المغيث الودود
المغيث الودود
إذا كثُرَتِ الشدائد، وتعاظمت المكائد، وتفاقمت المفاسد، واختلطت العقائد، بمن تلوذ؟
إن حاصَرَتْك الظُّلْمَةُ، وواجهتك الغُمَّة، وطالت عليك العَتَمَةُ، فإلى من تلجأ؟
إن تعثَّرت خُطُواتك، ونفِدت أسبابك، وسُدَّت أبوابك، وأصبح الحال غير الحال، والمآل غير المآل، بمن تستغيث؟
قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 9].
إذًا المغيث هو الله ولا أحد سواه، قد يساعدك شخص ما، لكن ذلك الشخص ما هو إلا سبب هيَّأه الودود لمساعدتك، وغَوثٌ أرسله المغيث من أجل إعانتك.
اسْتَغِثْ بالمغيث، وتودَّد للودود، يملأ الفرح يومك، وتغمر السعادة صباحك، فتشرق فيه شمس ليست كأيِّ شمس، وضوء ليس كأي ضوء، فيصبح يومك ممتلئًا بالبشائر، فائضًا بالفرح، غارقًا في الجبر والعِوَضِ، فيطمئن فيه قلبك، وتهدأ عنده نفسك، وتستقر في ساحات السلام روحك؛ لذلك استعِدْ هدوءك، وتوكل على ربك؛ فالغِيَاثُ هو المغيث، وأكثر ما يُقال: غِيَاث المستغيثين، ومعناه: المدرِك عبادَه في الشدائد إذا دَعَوه، ومجيبهم ومخلصهم؛ وفي الصحيحين: ((اللهم أغِثْنا، اللهم أغثنا))، إن الإغاثة أحقُّ بالأفعال، والاستجابة أحق بالأقوال، وقد يقع كل منهما موقعَ الآخر؛ قال ابن القيم: “وهو المغيث لكل مخلوقاته وكذا يجيب إغاثة اللهفان”.
الله تعالى مغيثٌ لجميع المخلوقات عندما تتعثَّر أمورها، المغيث اسم فاعل من الغَوث؛ وهو تفريج الكرب وإزالة الشدة، عندما تتعثر أمورها، وتقع في الشدائد والكربات؛ وفي الحديث: ((عَجِبَ ربُّنا من قنوط عباده وقُرْب غِيَرِه، ينظر إليكم أزِلِين قَنِطين، فيظل يضحك، يعلم أن فرجَكم قريب))؛ [حديث حسن، رواه البيهقي في صحيح الجامع].
ما من حزنٍ إلا رافعُه الودود المغيث، وما من مرض إلا شافيه الودود المغيث، وما من بلاء إلا كاشفه الودود المغيث.
تتزاحم الآلام في قلبك حتى يُخيَّل إليك أن ليس لها كاشفة، وأنها باقية ما دمتَ حيًّا، فإذا بالمغيث الودود يجبر خاطرك، ويريح بالك، ويُطَمْئِن قلبك، حتى تتبخر جميع آلامه وأوجاعه، فيعود بعد ذلك كأن لم يصبه شيء.
قد يحدث أن يمنع الله عنك ما تحب؛ ليرى استقامة قلبك حال الفقد، حال نفسك بعده، تعلقك في حال الفقد لله أم لغير الله؟ استغاثتك بالخالق أم بالمخلوق؟
إنه امتحان ولكي تنجح فيه، ولكي تجتازه وتنهيه؛ يجب أن تتماسك، وأن تجعل وجهتك ربك مهما ثقُل عليك أمرك، اصبر أو تصبَّــر، ستجتاز في النهاية وتلقى عون الجليل، والعوض الجميل، والجزاء الجزيل.
قال ربنا: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ [الشورى: 28].
والغيث هنا هو المطر، وعندما ينزل المطر تبتلُّ الأرض، ويشرب الزرع والضَّرع، فتزدان الحياة وتخضر الأرض، وهنا ينشر الله تعالى رحمته، كما ينتشر السَّماد في الأرض.
نسعى في قلب الليل داعين الله عز وجل، راجين أن يتقبل منا دعواتنا، ويرزقنا ما يفرِّج به همومنا، ويزيح عن قلوبنا الغمَّ والحزن، وكما أن لله في أيام الدهر نفحاتٍ يفتح بها على عباده ويتقبل منهم، هناك أدعية يُظَنُّ فيها الاستجابة والقبول، ومنهم دعاء يحمل اسم الله الودود، معانٍ طيبة تشير إلى الرحمة والحب؛ فسبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: 13 – 16].
وجاءت الودود في هذه الآية بمعنى الرحيم أو الحبيب حسب تفسير الطبري، وهو ما يوحي برقة هذا الاسم، ومحبة الله لعباده، وغفرانه لذنوبهم مهما عظُمت، ورضاه عنهم وإحسانه إليهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله إذا أحب عبدًا، دعا جبريل فقال: إني أحب فلانًا فأَحِبَّه، قال: فيُحِبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحِبُّوه، فيُحبه أهل السماء، قال: ثم يُوضَع له القَبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا، دعا جبريل فيقول: إني أُبْغِض فلانًا فأبْغِضْه، قال: فيُبْغِضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يُبْغِض فلانًا فأبْغِضوه، قال: فيُبغضه أهل السماء، فتُوضع له البغضاء في الأرض)).
أي: إن محبة الله لعباده تغمرهم بالرحمة والمودة، وعندما يُدْعَى الله باسمه الودود، فهو يغيث الداعي، ويشمله باللطف واللين والرعاية، ويجعله في معيته، خاصة أن الدين الإسلامي دين محبة وتآلُفٍ.
وهذا الدعاء مُفْعَم بالخشوع والتودد وطلب الغوث: “يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعَّالًا لِما تريد، أسألك بعزِّك الذي لا يُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شرَّ ما أهمَّني وغمَّني (يمكن تسمية ما تريد)، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني”.
ويمكن لكل صاحب همٍّ أن يدعوَ به بعد أن يصلي أربع ركعات، يفرِّج الله همَّه، ويزيل عنه الكرب.
ويمكن الاعتماد على دعاء (يا ودود) بصيغ مختلفة لجلب الرزق، فقد يدعو العبد ربه: “يا ودود يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالًا لِما تريد، لك الحمد ولك الشكر على جميع نِعَمِك، اللهم ثبِّت لي يقيني، وارزقني رزقًا حلالًا يكفيني، وأبْعِد عني شر ما يؤذيني”.
“يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، اللهم إني أسألك بعزك الذي لا يُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك إن أصبحت بحزن أن تمسيني على فرح، وإن نمت على ضيق فأيقظني على فرج، وإن كنت بحاجة، فلا تكلني إلى سواك، يا حي يا قيوم”.
ويمكن لقضاء الحاجة وكشف الكرب: “يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالًا لما تريد، اللهم إني أسألك بعزك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تلبي لي حاجتي، اللهم اخرجني من حلق الضيق إلى أوسع طريق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا من كل يوم هو في أمر جديد، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني”.
“يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالًا لما تريد، اللهم إني أسألك بقدرتك التي حفظت بها يونس في بطن الحوت، ورحمتك التي شَفيتَ بها أيوب، ألَّا تبقي لي حزنًا ولا همًّا، ولا ضيقًا ولا سقمًا، إلا فرَّجته يا مغيث الضائعين”.
الدعاء عبادة يحبها الله؛ فهو الذي قال في كتابه الكريم: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، فالأصل في الدعاء هو الإجابة والقَبول.
لكن اختلفت كثيرٌ من الأقوال حول صحة الدعاء الذي اهتزَّ له عرش الرحمن، وهو دعاء (يا ودود).
عن أنس بن مالك: أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وكنيته أبو معلق، كان تاجرًا يتاجر بماله ومال غيره.
وكان ناسكًا وَرِعًا يُضرَب به في الآفاق، فخرج مرة فلقِيَه مُقنع في السلاح، فقال له: ضَعْ ما معك فإني قاتلك.
قال: ما تريد إلا دمي؟ شأنك بالمال، قال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيتَ، فذَرْني أصلي أربع ركعات.
قال: صلِّ ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال:
يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالًا لما يريد، أسألك بعزك الذي لا يُرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني؛ ثلاث مرات.
فإذا بفارس قد أقبل بيديه حربة وضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص، أقبل نحوه فطعنه فقتله، ذكر أنس رضي الله عنه بسبب هذا الحديث، أنه من توضأ وصلى أربع ركعات، ثم دعا بهذا الدعاء، استجاب الله له، سواء كان في كرب أو غيره.
اللهم أغثنا بغوثك، وأعنَّا بعونك، وارحمنا برحمتك.