المجتهد


المجتهد

لقد جَعَلَ الله سبحانه وتعالى الحياةَ الناجحة تقوم على اجتهاد المجتهدين، والمجتهد الأساسيُّ في الحياة هو الذي اصطفاه الله للاجتهاد في الدين؛ وذلك لأن الدين هو الذي يُكَوِّن الضمير الإنسانيَّ، فلا ضمير بدون دين، فالذي يجتهد في أمور الدنيا لا يحميه من شرٍّ اجتهادُه، إلا المجتهد في الدين، فالمجتهد في الدين يحثُّه على الاجتهاد في الخير، والاجتهاد في منافع الخلق كلهم، وإذا لم يلتفت إليه المجتهد في الدنيا، فإنه يجتهد ليصنع ما يقتل به إنسانًا، ثم يجتهد ليصنع ما يقتل به عشرة، ثم يجتهد ليصنع ما يقتل به ألفًا، ثم يجتهد ليصنع ما يقتل به مئات الآلاف، ويُحرق ويدمِّر، ويجتهد ليجوِّع ويعطِّش ويشرِّد غيره، ويُهلِك الحرث والنسل.

 

أما المجتهد في الدين، فهو على منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، يأخذ بِحُجَزِ الناس عن النار، ويجتهد للناس ليكونوا خيرًا ونفعًا للناس، فالمجتهد في الدين يعطي الدنيا أكثرَ مما يأخذ منها، ولا يأكل على موائد الأغنياء والوُجهاء، ولا يعطي الدنيا ظهره، بل يُقوِّمها باجتهاده لنفسه ولغيره، والمجتهد لا يكذب أبدًا، ولا يكون فاحشًا، ولا بذَّاءً، ولا أحمقَ تافهًا، بل هو مؤمنٌ كَيسٌ فطِنٌ.

 

إن الدين هو كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسنة هي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته وعمله، واجتهاد المجتهدين يكون في الكتاب والسنة، والاجتهاد يكون بالفهم والتطبيق، والفهم يكون بتدبر آيات الكتاب؛ قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، وبفهم الحديث والسيرة النبوية والعمل النبوي؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين المهديين بعدي، عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ))، والتطبيق يكون حسب ما طبقه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حياته، وحسب اجتهاد الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام رضي الله عنهم من بعده، وحسب اجتهاد المجتهدين المصطَفَين المخلصين، الذين أُشرِبت قلوبهم وعقولهم فَهمَ الكتاب والسنة.

 

وعلى ذلك، فلا يجوز الفصل بين الكتاب والسنة أبدًا، ومن يحاول الفصل بين الكتاب السنة، فهو كمن يحاول الفصل بين أصابع اليد والكف الذي نبتت منه الأصابع، وهذا حمقٌ وبدعةٌ، وفسقٌ وضلالٌ.

 

وهذا هو المجتهد منذ عصر الخلفاء الراشدين وإلى قيام الساعة، ولا يتبعه إلا مؤمن، ولا ينكر عليه إلا جاهل، أو مُضلِّل، أو فاسق.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
قراءة كتاب أبحاث المؤتمر التاسع عشر لمجمع الفقه الإسلامي أونلاين 2023
العفو والصفح (2)