المسكرات وأضرار انتشارها (خطبة)
المسكرات وأضرار انتشارها
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرورأنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن خير الحديث، كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون عباد الله، غير خاف على الغبي والنبيه، والحليم والسفيه – أنه ما من خير إلا وقد أثنى عليه ديننا، وما من شر إلا وحذَّرنا منه ربنا ونبينا، علمه من علمه، وجهله من جهله.
وإني محدثكم اليوم عن بعض هذه الشرور والمخاطر، والخبائث والكبائر، التي حذرنا الله منها، وأمر باجتنابها، بل ولعنها، ولعن صاحبها وحاملها، وكلَّ ما له علاقة بها.
إني محدثكم اليوم عن كبيرة من الكبائر، وخبيثة من الخبائث، بل هي – وربي – أم الخبائث، فكم قتلت من أنفس محرمة، وكم أخذت من أموال محترمة! كم انتهكت بسببها أعراض! وكم كانت سببًا في الغفلة والإعراض! كم اعتُدي من خلالها على المظلومين، وكم كانت سببًا في قطع الطرقات، والاعتداء على الضعفاء والآمنين.
نعم حديثنا اليوم عن آفة من الآفات، ومرض من الأمراض المهلكات، حديثنا اليوم عن الخمور والمخدرات، وعن أصحاب الخمور والمسكرات، الذين أصبحنا نراهم، ونسمع عن سكرهم في المجامع، والشوارع والطرقات.
ولقد دعاني، وحرك همتي، ولساني بطرح هذا الموضوع على مسامع إخواني؛ هو كثرة الفساد والاعتداء، وقتل الآمنين والأبرياء، حتى أصبحنا لا نسمع عن جريمة قتل إلا ويقال: إن القاتل كان سكرانًا! وما اعتُدي على أحد في بيته، أو على مسافر في طريقه، إلا ويقال إن المعتدي كان سكرانًا، وما اعتدي على الآمنين في مأمنهم، ولا التجار في أعمالهم وتجارتهم، إلا ويقال: كانوا سكارى! كذلك نهب، وسلب المسافرين في سفرهم، إلا ويقال: إن قطاع الطرق كانوا سكارى، وقل مثل ذلك في الزنا، والسرقات واللواط، والاختطافات، والحوادث المؤلمات، وغير ذلك، ونعوذ بالله من كل المهالك!
أمة الإسلام، لقد ذكر لنا في كتاب الله العظيم، وسنة رسوله الكريم – صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين – في هذه الآفة الخبيثة ما لم يُذكر في كثير من الجرائم العظيمة، فاسمعوا – رحمكم الله – ما أنزل الله في الخمر، وما ذكر فيه رسول الله من الوعيد والزجر، في الخمر وشاربها، ومن تسبب في شربها.
يقول ربنا في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].
وروى الإمام مسلم رحمه الله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن على الله عز وجل عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النار» أو: «عصارة أهل النار» [1]، نعوذ بالله من سخط الجبار!
لقد كتب الله على نفسه عهدًا أن يسقيك أيها السكران من عرق أهل النار؛ التي فيها الكفار والفجار.
اسمع يا من تدخل الرجس والنتن في جسدك، اسمع يا من تفسد عقلك بيدك، فليسمع هذا الكلام أولئك الذين يبيعون، ويشربون الخمور والمسكرات، وحصل ما حصل بسببهم من الفواحش والمنكرات.
اسمع كذلك إلى ما رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني رحمهما الله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة؛ مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث»[2]، وهو الذي يقرر الخبث في أهله.
وروى ابن حبان وصححه الألباني رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لقي الله مدمن خمر، لقيه كعابد وثن».
وروى ابن حبان وصححه الألباني رحمهما الله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا؛ فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقًّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة»، قالوا يا رسول الله: وما طينة الخبال؟ قال: «عصارة أهل النار»، نعوذ بالله من النار، ومن كل ما يقرب إلى النار[3].
تأملوا يا أمة الإسلام إلى ما أنزل الله من وعيد للسكارى! من شرب فسكر أربع مرات كان حقًّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، فكيف لو سكر مرات، وكرات، كيف لو أصبح طوال عمره بين الخمور، والمسكرات كم هم أولئك الذين قد صار الخمر يجري في عروقهم، وأصبحت تراهم كالمجانين من خلال تصرفاتهم وأفعالهم، وتأتيك الوحشة عند لقائهم، ورؤيتهم؟!
وروى الإمام أحمد، وحسنه الألباني رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وهو يشرب الخمر سقاه الله من نهر الغوطة؛ وهو ماء يجري من فروج المومسات الزانيات يؤذي أهل النار ريح فروجهن»[4].
وروى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقسم ربي بعزته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من الخمر إلا سقيته مثلها من حميم جهنم، ولا يدعها عبد من عبادي من مخافتي إلا سقيته إياها في حظائر القدس مع خير الندماء، نعوذ بالله من عذابه وعقابه! ونسأل الله من جوده وفضله»[5].
أيها المسلمون عباد الله، ما تقدم ذكره من الوعيد والتحذير، والترهيب والتنفير، هو بعض وعيد الله في أصحاب الخمور، والمسكرات، والحبوب، والمخدرات، ونحو ذلك، ولو تعددت المسميات، هذا في من شربها، وظلم نفسه بشربها، أما من يبيعها، ويروجها، ويتاجر فيها، وينشر المنكر والرذيلة في أرض الله، ويفسد فيها، فهذا ملعون لعنه الله من فوق سماواته.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده، وصححه الألباني رحمهما الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل، فقال: يا محمد، إن الله لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وشاربها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، ومستقيها»[6].
لقد لعنك الله يا من تبيع الخمر وأنت للعن أهل؛ أما وجدت لك تجارة تتاجر فيها إلا أن تبيع الخمر في أوساط المسلمين، وتنشر الفساد، والشر وتحارب رب العالمين، وأنت يا من تحملها أبشر بلعنة الله لك؛ فأنت ملعون وإن لم تشربها! يامن تحملها في سيارتك، يامن تحملها في حافلتك، أو دراجتك!
يامن تحملونها، وتسهلونها لأصحابها، اتقوا الله واحذروا من لعنة الله لمن شارك في شربها، فلقد أصبح أصحاب الخمور إذا أراد الواحد منهم قارورة من الخمر، فما هو إلا أن يضغط على جواله وإذا بصاحب الدراجة النارية يأتيه إلى بابه، ألا فليتق الله من يحملها، وليتق الله من يسقيها، ويتاجر بها، ليتق الله من يعمل في بعض الفنادق والمنتزهات، التي تبيع لروادها الحبوب، والمسكرات.
وليتق الله المسئولون في منع هؤلاء المفسدين، الذين ينشرون المنكر، والرذيلة في أوساط المسلمين، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يزيل المنكر والرذيلة من بلادنا، ومن أمتنا، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أمر بتقواه، وأخبر أن من اتقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أيها المسلمون عباد الله، إن الخمر أم الخبائث والقبائح، ومجمع الشرور والرذائل، والفضائح، وما نشاهده في هذه الأيام من كثرة القتل والاعتداء، والسرقة والزنا، والحوادث وغيرها؛ إلا كان الخمر في مقدمة أسبابها، فكم فيها من المفاسد والأضرار، وكم فيها من المصائب والأخطار؛ سواء كانت اجتماعية، أو صحية، أو اقتصادية، فمن أضراره الاجتماعية:
أولًا: سبب عظيم في جرائم الاقتتال بين المسلمين، وسلب وإرعاب الآمنين. فكم ذهبت من الأنفس البريئة بسببها في حال سكر أهلها، فكم من مشكلة، أو كلمة حصل من ورائها سيل من الدماء، وبعد التحقيق، والتدقيق، يكتشف أن القاتل كان سكرانا، كم هي حوادث السيارات، والناقلات التي أهلكت العشرات، والمئات؛ بسبب سائقي السيارات في حال سكرهم، وفقد عقولهم. قل مثل ذلك في الاعتداء على الآمنين، والتجار والمسافرين.
ثانيًا: ومن أضراره الاجتماعية أنها كانت سببًا في تحطيم كثير من الحياة الزوجية، والبيوت الأسرية، فكم فُرِّق بين زوجة وزوجها بسبب الخمور- قاتل الله من يصنعها، ويبيعها- قد يطلق الزوج زوجته في حال سكره – ولا يعتد بطلاقه – لكن أهل الزوجة قد تأخذهم الحمية، فيأخذونها ليؤدبوا زوجها، وقد يضرب السكران زوجته، فتظل الشهور والدهور وهي في بيت أهلها، وقد يضرب أولادها، أو يسب أمها، أو أباها، فتعيش المرأة في عناء طوال حياتها، وكثيرًا ما تأتي وهي باكية، وشاكية من زوجها؛ بسبب الخمور، لا بارك الله فيها.
ثالثا: من أضراره الاجتماعية أنه سبب في فاحشة الزنا – والعياذ بالله – ففي حالة سكر السكران يهون عليه الفحش والهوان، وما لا يخطر ببال، ويدور بخيال، فقد يزني -والعياذ بالله- حتى بأقرب محارمه إليه.
فقد ذُكر أن امرأة أرملة في الستين من عمرها، خرجت من بيتها في الساعة التاسعة مساءً، فرأت سكرانًا في طريقها، فرآها في حال سكره كأنها شابة فاتنة في مقتبل عمرها، فأخذها فجعلت تصرخ بأعلى صوتها، وتذكره بأنها أكبر من أمه وأنها وأنها، ولكن صراخها لم ينفعها ثم فعل بها الفاحشة، وسرق ما معها، ثم قتلها!
وآخر دخل بيته ليلًا في حال سكره، وغياب عقله، فتحت له أمه، ثم أراد بها الفاحشة، فدفعت الأم عن نفسها، لكنه غلبها وفعل بها الفاحشة، ثم قتلها، ثم لم أصبح وانتشر الخبر، قتل نفسه، ليلقى الله بشرب الخمر، وبقتل نفسه، وقتل أمه، نسأل الله السلامة والعافية!
رابعًا: كذلك من أضراره الاجتماعية أن الرجل إذا كان يسكر، أو يتعاطى أي مسكر من المسكرات، فإن فعله سينعكس على أولاده، ثم على أحفاده وهكذا.
فالأولاد حين يرون آباءهم، أو يسمعون عن أبيهم أنه يتعاطى شيئًا من المسكرات؛ سواء كان سكره حبوبًا، أو حشيشًا، أو مشروبًا، فإن ذلك سيهون هذه الجريمة في نفوسهم، ثم مع الأيام سيصبح ذلك شيئًا طبيعيًّا في حياتهم، وهكذا تنشأ أسرة ساكرة فاجرة بسبب سكر أبيهم، ثم بعد ذلك يأتي الأحفاد ليقتدوا بالأولاد، وهكذا يسري الفساد في الأولاد، وفي البلاد، نسأل الله أن يلطف بالعباد، وأن يهدينا وإياهم سبيل الرشاد.
أما أضراره الاقتصادية، فهي عظيمة وعميمة، فترى المبتلين بالمخدرات، والمسكرات، من أفلس الناس، وأفقرهم، فكم قد سمعنا عن تاجر أفلس في تجارته، وأصبح عبرة لغيره من أقرانه، وقرابته؛ لأن إدمانه أوقفه عن عمله، وأصبح سكره من رأس ماله؛ ولأن غياب عقله في أكثر وقته جعله يلعب بماله، ويوزعه عن يمينه، وشماله، وقد كان جمعه طوال حياته، بل لعله يرجع بعد ذلك ليبيع ضروريات بيته، وقد يصل به الأمر إلى مد يده، أو بيع عرضه وولده، كما نسمع في بعض الدول؛ نسأل الله السلامة والعافية!
قل مثل ذلك في ضرره العام على البلاد، من تقليل أو تعطيل اقتصادها؛ وذلك بوقف الأيدي العاملة التي كانت تعمل فيها، وغير ذلك مما نعلمه جميعًا من مفاسدها، وأضرارها؛ والله المستعان!
أما الأخطار والأضرار الصحية، فحدِّث عنها ولا حرج، وعدد أضرارها على الجسم، والعقل ولا تتحرج.
فمنها: تصلب الشرايين، وفساد القلب، واعتلال الأجهزة الهضمية، والتنفسية، والتناسلية، ودمار المراكز العصبية وخلايا المخ وغير ذلك، فيصبح السكران شخصًا معتلًّا، وشبحًا مخيفًا، وكل هذا وذاك يهون، إذا ما قارنتها بأعظم مفسدة تكون، وهي حين يصبح السكران كالمجنون، ولا مقارنة؛ فالمجنون قد رُفع عنه القلم؛ لأن ذهاب عقله لم يأتِ من تلقاء نفسه، أما المجنون فهو الذي أفسد عقله بيده، وهو الذي تسبب في تعطيل، وإفساد أعظم نعمة أنعم الله بها على عبده!
قال الحسن البصري رحمه الله: «لو كان العقل يُشترى لتنافس الناس على ثمنه».
آهٍ لو رأيت أيها السكران حالتك عند سكرك! آهٍ لو رأيت حالتك، ومظهرك عند غياب عقلك، ولو رأيت من ينظرون إليك، وهم يستقذرونك، ويستوحشون من رائحتك، وقبح شكلك!
ذكر القرطبي في تفسيره: «أن رجلًا شرب الخمر ثم بال وتوضأ ببوله، ثم قال: اللهم اجعلني من التوابين ومن المتطهرين!» نسأل الله السلامة والعافية.
قال ابن الوردي رحمه الله:
واترك الخمرةَ إن كنت فتى كيف يسعى في جنون من عقل |
لقد رأى أحد الدعاة رجلًا قد تجاوز الخمسين من عمره وهو في حال سكره، قال: وكان يتكلم بسباب وفحش، وسفاهة، وبحالة مقززة – عافانا الله منها – وبعدما نصحه قال: إن به عِرقًا يؤلمه في رأسه، فهو يشرب الخمر ليتداوى به من مرضه، نسأل الله حسن الختام، نسأل الله حسن الختام، وهو في هذا السن من عمره ويجعل علاجه فيما حرم الله عليه! وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها».
يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: «دخلت على تلميذ لي حضرته الوفاة، فجعلت ألقنه الشهادة، لكن لسانه لا ينطق بها، فلما كررتها عليه قال:
لا أقولها، وأنا بريء منها! فخرجت من عنده وأنا أبكي، ثم رأيته بعد مدة في منامي وهو يسحب على النار، فقلت له: يا مسكين، بما نزعت منك المعرفة؟! فقال: يا أستاذ، كان فيَّ علة فأتيت بعض الأطباء، فقال لي: تشرب في كل سنة قدَحا من الخمر، وإن لم تفعل تبقى بك علتك، فكنت أشربها كل سنة لأجل التداوي بها! نسأل حسن الختام!».
هذا حال من شربها للتداوي – كما يقول – فكيف بمن شربها ليستمتع بها، ويبارز الله بشربها؟! كيف بمن أصبحت تجري في عروقه، ومن ضروريات حياته التي لا يستطع أن ينفك عنها؟!
أيها المسلمون عباد الله، ومع هذه الأخطار والأضرار إلا أن المبتَلَين بهذه الآفة المدمرة، والمعصية المنكرة كثرة متكاثرة، فقد ذكرت الدراسات الغربية الحديثة أن خمسة عشر مليونًا يموتون سنويًّا في الغالب بسبب الخمور، وإن عددًا من الوَفَيات بسبب الكحول يفوق عدد ضحايا الإيدز، وغيرها من الأمراض، نسأل الله السلامة والعافية.
ومما أثبتته الدراسات والإحصاءات أيضًا أن عددًا من مدمني المخدرات في ازدياد كبير، وتتراوح من سبعة إلى عشرة في المائة، ومعظمهم من الشباب، والله المستعان.
فلقد كان الناس لا يبيعون أو لا يسمعون عن شُرَّاب الخمور إلا عن أبناء الثلاثين، والأربعين، ومن الأغنياء والمترفين، ولقد كان الرجل السكران والسكارى يشار إليهم ويستوحش من رؤيتهم، وذكر اسمهم، ويعدون كالشواذ في قبيلتهم، وفي أحيائهم، أما في هذا الزمان فلقد أصبحت المسكرات، والمخدرات بجميع أنواعها في متناول كثير من أبناء العشرين، ودون وفوق ذلك، وأصبحتَ تراهم في بعض الأزقة والطرقات، وفي بعض اللقاءات والاجتماعات.
ولكثرة المتعاطين والواقعين في هذا المستنقع المشين، تعددت المسكرات وأنواعها، واختلفت أسماؤها وأشكالها ظنًّا من صناعها وروادها أن ذلك سيغير حكمها، ومن قذارتها ودناستها، ولكنَّ شريعة الإسلام التي جاءت لكل زمان ومكان قد سدت باب الحيل والمغالطات، وجعلت مدار الحكم على العلة لا على المسميات.
فلقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث أبا موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، قال لهما: «يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا»، قال أبو موسى: يا رسول الله، إنَّا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له: البِتْع، وشراب من الشعير يقال له: المِزر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر حرام» [7].
وروى مسلم رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام»[8].
فالعبرة بالإسكار أيها المروجون الفجار، سواءٌ كان حبوبًا، أو مشروبًا، أو حشيشًا، أو شيئًا مشمومًا، أو غير ذلك مما فيه إسكار، هذه قاعدة نبوية: كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، وليسمه أهل الخمور والمسكرات بما شاؤوا من المسميات والمغالطات، مع العلم أن الله قد أطلع نبيه على ما سيكون من بعض عباده، من الكذب والمنكرات، والكذب في بعض المسميات.
فقد روى ابن ماجه وصححه الألباني، عن أبى أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر، ويسمونها بغير اسمها!»[9].
صلى الله على من لا ينطق عن الهوى، وكأنه في زماننا وعصرنا فيصفه لنا.
فإلى كل من ابتلي بهذا البلاء، دونك ما قد ذُكر من كلام رب الأرض والسماء، وما سمعته من ترهيب، وتحذير من خير الأنبياء، والأصفياء، وكلام العقلاء، والأطباء، والحكماء، فإن لم تعِ، وترعوِ بكلام الله، وكلام النبي، فاعلم أنك قد عرضت نفسك للعنة الله، ولا أمان لك من مكر الله بتغير حالتك، وسوء خاتمتك.
فإن من عاش على شيء، مات عليه، فقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلًا يخرج من القبر والكأس بيده، فقال: «من هذا يا جبريل؟ قال: هذا شارب الخمر، يموت سكرانًا، ويبعث سكرانًا، وسيلقى الله وهو سكران».
سئل بعض التائبين عن سبب توبته، فقال: كنت أنبش القبور، فرأيت فيها أمواتا منحرفين عن القبلة، فسألت أهلهم عنهم، فقالوا: كانوا يشربون الخمر في الدنيا، وماتوا من غير توبة! ويقول بعض الصالحين: مات لي ولد صغير فدفنته، ثم رجعت إلى بيتي، فرأيت ولدي الصغير في منامي وقد شاب شعره، فقلت له: يا بني، مالي أرى الشيب في رأسك؟! قال: أبتاه قدم علينا فلان بن فلان ممن كانوا يشربون الخمر؛ فزفرت جهنم زفرة حتى ما بقي أحد في المقبرة إلا شاب شعره!
واللهَ نسأله حسن الختام، وأن يهــدي العبــاد من بدو ومن حضــرِ.
أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يثبتنا، وأن يهدي شبابنا، وأن يطهر بلادنا، ومجتمعاتنا من كل ما يضرنا في ديننا ودنيانا!