا رتبة الاجتهاد في هذين البابين دون غيرهما، وإنما أراد أن يبين أنّ لهم خصيصة فيهما على غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
الدليل الثاني: ما أخرجه أحمد وغيره عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “دع ما يَرِيبُك إلى ما لا يَرِيبُك”[10].
ووجه الدلالة: أن ترك العلم الحاصل عن اجتهادٍ في الأدلة – ولو في مسألة – إلى التقليد، ترك للعلم لأجل الظن، إذ في التقليد ريب عند المقلد؛ فيرتاب مثلًا: هل المسألة التي ذكرها إمامه كمسألته أو لا؟، ولا ريب في العلم الحاصل عن دليل؛ فلا يتركه للريبة[11].
ويمكن أن يناقش: أن الاجتهاد قد لا يؤدي إلى العلم، بل غالب المسائل الاجتهادية على غلبة الظن، أو على الظن؛ فالريبة موجودة.
الدليل الثالث: ما أخرجه أحمد عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “استفتِ قلبك، البرُّ ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاكَ في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس، وأفتوك”[12].
ووجه الدلالة: أنّ في الحديث دلالةً على ترجيح اجتهاد الشخص – ولو في مسألةٍ أو بابٍ – على اجتهاد غيره[13].
ويمكن أن يناقش: أن الاجتهاد المطلوب من الشخص؛ هل هو الاجتهاد المطلق أو الجزئي؟، وجوابه عين محل الخلاف.
(2) واستدلوا من المعقول بدليلين:
الدليل الأول: أن كثيرًا من العلماء قد توقفوا عن الإجابة على بعض المسائل الفقهية، ولم يمنعهم ذلك من الاجتهاد، فدل على أن الاجتهاد يتجزأ[14].
ونوقش: أن توقفهم عن الاجتهاد لم يكن لأنهم لم يبلغوا رتبة الاجتهاد فيها، وإنما كان لتعارض الأدلة عندهم، أو لشغلٍ عن البحث، أو نحو ذلك[15].
الثاني: أن من صرف عمره في حذق بابٍ واحدٍ حتى أتقنه، قد يكون أوسع إحاطةً فيه من المتفنن في عدّة أبواب، وهو بذلك أولى منه بالاجتهاد فيه[16].
القول الثاني: منع تجزؤ الاجتهاد.
واختاره الشوكاني[17]،[18] وصاحب مرقاة الوصول، وعزاه لأبي حنيفة[19].
واستدلوا بدليلين:
الدليل الأول: أن أكثر علوم الشريعة يتعلق بعضها ببعض، فيحتمل أن يقع الخلل نتيجةً لجهله ببابٍ من الأبواب الفقهية الأخرى. [20]
ونوقش: أن هذا احتمال نادر، وقد يقع مثله للمجتهد المطلق، ولا يمنعه ذلك من الاجتهاد.[21]
وأجيب: أن هذا الاحتمال يضعف في حال المجتهد المطلق؛ لإحاطته بالكلّ. [22]
الدليل الثاني: أن ملكة الاجتهاد هي قوة الاستنباط، ولا يتصور أصلًا أن تتجزأ، وأما كونه يعلم بعض الأحكام من أدلتها؛ فلا يعني ذلك أنه مجتهد، بل كذلك حال المقلد. [23]
ونوقش من وجهين:
الأول: أن الملكة هيئة راسخة في النفس، وتأتي مع التكرار والدربة، وقد يحدث هذا في مسائل دون أخرى، فلا يستحيل تجزؤها.[24]
والثاني: أن توفر شروط الاجتهاد العامة لا يتصور تجزؤه، وأما المعرفة بمسائل الباب، وأدلته، ومداركه فأمرٌ قابلٌ للتجزؤ.
القول الثالث: جواز تجزؤ الاجتهاد في باب الفرائض خاصة، دون غيره من أبواب الفقه.
ونسب لابن الصباغ[25]،[26] واختاره أبو الحسين البصري[27]،[28] وأبو الخطاب الكَلْوذاني[29].[30]
واستدلوا بدليلين:
الدليل الأول: أن فقه الفرائض لا ينبني على غيره من أبواب الفقه إلا نادرًا؛ بخلاف الأبواب الأخرى.[31]
الدليل الثاني: أن عامّة أحكام المواريث قطعية، ومنصوص عليها في الكتاب والسنة.[32]
ويمكن أن يناقش: أن هذا الأمر يجعلها غير قابلة للاجتهاد أصلًا، فلا وجه لاستثنائها.
سبب الخلاف:
من رأى أن الاجـتهاد ملكة، وقوة استنباط، وتوفر آلات لم يقبل تجزؤه، ومن رأى أن الاجتهاد – فوق ذلك – إلمامٌ بمسائل الباب، وأدلتها، ومداركها، رأى جواز أن يتجزأ.[33]
القول المخـتار:
ليس سبب الخلاف منحصرًا فيما سبق ذكره قريبًا؛ إذ إن من منع تجزؤ الاجتهاد اعتمد كذلك على أن المسائل – ولو كانت من أبواب مختلفة – يرتبط بعضها ببعض، ومن رأى تجزؤ الاجتهاد رأى أن هذا احتمال بعيد، والأقرب هو القول بتجزؤ الاجتهاد؛ لقوة أدلته،[34] لا سيما – في هذا العصر – مع كثرة النوازل والحوادث، واتساع العلم، وندرة العلماء المتبحرين في سائر علوم الشريعة، وإن بقيت ملكة الاجتهاد في الشريعة – عمومًا – نواة مشتركة بين سائر العلوم الشرعية، وبين تخصصاتها الدقيقة.
والفقيه المصرفي المجتهد جزءٌ من هذا التكامل، ولا أبالغ بالقول أن الفروع المتعلقة بالفقه المصرفي من أبرز الفروع المستجدة تكاثرًا، ومن أكثرها تناولًا على ألسنة المستفتين، وكل ذلك يدعو لمزيدٍ من تمحيص القول في شروط الفقيه المصرفي؛ إذ عليه قوام نجاح عملية التقويم لأحكام المعاملات المصرفية، وخصوصًا فقه البدائل الإسلامية.
ومن أهم تلك الشروط التي ينبغي العناية بها:
1- البروز في العدالة والتقوى، والورع عمّا في أيدي الناس، وقصد وجه الله والدار الآخرة.[35]
2- بلوغ رتبة الاجتهاد؛ بالإلمام بطرق الاستنباط والترجيح، والتمكن مما يساعده على ذلك من العلوم المساعدة؛ كعلم أصول الفقه، والمقاصد الشرعية، وعلوم القرآن، والحديث، واللغة.[36]
3- الإلمام بالأدلة الشرعية؛ الأصلية والتبعية، وفقه علماء الأمّة المتقدمين والمعاصرين.
يقول الزركشي – رحمه الله -: “والشرط في ذلك كله، معرفة جُمَلِه لا جميعه، حتى لا يبقى عليه شيء؛ لأن هذا لم نره في السادة القدوة من الصحابة، فقد كان يخفى على كثيرٍ من أدلة الأحكام، فيعرفونها من الغير”.[37]
4- أن يُعرف عند أهل العلم الراسخين بسداد الرأي، وجودة الفهم، وتحري الصواب، وقد قيّده الجويني بثلاث علامات، فقال: “من تصدّى للفتوى في زمانٍ، وشاع ذلك واستفاض، ولم يبد من أهل الفتوى عليه نكير كان مفتيًا”.[38]
وعلى الإمام أن يسأل عن هؤلاء، ويبرزهم، ويمنع غيرهم، ممن لم يعرف بدقة الفهم، وجودة النظر.[39]
5- أن يتحرر من المخاوف والمطامع؛ بحيث يستقل برأيه بما تقتضيه تقوى الله عز وجل، ويمليه عليه اجتهاده.[40]
6- أن يتصف بالشفقة والرحمة بالعباد، وأخذهم إلى دين الله تعالى بحكمةٍ وصبر، وأن يحرص على دلالتهم على ما ينفعهم، وإرشادهم إلى الطرق والبدائل التي تجنبهم الوقوع في المأثم.
قال الإمام أحمد – رحمه الله – في تقرير ما سبق ذكره: “لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال؛ أولها: أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له علم، وحلم، ووقار، وسكينة، الثالثة: أن يكون قويًا على ما هو فيه، وعلى معرفته، الرابعة: الكفاية، وإلا مضغه الناس، الخامسة: معرفة الناس”.[41]
وعلى المجتهد في مسائل المعاملات المصرفية – خصوصًا – أن يعتني عند نظره في أحكام المسائل المستجدة، وبدائل ما مُنع منها إلى الآتي:[42]
1- تصور المسألة تصورًا صحيحًا؛ كما هي في الواقع، فكم من منتجٍ أفتي بجوازه، فلما نُظر إلى طريقة تطبيقه، وظهرت حقيقة تذبذبه بين العقود الشكلية، والصور التحايلية أفتي بضد ذلك.
فتكون لديه القدرة على الوصول إلى التصور الصحيح للعقود المستحدثة؛ بما يشمل جميع الجوانب المتعلقة بها، والمؤثرة في الحكم، مع معرفةٍ تامّةٍ بالأعراف السائدة في أوساط المصارف الإسلامية، وقد يحتاج في ذلك لمعرفة بعض الجوانب المتعلقة بنظر المسائل المالية المعاصرة، من جهةٍ اقتصادية، أو قانونية، أو محاسبية، أو القدرة على التعرف على ذلك بالسؤال، أو البحث.[43]
2- العناية بتحقيق المقصد الخاص للشرع من المعاملة، ومقاصده العامّة في النهوض باقتصاد الأمّة؛ لتحقيق العدالة الاجتماعية، والاستقرار الاقتصادي في المجتمع.
3- النظر الدقيق في مقاصد المكلفين من تصرفاتهم؛ اعتناءً بفقه الباعث على الفعل، وفقه مآلات الأفعال.
4- ضبط المسار الصحيح للتدرج في ابتكار البدائل والمنتجات المصرفية، مع الإلمام بمحال الضرورة، والأولويات في تقديم المصالح، أو دفع المفاسد.
5- الاعتناء بالقواعد والأصول العامّة للمعاملات المالية، والتدقيق في حدود تطبيقاتها، مع الاستضاءة بالفروع الفقهية التي يزخر بها تراثنا الفقهي.
6- أن تكون له خبرة بالآليات المتّبعة في المؤسسات المالية لتنفيذ العقود، والقيود المحاسبية، وطرق المراجعة والتدقيق، وكيفية تطبيق الفتاوى الشرعية على تلك العقود والإجراءات، مع المتابعة للتطورات المتسارعة التي تعرض للأدوات المالية باستمرار.[44]
المطلب الثاني: ضوابط عمل الهيئات الشرعية للمصارف:
ومع تشابك الصور المعاصرة للمعاملات المالية، وسرعة تطورها، وإلحاح الحاجة إلى سرعة توصيفها، والحكم عليها، ومع توزع النظر فيها إلى أكثر من جهة، وارتباطها بعددٍ كبيرٍ من الأدلة الكلية، دعا ذلك كله إلى ضرورة تبني مشاريع الاجتهاد الجماعي، وإنشاء الهيئات الشرعية المتخصصة.
وقد عُرّف الاجتهاد الجماعي بأنه: “بذل جماعةٍ ممن لهم أهلية الاجتهاد في مجموعهم وسعهم، في إدراك الحكم الشرعي”،[45]وسند مشروعيته قول الله تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38]،[46] وقد كان من أبرز ميادين تطبيقاته ما كان من هدي الصحابة الكرام، ومن بعدهم رضي الله عنهم، قال الجويني في غياث الأمم: “أنّ أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم، استفتحوا النظر في الوقائع والفتاوى والأقضية، فكانوا يعرضونها على كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوا فيها متعلقًا، راجعوا سنن المصطفى عليه السلام، فإن لم يجدوا فيها شفاء، اشتوروا، واجتهدوا، وعلى ذلك درجوا في تمادي دهرهم، إلى انقراض عصرهم، ثم استنّ من بعدهم بسنتهم”.[47]
وتبرز أهمية الاجتهاد الجماعي في المعاملات المصرفية – خصوصًا – في جوانب كثيرة، من أبرزها:
1- تعاون المختصين والخبراء في الجوانب المختلفة في تصوير المعاملة المبحوثة، وتحديد العناصر المقصودة فيها، عمّا جاء تبعًا، أو كان طرديًا.[48]
2- دقّة النظر في المحددات المؤثرة في الحكم، والتي تحتاج إلى نظرٍ شرعي، وواقعٍ ميداني.[49]
3- الثقة الحاصلة بمرجعية الفتوى في الجهات الشرعية، والمكتسبة من الثقة بمجموع أفرادها.[50]
4- اكتساب القدرة على نشر ودعم القرارات، وحضورها الإعلامي، وعلى الوصول إلى التطبيقات المختلفة للمصارف؛ للتعرف عليها، وإلى مواضع صنع القرار في هيئاتها الإدارية.[51]
5- إمكانية تفريغ الباحثين في هذه الهيئات، وتبني تأهيل الكوادر الجديدة، علميًا وعمليًا، المكتسِبة لخبرات من سبقهم، والقادرة على الاستمرار على نهجهم في التدرج والشمول.
والناظر في حال كثيرٍ من الهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية يرى ضعفًا، وقصورًا بحاجةٍ إلى معالجة، ويرى أداءً يحتاج إلى تفعيلٍ وتطوير، وأبرز ما أقترحه الباحثون في هذا المجال دار حول ثلاث ركائز:
الركيزة الأولى (الإلزامية): بأن تسعى الهيئات الشرعية إلى إضفاء صبغة الإلزامية على قراراتها؛ بتوافق هيئات المصارف الإسلامية، أو بقوة القانون المنظّم للعمل المصرفي.[52]
وينبغي أن لا يقتصر هذا الإلزام على مجرد إجازة الهيكل العام للمنتج البديل، بل ويشمل كذلك:
• إجازة العقود في صورتها النهائية.
•إلغاء إجازة المنتج الذي لم تنطبق عليه المعايير الشرعية.
•المنع من العمل بفتوى غير مجازة من هيئة معتبرة.
• تطبيق العقوبات النظامية على المخالفين.[53]
قال ابن القيم معلقًا على قول عمر الفاروق رضي الله عنه: (فإنه لا ينفع تكلم بحقٍ لا نفاذ له): “ومراد عمر بذلك التحريض على تنفيذ الحق إذا فهمه الحاكم، ولا ينفع تكلمه به إن لم يكن له قوة تنفيذه، فهو تحريض منه على العلم بالحق، والقوة على تنفيذه، وقد مدح الله سبحانه أولي القوة في أمره، والبصائر في دينه، فقال: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45]،[54] فالأيدي: القوى على تنفيذ أمر الله، والأبصار: البصائر في دينه”.[55]
ومتى ما أرادت المصارف الإسلامية ذلك، فلتحرص أولًا على توحيد الفتوى فيما بينها قدر المستطاع، والخروج بمعايير وضوابط للفقه المصرفي المعاصر متفق عليها؛ لتسعَ بعد ذلك إلى الإلزام بها.[56]
ثم لتحرص ثانيًا – لئلا تتزعزع ثقة الجمهور بها – على الاتصاف بالشفافية، وتوضيح عوامل الإلغاء، أو التحوير، أو أسباب الحاجة التي دعت للتيسير في بعض الأدوات والبدائل المصرفية، أو للتدرج فيها، وإذا اعتمدت الهيئة الشرعية لمؤسسة مالية على إجازة هيئة أخرى كان لا بدّ عليها أن تبين هذا لعملائها، الذين وثقوا بها، ولا حرج عليها في ذلك، ما دام أنها رأت سعةً في هذا الإجراء،[57] وقد سئل الإمام أحمد: الرجل يسأل عن المسألة، فأدلّه على إنسانٍ، هل عليّ شيءٌ؟، قال: إن كان رجلًا مُتّبعًا فلا بأس، ولا يعجبني رأي أحدٍ.[58]
الركيزة الثانية (الرقابة): وتعني تفعيل مراقبة الجهات الشرعية لعمل المصارف الإسلامية، ومدى تطبيقها للقرارات الصادرة عنها، والتحقق من القيام بضوابطها، وشروطها.[59]
وينبغي للجهات الرقابية التابعة للهيئات الشرعية أن تعتني بأمور:
أ- المراقبة السابقة، والمصاحبة، واللاحقة لصناعة البديل الإسلامي، وتجربته، ورصد درجة نجاحه، أو إخفاقه،[60] إما من خلال العينة العشوائية، أو التدقيق الشامل لجميع المعاملات المتعلقة به، والإطلاع على المستندات، والوثائق التي يتطلبها العمل الرقابي.[61]
ب- حماية أموال المودعين من سوء تصرفات إدارات المصارف، وتحديد مسؤوليتها عن الضمان في حالة التعدي، أو التفريط.
ج- ضبط حدود التوسع النقدي والائتماني، وتوجيه المدخرات باتجاه المشاريع الاستثمارية والتمويلية.
د- المحافظة على سلامة المراكز المالية للمصارف الإسلامية، وتعزيز مستوياتها، وطرق جذب وتعبئة مدخراتها.[62]
ه- ترحيل الأرباح الحاصلة عن مخالفات شرعية إلى حسابات التطهير، أو إعادتها لمن أُخذت منهم.
و- مراقبة التدرج في سير المنتجات، والبدائل الإسلامية على حسب الخطط المقررة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يولي الجانب الرقابي اهتمامًا خاصًا، إلى جنب الاهتمام بالجانب التشريعي، يدلّ على ذلك:
• نزوله صلى الله عليه وسلم لمراقبة الأسواق، والتدقيق في بعض البيوع والمعاملات، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صُبْرة طعامٍ،[63] فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: “ما هذا، يا صاحب الطعام؟”، قال: أصابته السماء، يا رسول الله، قال: “أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس، من غشَّ فليس مني”.[64]
• وكان عليه الصلاة والسلام يحاسب عمّاله، ويُدقق في تصرفاتهم وإجراءاتهم، وفي حديث ابن الْلَّتَبِيَّة المشهور،[65] لما استعمله على صدقـات بني سُليم، قال أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: فلما جاء حاسبه، قال الحافظ ابن حجر: “ولأبي نعيم في المستخرج من هذا الوجه: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتوفّى منه، وهذا يدلّ على أن قوله في الرواية المذكورة: فلما جاء حاسبه؛ أي أمر من يحاسبه، ويقبض منه”،[66] ثم قال معدّدًا فوائد هذا الحديث: “ومشروعية محاسبة المؤتمن”.[67]
• وأبعد من ذلك كونه عليه الصلاة والسلام يعلّم أصحابه كيف ينتبهون إلى علل الربا، وكيف يتفحصون المعاملات المالية من خلال التدقيق للكشف عنها، فعند الخمسة من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شراء التمر بالرطب، فقال: “أينقص الرطب إذا يبس؟”، قالوا: نعم، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.[68]
الركيزة الثالثة (الاستقلالية): ويقصد بها: أن تصدر الفتاوى في الشأن المصرفي من جهاتٍ غير ربحية، وليست تحت إدارة، ولا تمويل المصارف الإسلامية؛ كالمجامع، والمراكز، والندوات المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي.[69]
وهل يجوز لهذه الهيئات أن تحصل على أجرٍ من المصارف التي تفتي لإداراتها؟.
تُخرّج هذه المسألة على اختلاف أهل العلم في حكم أخذ المفتي أجرة.
مسألة: ما حكم أخذ المفتي أجرةً على إفتائه؟.
محل الخـلاف:
أجاز عامّة أهل العلم لمن انتصب للفتوى، وكان من أهلها أن يأخذ رزقًا من بيت مال المسلمين،[70] إلا إذا تعيّنت عليه، وله كفاية،[71] وأجاز عامتهم كذلك قبول المفتي ما يهدى إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، ويثيب عليها،[72] ولأنه إنما يُهدى إليه لعلمه؛ بخلاف القاضي،[73] ما لم تكن سببًا في أن يفتيه بما لا يفتي به غيره؛ فتكون رشوةً محرمة.[74]
فإن لم يكن له رزق،[75] فهل يجوز للمفتي أخذ أجرة بسبب الإفتاء؟، اختلفوا في ذلك على خمسة أقوال:
القول الأول: يجوز للمفتي أن يأخذ أجرةً.[76]
واستدلوا: بأنه إن لم يأخذ أجرةً أفضى ذلك إلى ضررٍ، وحرجٍ يلحقه في نفسه وأهله، وإن لم يفتِ حصل الضرر للمستفتين، وكلاهما منتفٍ شرعًا، فتعيّن الجواز.[77]
ويمكن أن يناقش: بأن هذا الاستدلال إنما يصح في حالة كون الامتناع عن الأخذ يضره، لا مطلقًا.
القول الثاني: يجوز للمفتي أن يأخذ أجرةً إن شغلته الفتيا عن كسبه.[78]
واستدلوا: بأن الفتيا إن قطعت عليه اكتسابه أضرّت بحاله؛ فجاز له الأخذ في هذه الحالة.[79]
القول الثالث: يجوز للمفتي أن يأخذ أجرةً من مجموع الناس، لا من أعيان من يفتيهم.[80]
واستدلوا: بأنه كالحاكم؛ فلا يأخذ من أعيان من يعمل له، أما إن كان الأجر من مجموعهم فيسوغ؛ كالرزق؛ ليتفرغ لفتاويهم، وكتابة نوازلهم،[81]وباب الأرزاق أقرب إلى باب الإحسان منه إلى المعاوضة؛ بخلاف الإجارة.[82]
القول الرابع: يجوز أخذ الأجرة على كتابة الخطّ، لا على الفتوى.[83]
واستدلوا: بأن المفتي تلزمه الفتوى، لا الكتابة، وخطّه قدرٌ زائدٌ على جوابه، فله أخذ الأجرة عليه.[84]
ويمكن أن يناقش: بأنه قد لا يلزم من الجواب الخطّ، ثم إن هو كتبه قُيد أجره بقدر أجرة مثله، دون تقدير مدّة اشتغاله بالكشف عن الجواب وتحريره، وهذا ضررٌ عليه.
القول الخامس: لا يجوز للمفتي أن يأخذ أجرةً، ويلزمه الجواب مجانًا بلفظه وخطّه، ولا يلزمه الورق، ولا الحـبر.[85]
واستدلوا: بأن الفتيا منصب تبليغ عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تجوز المعاوضة عليه، كما لو قال له: لا أعلمك الإسلام، أو الصلاة إلا بأجرة.[86]
ويمكن أن يناقش: أنه قد يعطى ما يكفيه، لا على جهة المعاوضة، بل على نحو الجعل أو الرزق من بيت المال.
سبب الخـلاف:
صورة هذه المسألة تشملها صورة الخلاف في مسألة أخذ الأجر على القربات المتعدية غير المتعيّنة، ووجه ذلك ظاهرٌ؛ إذ الفتوى قربة متعدية النفع إلى الغير، ومحل النـزاع هنا في الفتوى غير المتعـيّنة، فمن أجاز الأجرة راعى حصول النفع المتعدي، ومن منعها غلّب جانب القربة، ويضاف لذلك – في خصوص هذه المسألة – خوف التّهمة من التساهل في الإفتاء؛ لأجل الأجر.
القول المخـتار:
لا يخلو حكم أخذ المفتي للأجرة من الكراهة؛ لكن متى تأكدت الحاجة الشديدة إلى تفريغه للإفتاء، جاز إعطاؤه مالًا من أموال المصالح العامّة، أو من تبرعات المقتدرين، لا من أعيان من يفتيهم، مع اشتراط البروز في العدالة والورع، وحـثّه على الأولى بأن يتبرع بذلك، ويحتسبه لوجه الله عز وجل، وبهذا تجتمع المصالح، وتضعف التّهمة.[87]
وتتعلق باختيار هذا القول أمور:
الأمر الأول: هل يأخذ المفتي الأجرة مع الغنى؟ أم أنه لا يأخذها إلا للحاجة؟.
وجهان:[88] فمن خرّجه على عامل الزكاة، أعطاه مع الغنى؛ لأن نفعه عام، ومن خرّجه على عامل اليتيم لم يعطه إلا مع الحاجة، لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 6]،[89] وإذا كان هذا في شأن أموال اليتامى التي أحاطتها الشريعة بسياجٍ عظيمٍ من الصيانة، فكذلك هنا على الذي أختاره؛ لسببين:
الأول: أن مقام الإفتاء في حفظ الدين يُحتاط له أعظم من الاحتياط لمال اليتيم.
والثاني:أن هذا المقام أعظم وأخطر من أخذ الأجرة على الأذان وتعليم القرآن، وقد جاء النهي الصريح عن ذلك.[90]
الأمر الثاني:أن من يفتي المصارف الإسلامية؛ إن اقتصر عمله على الإفتاء فحكمه ما سبق، وإن أضيف إلى ذلك أن يُفرّغ جزءًا من وقته للمصرف؛ ليراجع العقود، ويدقق فيها، ويرفع تقريرًا سنويًا عن نشاط المصرف للجمعية العمومية، ثم قد يحتاج ذلك منه إلى الحضور إلى مكان المصرف، أو السفر إلى فروعه، صار عمله مركبًا بين عمل المفتي، والمحتسب، والأجير الخاص، أو المشترك،[91] وساغ له أخذ الأجرة بلا كراهة؛ لئلا تتعطل هذه المصالح الشرعية.
الأمر الثالث:أن الشأن في خصوص فقه البدائل المالية أعظم، ذلك أن السائل باحثٌ عن الترخيص والمخارج، وعلى المفتي أن يتقي الله في دلالته على حكم الله عز وجل، وقد نقل ابن عابدين في حاشيته عن بعض الشرّاح: “وأما إذا أخذ المفتي الهدية؛ ليرخص في الفتوى؛ فإن كان بوجهٍ باطلٍ فهو رجلٌ فاجرٌ، يبدل أحكام الله تعالى، ويشتري بها ثمنًا قليلًا، وإن كان بوجهٍ صحيحٍ فهو مكروه كراهةً شديدةً، انتهى، هذا كلامه، وقواعدنا لا تأباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأما إذا أخذ لا ليرخص له، بل لبيان الحكم الشرعي، فهذا ما ذكره أولًا”.[92]
الأمر الرابع: كيف تقدر هذه الأجور؟.
إن ضبط هذه الأجور من الأهمية بمكان؛ منعًا من التأثير على أعضاء الهيئات الشرعية، وتحقيقًا للشرط الشرعي للجواز، وفي العصر الحاضر، وبالنسبة للهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية فإن المستحقات المالية لأعضائها قد تنوّعت على صورٍ، منها:[93]
(1) أن يُعطى نسبةً من صافي أرباح المصرف.
وهذا الإجراء لا يصحّ؛ لما فيه من التّهمة، والتشكيك في مصداقية الفتوى، إضافة إلى أن المؤسسة المالية تستفيد من إجازة الهيئة الشرعية في تسويق المنتج، وفتوى الهيئة بإجازة المنتج نوع شهادةٍ وتزكيةٍ له، وسيعود بعض ريعه عليها،[94] وقد نصّ أهل العلم على ردّ شهادة من جرّت له شهادته نفعًا.[95]
وهل يجوز أن يتملك المفتي أسهمًا في المصرف الذي هو عضو في هيئته الشرعية؟.
اختلف المعاصرون على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يمنع عضو الهيئة الشرعية من تملك أسهمٍ في المؤسسة المالية.[96]
ووجهه: حتى لا يؤثر امتلاكه لنصيبٍ من المؤسسة على قراراته، وحتى لا يؤدي ذلك إلى التشكيك في فتاويه.
ونوقش: أن شرط كون المفتي من أهل العدالة والورع يمنع من أن يتأثر قراره؛ لأجل مصلحته.[97]
ويمكن أن يجاب: أن الشاهد وإن تحقق فيه شرط العدالة، لكنا نمنعه من الشهادة إذا تبيّن أن له مصلحة فيها، والمفتي كالشاهد، بل ويمنع القاضي من القضاء فيما يتعلق بمصلحته، مهما كان ورعه.[98]
القول الثاني: يجوز أن يتملك عضو الهيئة الشرعية أسهمًا في المؤسسة المالية، بشرط أن تكون بنسبةٍ يسيرةٍ، غير مؤثرة.[99]
ووجهه:
(1) أن النسبة اليسيرة مغتفرة، ويصعب التحرز منها؛ بخلاف النسبة الكثيرة.[100]
ويمكن أن يناقش: أن التحرز من المساهمة ليس بالعسير، وأن النسبة – ولو كانت قليلة – تعني وجود نوع مصلحةٍ للمفتين في إجازة الفتوى، ودفع الشبهات مطلوب؛ خصوصًا من أولي العلم المقتدى بهم.
(2) أنه ليس من العدل حرمان أعضاء الهيئات الشرعية من الاستفادة من أرباح المصارف الإسلامية، وهم أحرص الناس على المعاملات المباحة لهم ولغيرهم، خصوصًا أنه قد يكون عضوًا في أكثر من مصرف.[101]
ونوقش: أن في منعه من المساهمة في المصرف الذي هو عضو في هيئته، والسماح له بالمساهمة في مصرفٍ آخر تحقيقًا لقاعدة سدّ الذريعة، مع عدم ظلمه.[102]
القول الثالث: يجوز أن يتملك عضو الهيئة الشرعية أسهمًا في المؤسسة المالية، ولو بنسبة كبيرة، بشرط أن لا يكون أغلبية أعضاء الهيئة الشرعية كذلك.[103]
ووجهه: أن العضو وإن امتلك نسبة مؤثرة من أسهم المصرف، وعُدّ من كبار الملاك فيه بحسب العرف المصرفي، فإنه لن يؤثر على قرار الهيئة، ما لم يكن أغلب أعضائها كذلك.
ويمكن أن يناقش: أن هذا الأمر سيؤثر، ولو على رأيه واجتهاده، وهو أمرٌ ممنوعٌ؛ سواء صدر القرار موافقًا لرأيه، أم لا.
القول المخـتار:
أن مساهمة عضو الهيئة في المصرف تجعل له مصلحة في زيادة أرباحه، وإن لم تكن هذه التّهمة تهمة مباشرة؛ كالأولى (جعل أجرة إفتائه نسبة من الأرباح)، لكنها محل منع؛ درءًا للمفاسد، وسدًا لباب الشكوك والتّهم، خصوصًا مع استصحاب أصل الكراهة في أجرة المفتي.
(2) ومن صور صرف المستحقات المالية لأعضاء الهيئات الشرعية: أن يُعطى الأجر أو الجعل بحسب ما يجيزه من عقود.
وحكمه كالذي قبله، بل إذا كانت قرارات الهيئة الشرعية ملزمة للمصرف، ففيها كذلك معنى الهدية للقاضي؛ للتأثير على حكمه، وهي في حكم الرشوة.[104]
وهل يجوز أن يعطى نسبةً من أرباح المنتج، أو البديل المالي الفقيه المصرفي الذي يبتكره؟.
صورة المسألة:
أن يستخدم الفقيه المصرفي أدوات الهندسة المالية – مثلًا – في تصميم صيغة مالية جديدة؛ تهدف لزيادة العائد، وتقليل المخاطر، أو لتكون بديلًا عن أداة تقليدية محرّمة، ثم يتعاطى على هذا الابتكار نسبة من أرباحه.
تخريج المسألة:
يحتمل لهذا الابتكار تخريجان:
التخريج الأول: أنه فتوى، تضمنت ذكر الحكم والبديل.
وقد يعترض عليه من ثلاثة وجوه:
الأول: أن ذكر البديل ليس ملزمًا للمفتي، وهو أمر خارج عن الفتوى.
الثاني: أن الابتكار قد لا يكون بديلًا، أو ناتجًا عن استفتاء، بل اجتهادٌ من الفقيه دون أن يتعيّن عليه.
الثالث: أن العمل الذي قام به الفقيه ليس هو إجازة لعقدٍ موجود، وحكمًا على مسألة حدثت، حتى يُجعل فتوى، وتبيين حكم، بل هو ابتكار وتصميم لأداة مالية جديدة.
التخريج الثاني: أنه حق من الحقوق المعنوية،[105] وهو اجتهاده، ينسب له، ويحترم.
وقد يعترض على هذا التخريج: أن هذا الابتكار المالي حقيقته صيغة شرعية، منسوبة للشرع، وليس لأحدٍ حق احتكارها لمصلحته، وإنما الفقيه كاشف عن حكم الله تعالى.
ويمكن أن يجاب: بأن العرف قد جرى على أن للحقوق المعنوية قيمة مالية محترمة، حتى ما يتعلق منها بالعلوم الشرعية؛ كتأليف الكتب، أو برمجتها على أقراص حاسوبية.[106]
القول المخـتار:
التخريج الثاني أقرب؛ لأن هذا الابتكار جهد الباحث غير متعيّن عليه، ثم هو يجرّ أرباحًا للجهات المستفيدة منه، فكان لمبتكره حقٌ في ربحه أيضًا.
وإذا كان كذلك، فما حكم أن يكون ربحه من هذا الابتكار نسبةً شائعةً من عائده؟.
تنبني هذه المسألة على اختلاف أهل العلم في مسألة: هل تصح الإجارة إذا كانت الأجرة نسبةً، هي جزء مشاع ناتج من عمل الأجير؟.
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: عدم جواز أن تكون الأجرة نسبة مشاعة، ناتجة من عمل الأجير.
وهو مذهب الحنفية،[107] والمالكية،[108] والشافعية،[109] ورواية لأحمد. [110]
ففي بدائع الصنائع: “إذا استأجر رجلًا على أن يحمل له طعامًا بعينه إلى مكان مخصوص بقفيز منه، أو استأجر غلامه، أو دابته على ذلك أنه لا يصح”. [111]
وفي القوانين الفقهية: “ولو قال: احصد زرعي، ولك نصفه، أو أطحنه، أو أعصر الزيت، فإن ملّكه نصفه الآن جاز، وإن أراد نصف ما يخرج منه لم يجز للجهالة”. [112]
وفي روضة الطالبين: “لا يجوز أن يجعل الأجرة شيئًا يحصل بعمل الأجنبي، كما لو استأجر السلاخ ليسلخ الشاة بجلدها، أو الطحان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها، أو بصاع منه”. [113]
واستدلوا من السنة، والمعقول:
(1) استدلوا من السنة: بما أخرجه الطحاوي وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل،[114] زاد بعض الرواة: وعن قفيز الطحان. [115]
ووجه الدلالة: أن صورة قفيز الطحان أن يُستأجَر على طحن الحنطة ببعض دقيقها، وهي صورة المسألة. [116]
ونوقش من وجهين:
الأول: ضعف الحديث. [117]
والثاني: منع أن تكون الصورة المذكورة هي الصورة المرادة بالنهي، وإنما جاء النهي في الحديث عن اشتراط شيءٍ مسمّى معلوم، وهو القفيز، ولم ينه عن اشتراط جزء مشاع من الدقيق، فمحمل الحديث النهي عن الأجرة المسمّاة المعلومة من الناتج؛ كالنهي عن المزارعة بمسمّى معلوم.[118]
(2) واستدلوا من المعقول بدليلين:
الدليل الأول: أن الناتج يختلف باختلاف كيفية العمل، ومهارة العامل، فلا يعلم مقدار الخارج، ولا صفته؛[119] ومن شرط الأجرة أن تكون معلومة.[120]
ونوقش من وجهين:
الأول: أن الرؤية أعلى طرق العلم، وقد رأى العامل ما سيعمل فيه؛ فصارت الأجرة معلومة، ولا يضر الاختلاف اليسير في القدر والصفة.
الثاني: أن الجهالة في هذه الصورة غير مفضية إلى النـزاع والخلاف؛ لكون الأجرة فيها تؤول للعلم، على وجهٍ يقطع المنازعة، ويكون أقرب للعدل والتراضي.
الدليل الثاني: أن الأجير في صورة المسألة ينتفع من عمله؛ فيكون عاملًا لنفسه، ومن شرط الإجارة أن يكون عمل الأجير خالصًا لنفع المستأجر؛ فلا تصح هذه الإجارة. [121]
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال على التسليم بهذا الشرط: أن الأجير – قبل العمل – قد قدّر ما سيعمل فيه لنفع المستأجر، وقدّر كذلك ما استبقاه لنفع نفسه.
القول الثاني: جواز أن تكون الأجرة نسبة مشاعة، ناتجة من عمل الأجير.
وهو مذهب الحنابلة،[122] وابن حزم،[123] وأجازه بعض الحنفية،[124] وبعض المالكية للضرورة.[125]
ففي مطالب أولي النهى: “وإن دفع غزلًا إلى رجل ينسجه ثوبًا بثلث ثمنه أو ربعه؛ جاز نصّ عليه”. [126]
واستدلوا من السنة، والمعقول:
(1) استدلوا من السنة: بما أخرجه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خـيبر بشطر ما يخرج منها؛ من ثمرٍ أو زرع. [127]
ووجه الدلالة: أن صورة ما جاء في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر في معنى أن يعطى الأجير جزءًا مشاعًا من عمله؛ لقاء أجره.
ويمكن أن يناقش: أن عقد النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر كان عقد شركة، لا إجارة، والشركة عمل في عينٍ تنمّى بالعمل؛[128] فجاز اشتراط العوض كجزء من النماء، بخلاف الإجارة؛ إذ لا يقف حصول النماء على عمل الأجير.
(2) واستدلوا من المعقول: بأن المتعاقدين يشتركان في الغنم والغرم، وهذا أقرب للعدل، وأنشط للعامل.
ونوقش: بكونه مجهولًا؛ كما سبق.
القول المخـتار:
جواز عقد الإجارة على أن تكون الأجرة جزءًا مشاعًا ناتجًا من عمل الأجير؛ لشبهه بعقد المزارعة والمساقاة، ولحصول التراضي بما هو أقرب للعدل.
وعليه يجوز أن يأخذ المفتي نسبةً من الأرباح على ما يبتكره من بدائل أو أدوات مالية، ويراعى في ذلك أمران:
(1) أن تُجاز هذه الصيغة الجديدة من غير الجهة التي ابتكرتها؛ سواءً كان فردًا أو هيئةً،[129] وهكذا الحكم فيما إذا قاموا بتطويرها بعد ذلك.
(2) أن لا يكون المفتي المبتكر في هذا الوقت مشغولًا بإجارة خاصة مع المصرف في غير هذا العمل.
ومن صور صرف المستحقات المالية لأعضاء الهيئات الشرعية أيضًا:
(3) أن يُعطى راتبًا مقطوعًا، بغضّ النظر عن قدر عمله، أو إنتاجه، وهذا أبعد للشبهة مما سبقه.
(4) أن يقدر جهده بقدر عدد الجلسات التي يحضرها، أو قدر الاستفسارات التي يجيب عليها، والعقود التي يراجعها، بغضّ النظر عن أحكامه فيها، فيعطى أجرة المثل،[130] وهذا أعدل من الذي قبله.
(5) أن يعطى مكافآت بين الحين والآخر، دون تحديدٍ لقدرٍ متفقٍ عليه، وإذا لم ترتبط هذه المكافآت بطبيعة أحكامه التي يصدرها، فهي أسلم من الشبهات من كل ما سبقها؛ لكونها من عقود الجعالة، وباب الجعالة أوسع من باب الإجارة. [131]
كما أنّ الأولى أن تُصرف هذه الأجور، أو المكافآت من أموال المصالح العامة، أو الأوقاف، أو من جهاتٍ مستقلةٍ عن إدارة المصرف؛ تحقيقًا لاستقلالية الهيئة.[132]
[1] لعبد الحي الكتاني، (2/ 19).
[2] ينظر: التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج، (3/ 390)، إجابة السائل، للصنعاني، ص(403)، الاجتهاد وأنواع المجتهدين، لمحمد هيتو، ص(427).
[3] ينظر: البحر المحيط، (4/ 499).
[4] ينظر: مجموع الفتاوى، (20/ 212).
[5] ينظر: إعلام الموقعين، (4/ 166).
[7] نسبه إلى الأكثر السبكي، كما في التقرير والتحبير، لابن أمير حاج، (3/ 390)، والهندي، كما في البحر المحيط، للزركشي، (4/ 498)، وصاحب مسلم الثبوت، مع فواتح الرحموت، (2/ 405)، ونسبه للجمهور: الصنعاني في إجابة السائل، ص(403)، وقد اختاره جمعٌ من الأصوليين: كابن حزم في الإحكام، (5/ 119)، والغزالي في المستصفى، ص(345)، والرازي في المحصول، (6/ 37)، وابن الصلاح في أدب المفتي والمستفتي، ص(91)، والنووي في المجموع، (1/ 43)، وابن تيمية في مجموع الفتاوى، (20/ 212)، وابن القيم في إعلام الموقعين، (4/ 166)، والتفتازاني في شرح التلويح، (2/ 247)، والآمدي في الإحكام، (4/ 171)، والزركشي في البحر المحيط، (4/ 498)، وزكريا الأنصاري في غاية الوصول، ص(264)، وأمير بادشاه، في تيسير التحرير، (4/ 182)، والفتوحي في شرح الكوكب المنير، (4/ 473)، وابن عبد الشكور في مسلم الثبوت، واللكنوي في فواتح الرحموت، (2/ 405)، وابن أمير الحاج في التقرير والتحبير، (3/ 390).
[8] أخرجه أحمد، (21/ 406)، برقم 13991، والترمذي، في كتاب المناقب عن رسول صلى الله عليه وسلم، باب مناقب معاذ ابن جبل وزيد ابن ثابت وأُبيّ وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، (6/ 135)، برقم 3790، وابن ماجه، في فضائل زيد بن ثابت، (1/ 55)، برقم 154، وزيادة: “وأقضاهم علي بن أبي طالب” عند ابن ماجه فقط، وصححه الألباني في صحيح الجامع، (1/ 216)، برقم 895، وابن باز في حاشيته على بلوغ المرام، برقم564، وأعلّه جمعٌ من الحفاظ بالإرسال، كما سيأتي.
[9] أعلّه بالإرسال البزار في مسنده، (13/ 259) إلا آخر جملة منه، وقال ابن حجر في فتح الباري، (7/ 93): “وإسناده صحيح، إلا إن الحفاظ قالوا: إن الصواب في أوله الإرسال”.
[10] أخرجه أحمد، (3/ 249)، برقم 1723، والترمذي، في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب (60)، (4/ 249)، برقم 2518، والنسائي، في كتاب الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات، (8/ 622)، برقم 5412، قال الترمذي: “حسن صحيح”.
[11] ينظر: فواتح الرحموت، للكنوي، (2/ 405).
[12] (29/ 533)، برقم 18006، وحسّنه النووي في الأربعين النووية، ص(88)، برقم27.
[13] ينظر: فواتح الرحموت، للكنوي، (2/ 405).
[14] ينظر: المستصفى، للغزالي، ص(345)، رفع الحاجب، لعبد الوهاب السبكي، (4/ 531).
[15] ينظر: التقرير والتحرير، لابن أمير الحاج، (3/ 391).
[16] ينظر: البحر المحيط، للزركشي، (4/ 498)، تيسير التحرير، لأمير بادشاه، (4/ 183).
[17] هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله، أبو عبد الله الشوكاني الصنعاني، مفسر، محدث، فقيه، أصولي، مؤرخ، من تصانيفه: فتح القدير في التفسير، وإرشاد الفحول في الأصول، توفي في سنة 1250هـ، ترجم لنفسه في البدر الطالع، (2/ 214-225)، وينظر: الأعلام، للزركلي، (6/ 298).
[18] ينظر: إرشاد الفحول، ص(425).
[19] ينظر: مرقاة الوصول، لمنلا خسرو، ص(357)، وتبعه الإزميري في حاشيته على المرقاة، (2/ 468).
[20] ينظر: مرقاة الوصول، لمنلا خسرو، ص(357)، إرشاد الفحول، للشوكاني، ص(425).
[21] ينظر: المحصول، للرازي، (6/ 37).
[22] ينظر: التقرير والتحرير، لابن أمير الحاج، (3/ 391).
[23] ينظر: مرقاة الوصول، لمنلا خسرو، ص(357)، إرشاد الفحول، للشوكاني، ص(425).
[24] ينظر: الاجتهاد، وأنواع المجتهدين، لمحمد هيتو، ص(447).
[25] هو عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي الشافعي، أبو نصر، فقيه، أصولي، متكلم، من مصنفاته: الشامل في الفقه، الكامل في الخلاف بين الشافعية والحنفية، توفي سنة 477هـ، له ترجمة في طبقات الشافعية، لقاضي شهبة، (1/ 251-252)، وفيات الأعيان، لابن خلكان، (3/ 217-318).
[26] ينظر: المجموع، للنووي، (1/ 43)، أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، ص(91).
[27] هو محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، أبو الحسين، متكلم، أصولي، من تصانيفه: المعتمد في أصول الفقه، وشرح الأصول الخمسة، توفي سنة 436هـ، ينظر: تاريخ بغداد، للخطيب، (3/ 100)، سير أعلام النبلاء، للذهبي، (17/ 587-588).
[28] ينظر: المعتمد، (2/ 359).
[29] هو محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني البغدادي الحنبلي، أبو الخطاب، فقيه، أصولي، متكلم، فرضي، أديب، من تصانيفه: التمهيد في أصول الفقه، والتهذيب في الفرائض، توفي سنة 510هـ، ينظر: تذكرة الحفاظ، للذهبي، (4/ 1261)، البداية والنهاية، لابن كثير، (12/ 180).
[30] ينظر: التمهيد في أصول الفقه، (4/ 393).
[31] ينظر: المعتمد، لأبي الحسين البصري، (2/ 359)، أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح، ص(91).
[32] ينظر: إعلام الموقعين، لابن القيم، (4/ 166).
[33] ينظر: التقرير والتحرير، لابن أمير الحاج، (3/ 391).
[34] ينظر: المعايير الشرعية، ص(479)، النهج الأقوى في أركان الفتوى، لأحمد العريني، ص(177).
[35] ينظر: المجموع، للنووي، (1/ 41)، الأحكام السلطانية، للماوردي، ص(73).
[36] ينظر: الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، (4/ 170).
[37] البحر المحيط، (4/ 494).
[38] البرهان في أصول الفقه، (2/ 872).
[39] ينظر: الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي، (2/ 325)، البحر الرائق، لابن نجيم، (6/ 286)، و(8/ 88).
[40] ينظر: الاجتهاد الجماعي المعاصر، لجمعة الباز، ص(77).
[41] إعلام الموقعين، لابن القيم، (4/ 152).
[42] يراجع: المعايير الشرعية، ص(478).
[43] ينظر: فتاوى مصطفى الزرقا، ص(481-483).
[44] ينظر: هيئات الفتوى، والرقابة الشرعية، لعز الدين زغيبة، ص(24-27).
[45] الاجتهاد الجماعي، لجمعة الباز، ص(35)، وتنظر مجموعة من التعريفات: الاجتهاد الجماعي المنشود، لقطب سانو، ص(30-42)، منهج استنباط أحكام النوازل، لمسفر القحطاني، ص(228-234)، وينظر أيضًا تعريف الهيئات الشرعية المصرفية: المعايير الشرعية، معيار (1)، ص(290)، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، العدد 19، ص(283).
[47] ص(431)، وينظر: ضوابط الفتوى في القضايا المعاصرة، لعبد المجيد السوسرة، ص(286).
[48] يراجع: المنهج في استنباط أحكام النوازل، لوائل الهويريني، ص(374)، الاجتهاد الجماعي المعاصر، لجمعة الباز، ص(57-58).
[49] يراجع: منهج استنباط أحكام النوازل، لمسفر القحطاني، ص(235).
[50] ينظر: ضوابط الفتوى في القضايا المعاصرة، لعبد المجيد السوسرة، ص(287).
[51] ينظر: الفتيا المعاصرة، لخالد المزيني، ص(780).
[52] ينظر: المعايير الشرعية، ص(479)، الرقابة الشرعية على مؤسسات التأمين التعاوني، للزيادات، ص(17).
[53] ينظر: سياسة الجودة الشرعية في المصرفية الإسلامية، لعبد العزيز بن سطام، ص(266).
[55] إعلام الموقعين، (1/ 70).
[56] ينظر: الاجتهاد الجماعي المعاصر، للباز، ص(78-81).
[57] ينظر: الرقابة الشرعية على المصارف، للشبيلي، ص(13).
[58] ينظر: شرح الكوكب المنير، للفتوحي، (4/ 589).
[59] ينظر: تحول المصرف الربوي إلى مصرف إسلامي، للربيعة، (2/ 367)، الرقابة المالية العليا، لفهمي شكري، ص(21-42).
[60] ينظر: الرقابة الشرعية على مؤسسات التأمين التعاوني، للزيادات، ص(7)، أصول المصرفية الإسلامية، للغريب ناصر، ص(237-243).
[61] ينظر: الرقابة الشرعية على مؤسسات التأمين التعاوني، للزيادات، ص(12).
[62] ينظر: الشامل في معاملات وعمليات المصارف الإسلامية، لمحمود إرشيد، ص(238)، وانظر صفات المراقب، وأعماله: المعايير الشرعية، ص(238-249).
[63] الصبرة: بضم الصاد المهملة، وسكون الموحدة، ما جُمع من الطعام بلا كيل ووزن، والمراد بالطعام ما يؤكل من الحبوب، ينظر: مرقاة المفاتيح، للقاري، (6/ 74)، وقال ابن الأثير الصبرة: الطعام المجتمع؛ كالكومة، ينظر: النهاية، (3/ 9).
[64] أخرجه في كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا، (1/ 99)، برقم 102.
[65] سبق تخريجه، ص(97).
[66] فتح الباري، (13/ 165).
[67] المصدر السابق، (13/ 167).
[68] أخرجه أحمد، (3/ 100)، برقم 1514، وأبو داود في كتاب البيوع، باب في التمر بالتمر، (3/ 251)، برقم 3359، والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة، (2/ 519)، برقم 1225، والنسائي في كتاب البيوع، باب اشتراء التمر بالرطب، (7/ 310)، برقم 4469، وابن ماجه في كتاب التجارات، باب بيع الرطب والتمر، (2/ 761)، برقم 2264، وصححه ابن عبد البر في التمهيد، (19/ 172-173) ونقل ابن عبد الهادي في المحرر، ص(489)، وابن حجر في البلوغ، ص(248)، تصحيح ابن المديني له.
[69] ينظر: الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية، لنزيه حماد، منشور في مجلة المجمع الفقهي بمكة، العدد 19، ص(288)، الاجتهاد الجماعي المعاصر، للباز، ص(77).
[70] ينظر: الفقيه والمتفقه، للخطيب، (2/ 347)، روضة الطالبين، للنووي، (11/ 110)، المبدع، لبرهان الدين ابن مفلح، (10/ 25)، صفة الفتوى، لابن حمدان، ص(35)، شرح الكوكب المنير، للفتوحي، (4/ 547)، ونقل ابن القيم وجهًا آخر بالمنع، إعلام الموقعين، (4/ 178)
[71] ينظر: آداب الفتوى، للنووي، ص(39)، المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (10/ 25)، حاشية الدسوقي، (1/ 20)، الكوكب المنير، للفتوحي، (4/ 547) صفة الفتوى، لابن حمدان، ص(35)، وقد ذكر احتمالًا بالجواز.
[72] أخرجه البخاري، في كتاب الهبة وفضلها، باب المكافأة على الهدية، (3/ 206)، برقم 2585.
[73] ينظر: آداب الفتوى، للنووي، ص(40)، المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (10/ 25)، حاشية ابن عابدين، (5/ 373)، كشاف القناع، للبهوتي، (6/ 301)، منار أصول الفتوى، للقاني، ص(292)، صفة الفتوى، لابن حمدان، ص(35)، وعن المروذي لا يقبل إلا أن يكافئ عليها، ينظر: شرح الكوكب المنير، للفتوحي، (4/ 547)، وقال بالكراهة ابن القيم في إعلام الموقعين، (4/ 178)، ونحوه الحطاب في مواهب الجليل، (6/ 121).
[74] ينظر: آداب الفتوى، للنووي، ص(40)، إعلام الموقعين، لابن القيم، (4/ 178)، المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (10/ 25)، حاشية ابن عابدين، (5/ 373)، كشاف القناع، للبهوتي، (6/ 301) شرح الكوكب المنير، للفتوحي، (4/ 547)، صفة الفتوى، لابن حمدان، ص(35).
[75] ينظر: آداب الفتوى، للنووي، ص(39)، المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (10/ 25)، صفة الفتوى، لابن حمدان، ص(35).
[76] ينظر: حاشية الدسوقي، (1/ 20)، شرح الكوكب المنير، للفتوحي، (4/ 87).
[77] ينظر: شرح الكوكب المنير، للفتوحي، (4/ 87).
[78] ينظر: المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (10/ 25)، منار أصول الفتوى، للقاني، ص(290)، صفة الفتوى، لابن حمدان، ص(35).
[79] ينظر: صفة الفتوى، لابن حمدان، ص(35).
[80] ينظر: الفقيه والمتفقـه، للخطيب، (2/ 347)، آداب الفتـوى، للنووي، ص(39)، المبدع، لبرهان الدين ابن مفلح، (10/ 25)، كشاف القناع، للبهوتي، (6/ 301)، شرح الكوكب المنير، للفتوحي، (4/ 87).
[81] ينظر: الفقيه والمتفقه، للخطيب، (2/ 347).
[82] ينظر: شرح الكوكب المنير، للفتوحي، (4/ 87).
[83] وقد جعله النووي كالحيلة، وعزاه لأبي حاتم القزويني، ينظر: آداب الفتوى، ص(39)، المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (10/ 25)، حاشية ابن عابدين، (5/ 374)، صفة الفتوى، لابن حمدان، ص(35)، شرح الكوكب المنير، للفتوحي، (4/ 87).
[84] ينظر: حاشية ابن عابدين، (5/ 374)، صفة الفتوى، لابن حمدان، ص(35).
[85] ينظر: إعلام الموقعين، لابن القيم، (4/ 178).
[86] ينظر: المصدر السابق.
[87] ينظر: روضة الطالبين، للنووي، (11/ 110)، صفة الفتوى، لابن حمدان، ص(35).
[88] يراجع كلامًا لابن القيم في إعلام الموقعين، (4/ 178) في أخذ المفتي الرزق من بيت المال.
[90] جاء النهي عن أخذ الأجرة على الأذان في حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، وفيه: “واتخذ مؤذنًا لا يتخذ على أذانه أجرًا”، أخرجه أحمد، (26/ 200)، برقم16270، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين، (1/ 146)، برقم531، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرًا، (1/ 285)، برقم209، والنسائي في كتاب الأذان، باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرًا، (2/ 351)، برقم671، وابن ماجه في كتاب الأذان والسنة فيه، باب السنة في الأذان، (1/ 236)، برقم714، وصححه أحمد شاكر في شرحه للترمذي، (1/ 410)، وجاء النهي عن أخذ الأجرة على تعليم القرآن في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه علّم رجلًا من أهل الصفّة شيئًا من القرآن، فأهدى له قوسًا، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:”إن كنت تحب أن تطوق بها طوقًا من نار، فاقبلها”، أخرجه أحمد، (37/ 363)، برقم22688، وأبو داود في كتاب الإجارة، باب في كسب المعلم، (3/ 264)، برقم3416، وابن ماجه في كتاب التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن، (2/ 730)، برقم2157، قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق، (3/ 65) معلقًا على إسناده: “المغيرة بن زياد ضعيف”، وقال ابن حجر في الدراية، (2/ 188): “إسناده ضعيف”، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (1/ 655)، برقم 2915.
[91] ينظر: تفعيل دور هيئات الفتوى والرقابة الشرعية، لعبد الحق حميش، ص(11-13)، دراسة لهيئات الفتوى والرقابة الشرعية، لإبراهيم العبيدي، ص(21-25)، فتوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي المصري، برقم (7/ 5)، ضمن موسوعة فتاوى المعاملات المالية، (4/ 193).
[92] حاشية ابن عابدين، (5/ 373)، ويقصد ابن عابدين بقوله: “ما ذكره أولًا”: أيّ ما ذكره المصنف من جواز أخذ المفتي للهدية، ينظر: الدر المختار، مع حاشية ابن عابدين، (5/ 372).
[93] ينظر في تسمية المصارف الإسلامية التي تعتمد هذه الطرق: دور الرقابة الشرعية في ضبط أعمال المصارف الإسلامية، لمحمد الصالح، ص(17)، الرقابة الشرعية على أعمال المصارف الإسلامية، لأحمد العليات، ص(48-85).
[94] ينظر: الرقابة الشرعية على المصارف، للشبيلي، ص(9-10).
[95] ينظر: حاشية ابن عابدين، (5/ 472)، الشرح الكبير، للدردير، (4/ 176)، روضة الطالبين، للنووي، (10/ 34)، المغني، لابن قدامة، (10/ 443).
[96] ينظر: قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، (3/ 19)، دور الرقابة الشرعية، لأحمد بن حميد، ص(12)، الرقابة الشرعية، لعماد الزيادات، ص(21).
[97] ينظر: الرقابة الشرعية الفعالة، لمحمد القطان، ص(17).
[98] ينظر: دور الرقابة الشرعية، لأحمد بن حميد، ص(12).
[99] ينظر: الرقابة الشرعية، للشبيلي، ص(10)، وحدّدها بنسبة (5%)، والرقابة الشرعية الفعّالة، لمحمد القطان، ص(17)، وحددها بنسبة (1%).
[100] ينظر: الرقابة الشرعية، للشبيلي، ص(10).
[101] ينظر: الرقابة الشرعية الفعالة، لمحمد القطان، ص(17).
[102] ينظر: دور الرقابة الشرعية، لأحمد بن حميد، ص(12).
[103] ينظر: الرقابة الشرعية الفعالة، للبعلي، ص(22).
[104] ينظر: دور الرقابة الشرعية، لمحمد الصالح، ص(17).
[105] ينظر: الرقابـة الشـرعية، ليوسف الشبيلي، ص(10)، ويراجع: سياسة الجودة الشرعية في المصرفية الإسلامية، لعبد العزيز بن سطام، ص(263).
[106] يراجع: قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة، رقم 43/ 5/ 5، بشأن الحقوق المعنوية، ضمن مجلة المجمع، الدورة الخامسة، (3/ 2267).
[107] ينظر: الجامع الصغير، لمحمد بن الحسن، ص(440)، المبسوط، للسرخسي، (15/ 83)، بدائع الصنائع، للكاساني، (4/ 191)، الهداية، للمرغيناني، (3/ 242)، الاختيار، للموصلي، (2/ 63)، حاشية ابن عابدين، (5/ 280).
[108] ينظر: المدونة، لمالك، (11/ 409)، المعونة، لعبد الوهاب، (2/ 109)، القوانين الفقهية، لابن جزي، ص(181)، الشرح الكبير، للدردير، (4/ 9).
[109] ينظر: الحاوي، للماوردي، (7/ 442)، بحر المذهب، للروياني، (9/ 316)، روضة الطالبين، للنووي، (5/ 176)، أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري، (2/ 405).
[110] ينظر: المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (5/ 42)، الإنصاف، للمرداوي، (5/ 453)، مطالب أولي النهى، للرحيباني، (3/ 595).
[114] عسب الفحل هو الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل، ينظر: غريب الحديث، لابن الجوزي، (2/ 94)، النهاية، لابن الأثير، (3/ 234).
[115] أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام من نهيه عن قفيز الطحان، (2/ 186)، برقم 711، والدارقطني في كتاب البيوع، (3/ 47)، برقم 195، والبيهقي في السنن الكبرى، في كتاب البيوع، باب النهي عن عسب الفحل، (5/ 339)، برقم 11171.
[116] ينظر: شرح مشكل الآثار، للطحاوي، (2/ 188)، أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري، (2/ 405)، المغني، لابن قدامة، (4/ 76).
[117] قال ابن تيمية: “هذا الحديث باطل، لا أصل له”، ينظر: مجموع الفتاوى، (30/ 113)، وقال محقق مشكل الآثار: “إسناده ضعيف، فيه عطاء بن السائب (مختلط)، وعبد الرحمن بن أنعم، وشعيب الكسائي”، وقال ابن حجر في الدراية، (2/ 190): “وفي إسناده ضعف”.
[118] ينظر: كشاف القناع، للبهوتي، (3/ 525)، مطالب أولي النهى، للرحيباني، (3/ 543).
[119] ينظر: الذخيرة، للقرافي، (5/ 389).
[120] وقد نقل ابن قدامة في المغني الإجماع على ذلك، (5/ 327).
[121] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (4/ 191)، روضة الطالبين، للنووي، (5/ 191)، المغني، لابن قدامة، (5/ 9)، الإجارة الواردة على عمل الإنسان، لشرف الشريف، ص(193).
[122] ينظر: الفروع، لشمس الدين بن مفلح، (7/ 106)، الإنصاف، للمرداوي، (5/ 453)، كشاف القناع، للبهوتي، (3/ 525)، مطالب أولي النهى، للرحيباني، (3/ 543).
[123] ينظر: المحلى، لابن حزم، (8/ 198).
[124] ينظر: الفتاوى الهندية، لنظام الدين، (4/ 444-445).
[125] ينظر: المعيار المعرب، للونشيريسي، (8/ 224)، ويراجع: الذخيرة، للقرافي، (5/ 389).
[127] أخرجه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة، باب المزارعة بالشطر ونحوه، (3/ 137)، برقم2328، ومسلم في كتاب المساقاة، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، (3/ 1186)، برقم1551، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[128] ينظر: المغني، لابن قدامة، (5/ 10)، كشاف القناع، للبهوتي، (3/ 525).
[129] ينظر: الرقابة الشرعية، ليوسف الشبيلي، ص(10).
[130] ينظر: منار أصول الفتوى، للقاني، ص(290).
[131] ينظر: حاشية الدسوقي، (4/ 63)، روضة الطالبين، للنووي، (5/ 269)، المغني، لابن قدامة، (6/ 94).
[132] ينظر: مستقـبل علم الاقتصـاد، لمحمد شابرا، ص(327)، المصارف الإسـلامية، لرفيق المصري، ص(11)، أساليب تفعيل دور الرقابة الشرعية، لعادل باريان، ص(26).