الوصية الواجبة بين الموروث الفقهي والواقع المعاصر
(الوصِيَّة الواجبة بين الموروث الفقهي والواقع المعاصر)
إن من المسائل الْمُسْتَجِدَّة في الواقع المعاصر ما عُرِف في باب المواريث بـ(الوصية الواجبة)؛ وهي اقتطاع جزء من التَّرِكَةِ، يُعطى للأحفاد؛ بحيث إذا مات الميت، وترك أحفادًا مات أبوهم في حياة جَدِّهم، يُؤخَذ نصيب محدَّد أقلُّ من الثُّلُثِ فيُعطى للأحفاد.
أقوال الفقهاء في المسألة:
اتفق الأئمة الأربعة على أنها مستحَبَّة، وخالفهم ابن حزم، فقال بالوجوب.
العلة التي بنى عليها الفقهاءُ الحُكْمَ:
الفقهاء في فَهم النصوص ما بين الاستحباب والوجوب، والأئمة الأربعة قالوا بالندب؛ بِناءً على أن الجَدَّ يُوصي لأحفاده، والأعمام يعُدُّون أولادَ أخيهم مثلَ أولادهم، فيغمرونهم بعطفهم ورعايتهم، لكن هذه الفتوى في هذا العصر اختلفت عند الفقهاء المعاصرين؛ فقد علَّلوا الحكمة من إقرار الوصية الواجبة أن يُترفَّق بالذرية الضعفاء، فالأب الذي مات في حياة أبيه أو أمه وترك خلفه ذرية ضعافًا، فإنهم لا يرثون شيئًا من مال جدِّهم، فيجتمع عليهم الفقر واليُتْمُ، خاصة في وجود جفوة الأعمام، فهم في غنًى وثروة، وأولاد أخيهم يُعانون الفقر واليتم، وفي الزمن الماضي لم يكن يشعر الناس بهذه المأساة، وأيضًا الجدُّ في زماننا الآن لا يوصي بوصية لأحفاده، بخلاف الزمن الماضي كان الأمر متعارفًا عليه.
الراجح من الأقوال: هو القول بوجوب الوصية الواجبة، الذي بُنِيَت عليه العلة عند الفقهاء المعاصرين؛ وهي (مصلحة الأحفاد)، وإلى هذا شُرع ما عُرِف بقانون الوصية الواجبة في المحاكم القانونية.
وخلاصة الوصية الواجبة:
أن يوصِيَ الجد بوصية لأحفاده بأقل من الثلث، خروجًا من خلاف الوَرَثَةِ؛ لمنع التنازع، والخصومات، وقطع صلة الأرحام.
ولأهل العلم دورٌ في ذلك بالتوجيه والإرشاد، وفهم مثل هذه المسائل ودراستها دراسة علمية تأصيلية بعيدًا عن التقليد الأعمى والتعصب؛ تغليبًا للمصلحة الراجحة لأبناء الابن الذي مات في حياة أبيه.