الوقت في حياة الدعاة إلى الله تعالى
الوقت في حياة الدعاة إلى الله تعالى
الدعوة إلى الله تعالى وظيفة شريفة، ويكفي في شرفها أنها وظيفة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أرسلهم الله دعاة إليه، مبشرين ومنذرين، مقيمين الحجة، ومبيِّنين سبيلَ الْمَحَجَّة.
وتلك الوظيفة المنيفة أثمرت خيرًا كثيرًا على البشرية، وأسمى ذلك الخير وصولُ الهدى إلى الناس المتبعين، ونيلهم بذلك سعادة الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].
وهذه الوظيفة السامية مهمة عظيمة، كثيرة الأعباء، باقية ما بقِيَ الزمان، ولنجاحها عوامل لا بد منها؛ من أعظمها: استغلال الوقت، واغتنام الزمن، وتوظيفه في خدمتها.
إذ لو أدرك كل داعٍ إلى الله تعالى أهمية الوقت في حياته الدعوية، وانتقل من تلك المعرفة النظرية إلى التوظيف الواقعي لعنصر الزمن في الدعوة، لكانت النتائج الدعوية الحسنة كثيرة جدًّا.
• فكم سيكون من التأثير في واقع الناس؛ من زيادة المهتدين، وقلة المعاصي والعاصين!
• وكم سيكون من الإنتاج العلمي في الدعوة، وما يتصل بها من معارفَ وخبراتٍ ومشاريع دعوية مستقبلية مقترحة!
• وكم ستقل المشكلات الدعوية على المستويين: الخاص، والعام!
إن المتأمل في واقع بعض الدعاة يجد إهدارًا كبيرًا للوقت في غير فائدة، أو في أمور قليلة المنفعة:
• فكم من داعٍ ضيَّع نفيسَ وقته في قضاء ساعات في وسائل التواصل الاجتماعي في غير نفع!
• وكم من داعٍ أهدر أوقاتًا كثيرة في الخروج الكثير إلى الأسواق والحدائق والمتنزهات!
وكان يمكنه أن يكتفي بالقليل الذي يغنيه عن الكثير.
• وكم من داعٍ يقضي الساعات بالخروج اليومي إلى أماكنَ يلتقي فيها بالأصدقاء أو الأقارب؛ لتصريف الوقت في كثرة الحديث والحوارات الجانبية التي لا منفعة كبيرة منها!
• وكم من داعٍ يضيع أوقاتًا يومية في متابعة نشرات الأخبار والتعليقات عليها، أو يكثر من متابعة البرامج الترفيهية التي تقل فيها الفائدة، وكان يكفيه القليل من ذلك!
• وكم داعٍ ينفق من وقته في متابعة الخلافات، ومعرفة الردود في الصراعات البينية في الحقول الدعوية!
وكم من داعٍ لا يعرف قيمة الزمن ولا أهميته، ولا ما ينبغي أن يفعل فيه من نفيس الأعمال، ويكتفي بملء الفراغ بما عليه من التكاليف الدينية والدنيوية المحددة، ثم يصرف الباقي في اللهو والعبث واللعب!
وما حصول تلك المظاهر والاستمرار عليها إلا من براهين الخذلان؛ إذ معرفة شرف الزمن واغتنامه في الانتفاع والنفع صورة من صور التوفيق، وهذا كان حال بعض الصالحين قبلنا؛ فقد ترجم ابن حجر لقاضي المرستان محمد بن عبدالباقي الأنصاري؛ فذكر عنه أنه قال: “ما أعرف أني ضيعت ساعة من عمري في لهو أو لعب”[1].
وسبب عناية الصالحين بالوقت أن الزمن أنفسُ ما يُعنى العاقل بحفظه؛ لِما يترتب على ذلك من المصالح الكثيرة.
قال الوزير ابن هبيرة:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع[2] |
ثم إذا قيل لمن يعبث بفراغه من الدعاة: لماذا لم تفعل كذا من الخيرات، والمصالح، والأعمال المتعدي خيرها؟
فيجيب معتذرًا عن ذلك بضيق الوقت، وكثرة المطالب التي تملأ وعاء الزمن.
إن من يقرأ في سِيَرِ بعض الصالحين يجد أنهم كانوا يعْمُرون الوقت بالنافع من العلم والعمل والدعوة.
فهذا عبدالرحمن بن أبي حاتم يحكي عن أبيه اغتنامه للحظات الزمن فيقول: “ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه”[3].
ويقول أيضًا عن نفسه وأبيه: “كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل النسخ والمقابلة، قال: فأتينا يومًا أنا ورفيق لي شيخًا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكًا أعجبنا، فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس، فلم ينزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئًا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه، ثم قال: لا يُستطاع العلم براحة الجسد”[4].
ويحكي النووي عن شيخه المرادي أنه ذكر عن شيخه المنذري قال: “سمعت الشيخ عبدالعظيم رحمه الله تعالى يقول: كتبت بيدي تسعين مجلدة، وكتبت سبعمائة جزء، كل ذلك من علوم الحديث تصنيف غيره، وكتب ذلك من مصنفاته وغيرها أشياء كثيرة، قال شيخنا: ولم أرَ ولم أسمع أحدًا أكثر اجتهادًا منه في الاشتغال، كان دائم الاشتغال في الليل والنهار، وقال: وجاورته في المدرسة –يعني: بالقاهرة حماها الله – بيتي فوق بيته اثنتي عشرة سنة، فلم أستيقظ في ليلة من الليالي في ساعة من ساعات الليل إلا وجدت ضوء السراج في بيته وهو مشتغل بالعلم، وحتى كان في حال الأكل والكتاب والكتب عنده يشتغل فيها، وذكر من تحقيقه وشدة بحثه وتفننه ما أعجز عن التعبير عنه، قال: وكان لا يخرج من المدرسة لا لعزاء ولا لهناء ولا لفرجة، ولا لغير ذلك إلا لصلاة الجمعة، بل يستغرق الأوقات في العلم رضي الله تعالى عنه وعن والِدَينا والمسلمين”[5].
إننا حين نقارن هذه الهمم العالية لدى أسلافنا في حفظ أوقاتهم مع حال بعض الدعاة إلى الله اليوم، فإن ذلك يدعو للحديث عن الوقت في حياة الداعي إلى الله تعالى؛ لبيان أهمية الوقت في الحياة وخصائصه، والحديث عن أهمية الوقت في حق الداعي إلى الله تعالى على وجه الخصوص، وطرق استثمار الداعي إلى الله وقته، ومحفزات تحثُّ الداعي على استغلال وقته.
لعل في ذلك تنشيطًا لاغتنام ساعات الزمان، ولحظات العمر القصير في دعوة الناس إلى الهداية، وردِّ من سار على طريق الغواية.
أولًا: أهمية الوقت وخصائصه:
أ- أهمية الوقت:
للوقت في الحياة أهمية كبيرة؛ ومما يدل على ذلك:
1- أن الله تعالى أقسم به، ولا يقسم الله تعالى إلا بشيء ذي بال.
فقد أقسم سبحانه بطرفي الوقت؛ وهما الليل والنهار؛ فقال تعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ [الليل: 1، 2]، وقال: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴾ [المدثر: 33، 34].
وأقسم بأجزاء من الزمن؛ فقال: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2]، وقال: ﴿ وَالضُّحَى ﴾ [الضحى: 1]، وقال: ﴿ وَالْعَصْرِ ﴾ [العصر: 1].
2- أنه نعمة من أجلِّ النعم.
لِما يحصل فيه من المصالح الدنيوية والأخروية؛ فالوقت وعاء للطاعات – وبعض هذه الطاعات مقيد بزمن ابتداءً وانتهاء؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج – وهو وعاء للأعمال والوظائف الدنيوية التي بها صلاح العيش واستقامة الحياة.
غير أن كثيرًا من الناس يضيعون هذه النعمة، ويصرفونها – أو كثيرًا منها – فيما لا ينفع، بل فيما يضر في العاجل والآجل، فيكونون من المغبونين.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))[6].
قال ابن هبيرة عند هذا الحديث: “وفيه أيضًا دليل على أن الفراغ نعمة، فإذا فُتح به فلا ينبغي أن يختار عليه عمل دنيا، فإذا أنعم الله تعالى على عبد من عباده بصحة في بدنه، وفراغ في وقته، فلم ينفق هذه الصحة في هذا الفراغ لله سبحانه فقد غبن، ومن ذلك أنه إذا خلا في وقت دون وقت، فينبغي له أن ينفق ذلك الوقت الفارغ من شغل الدنيا في شغل الآخرة، ولا ينتظر بعمل الآخرة أن يتفرغ له في كل أوقاته؛ ولذلك فإن أعوزته الصحة التامة فلينفق مما آتاه الله منها، ولا يقفل بقية النعمة عنده”[7].
قال ابن القيم: “السنة شجرة والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة، فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجِداد يوم المعاد، فعند الجداد يتبين حلو الثمار من مُرِّها”[8].
وقال أيضًا وهو يتكلم عن خطرات العاقل: “الخامس: الفكرة في واجب الوقت ووظيفته، وجمع الهم كله عليه، فالعارف ابن وقته، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت، وإن ضيعه لم يستدركه أبدًا”[9].
وقال ابن الجوزي: “الأيام صحائف الأعمار، فخلِّدوها بأحسن الأعمال، الفرص تمر مَرَّ السحاب، والتواني من أخلاق الخوالف، من استوطأ مركب العجز عثر به، تزوج التواني بالكسل، فولد بينهما الخسران”[10].
3- أن النبي عليه الصلاة والسلام حث على اغتنامه بالخير، واغتنام نِعَمٍ أخرى معه؛ لأنه نعمة قد تذهب ولا تعود.
فعن عمرو بن ميمون، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هَرَمِك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك))[11].
4- أن الوقت رأس مال الإنسان في هذه الحياة، فمتى ضيَّعه فقد ضيع عمره.
قال الشاعر:
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز عليه من الإنفاق في غير واجبِ فبين اختلاف الليل والصبح معرك يكر علينا جيشه بالعجائب[12] |
وعن عيسى البسطامي قال: “إن الليل والنهار رأس مال المؤمن، ربحها الجنة وخسرانها النار”[13].
5- أن الإنسان مسؤول عن وقته يوم القيامة.
ولا يُسأل إلا عن شيء عظيم.
عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟))[14].
ب-خصائص الوقت:
ومما يدل على أهمية الوقت أن له خصائص تميزه عن غيره، مما يحث على استغلاله والعناية به، فمن تلك الخصائص:
1- أنه سريع التقضي والذهاب.
بل كلما مرت الأيام قرنًا بعد قرن كان وقتها أسرع ذهابًا؛ فعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار))[15].
2- أن ما مضى منه لا يعود، ولا يمكن رده بأي وسيلة، ولا يمكن تعويضه بشيء.
قال الحسن البصري: “ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوَّد مني؛ فإني إذا مضيت لا أعود”.
وما المرء إلا راكب ظهر عمره بعيدًا عن الدنيا قريبًا إلى القبرِ يبيت ويضحي كل يوم وليلة على سفر يفنيه باليوم والشهرِ[16] |
وقال آخر:
يسر المرء ما ذهب الليالي وكان ذهابهن له ذهابا[17] |
قال ابن القيم وهو يتحدث عن منزلة الغيرة: “وهي غَيرة على وقت فات، وهي غيرة قاتلة؛ فإن الوقت وحِيُّ التقضي، أبِيُّ الجانب، بطيء الرجوع… والوقت عند العابد: هو وقت العبادة والأوراد، وعند المريد: هو وقت الإقبال على الله، والجمعية عليه، والعكوف عليه بالقلب كله، والوقت أعز شيء عليه، يغار عليه أن ينقضي بدون ذلك، فإذا فاته الوقت لا يمكنه استدراكه ألبتة؛ لأن الوقت الثاني قد استحق واجبه الخاص، فإذا فاته وقت فلا سبيل له إلى تداركه”[18].
3- أنه ينقص من الأجل المعلوم، والعمر المحدود.
فما مر منه أنقص من سنوات العيش في هذه الدنيا، فكان الأولى بالعاقل ألَّا يمر عليه بدون خير يفعله فيه.
قال الشاعر:
وما نَفَسٌ إلا يباعد مولدًا ويدني المنايا للنفوس فتقرب[19] |
وعن الحسن قال: “ابن آدم، إنما أنت أيام، وكلما ذهب يوم ذهب بعضك”[20].
وقال بعض البلغاء: “من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد أثَّله، أو حمد حصَّله، أو خير أسَّسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه”[21].
4- أنه أغلى ما يملكه الإنسان بعد الدين الصحيح.
ومما يدل على ذلك: أنه لا يُباع ولا يُشترى، ولا يُوهَب ولا يُهدى، وليس له ثمن يقابله؛ لنفاسته، ومن قال: إن الوقت من ذهب فقد ظلم الوقت.
عن الحسن أنه كان يقول: “أدركت أقوامًا كان أحدهم أشح على عمره منه على دراهمه ودنانيره”[22].
وقال ابن القيم: “فوقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر أسرع من مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله، فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته، وإذا كان العبد وهو في الصلاة ليس له إلا ما عقل منها، فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله وله”[23].
ثانيًا: أهمية الوقت في حق الداعي إلى الله تعالى:
إذا كان الوقت واستثماره مهمًّا في حق كل إنسان، فإنه في حق الداعي إلى الله آكد؛ لأمور:
1- أن الداعي إلى الله قدوة للناس، ينظرون إليه بعين الكمال والائتساء، فإن كان حريصًا على استغلال وقته، تأسوا به، وسلم من ذم عقلائهم، وأما من كان مضياعًا لوقته، لا يعرف شرف زمنه، يلهو كما يلهو الناس، ويعبث بالوقت كما يعبثون، فإنه لا يسلم من الملامة والعتاب، وقد يقتدي به أناس في تضييع الوقت.
فاحفظ – أيها الداعي – نعمة الوقت؛ فإن إهداره من دواعي المقت، وأنت قدوة للناظرين، فلا تكن للزمن من المضيعين.
قد رشحوك لأمر إن فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ[24] |
2- أن الداعي إلى الله تعالى عليه تكاليف كثيرة، ومهمات عديدة لا يسع الوقت لقضائها كلها في حال استغلال الوقت، فكيف إذا ضيع جزءًا من الوقت؟ فالداعي إلى الله:
أ- محتاج إلى وقت لتعلم العلم الشرعي: دراسة وقراءة ومطالعة ومراجعة.
لأن من يدعو بجهل يفسد أكثر مما يصلح؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]؛ “أي: على علم ودليل واضح، وبرهان قاطع، لا يترك في الحق لبسًا”[25].
“وهذا يدل على وجوب علم الداعي، وأن يكون له بصيرة نافذة يدرك الحق ويعلم نفوس الناس، وما يجب اتباعه لدعوتها”[26].
وهذا العلم الذي يحتاج إليه الداعي لا تكفي فيه المعلومات العتيقة، والثقافة العامة، بل يحتاج إلى تجديد وتحديث واتساع في المعارف؛ لأن الداعي قد يوجه شبهات وأسئلة جديدة من المدعوين، وقد يخوض في موضوعات تفتقر إلى علم عميق، فكان لا بد من الاستمرار في التعلم والقراءة، والبحث والاطلاع.
ومما يؤسَف له أن هناك بعض الدعاة اكتفوا بما حصلوه من المعارف والعلوم قديمًا، وما علق في أذهانهم منها في تلك السنين الخوالي، ولم يسعوا إلى الإضافة والتجديد والتنقيح، فيبقى الداعي في مكانه دون تقدم، وربما رجع إلى الوراء والتخلف المعرفي.
لما ترجم السبكي للإمام أبي المعالي الجويني ذكر في ضمن ترجمته أنه – رغم إمامته وكبر سنه – إلا أنه كان يتتلمذ على علي بن فضال بن علي المجاشعي النحوي، فـ”كان يحمله كل يوم إلى داره، ويقرأ عليه كتاب إكسير الذهب في صناعة الأدب من تصنيفه، فكان يحكي يومًا ويقول: ما رأيت عاشقًا للعلم أي نوع كان مثل هذا الإمام، فإنه يطلب العلم للعلم، وكان كذلك”[27].
ب- ومحتاج إلى وقت لمعرفة الدعوة وآدابها وأساليبها المؤثرة، وما يتصل بهذا العلم من المعارف والخبرات، والوسائل الجديدة التي تعينه في مهمته المقدسة.
ج- ومحتاج إلى وقت لمعرفة واقعه وواقع مدعويه؛ حتى يعرف بِمَ يدعو؟ وكيف يدعو؟ ومتى وأين يدعو؟
وهذا قد يطلب منه متابعة الأخبار بقدر الحاجة، والقراءة في وسائل التواصل والمواقع الإلكترونية.
د- ومحتاج إلى وقت لتحضير المواد العلمية والدعوية، وصياغتها وإعدادها لإلقائها أو نشرها بين الناس.
وعيب في الداعي أن يستمر في وعظ الناس، ودعوتهم بمعلوماته السابقة التي يرتجلها، أو يأخذها بحذافيرها كل حين من غيره، مع قدرته على أن يعدها بنفسه، فحرصه على حسن الإعداد والعناء فيه يجدد من معلوماته، ويعطي الناس مادة نافعة جديدة يرتاحون عند سماعها أو قراءتها بلا ملل.
ه- ومحتاج إلى وقت لمتابعة المدعوين، وزيارتهم، وتكرار الموعظة عليهم، وهذا من الدعوة الفردية التي ينبغي الالتفات إليها، وتخصيص جزء من الوقت لها.
و- ومحتاج إلى أوقات لشؤونه الدنيوية، وحقوق أهله وأولاده وأقاربه.
3- أن الداعي إلى الله إذا استثمر وقته الاستثمار النافع انتفع ونفع، وظهر له من النتاج العلمي والدعوي ما يجعل الله فيه خيرًا كثيرًا.
وكم تخسر الدعوة من هذا الإنتاج المرجو حين يخيم الكسل والعبث بالوقت على حياة كثير من الدعاة.
ثالثًا: طرق استثمار الوقت لدى الداعي إلى الله تعالى:
هناك طرق يمكن من خلالها أن يستغل الداعي وقته، ويعمره بما ينفعه وينفع غيره، فمن ذلك:
1- أن يكون له هدف واضح، وغاية محددة يحرص على أن يحقق فيها ما يصبو إليه.
بمعنى آخر: أن يكون له مشروع علمي أو دعوي معين، وله همة عالية في تحقيق مطالبه فيه؛ لأن من كانت هذه حاله، فسيحشد طاقاته وأوقاته وجهوده في بناء هذا المشروع، فلا يجد حينئذٍ فراغًا.
2- أن يقسم وقته ويخطط له ويسير فيه على جدول منتظم.
لأن الفوضى والعشوائية تولد برود الهمة، وشتات التفكير، وضياع الزمن، وكراهية الجد في العمل.
وهذا نبينا عليه الصلاة والسلام يعلمنا تنظيم الوقت، وتوزيع المهام فيه باعتدال؛ فعن عبدالله بن عمرو، قال: ((دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أُخبَر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قلت: بلى، قال: فلا تفعل، قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأفطر، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزَورِك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا))[28].
والذي ينظم وقته ويخطط فيه يجد من الفراغ ما لا يجده غيره، ولو كثرت أعماله، فتتسع دائرة دعوته وتعلمه وعموم خيره؛ يقول الشوكاني – وهو يترجم لنفسه – بأسلوب الغيبة: “وكان يبلغ دروسه في اليوم والليلة إلى نحو ثلاثة عشر درسًا، منها ما يأخذه عن مشايخه، ومنها ما يأخذه عنه تلامذته، واستمر على ذلك مدة… ثم إن صاحب الترجمة فرغ نفسه لإفادة الطلبة؛ فكانوا يأخذون عنه في كل يوم زيادة على عشرة دروس في فنون متعدة، واجتمع منها في بعض الأوقات: التفسير والحديث، والأصول والنحو، والصرف والمعاني، والبيان والمنطق، والفقه والجدل والعروض، وكان في أيام قراءته على الشيوخ وإقرائه لتلامذته يفتي أهل مدينة صنعاء، بل ومن وفد إليها، بل ترد عليه الفتاوى من الديار التهامية وشيوخه إذ ذاك أحياء”[29].
3- الخلوة واعتزال الناس.
لا بد أن يكون للداعي وقت كبير يخلو فيه بنفسه عن القريب والبعيد، يتعبد فيه لربه، ويقرأ فيه، ويعد المواد العلمية والدعوية التي يدعو بها الناس، وأن يربي أهل البيت على هذا، فلا يسمح لهم بتعكير هذا الزمن النقي عليه بدخولهم إلى عزلته، أو إحداث الشغب في مكان قريب من مكان خلوته.
4- الإفادة من الوسائل الحديثة في الحفاظ على الوقت؛ كالحاسوب، والجوال؛ فالحاسوب وما فيه من الخدمات البحثية يكون لجمع المعارف وصياغتها وحفظها، والبحث فيه بأقرب وقت، والجوال لتلك المهمات السابقة، وللاتصال الذي ينوب عن الخروج والذهاب، وللتواصل مع الآخرين وتبادل المعلومات والخبرات، وغير ذلك.
5- التخفيف من الفضول والمباحات.
فالنوم والمخالطة، والأكل والشرب، والذهاب إلى النزهة والمطاعم، وغير ذلك، ينبغي أن يكون بقدر الحاجة التي لا تقضي على الوقت.
6- ترك مصاحبة المضيعين لأوقاتهم، وتعريف الأقارب والأصدقاء والزملاء بأن هذا الداعي حريص على وقته، بخيل بإعطائه لمجلس غير نافع، ولقاء غير مفيد.
7- الاستمرار على الدعاء ببركة الوقت؛ فإن لذلك أثرًا كبيرًا.
رابعًا: محفزات تحث الداعي على استغلال وقته:
هناك أمور محفزة تحث على اغتنام الداعية وقته، وانتفاعه بفراغه؛ منها:
1-أن يتذكر بغتة الموت في أي لحظة تنزل به.
فإن الموت إذا هجم قطع كل شيء في الحياة، ومن هذا أيضًا أن يعتبر بموت الأقارب والأحباب والزملاء الدعاة؛ فكم شخص منهم كان له طموحات وآمال قطعها عن التحقيق نزول الآجال!
فهذا المعتبر ينفخ في الداعي روح العزم على اغتنام ساعات الزمان وفرصه، فقد ينزل به ما نزل بهم في أي وقت.
قال البخاري ولم يُعرف عنه غير هذين البيتين:
اغتنم في الفراغ فضل ركوع فعسى أن يكون موتك بغته كم صحيح قد مات قبل سقيم ذهبت نفسه النفيسة فلته[30] |
2- أن يتذكر الصوارف التي قد تصرفه عن العلم والدعوة؛ من الأمراض والمشكلات، والموانع الأخرى.
فإن تذكر ذلك يحفزه على شغل الفراغ، واغتنام نفائس الزمن قبل هجوم تلك الصوارف.
3- ألَّا يغيب على ذهنه عظم الأجر على هداية إنسان.
فإن هذا يدعوه إلى استغلال الوقت في الدعوة وإعداد وسائلها المؤثرة، وبذل المزيد من الجهود في هذه السبيل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فوالله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حُمْرِ النَّعَم))[31].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))[32].
4- أن يقرأ الداعي سير المعتنين بالوقت؛ ففي أخبارهم ما يشحذ الهمة إلى هذا السعي الحميد، ومن ذلك: أنه سيجد أن المعتنين بأوقاتهم يصرفون لمشروعاتهم جل وقتهم، ويبذلون لها راحتهم.
فقد ذُكر أن أديسون كان يعمل ما بين 18-20 ساعة في اليوم؛ ولهذا لما سئل: متى ستأخذ إجازة؟ قال: إن العلم لا يأخذ إجازة على الإطلاق[33].
وسيجد بعض أولئك المعتنين لا يضيعون الوقت حتى في آخر لحظات عمرهم من الدنيا؛ ففي ترجمة القاضي أبي يوسف: “قال تلميذه القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي ثم المصري: مرض أبو يوسف، فأتيته أعوده، فوجدته مغمًى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم، ما تقول في مسألة؟ قلت: في مثل هذه الحالة؟! قال: ولا بأس بذلك، ندرس لعله ينجو به ناجٍ، ثم قال: يا إبراهيم، أيما أفضل في رمي الجمار – أي: في مناسك الحج – أن يرميها ماشيًا أو راكبًا؟ قلت: راكبًا، قال: أخطأت، قلت: ماشيًا، قال: أخطأت، قلت: قل فيها، يرضى الله عنك، قال: أما ما كان يوقف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه ماشيًا، وأما ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكبًا، ثم قمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات، رحمة الله عليه”[34].
وسنذكر في ختام هذه المقالة خمسة نماذج حسنة في اغتنام الوقت من علمائنا الأسلاف، والعلم ومتعلقاته مجال من أهم مجالات الدعوة وحسن الأثر بين الناس، فميادين الدعوة إلى الله كثيرة، منها: التعليم، والتأليف، وغير ذلك.
الأول: الإمام الطبري، محمد بن جرير (ت: 310هـ).
فقد ذُكر أنه قال يومًا لأصحابه: “أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ثم قال: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فذكر نحوًا مما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله، ماتت الهمم”[35]، “فاختصره في نحو مما اختصر التفسير”[36].
وقال الخطيب البغدادي: “يُحكى أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة”[37].
وقال ياقوت الحموي: “وحدَّث عبدالله بن أحمد بن جعفر الفرغاني في كتابه المعروف (كتاب الصلة)، وهو كتاب وصل به تاريخ ابن جرير: أن قومًا من تلاميذ ابن جرير حصلوا أيام حياته منذ بلغ الحلم الى أن توفي وهو ابن ست وثمانين، ثم قسموا عليها أوراق مصنفاته، فصار منها على كل يوم أربع عشرة ورقة، وهذا شيء لا يتهيأ لمخلوق إلا بحسن عناية الخالق”[38].
الثاني: الإمام ابن عقيل، علي بن عقيل أبو الوفاء الحنبلي (ت: 513هـ):
قال ابن الجوزي: “قرأت بخطه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، فإذا تعطل لساني من مذاكرة ومناظرة، وبصري من مطالعة، عملت في حال فراشي وأنا مضطجع، فلا أنهض إلا وقد يحصل لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم في عشر الثمانين أشد مما كنت وأنا ابن عشرين”[39].
ونقل ابن رجب عن ابن عقيل قوله: “أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبزة لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ؛ توفرًا على مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه”[40].
و”قال ابن الجوزي: وأفتى ابن عقيل، ودرس وناظر الفحول، واستُفتيَ في الديوان في زمن القائم، في زمرة الكبار، وجمع علم الفروع والأصول، وصنف فيها الكتب الكبار، وكان دائم التشاغل بالعلم… قال: وكان له الخاطر العاطر، والبحث في الغامض والدقائق، وجعل كتابه المسمى بـ(الفنون) مناطًا لخواطره وواقعاته، من تأمل واقعاته فيه عرف غور الرجل”[41].
وقال أيضًا: “وأكبر تصانيفه: كتاب (الفنون)، وهو كتاب كبير جدًّا، فيه فوائد كثيرة جليلة، في الوعظ، والتفسير، والفقه، والأصلين، والنحو، واللغة، والشعر، والتاريخ، والحكايات، وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له، وخواطره ونتائج فكره قيدها فيه”[42].
وقال الذهبي: “له كتاب (الفنون) لم يصنف في الدنيا أكبر منه، حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة، يحكي فيه بحوثًا شريفة ومناظرات وتواريخ ونوادر، وما قد وقع له”[43].
الثالث: الإمام ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن علي (ت: 597هـ):
يقول ابن الجوزي: “رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعًا عجيبًا: إن طال الليل، فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر، وإن طال النهار، فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق، فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة، وهي تجري بهم، وما عندهم خبر.
ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد، والتأهب للرحيل، إلا أنهم يتفاوتون، وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته، بما يُنفَق في بلد الإقامة”[44].
وقال أيضًا: ” أعوذ بالله من صحبة البطالين، لقد رأيت خلقًا كثيرًا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس، ويجرون فيه أحاديث الناس، وما لا يعني، وما يتخلله من الغِيبة، وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور، وتشوَّق إليه، واستوحش من الوحدة، وخصوصًا في أيام التهاني والأعياد، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان، فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهابه بفعل الخير، كرهت ذلك، وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غُلِبت، قصرت في الكلام، لأتعجل الفراق”[45].
وقال كذلك: “واعلم – يا بني – أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاسًا، وكل نفس خزانة؛ فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم”[46].
أما مصنفاته؛ فيقول ابن رجب: “وله التصانيف العديدة، سُئل عن عددها، فقال: زيادة على ثلاثمائة وأربعين مصنفًا، منها ما هو عشرون مجلدًا، ومنها ما هو كراس واحد، ولم يترك فنًّا من الفنون إلا وله فيه مصنف”[47].
ويقول الذهبي: “وما علمت أحدًا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل…”[48].
وقال أيضًا: “قال الموفق عبداللطيف: كان ابن الجوزي… لا يضيع من زمانه شيئًا، يكتب في اليوم أربعة كراريس، وله في كل علم مشاركة”[49].
وقال ابن رجب: “قال الإمام أبو العباس ابن تيمية في أجوبته المصرية: كان الشيخ أبو الفرج مفتيًا كثير التصنيف والتأليف، وله مصنفات في أمور كثيرة، حتى عددتها فرأيتها أكثر من ألف مصنف، ورأيت بعد ذلك له ما لم أرَه”[50].
وقد جمع بعض الباحثين المعاصرين مؤلفات ابن الجوزي فأوصلها إلى (519) كتابًا، ما بين كبير في أكثر من عشرة مجلدات، وصغير في صفحات[51].
الرابع: شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية (ت: 728هـ):
قال ابن الهادي: “وللشيخ رحمه الله من المصنفات والفتاوى والقواعد والأجوبة والرسائل وغير ذلك من الفوائد ما لا ينضبط، ولا أعلم أحدًا من متقدمي الأمة ولا متأخريها جمع مثل ما جمع ولا صنَّف نحو ما صنف، ولا قريبًا من ذلك، مع أن أكثر تصانيفه إنما أملاها من حفظه، وكثير منها صنفه في الحبس، وليس عنده ما يحتاج إليه من الكتب”[52].
ولكثرة ذكره لله تعالى أثَّر فيه في هذا؛ كما حكى تلميذه ابن القيم فقال وهو يسرد فوائد الذكر: “أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابته أمرًا عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمرًا عظيمًا”[53].
الخامس: الشيخ محمد عبدالحي بن محمد عبدالحليم الأنصاري اللكنوي الهندي، أبو الحسنات (ت: 1304هـ):
فهذا العالم الكبير توفي عن 39 سنة من العمر، قد زادت مؤلفاته على مائة وعشرة كتب، ما بين كتاب في عدة مجلدات كبار، ورسالة في صفحات، وكل كتبه في المباحث المفيدة، والمشكلات العصبية[54].
نسأل الله أن يبارك في أوقاتنا وأعمارنا، وأن يجعلنا ممن يغتنمون الفراغ في مراضيه.
[1] لسان الميزان (5/ 242).
[2] ذيل طبقات الحنابلة (2/ 167).
[3] سير أعلام النبلاء (13/ 251).
[4] سير أعلام النبلاء (13/ 266).
[5] بستان العارفين للنووي (ص: 79).
[6] رواه البخاري (6412).
[7] الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 213).
[8] الفوائد لابن القيم (ص: 164).
[9] الجواب الكافي (ص: 156).
[10] المدهش (ص: 369).
[11] رواه النسائي (11832)، والبيهقي (9767)، وابن أبي شيبة (34319)، وهو صحيح.
[12] وفيات الأعيان (3/ 434).
[13] الزهد الكبير للبيهقي (ص: 297).
[14] رواه الترمذي (2416)، والطبراني في الكبير (111)، والبيهقي في الشعب (1647)، وإسناده حسن.
[15] رواه أحمد (10943)، والترمذي (2332)، وابن حبان (6842)، وهو صحيح.
[16] إيقاظ أولي الهمم العالية (ص: 297).
[17] شرح المفصل لابن يعيش (1/ 245).
[18] مدارج السالكين (3/ 49).
[19] إيقاظ أولي الهمم العالية (ص: 297).
[20] الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 225).
[21] أدب الدنيا والدين (ص: 55).
[22] الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1/ 4).
[23] الجواب الكافي (1/ 358).
[24] شرح لامية العجم للدميري (ص: 7).
[25] العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (2/ 62).
[26] زهرة التفاسير (7/ 3873).
[27] طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (5/ 179).
[28] رواه البخاري (6134)، ومسلم (1159).
[29] البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (2/ 218).
[30] التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول (ص: 317).
[31] رواه البخاري (2942)، ومسلم (2404).
[32] رواه مسلم (1893).
[33] الإبداع العلمي – د. أحمد القرني (ص: 90).
[34] قيمة الزمن عند العلماء (ص: 29).
[35] تاريخ بغداد وذيوله (2/ 161).
[36] معجم الأدباء (6/ 2442).
[37] تاريخ بغداد وذيوله (2/ 161).
[38] معجم الأدباء (6/ 2443).
[39] لسان الميزان (4/ 244).
[40] ذيل طبقات الحنابلة (1/ 325).
[41] ذيل طبقات الحنابلة (1/ 324).
[42] ذيل طبقات الحنابلة (1/ 344).
[43] تاريخ الإسلام ت بشار (11/ 204).
[44] صيد الخاطر (ص: 157).
[45] صيد الخاطر (ص: 240).
[46] صيد الخاطر (ص: 505).
[47] ذيل طبقات الحنابلة (2/ 485).
[48] تذكرة الحفاظ (4/ 93).
[49] تذكرة الحفاظ (4/ 95).
[50] ذيل طبقات الحنابلة (2/ 489).
[51] قيمة الزمن عند العلماء (ص: 63).
[52] العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (ص: 42).
[53] الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 77).
[54] قيمة الزمن عند العلماء (ص: 82).