النفاق (2)


النفاق (2)

 

الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أما بَعدُ:

فإن ثمة أعمالًا وصف النبي صلى الله عليه وسلم من يعملها بأنه منافق؛ روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»، وقال مسلم في صحيحه: «إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» مكان «إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»[1]، وفي رواية: «وإنْ صَامَ وصَلَّى وزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِم»[2].


ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون لسَعة علمهم وعميق إيمانهم، يخشون على أنفسهم من النفاق؛ قال البخاري رحمه الله في صحيحه، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: «مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَاّ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا».


وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: «أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ»، وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: مَا خَافَهُ إِلَاّ مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَاّ مُنَافِقٌ، وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 135][3].


ورُوي عن الحسن أنه كان يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو: ما مضى مؤمن قط، ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وكان يقول: من لم يخف النفاق فهو منافق؛ اهـ[4].


وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لحذيفة: أسألك بالله يا حذيفة هل عدّني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ قال: لا، ولا أزكي أحدًا بعدك[5].


فعمر رضي الله عنه لم يقُل ذلك رياءً، ولكن العبد كلما ازداد علمًا، زاد خوفه من ربه، والصحابة رضي الله عنهم لعِظَم خوفهم من ربِّهم، وسَعة علمهم لم يكونوا يحتقرون الذنوب، بل كانوا يستعظمونها، ويخافون عواقبها، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه قال: «إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُوبِقَاتِ»[6].


قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ، وفي صحيح البخاري من حديث زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه: قال أناس لابن عمررضي الله عنهما: «إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ لَهُمْ خِلَافَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا»[7].


اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.


والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الأسئلة:

1- اذكر الأعمال التي وصف النبي صلى الله عليه وسلم من يعملها بأنه منافقٌ.

2- لماذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يخافون على أنفسهم من النفاق؟

3- ما الموبقات؟


[1] البخاري برقم (34)، ومسلم برقم (58).

[2] صحيح مسلم برقم (59)

[3] صحيح البخاري، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر.

[4] جامع العلوم والحكم (2/ 492).

[5] جامع العلوم والحكم (2/ 491)، وانظر: رسالة الشيخ عبدالرحيم المالكي (النصيحة والتحذير من الوقوع في الخطر الكبير) (ص: 12 – 16).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
التقليد الأعمى ضار
New Jersey becomes latest state to prohibit bans on books in school, public libraries – WHNT News 19