تبت خوفا من الفضيحة
♦ الملخص:
فتاة تابت من العلاقات المحرمة مع الرجال؛ خوفًا من الفضيحة، وعادت إلى الصلاة والصيام، لكن ساورها شكٌّ بأن توبتها لم تكن خالصة لوجه الله، لأن باعثها خوفُ الفضيحة، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
كنت مسرفة على نفسي، تاركة للصلاة والصيام، أقيم علاقات مع الرجال، ولا أعرف عن الدين شيئًا، ومنذ ثلاث سنوات هددني أحدهم بالفضيحة، فخفتُ وتوقفت عن كل شيء، وعدت إلى الصلاة والصيام، وبين الفينة والأخرى تظهر تهديدات بالفضيحة، لكنها لا تزيدني إلا طاعة لله، والآن أشعر أن توبتي ليست صادقة، إنما كان باعثها الخوف من الفضيحة فقط، ومن ثَمَّ فلم تكن لوجه الله، ولم تكن خوفًا منه، فماذا أفعل؟ وقد قرأت أن انعدام الخوف من الله في القب كفرٌ به، فهل كفرتُ ولا بد أن أدخل الإسلام من جديد؟ وهناك أمرٌ آخر؛ وهو أنني أتحدث مع رجل ذي خلق وعلم، والتواصل بيننا قليل، وفي حدود الأمور العامة، لكني أرى أنه يفتنني وأفتنه، وأريد أن أخبره بأننا لا بد أن ننقطع، فهل يجوز لي ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فأوصيكِ بالآتي:
أولًا: أن تحمَدي ربكِ على ما منَّ به عليكِ من التوبة والندم على ما فعلتِه؛ فإن بعض مَن وقعوا في العلاقات المحرَّمة أصبحت مرضًا ملازمًا لهم حتى بعد الزواج، وصاروا أسرى للشهوة المحرمة يلتمسونها في كل مكان، وكل حين؛ فتَعِسوا تعاسة عظيمة لا تُوصف.
ثانيًا: ما دمتِ تُبْتِ بصدقٍ، فأبْشِرْي بالخير والمغفرة لذنبكِ، بل وبإبدال سيئاتكِ إلى حسنات؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 68 – 71].
ثالثًا: من علامات صدقكِ في التوبة الآتي:
العزم.
الإقلاع.
الندم.
والابتعاد نهائيًّا عن جميع مواطن الريب، وتهييج الشهوات من مواقع عَفِنة، والخلوة، والكلام العاطفي، والتبرج؛ لقوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59]، وكذلك عدم إطلاق النظر المُحرم؛ لقوله سبحانه: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 30، 31].
ولاحظوا أن الله سبحانه خَتَمَ الآية بالدعوة للتوبة، ووعد التائبين بالفلاح؛ لأن {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تعني: تحققون الفلاح.
رابعًا: أكْثِري من الأعمال الصالحة مثل الصلاة والصدقة وتلاوة القرآن؛ لأنها تُكفِّر السيئات؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].
خامسًا: أما تفكيركِ أن توبتكِ ليست صادقة، وأنها فقط بسبب الخوف من الفضيحة، فهي من وساوس الشيطان؛ لثَنْيِكِ عن الاستمرار في التوبة، فاحذري من الاستجابة لها، وما دمتِ استكملتِ شروط التوبة؛ وهي: الإقلاع، والندم، والعزم، فأبْشِري بفضل الله سبحانه وبسَعَةِ رحمته وقبول توبتكِ.
سادسًا: وتذكَّري أنكِ عظيمة عند الله سبحانه؛ بألمكِ الشديد، ولومكِ لنفسك؛ لأن الله سبحانه عظَّم من شأن النفس اللوامة، ومن تعظيمه سبحانه لها أن أقْسَمَ بها، وقرن القسم بها مع القسم بيوم القيامة؛ كما قال سبحانه: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 1، 2]؛ فافرحي بفضل الله عليكِ.
سابعًا: أمَّا الرجل الذي لكِ به علاقة علمية بحتة، وترين أنكِ تفتنينه ويفتنكِ، فأقول: ما دام فُتِنَ كل منكما بالآخر، فإغلاق باب الفتنة مطلوب وفورًا وبلا أي تردد، فاقطعي علاقتكِ به نهائيًّا.
ثامنًا: واعلمي أن فتنة الرجال بالنساء عظيمة وخطيرة جدًّا، ولذلك كثُر التحذير في القرآن والسنة من التبرج ومن الخلوة ومن التغنج بالكلام، وعندما نهى الله سبحانه عن الزنا ما قال: ولا تفعلوا الزنا، وإنما قال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]؛ ليعُمَّ النهيُ الزنا وكل ما قد يقرِّب إليه.
تاسعًا: يبدو أنكِ تعانين من نقص عاطفي؛ ولذا تُفتنين بأي علاقة مع رجل أجنبي، وبسبب هذه الفتنة قد تَفْتِنين الرجال من حيث تشعرين أو لا تشعرين، وتُفسرين أي كلام أو حركة بأنها رغبة إعجاب بكِ، ورغبة فيكِ، فانتبهي لنفسكِ، ولا تكوني سببًا لهلاكِ أحد وهلاككِ معه.
عاشرًا: نظرًا لسوابقكِ ونظرًا لِما تجدينه من جوع عاطفي، ولخطورة وضعكِ، فإني أخشى أن تفتني الرجال، أو يُفتَنوا بكِ؛ ولذا أوصيكِ بأن تُحسني الاستفادة من وسائل التواصل النافعة بدون الولوج في محادثات مباشرة مع الرجال، مهما كانت ثقتكِ فيهم، ومهما كان صلاحهم وعلمهم، فإن أحسستِ بخطر الفتنة، ففرِّي منها فراركِ من السبُع، قبل أن تقع الفأس في الرأس.
حفِظكِ الله، ورزقكِ توبة نصوحًا، واستعفافًا بالحلال عن الحرام.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.