تحميل كتاب الدمج في مدارس التعليم العام وفصوله pdf
كتاب الدمج في مدارس التعليم العام وفصوله pdf تأليف الدكتور كمال سالم سيسالم.
بالرغم من ارتفاع نفقات التعليم في مدارس التعليم العام (المدارس الحكومية) في الولايات المتحدة الامريكية التي وصلت في المتوسط الى خمسة الاف دولار سنويا للطالب الواحد، الا ان مستوى الاداء الاكاديمي في بعض المدارس لم يتوافق مع حجم المصروفات، اضافة الى ان ارتفاع نسبة المشكلات السلوكية وادمان المخدرات وجرائم العنف في كثير من هذه المدارس؛ اذ ادى الى كله الى اتجاه كثر من اولياء الامور الى تحويل ابنائهم الى التعليم في المدارس الاهلية التي تشرف عليها المؤسسات والجمعيات الخاصة وما يتبع ذلك من تحملهم اعباء مالية مترتبة على اختيار هذا النوع من التعليم.
في منتصف الثمانينيات قدم الرئيس الامريكي “بوش” مشروعا لمجلس الشيوخ الامريكي تمنح بموجبه الحكومة الامريكية لولي الامر الذي اختار المدارس الاهلية لتعليم ابنائه مبلغا يتراوح فيما بين 3-5 الاف دولار في السنة عن كل طفل يتعلم في هذه المدارس، ولقد كان هدف الرئيس الامريكي “بوش” في ذلك تخفيف العبء المالي الواقع على كاهل اولياء الامور من جهة والارتفاع بمستوى التعليم في الولايات المتحدة من جهة اخرى. الا ان هذا المشروع لم ير النور، فقد واجه معارضة شديدة من جانب العديد من اعضاء مجلس الشيوخ الامريكي، ولم تكن هذه المعارضة ناتجة عن اسباب مالية، فالدولة تنفق على الطالب في المدارس الحكومية نفس المبلغ (وربما اكثر) مما اقترحه الرئيس “بوش” للطالب الذي اختار ولي امره ان يعلمه في المدارس الاهلية، وبالتالي فإن هذا لن يؤثر في الميزانية العامة للدولة، ولا يحتاج الى اعتمادات إضافية لميزانية التعليم.
ان اعتراض اعضاء مجلس الشيوخ كان نابعا عن اسباب اجتماعية، فالسياسة الاجتماعية للحكومة الامريكية تهدف الى تلاحم فئات المجتمع الامريكي جميعها واندماجها بنبذ العرقيات والتفرقة العنصرية.
فمنح اولياء الامور حرية الاختيار بين تعليم ابنائهم في المدارس الحكومة والمدارس الاهلية سوف يشجع الكثيرين منهم الى اختيار التعليم في المدارس الاهلية، وسوف يتبع ذلك انشاء اعداد متزايدة من هذه المدارس، ومن المرجح ان تتبع كل مدرسة او مجموعة مدارس طائفة دينية او عرقية او لغوية معينة، وسوف يزداد عدد المدارس الخاصة بالفئات الاتية:
– مدارس خاصة بالكاثوليك.
– مدارس خاصة بالسود.
– مدارس خاصة بالاسيويين: الصينيين والكوريين والفيتناميين وغيرهم.
– مدارس خاصة بالعرب.
– مدارس خاصة بالمسلمين.
– مدارس خاصة باليهود.
– مدارس خاصة بالمنحدرين من اصل اسباني.
– مدارس خاصة بالذكور.
– مدارس خاصة بالاناث.
وهكذا فإن المجتمع الامريكي سوف ينقسم الى طوائف ومجموعات ينعدم بينها الترابط والتفاعل مما يؤدي في النهاية الى اثارة الاضطرابات والمشكلات العرقية والدينية.
الاندماج الاجتماعي
وجدير بالذكر ان أي مجتمع عبارة عن مجموعات من الناس، ومن اجل ان تعيش هذه المجموعات معا، لابد ان تفهم وتتقبل بعضها بعضا، لان التفاهم والتقبل يأتي عادة عن طريق التفاعل؛ اذ لابد ان تتفاعل هذه المجموعات معا؛ ليتم التفاهم، والتقبل فيما بينها، واذا اردنا لهذا التفاعل ان يكون ايجابيا مثمرا فيجب ان يحدث منذ الطفولة أي بتربية وتعليم افراد المجتمع معا على اختلاف فئاتهم وطوائفهم والوانهم وقدراتهم؛ وحتى يؤدي هذا التفاعل على التفاهم والتقبل، وبالطبع فالمدرسة هي المكان الطبيعي لمثل هذا التفاعل، ولقد اخذ الاعلام والكثير من اعضاء مجلس الشيوخ الامريكي يرددون في ذلك الوقت مصطلحا جديدا على الساحة التربوية والاجتماعية وهو مصطلح “الدمج inclusion” للتعبير عن التفاعل.
لقد احتضن التربويون هذا المصطلح الجديد وبدأوا يروجون له كأساس يقوم عليه تعليم الطلاب المعوقين الذين عُزلوا وحرموا منذ زمن بعيد من فرصة التفاعل مع اقرانهم غير المعوقين، وابعدوا عن فرص المشاركة في الحياة الاجتماعية، وصحيح ان مدراس وفصول ومعاهد التربية الخاصة قد وفرت لهؤلاء الطلاب الخدمات التعليمية المختلفة الا انها أخفقت في تطوير مهارات التفاعل الاجتماعي لديهم، وذلك بالرغم من تطبيق نظامين سابقين شبيهين بنظام الدمج الا وهما: Integration و Mainstreaming.
وهو ما يعرف بالتكامل او الدمج الجزئي للطلاب المعوقين في مدارس التعليم العام وفصوله، وذلك بان يسمح لهؤلاء الطلاب بالمشاركة ببعض الانشطة الدراسية داخل فصول التعليم العام لجزء من اليوم الدراسي ويقضون الجزء الاخر في غرفة المصادر التعليمية او فصول التربية الخاصة مع زملائهم المعوقين.
ان الفرق بين هذين النظامين ونظام المدمج الجديد هو ان الطالب المعوق يقضي يومه الدراسي كله جنبا الى جانب الطلاب غير المعوقين في فصول التعليم العام، يمارس معهم ويشاركه الانشطة الأكاديمية والرياضية والاجتماعية والترفيهية جميعها فيما يتلاءم مع قدراته وخصائصه.
ويتعرض هذا الكتاب لموضوع الدمج من زوايا مختلفة، فهو يتضمن احد عشر فصلا: كل فصل منها عبارة عن مقاله او دراسة نشرت حديثا في المجلات والدوريات المتخصصة في مجال تربية وتعليم وتأهيل الطلاب المعوقين، وقد تم ترجمتها بتصرف لتتلاءم مع المصطلحات والتطبيقات التربوية في المدارس العربية.
فيناقش الفصل الاول المبررات التي قامت عليها عملية الدمج وفوائد هذه العملية، اما كل من الفصل الثاني والثالث والرابع فتتعرض الى العوامل التي تساعد على نجاح عملية الدمج والنصائح التي يسترشد بها المدرسون الذين يطبقون برنامج الدمج في فصولهم.
وفي الفصل الخامس يعرض اربعة من النماذج المستخدمة لتطبيق برامج الدمج بنجاح، ويعرض كل من الفصل السادس والسابع وسائل واساليب تقويم برامج الدمج، اما الفصل الثامن والتاسع فيتحدثان عن المناهج والجداول الدراسية في فصول الدمج، وقد خصص كل من الفصل العاشر والحادي عشر للحديث عن المشكلات السلوكية او السلوك غير الملائم الذي قد يظهر في فصول الدمج واساليب الحد منها.
ويعتبر موضوع الدمج من الموضوعات التي لا زالت مثار جدل فيما يتعلق بايجابياتها وسلبياتها، الا انه بحسب تقرير معظم التربويين فإنه وإن كان للدمج سلبيات، فإن ايجابياته متعددة ويصعب حصرها؛ لهذا فإن الإدارات التعليمية في الولايات المتحدة تسعى حثيثا كي يتم تطبيق هذا النظام في المدارس التابعة لها جمعيها.