المرأة وموقعها في المجتمع الإسلامي (خاطرة نقدية للحركة النسوية)


المرأة وموقعها في المجتمع الإسلامي

(خاطرة نقدية للحركة النسوية)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:

كلما اقترب اليوم العالمي للمرأة، الذي يصادف الثامن من شهر مارس من كلِّ سنة ميلادية، تُطالعنا في وسائل الاتصال المختلفة، صيحات وصرخات مزعجة تُصدِّع رؤوسنا بشعارات زائفة، ومطالب واهية من قبيل: مساواة المرأة بالرجل، حرية المرأة، حقوق المرأة؛ حيث يصوِّرونها مظلومةً ومهضومةَ الحق! وأنا لا أدري مَنْ ظلمها؟! هل هو أبوها الذي ربَّاها وهي صغيرة ضعيفة؟! أم أخوها الذي يكافح في هذه الحياة ليرعاها ويحرسها؟! أو زوجها الذي يسعى في نفقتها حُبًّا وكرامة؟! ولا ندري ماذا يعنون بالرجل بالضبط حتى نتفاهم حول الموضوع؟! فإذا لم يكن القريب، فما شأنها بالغريب؟!

 

إن هذه الدعوةَ دعوةٌ فاجرةٌ، الغرضُ منها بيِّنٌ واضِحٌ لا يحتاج إلى مزيد تفصيل؛ وهو إخراج المرأة من بيتها لينهشها ذئابُ العلمانيِّين والزنادقة الملحدين، ويزيلوا عنها لباس الحياء حتى تنتشر الرذائل في المجتمع الإسلامي، ويكسروا حاجز اللوم بالنسبة “للنَّسويات“؛ فالشيء إذا عمَّ هان، وودت الزانية لو أن كل النساء زانيات!

 

أما الذين يطالبون بحريِّتِها، فإنهم لا يقصدون بالحرية الحرية المطلوبة شرعًا؛ وهي حرية الإنسان في عبادة الله وحده وترك ما سواه من المعبودات، وإخلاص الطاعة لله وحده، كما قال ربنا سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: 5].

ولكن الحرية عندهم، عند العلمانيين والحركات النسوية، أن تكشف المرأة عن عورتها، وأن تفطر في رمضان جهارًا، وأن تتسافد في الطُّرُقات كما تتسافد الحمير، بلا لوم ولا عتاب؛ بل يجب أن نسعد لأجلها؛ لأنها حُرَّة! يا لها من حرية، لم أرَ مثلَها إلا عند البهائم، وإن من البهائم ما يستحيي أن يفعل بعض هذه السلوكات؛ بل البهائم تسبح بحمد الله آناء الليل وأطراف النهار ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء: 44].


فبهذه المناسبة عنَّ لي أن أهْتَبِلَ الفرصةَ؛ لأتحدَّث عن موقع المرأة في المجتمع الإسلامي.

 

أنطلق من قول شاعر النيل حافظ إبراهيم:

الأُمُّ مدرسةٌ إذا أعْدَدْتَها
أعْدَدْتَ شَعْبًا طيِّبَ الأعراق!

 

فالمرأة هي نصف المجتمع بالأصالة، وهي النصف الآخر بالتَّبع؛ أي: للمرأة دور في صنع النصف الثاني كما سيأتي! لكن، هذا المعنى يكون صالحًا حينما تؤدي المرأة مُهِمَّتَها التي أُنِيطَتْ بها؛ وهي التربية والتعليم! تربية النشء تربيةً إسلاميةً صالحةً، وتعليمه الأخلاق الحسنة!

فالأمُّ هي المنبع الأول للأخلاق، والمجتمع بدون أخلاق لا حاضر له ولا مستقبل.

ونرجع إلى الشِّعْر كَرَّة أخرى، لنستفيد منه هذا البيت الذي صار مضرب المثل لأمير الشعراء أحمد شوقي:

إنَّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بقيت
فإنْ هُمُ ذهبَتْ أخلاقُهم ذهبوا

 

وقال أيضًا لله درُّه:

أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتمًا وعويلا!

فهذه هي الغاية الكبرى، والمقصد الأسنى للمرأة في الإسلام، وإن كانت لها وظائف ومهام أخرى؛ ولكن تبقى مهامَّ ثانوية تطوعية شخصية، وليست بواجبة عليها!

وجدير بالذكر، فالمرأة في الإسلام ليست نِدًّا للرجل، ولا منافِسة له، كما يُساق لنا في المواقع والواقع، وإنما هي كما قال ربُّنا سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل: 3، 4].

فلكل من الرجل والمرأة سَعْيٌ معين في هذه الحياة؛ فإذا كان الرجل ذا قوة جسدية؛ فقد أوكل إليه الله النفقة على الأهل والعيال، قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: 34]. فأوجب عليه العمل تكليفًا قبل أن يكون تشريفًا!

وأما المرأة، التي هي منبع العواطف والحنان والدَّلال، فقد أوكل إليها مهمة تتناسب وطبيعتَها؛ وهي أشرف المهام على الإطلاق؛ ألا وهي تربية الإنسان! فهي صانعة الرجال ومربية الأجيال، وهذه وظيفة جليلة لا تجاريها وظائف الدنيا كلُّها!

أرأيت أشرف أو أجلَّ من الذي
يبني ويُنشئ أنفُسًا وعُقُولا!

 

فالمرأة هي جوهر المجتمع، ولبُّه، وأساسُه، لا تقوم لأُمَّة قائمة بدون المرأة!

والإسلام أعاد للمرأة حقوقها المسلوبة، وأنشأ لها حقوقًا أخرى لم تكن حين مجيئه، تدور في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية!

 

فعندما كانت المرأة تُقتَل وتُدفَن حيةً وهي بريئة رضيعة! في مجتمع جاهليٍّ لا أثر للرحمة في قلوب أصحابه، وعند الواحد منهم كلام الناس أهمُّ من حياة البنت الضعيفة المسكينة! كما حكى عنهم ربُّنا سبحانه في محكم التنزيل: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل: 58، 59].

 

وعندما كانت المرأة في مجتمع آخر تُباع وتُشترى في الأسواق، وتتوارث في الميراث كسائر الممتلكات!

 

وفي مجتمع آخر ينظر إليها كأنها شيطان، وأنها بلا روح، أو أن روحها على النقيض من روح الرجل! وغيرها من الأمثلة البشعة التي تشمئزُّ منها النفوس، وتنفر منها الطِّباع السليمة؛ ولكنها أمثلة تصوِّر لنا حياة الجحيم التي كانت تعيش فيها المرأة! حتى صدق فيها قول الشاعر:

لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ
إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

 

أمام هذا الاضطهاد اللاإنساني للمرأة، وأمام غلبة سلطة التقاليد والعادات القاسطة في حق هذا الجنس اللطيف، أشرقت شمس الإسلام في جزيرة العرب، فبدَّدَت بإذن ربها هذه الظلمات الحالكة، وقضت على هذا الظلم الجائر، والاستبداد الغاشم، وأذابت الأضغان والأحقاد تجاه المرأة، كما يذوب الملح في الماء، فتبدَّلت حياتها تبديلًا؛ من الإحراق إلى الإشراق، ومن الإهمال إلى الدلال، ومن الاحتقار إلى الافتخار؛ بل أَنزل فيها ربُّنا قرآنًا خالدًا باقيًا ما بقيت الأرض والسماوات، وسمَّى سورة كاملة بـ”النساء”، و”مريم”، فحفظ حقَّها، وصان شرفها، وأعلى من شأنها؛ قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، وقال جل وعلا: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].

 

ورسول الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حَثَّ في أحاديث كثيرة على صون المرأة، وإكرامها، وحسن عِشرتها، والاهتمام بها، حتى قال للرجال: ((خيرُكم خيرُكم لأهله))، وأوصاهم في خطبة الوداع بالنساء قائلًا لهم: ((استوصوا بالنساء خيرًا)).

 

بل إن المرأة ساهمت في الدعوة الإسلامية إسهامًا كبيرًا، فيكفي أن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ساندته زوجتُه خديجة رضي الله عنها بمالها ونفسها؛ فهي أول من آمنت به على الإطلاق- على الصحيح- وأسماء بنت أبي بكر الصديق تسمَّتْ بذات النطاقين لتضحيتها يوم الهجرة إلى المدينة، وأم سليم الرميصاء بنت ملحان أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وصل يثرب، ولدَها أنَسَ بنَ مالكٍ ليخدمه، وأبو أيوب الأنصاري وزوجته ضيَّفا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تُبْنى حجرات أمهات المؤمنين، وأم سلمة رضي الله عنها عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتراحًا كان سببًا في الخروج من أزمة يوم الحديبية، فعمل رسول الله برأيها، وفي هذا رَدٌّ على أصحاب المقولة: “شاوروهن وخالفوهن”، فهو ليس بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

أما أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه فهي مدرسة وحدها، وفضلها على الأمة لا ينكره إلا جاهل أو حاقد، فهي أفقه النساء على الإطلاق؛ بل ومفتية ومعلمة للرجال من الصحابة والتابعين، رضي الله عنهم.

 

هذه بعض الأمثلة على سبيل الذكر لا الحصر، ومن ارتأى المزيد فليرجع إلى كتب التراجم والسير والمطولات، فسيجد فيها بغيته وغنيته.

 

ديننا الإسلام، أعطى لكل ذي حقٍّ حقه، بدون ميل إلى طرف على حساب آخر، فقد حق للمرأة العدل التام، فأثبت لها الميراث، وأسقط عنها الصداق والنفقة بعد الزواج ولو كانت غنية.

 

المرأة في الإسلام دُرَّةٌ مصونةٌ، لها حقوقها وكرامتها وعزتها، وليس كما يُروِّج بعضهم من العلمانيين والحركات النسوية؛ بل هن- في حقيقة الأمر- عدُوَّات النساء والرجال، والدين والفطرة الإنسانية، يصورن صراعات لا وجود لها في الواقع، ولكن مطلبهُنَّ أن يُفكِّكْنَ الأُسَر، ويشجِّعْنَ على الفساد والبغاء والمنكر.

 

المرأة في الإسلام مكانها سامق، وفضلها سابق، ولا ينكر هذا إلا زنديق أو منافق؛ فالمرأة وهي أُمٌّ: الجنةُ عند قدمها، والمرأة وهي بنت أو أخت: حجاب يمنع من نار جهنم، والمرأة وهي زوجة: سكن لزوجها، والمرأة وهي خالة: بمنزلة الأم، طاعتها سبب لمغفرة الذنوب.

 

النساء في الإسلام سبب للفلاح في الآخرة، وطريق إلى الجنة، إذا أدَّى الإنسان ما عليه من حقوق تجاههن.

 

النساء في الإسلام هن المؤنسات، وهن الغاليات، وهن البلسم الشافي، وهن الوطن، ولا يحفظ هذا الوطن ويصونه إلا خيارُ الناس، لقد طاف بآلِ محمَّدٍ اللَّيلةَ سبعونَ امرأةً كلُّهنَّ يشتكينَ الضَّربَ وايمُ اللهِ لا تجِدونَ أولئكَ خياركم”؛ كما جاء عن سيد الناس صلى الله عليه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
عبارة (الأهم فالأهم) ونظائرها أمثلة وشواهد
رمضان والخشية وعمارة المساجد والمصاحف (خطبة)