بر الوالدين (خطبة)
بر الوالدين
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل من الماء كل شيء حيٍّ، الحمد لله الذي نعمته على عباده تَتْرَى، الحمد لله الأعلى الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، والذي أخرج المرعى، والصلاة والسلام على الهادي البشير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، ومن تَبِعَ هداه إلى يوم الدين؛ أما بعد عبادَ الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فتقوى الله هي طريق النجاة والسلامة وسبيل الفوز والكرامة: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72].
عباد الله، حديثي عن عبادةٍ من أفضل القُرَب التي تقرِّبُنا إلى ربنا عز وجل، وهي سبب لحصول الرزق والتوفيق إلى كل خيرٍ في الدنيا والآخرة.
ولأهميتها فقد قَرَنها الله مع عبادته في مواضعَ كثيرة من كتابه العزيز؛ فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]؛ إنها عبادةُ برِّ الوالدين.
ولِعِظَمِ حقِّ الوالدين، فإن الله جلَّ شأنه قَرَنَ شكرُه بشكرهما؛ فقال تعالى: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]؛ حيث إن برَّ الوالدين من أحب الأعمال إلى الله وأفضلها بعد الصلاة، وهو مقدَّم حتى على الجهاد في سبيل الله؛ ((سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أيٌّ؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله))؛ [متفق عليه].
وروى مسلم في صحيحه: ((أقبل رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبايعك على الهجرة والجهاد؛ أبتغي الأجر من الله عز وجل، قال: فهل من والديك أحدٌ حيٌّ؟ قال: نعم، بل كلاهما، قال: فتبتغي الأجر من الله عز وجل؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحْسِنْ صحبتهما)).
وفي رواية البخاري ((أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه في الجهاد فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهِدْ)).
وقال رجل لابن عباس رضي الله عنه: إني نذرْتُ أن أغزوَ الرُّوم، وإن أبويَّ منعاني، فقال: “أطِعْ أبويك؛ فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك”، حتى إنَّ سفيانَ الثوريَّ ذهب إلى أبْعَدِ من ذلك؛ فقال: “لا يغزو إلا بإذنهما، وإن كانا مشركين”.
أيها المؤمنون:
مما يؤكد فقهَ الصحابة لمسألة بر الوالدين ما حدث في قصة كلاب بن أُميَّة المشهورة؛ فقد أرسل عمر بن الخطاب كلابًا أميرًا على جيش للجهاد في إحدى الغزوات، وعندما علِم أبو كلاب برحيل ابنه تأثَّر تأثرًا شديدًا لفراق ابنه كلاب، وقال هذه الأبيات:
فسمِع عمر بن الخطاب هذه الأبياتَ من أبي كلاب، فاستدعى كلابًا على الفور، وعندما حضر كلاب، وأبوه لا يعلم بحضوره، فسأله عمر: كيف كان برُّك بأبيك؟ فقال: إني أحلب له كل يوم وأسقيه اللبن، فقال له عمر: احلب هذه الشاة، واستدعَى عمرُ أبا كلاب وقدَّم له اللبن، وهو لا يشعر بوجود ابنه عند عمر، فقال الأب: إني لأشَمُّ رائحة يدي كلاب، فبكى عمر رضي الله عنه، وقال لكلاب: جاهِدْ في أبويك.
أيها الإخوة، ومما يؤكد عظم حق الوالدين أنهما حتى لو كانا كافرَين فيجب برُّهما؛ فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((يا رسول الله، إن أمي قدِمت عليَّ وهي راغبةٌ مُشرِكة، أفَأَصِلُها؟ قال: نعم، صِلِي أمَّكِ))؛ [رواه البخاري].
بل الأمر – أيها الإخوة – أعظم من كونهما كافرَين، بل حتى لو كانا يأمران ولدهما المسلم أن يكفر بالله فيجب أن يبرهما، ويُحسِن إليهما، لكن لا يطيعهما في الكفر؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].
عباد الله، إنَّ حقَّ أمِّك عليك عظيم جدًّا، ولو تأملت ما في هذه الأدلة التي سأذكرها لَنذرتَ نفسَك لخدمتها ليلًا ونهارًا، ولن تستطيع أن توفِّيَها شيئًا من حقِّها عليك؛ قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15].
وروى البخاري أنه ((جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك)).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “إني لا أعلم عملًا أقربَ إلى الله من برِّ الوالدة”.
وقال هشام بن حسان: قلت للحسن: إني أتعلَّم القرآن، وإن أمي تنتظرني بالعَشاء، قال الحسن: “تعشَّ العَشاء مع أمِّك تقر به عينها، فهو أحبُّ إليَّ من حَجَّةٍ تحُجُّها تطوُّعًا”.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((دخلتُ الجنة فسمعت قراءة، فقلت: من هذا؟ فقيل: حارثة بن النعمان، فقال: كذلكم البر، وكان أبرَّ الناس بأمِّه))؛ [صححه الألباني].
أيها الإخوة، وقد وردت نصوص أيضًا في فضل وعِظَمِ حق الوالد عند الله عز وجل؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد))؛ [الحديث رواه الترمذي من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما، وصححه الألباني].
ومن عظيم مكانة الوالد أن الله يستجيب دعاءه على ولده؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شكَّ فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم))؛ [رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسَّنه الألباني].
فاسْعَ – أخي المسلم – في إرضاء والدك حتى تنال الخير العظيم، وتُوفَّق في أولاد يُحسِنون إليك كما أحسنتَ أنت إلى أبيك، واحذر أن تَعُقَّه فيدعوَ عليك.
ومن الفوائد أن نكسِب برَّ أولادنا لنا في المستقبل، وأيضًا من الفوائد استجابة الدعاء من الله لمن بَرَّ والديه، وكذلك في بر الوالدين تكفيرٌ للذنوب والآثام.
عباد الله، جاءت نصوص أخرى تحذِّر وتُنذِر، وتتوعَّد من عَقَّ والديه، فمن ذلك أن عقوق الوالدين يعتبر من كبائر الذنوب؛ فعن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس))؛ [رواه البخاري].
وعدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثةَ الذين لا يدخلون الجنة ومنهم: ((العاق لوالديه))؛ [رواه النسائي وغيره من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما، وصححه الألباني].
والله تعالى لا ينظر يوم القيامة إلى مَن عقَّ والديه، ولا يُدخِله الجنة؛ ففي الحديث الذي خرَّجه النسائي والحاكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومُدمِن الخمر، والمنَّان عطاءه))؛ [من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما، وصححه الألباني].
وقد دعا رسول الله على من أدرك والديه ولم يدخل بهما الجنة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((رغِم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: مَن أدرك والديه عند الكِبَرِ أو أحدهما، ثم لم يدخل الجنة))؛ [أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
ومن خطورة أمر العقوق أنَّ مَن تسبَّب في أن يُشتَم والديه، فقد ارتكب كبيرة من الكبائر؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من الكبائر شَتْمُ الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتِمُ الرجل والديه؟ قال: نعم، يسُبُّ أبا الرجل فيَسُبُّ أباه، ويسب أُمَّه فيسب أمه))؛ [رواه مسلم من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما].
ولذلك حذَّر السلف من مصاحبة الشخص العاقِّ لوالديه؛ فقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: “لا تصْحَبْ عاقًّا لوالديه؛ فإنه لن يَبَرَّك وقد عقَّ والديه”.
وعقوق الوالدين له صور عديدة، ومظاهر كثيرة، قد تخفى على بعض الناس؛ ومن ذلك: أن يترفَّع الابن عن والديه، ويتكبر عليهما لسبب من الأسباب؛ كأن يكثُرَ ماله، أو يرتفع مستواه التعليمي أو الاجتماعي.
ومن العقوق أن يَدَعَهما من غير مَن يعولهما، فيدَعهما يتكفَّفان الناس ويسألانهم، ومن العقوق أن يقدِّم غيرهما عليهما؛ كأن يقدم صديقه أو زوجته أو حتى نفسه.
ومن العقوق أن يناديَهما باسمهما مجردًا إذا أشعر ذلك بالتنقُّص لهما وعدم احترامهما وتوقيرهما، وغير ذلك.
قد يتجاهل بعض الناس فضلَ والديه عليه، ويتشاغل عما يجب عليه نحوهما، ألَا يعلم ذلك العاقُّ أو تلك العاقة أن إحسان الوالدين عظيم، وفضلهما سابق، ولا يتنكَّر له إلا جَحُودٌ، قد غُلِّقت في وجهه أبواب التوفيق، ولو حاز الدنيا بحذافيرها؟
عباد الله، الأب يكُدُّ ويسعى، ويدفع صنوف الأذى بحثًا عن لقمة العيش لينفق على ابنه ويُربِّيه؛ فالابن له مَجْبَنَةٌ مَبْخَلَةٌ، إذا دخل عليه هشَّ، وإذا أقبل إليه بشَّ، وإذا حضر تعلق به، وإذا أقبل عليه احتضن حجره وصدره، يخوِّف كل الناس بأبيه، ويعِدهم بفعل أبيه، أفبعد هذا يكون جزاء الأب التنكُّرُ والصدودُ؟ نعوذ بالله من الخذلان.
أسأل الله ألَّا يجعل من بيننا من هو عاق لوالديه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه، إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي وفَّق من شاء من عباده لمكارم الأخلاق، وهداهم لِما فيه فلاحهم وسعادتهم في الدنيا ويوم التلاقِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الخلق على الإطلاق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلِّم تسليمًا؛ أما بعد:
فهذه نماذجُ رائعة تُكتَب بماء الذهب تُبيِّن عظم إحسانهم لوالديهم، علَّنا نقتديَ بهم، ونقتفي أثرهم؛ حتى نفوز كما فازوا.
فمن ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أنه كان يسير في طريق مكة راكبًا على دابَّة، فمرَّ به أعرابيٌّ فقال: أنت فلان بن فلان؟ قال: بلى، فأعطاه الدابة، وقال: اركب هذه، وأعطاه عِمامةً كانت عليه، وقال: اشدُدْ بها رأسك، فقالوا لابن عمر: غفر الله لك، أعطيتَه دابَّتَك التي كنت تركب عليها، وعِمامةً تشُدُّ بها رأسك، فقال ابن عمر: إن هذا كان صديقًا لعمر، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من أبَرِّ البِرِّ صلةَ الرجل أهلَ ودِّ أبيه)).
وعن محمد بن سيرين قال: بلغتِ النخلة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ألف درهم، قال: فعمِد أسامة بن زيد رضي الله عنهما إلى نخلة فقطعها، فأخرج جُمَّارها فأطعمه أمَّه، فقالوا: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم، والجُمَّار لا يساوي درهمين؟ قال: إن أمي سألَتْنِيه، ولا تسألني شيئًا أقدر عليه إلا أعطيتُها.
ويؤكِّد ذلك ما رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن سعيد بن أبي بردة، قال: حدثني أبي أنه شهد ابن عمر ورجل يماني يطوف بالبيت حَمَلَ أمَّه وراء ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلَّل إن أذعرت ركابها لم أذعرِ
|
ثم قال: يا بنَ عمر، أتُراني جزيتُها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة.
وقال ابن عوف: دخل رجلٌ على محمد بن سيرين وهو عند أمِّه، فقال: ما شأنُ محمدٍ؟ أيشتكي شيئًا؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.
وهذا أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما كان من سادات التابعين، وكان كثيرَ البِرِّ بأمِّه حتى قيل له: إنك من أبرِّ الناس بأمِّك، ولسنا نراك تأكل معها في صَحْفَةٍ، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عَقَقْتُها.
وهذا حَيْوَةُ بن شريح – وهو أحد أئمة المسلمين والعلماء المشهورين – يقعُد في حلقته يُعلِّم الناس، ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا منه، فتقول له أمُّه وهو بين طلابه: قُمْ يا حيوة، فأعْلِفِ الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
وهذا ابن الحنفية كان يغسل رأس أمه ويمشُطها، ويُقبِّلها ويُخضِّبها.
وبكى إياس بن معاوية حين ماتت أمه، فقيل له في ذلك، فقال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة، فأُغْلِقَ أحدهما.
وطلبت أمُّ مسعر ماءً في ليلة، فجاء بالماء فوجدها نائمةً، فوقف بالماء عند رأسها حتى أصبح.
وسُئل عُمر بن ذرٍّ عن برِّ ولده به فقال: ما مشى معي نهارًا قط إلا كان خلفي تأدبًا، ولا ليلًا إلا كان أمامي خشيةَ مكروه يلقاني، ولا رقى سطحًا وأنا تحته حتى لا يعلوني.
أيها المؤمنون، إن وجود والدَينا أو أحدهما على قيد الحياة نعمة من الله يجب اغتنامها وانتهازها؛ لكيلا نتحسر حين لا تفيد الحسرة، فمن صور البر ألَّا نرفع أصواتنا عليهما، وأن نلين لهم القول ونرفُق بهما، وأن نُطيعهما بما يأمران به، وألَّا نُحِدَّ النظر إليهما، وأيضًا أن نقوم لهما، ونُقبِّل الرأس واليد، وأن ندعو لهما، وأن نسعى في رضاهما، ونجتهد ونتحمَّل المشقة في ذلك.
وأما من فَقَدَ والديه أو أحدهما، فعليه الاستغفار والدعاء لهما؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسانُ، انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة؛ إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفَع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ [أخرجه مسلم].
أسأل الله أن يُعيننا ويُوفِّقنا لِبِرِّ والدينا، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ارزقنا الإحسان إلى والدينا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا أحياءً وأمواتًا، رب ارحم والدينا كما ربَّونا صغارًا.
ألَا وصلوا – عباد الله – على رسول الهدى؛ فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم اجعلنا ممن يعظِّم شعائرك، اللهم إنا نسألك شكرًا لنِعَمِك وابتغاء مرضاتك، اللهم ارحم موتانا واشفِ مرضانا وتولَّ أمرنا، اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعَفاف والغِنى.
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 – 182].