تسمية الأشياء بغير أسمائها الشرعية من حيل الخبثاء المغرضين


تسمية الأشياء بغير أسمائها الشرعية من حيل الخبثاء المغرضين

 

الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، وخبير بما يصنعون، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور؛ بل ويعلم ما كان منهم وبهم وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان سيكون؟! جَلَّ في عُلاه ولا معبود سواه، وهو الذي أمرنا أن نتَّبِع ولا نبتدع، ودعانا للاقتداء برسوله النبيالمختار محمد صلى الله عليه وسلم، ونقتفي آثره القويم، وصراطه المستقيم، خير البريَّة وأفضل من عَلَّم البشريَّة، ما من خير إلا ودعانا إليه، وما مِن شَرٍّ إلا وحذَّرنا منه ومن سوء عواقبه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، إذا تحدَّث كفى، وإذا صاحَبَ صَفَا، وإذا عاهَدَ وفَى، أُتِي جوامع الكَلِم، ويحسن اختيار الكلمة والمصطلح كما تعلم من كتاب الله القرآن الكريم الذي جاء فيه قول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 104]؛ وذلك لأنه كما في تفسير الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلُّمِهم أمْرَ الدين:﴿ رَاعِنَا؛ أي: راعِ أحوالَنا، فيقصدون بها معنًى صحيحًا، وكان اليهود يريدون بها معنًى فاسدًا، فانتهزوا الفرصة، فصاروا يخاطبون الرسول بذلك، ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة؛ سدًّا لهذا الباب، ففيه النهي عن الجائز، إذا كان وسيلةً إلى مُحرَّم، وفيه الأدب واستعمال الألفاظ التي لا تحتمل إلا الحسن، وعدم الفُحْش، وترك الألفاظ القبيحة، أو التي فيها نوع تشويش أو احتمال لأمر غير لائق، فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن، فقال:﴿ وَقُولُوا انْظُرْنَا فإنها كافية يحصل بها المقصود من غير محذور، ﴿ وَاسْمَعُوا لم يذكر المسموع، ليعم ما أمر باستماعه، فيدخل فيه سماع القرآن، وسماع السُّنَّة التي هي الحكمة، لفظًا ومعنى واستجابة، ففيه الأدب والطاعة”؛ (ا هـ).

وعلى نفس النهج القرآني القويم يُنبِّهنا صلى الله عليه وسلم لحُسْن اختيار اللفظ والعناية بالكلمة؛ فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُؤوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِير»؛ سنن ابن ماجه.

وفي قوله عليه الصلاة والسلام: «إِن مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بَذْلُ السَّلامِ، وَحُسْنُ الْكَلامِ»؛ الطبراني، ومن حُسْن الكلام احترام اللفظ القرآني والحديثي والتشبُّث به، وحسن اختيار الكَلِم واللفظ أولًا قبل التحدُّث به في كل أمور ديننا ودُنْيانا.

 

نَعَم، لقد أخبرنا الله عز وجل عن شياطين الإنس والجِنِّ أنهم يُوحِي بعضُهم إلى بعض زُخْرفَ القول غرورًا، وهذه من حيلهم وخبثهم في إضلال بني آدم؛ إلباس الشيء غير لبوسه، وتسميته بغير اسمه حتى يقع تزيينه للنفوس الجاهلة والمتردِّدة الضعيفة فتقترف ما حرَّم الله تعالى، وتستحقُّ بذلك عقاب الله عز وجل، بلى، إنَّ شياطين الإنس والجن الذين يمتهنون الافتراء والتلبيس على الناس يدركون تمامًا خطورةَ الكلمة وأهميتها؛ لذلك يحرصون على التلاعب بها، ويسمُّون الأمور بغير اسْمِها حتى تتقبَّلَها النفوس وتنخدع وتطبع معها، ولا يزالون يُزيِّنُون لهم ذلك حتى يقعوا في المحذور والحرام، وهذه بُغْيَتُهم ومقصدهم من تحريف الكَلِم وتزيينه وزخرفته! بلى، إن تحريف الكَلِم عن مواضعه لمن أشدِّ أنواع التلبيس والتضليل، وقد برز اليهود في هذا المكر والتحريف عن غيرهم من الأُمَم؛ حيث حرَّفُوا ألفاظَ التوراة والإنجيل، وحرَّفُوا معانيها، وهذا ما أخبرنا به القرآن الكريم، واتَّبَعهم في هذا الغي والضلال الذين في قلوبهم زيغ ومرض من بني جلدتنا؛ من مُغْرِضين وأعداء ديننا الإسلامي الحنيف، ولتفادي الوقوع في فخِّهم وضلالهم، على المسلم اللبيب الفطن ألَّا ينخدع بهذه الحيل الخدَّاعة، وأن يتفطَّن لها، ويكون على بصيرة من أمر دينِه ودُنْياه، فلا يمتدح إلا ما امتدحه الله ورسوله، وإنْ ذَمَّه كُلُّ الناس، ويذم ما ذمَّه الله ورسوله وإن امتدحه كلُّ الناس وأهل الباطل وزخرفوه وزيَّنوه.

والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- تسمية الإلحادبالحداثة والحرية؛ للتطبيع معه وقبوله.

2- وتسمية الربا الحرام بالفائدة؛ تمهيدًا للتعامل به.

3- وتسمية الزنا والتفسُّخ بالحرية الفردية والعلاقات الرضائية؛ لعل النفس تميل إليه وتقترب منه.

4- وتسمية الخمر ومشتقاته بالمشروبات الروحية ولسان حالهم يقول: لا حرج في شربه وتناوُله.

5- وتسمية الحجاب واللباس الشرعي بالرجعية والظلامية والتزمُّت أو بـ”الخرْقة”- باللسان الدارج- حتى تنفر منه البنات والنساء ولا يُعِيروه اهتمامًا.

6- وتسمية المجون والفحش بالفَنِّ والنجومية؛ حتى لا تتحرَّج منه النفوس.

7- وتسمية الرشوة بالهدية والإكرامية إيذانًا بانتهاء زمن الرشوة واللفظ الشرعي.

8- وتسمية القمار باليانصيب ولعب الحَظِّ؛ حتى يكسر حاجز الكلمة المنفرة منه، ودفع الشباب له إيهامًا بالغِنى القريب وتحقيق الأحلام.

9- وتسمية التبرُّج والسفور بالتحرُّر والرُّقي والتقدُّم؛ ليجعلوا النساء والبنات يطبعْنَ معه، وحتى تكون في متناولهم متى شاؤوا وحيثما شاؤوا.

10- وهكذا تسمية كذا بدل كذا… وتسمية… وتسمية…. واللائحة طويلة…

ومما لا شك فيه أن كل هذه وما على شاكلتها من مصائد شياطين الجن والإنس وفخاخهم ومكائدهم، فتسمية الأمور بغير أسمائها الشرعية والحقيقية بداية النهاية للغرض من التسمية أصلًا، وهي من حِيَل الخبثاء المغرضين كما أسلفنا، وهي كذلك من الأساليب القذرة والقديمة للتلبيس على الناس؛ لأن الاسم غالبًا ما يُوحي بخُبْث المُسمَّى وقبحه؛ مما يحدث لدى المتلقِّي نفورًا منه واشمئزازًا، لأجل ذلك يلبس المحرم والخبيث زيًّا ورداءً ليس له؛ لتزينه للناس ودفعهم لاقترافه والوقوع فيه كممنوع؛ ومِنْ ثمَّ الوقوع فيما حرَّم الله تعالى وأمر بتجنُّبه؛ ومِنْ ثَمَّ الوقوع في النار عياذًا بالله تعالى.

 

وفي الختام: ليكُنْ في علم كل مسلم لبيب أن خير مَنْ يُحْسِن اختيار اللفظ والكلمة في كل أمورِنا هو الله سبحانه وتعالى ورسولُه المختار صلى الله عليه وسلم، وكل مَنْ يحاول غير ذلك فقد جانب الصواب؛ إمَّا عن غفلة وجهل، وإمَّا عن قصد وخبث وغرض قذر، فتغيير اسم الشيء المُحرَّم لن يجعله حلالًا أبدًا، وتزيين الباطل لن يجعله حقًّا، وزخرفة الخبيث لن يجعله طيِّبًا مهما أوتينا من بلاغة وبيانٍ.

 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (الله سبحانه إنما حَرَّم هذه المُحرَّمات…لما اشتملت عليه من المفاسد المضرَّة بالدنيا والدين، ولم يحرمها لأجل أسمائها وصورها)، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والتعبير عن حقائق الإيمان بعبارات القرآن أولى من التعبير عنها بغيرها؛ فإن ألفاظ القرآن يجب الإيمان بها، وهي تنزيل من حكيم حميد، والأمة مُتَّفِقة عليها.. والألفاظ المحدثة فيها إجمال واشتباه ونزاع، ثمَّ قد يُجعل اللفظ حجة بمجرده، وليس هو قول الرسول الصادق المصدوق (المرجع: النبوات، ص 333)، ولنكن جميعنا حريصين كل الحرص على تسمية الأشياء بأسمائها الشرعية كما سمَّاها الله الحكيم الخبير ورسوله الكريم الذي أتي الحكمة وجوامع الكلم حتى يبقى لهذه الأسماء أثَرُها البالغ في النفوس وتُبلغ من خلالها العبر المقصودة والدروس.

نسألُ الله تعالى أن يهدينا إلى الطيب من القول، والصالح من العمل، وأن يهديَنا إلى صراط الحميد، وأن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأقوالنا… آمين، والحمد لله ربِّ العالمين.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
هل تريد أن تدخل الجنة من أبوابها الثمانية؟
من حكم الصيام