تطوير التعليم يحتاج إلى تطوير


تطوير التعليم يحتاج إلى تطوير

 

التعليم هو الركن الأول لبناء الإنسان، وتشييد العمران، وهو الأساس الأهم لنهضة الأُمَمِ، وارتقاء الدول، والصعود إلى القِمَمِ، وقد اتفقت على ذلك الإنسانيةُ كلُّها في المشارق والمغارب، في الماضي والحاضر.

 

وقد رفع الإسلام العلمَ إلى القمة السامقة، وجعل طلبَ العلم فريضةً على كل مسلم، وحسبك تنويهًا بشأن العلم أن الكلمة الأولى في القرآن الكريم كانت أمرًا بالقراءة والتعلُّم والتفهُّم لكل ما يجري حولنا، وأبصرته عيوننا، أو سمعت به آذاننا في كل مجالات الحياة.

 

المعلم حَجَرُ الزاوية في العملية التعليمية:

المعلم هو صاحب الدور الأهم والأخطر في العملية التعليمية؛ وذلك لأنه يبعث الهِمَمَ، ويفجِّر العزائم، ويجدِّد الفَهم، ويكشف الخفيَّ، ويسهِّل الصعب؛ ولهذا كان المعلم صاحبَ رسالةٍ مقدسة، وأمانة عظيمة، وقد أعلى الإسلام منزلةَ المعلم إلى الدرجة الفضلى، والقمة العليا؛ قال تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]، وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العلماء ‌ورثة ‌الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، وغيرهم].

 

تأهيل المعلم:

في العام 2006م صدر في مصر القرار الجمهوريُّ بإنشاء الهيئة القومية لضمان جودة التعليم، وأصبحت الهيئة منوطًا بها مهمة تطوير التعليم في مصر، بعد أن جاء قرار إنشائها متأخرًا قرابة نصف قرن عن غيرنا من دول العالم.

 

موقف الإسلام من التطوير:

الإسلام يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها، ويدفع أبناءه إلى القِمَمِ، ويبعث فيهم الهِمَمَ، ويُوقظ فيهم العزائم، التي تعمل ليلَ نهارَ للتجديد والتطوير والابتكار في كل ما يعود على الإنسانية بالخير والنفع؛ قال جل جلاله: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

 

فعلى الرغم من أن المتقين هم خير البرية، وأحسن الإنسانية، لكن الإسلام لا يكتفي من بنيه أن يكونوا من المتقين، بل عليهم أن يبذلوا الجهد، ويواصلوا السعي ليكونوا أئمة المتقين، ما دامت لديهم الإمكانات التي تُؤهِّلهم لهذا.

 

عن شداد بن أوس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((‌إن ‌الله ‌كتب ‌الإحسان ‌على ‌كل ‌شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحةَ، ولْيُحِدَّ أحدكم شَفْرَتَه، ولْيُرِحْ ذبيحته))؛ [رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، وغيرهم].

 

فالإحسان والإتقان، وأداء المهام على أحسن وجه فريضةٌ في دين الإسلام، وذلك في كل مجالات الحياة، ومن أهمها بالطبع ميدان التعليم، وقد أمر القرآن الكريم المسلمين باستعمال أحسن الأساليب، واتباع أجمل الطرق في دعوة الناس أجمعين إلى منهاج رب العالمين؛ قال جل جلاله: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت: 46]، وكانت سيرة محمد صلى الله عليه وسلم معلمًا مضيئًا، وقدوة بالغة في التفنُّن والتجديد والابتكار في دعوة الناس إلى الصراط المستقيم.

 

وقفة مع مراكز تطوير التعليم في العالم العربي:

اطَّلعت على الكثير من إصدارات مراكز تطوير التعليم في العالم العربي، والكثير من الدورات التي تمنحها هذه المراكز، والمؤسف حقًّا أن مناهج هذه المراكز مترجمة من مراكز أجنبية في دول غير مسلمة، وقد تُرجمت بغثِّها وسمينها، بكامل حروفها، وجميع حذافيرها.

 

ولسنا نُنكر الترجمة عن القوم، ولا نُدين الاستفادة بأحسن ما لدى الآخرين؛ فهذا مطلب شرعي، أوجبه دين الإسلام، ودعا بَنِيه إلى الأخذ بأحسن ما توصلت إليه الحضارة الإنسانية في كل مجالات الحياة.

 

وما ننكره هنا أن إدارة التطوير في العالم العربي تُترجِم دون تهذيب، وتنقُل دون تمحيص ولا غربلة للمادة المترجَمة، ودون أدنى إشارة إلى السبق الإسلامي في كثير من المسائل والنقاط، ولم أجد فيما اطلعت عليه كتابًا من كتب الجودة، أو تقريرًا من تقاريرها، بدأ بالبسملة، أو بحمد الله، أو الثناء عليه، ولا تجد في ثنايا الكتب آية قرآنية، ولا حديثًا نبويًّا، أو تذكيرًا ولو عابرًا بأثر من آثار سلفنا المبدعين.

 

مركز ضمان الجودة والتدريب بجامعة الأزهر:

والأخطر من ذلك كله أن مركز ضمان الجودة والتدريب بجامعة الأزهر سار على الدرب، واقتفى الأثر، بلا روِيَّةٍ، ولا تفكير، ولا إعمالِ ذهنٍ، حتى في أخصِّ خصائص جامعة الأزهر؛ وهو الدين والعقيدة، ومن الأمثلة الواضحة في هذا الصدد، الدورات التي يقدمها المركز، ومن بينها دورة “خرائط المنهج، وتوصيف المقررات، وتقويم نواتج التعلم”.

 

وهذه الدورة كغيرها لا تجد في الكتاب الصادر بشأنها من المركز آية قرآنية ولا حديثًا نبويًّا، ولا أثرًا كريمًا، ولا أدنى إشارة إلى سبق إسلامي إلى بعض المعاني الجميلة التي وردت في كتاب الدورة.

 

والأسوأ من ذلك كله أن كتاب الدورة وردت به مخالفات خطيرة لإسلامنا وديننا؛ ومنها على سبيل المثال:

ما جاء في الكلام على الوسيلة الرابعة من وسائل التدريس؛ وهي وسيلة “العصف الذهني”؛ حيث جاء في الكتاب: “ويُقصَد به إنتاج أفكار إبداعية، لحل مشلكة معينة، بتهيئة العقل للتفكير في كل مجالات الحياة، والنظر في كافة الاحتمالات لتوليد أكبر قدر من الأفكار حول المشكلة المطروحة، بدون أي تحفُّظ أو قيود على هذه الآراء والأفكار“.

 

ثم قال: “حرية التفكير؛ أي التحرر مما قد يُعيق التفكير الإبداعيَّ، ومن ثَمَّ إطلاق العِنان للفكر، بما يشجع الطلاب على التفكير فيما وراء الحلول التقليدية”.

 

وإطلاق العنان للفكر دون أي تحفُّظ أو قيدٍ أمرٌ خطير ينكره الإسلام، لكن في الوقت نفسه يجب أن نعلم أن الإسلام دين يحترم العقل، ويحضُّ على الفكر والتدبُّر، بل ويُوجِبُ العصف الذهنيَّ قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، وقد دلَّ على ذلك كثير من آيات القرآن الكريم؛ قال جل جلاله: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ﴾ [العنكبوت: 20]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]، والآيات في ذلك كثيرة جدًّا، لكنه نظرٌ وتفكُّرٌ وتدبُّرٌ مضبوط بضوابط الشرع، فلا يجوز أن تسأل: من خلق الله؟ ولا لماذا نصوم شهرًا، وليس أقل ولا أكثر؟ ولا يجوز أن تسأل: لماذا نصلي الظهر أربعًا، وليس ثلاثًا ولا خمسًا؟ ولا لماذا الله جل جلاله لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون؟ وهذه الحدود، وتلك الضوابط لمصلحة العقل، ولمصلحة الفكر؛ لأن عقل الإنسان قاصر عن إدراك الكثير من حقائق الوجود؛ قال جل جلاله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، فالفكر البشريُّ عاجز عن إدراك كُنْهِ الموت والحياة، والروح والكهرباء، وكثيرٍ جدًّا من مظاهر الوجود، فعليه أن يلتزم بضوابط الشرع حتى لا يضل ويشقى.

 

وهذه واحدة من أمور كثيرة، تستوجب إعادة النظر في معايير تطوير التعليم، وعلى مراكز الجودة، وإدارات التطوير التربوي في العالم العربي والإسلامي أن تأخذ أحسن ما توصلت إليه الحضارة الإنسانية في مجال تطوير التعليم من أي مكان في الدنيا، بشرط واحد فقط؛ وهو ألَّا يتعارض مع ديننا الإسلامي العظيم.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
تفسير سورة الانشقاق
Target Drops Black Friday Online Exclusive: Get Taylor Swift’s Eras Tour Book and The Tortured Poets Department: The Anthology Album Today – IGN