النجم المتلألئ


النجم المتلألئ

 

ما إن رأيتُه يتهادى في مشيته إلا وحملتني إليه ذِكرى تحمل في أحشائها سيرةَ أكرَم أبٍ، أجزمُ أن بينه وبين البخل مفاوز تنقطع فيها أعناق المطيِّ.

 

إنها ذكرى مفعمة بالحب، ومشوبة بالحنين، ولستُ أدري هل أستطيع ترجمتها إلى كلمات وحروف وسط هذا الضجيج الهادر الذي يصُمُّ الآذان؟

 

والأعجب أن همَّتَه ما زالت متقدة رغم كبر سِنِّه، وانحناء ظهره وكأنه نجم متلألئ في سماء ليل حالك، أو سحابة فرح تُبلِّل القلب الحزين، ولا غرو فمن عاش عزيزًا يأبى السير في موكب البطَّالين!

 

لكن ما يبعث الحزن في القلب أن تسمع شابًّا- غض الصبا لم يطرَّ شاربُه- يشكو من انطفاء وهج الحياة بداخله، وكأن مصائب الدنيا قد أُفْرِغت في قلبه، ثم تكتشِف أنه قُيِّد بأغلال العجز، ورُبِط بسلاسل الكسل!

 

إن الروح التي تُشبه الغُصْن الخريفي روحٌ دبَّ فيها الضعف حتى أنهكها، ومن تأمَّل حال أصحابها وجدهم قد دخلوا في حيِّز الموتى قبل انقضاء أجلهم وفناء أعمارهم.

 

اسألوا أولئك الذين لم يتسلل اليأس إلى أرواحهم: كيف استطاعوا الحفاظ على وهجها رغم تتابُع المصائب، ما يخرجون من الأولى، إلا وتطل عليهم الثانية من جديد.

 

إن العطاء في أيام المسغبة، والبذل في سنوات القحط بُقْعة نور في زمن يكسوه السواد، وشمعة أمل في وقت يكثُر فيه المتشائمون.

 

ذات ليلة مليئة بالمسرَّات أوصاني أبي أن أصافح النجوم، وأعانق السحاب، وأبذر بذور التفاؤل في كل مكان أذهب إليه دون أن ألتفت إلى الوراء.







Source link

أترك تعليقا

مشاركة
الشعر بين الذاتية والوعي الجمعي
رؤيتان تعرفان بمنزلة الأوزاعي رحمه الله تعالى (ت 157 هـ)