تعريف السهو لغة واصطلاحا


تعريف السهو لغة واصطلاحًا

تعريف السهو لغة:

قال ابن فارس: “السين والهاء والواو معظم الباب يدل على الغفلة والسكون، فالسهو: الغفلة، يقال: سهوت في الصلاة أسهو سهوًا، ومن الباب المساهاة حسن المخالفة، كأن الإنسان يسهو عن زَلَّة إن كانت من غيره، والسهو: السكون، يقال جاء سهوًا رَهْوًا…”[1].

 

وقال ابن منظور: “السهو والسَّهْوَة: نسيان الشيء والغفلة عنه، وذهاب القلب عنه إلى غيره، سها يسهو سَهْوًا وسُهُوًّا، فهو ساهٍ وسهوان، وإنه لَساهٍ بَيِّنُ السَّهْوِ والسُّهُوِّ…”[2].

 

وقال الفيومي: “(س ه و): سها عن الشيء يسهو سهوًا: غفَل”[3].

 

وقال الفيروزأبادي: “وسها في الأمر كدعا، سهوًا وسُهُوًّا: نَسِيَهُ وغفل عنه، وذهب قلبه إلى غيره، فهو ساهٍ وسهوان، والسهو: السكون”[4].

 

ومن خلال عرض ما ذكره علماء اللغة في معنى السهو نستنتج أمورًا:

أولًا: أن السهو في الصلاة الذي يتحدث الفقهاء عن أحكامه يتعدى بفي، أما السهو الذي يتعدى بعن كما ذكر صاحب المصباح، فهو يعني الغفلة عن الصلاة كلها مع العلم، وتأخيرها عن وقتها وهو مذموم، وقد أشار إلى هذا الفرق الإمام ابن الأثير؛ قال ابن منظور: “والسهو في الصلاة: الغفلة عن شيء منها، سها الرجل في صلاته، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سها في الصلاة، قال ابن الأثير: السهو في الشيء تركه عن غير علم، والسهو عنه تركه مع العلم، ومنه قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 5]”[5].

 

قال الشيخ الكاندهلوي بعد أن ذكر الفَرْقَ الذي ذكره ابن الأثير: “وهذا فرق حسن دقيق، وبه يظهر الفرق بين السهو الذي وقع الذي وقع عن النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة في الصلاة، وبين السهو عن الصلاة الذي ذمه الله تعالى…”[6].

 

وقال أبو جيب سعدي: “سها سَهْوًا وسُهُوًّا وسَهْوَةً: غفل، فهو ساهٍ وسَهْوَان.

عن الشيء: تركه مع العلم، يُقال: سها عن الصلاة: تركها ولم يصلِّ.

في الشيء: تركه عن غير علم، يُقال: سها في الصلاة: إذا نَسِيَ شيئًا منها…”[7].

 

ثانيًا: أن السهو مرادف للغفلة والنسيان عند جمهور أهل اللغة، وقد نقل الشيخ الكاندهلوي عنهم ما يشير إلى ذلك، كما نقل عنهم أيضًا ما يشير إلى تباينهم[8].

 

ثالثًا: أن من أهل اللغة من سلَّم بترادف السهو والغفلة إلا أنه فرَّق بين السهو والنسيان؛ قال في المصباح: “سها عن الشيء يسهو سهوًا غفل، وفرَّقوا بين الساهي والناسي بأن الناسي إذا ذكَّرته تذكَّر، والساهي بخلافه”[9]، إلا أن المعتمَد أنهما مترادفان؛ قال أبو البقاء الكفوي بعد أن عرض الأقوال التي قيلت في الفرق بين السهو والنسيان: “والمعتمد أنهما مترادفان”[10].

 

رابعًا: أن من علماء اللغة من جعل السهوَ مرادفًا للغفلة، ومنهم من جعله موافقًا للنسيان؛ قال القاضي عياض: “والسهو في الصلاة، قيل هو بمعنى النسيان، وقيل بمعنى الغفلة”[11].

 

خامسًا: أن الفقهاء لم يأخذوا بمجمل ما ذكره علماء اللغة في تشابه هذه الألفاظ، وإنما بحثوا عن القيود التي يتميز بها كل مصطلح عن غيره، ومنها القيود التي نُقِلت عن بعض أهل اللغة، فاعتبروها وفرقوا بينهم؛ قال الإمام الخرشي: “والسهو: الذهول عن الشيء تقدَّمه ذِكْرٌ أو لا، وأما النسيان فلا بد أن يتقدمه ذكر، والفرق بين السهو والغفلة أن الغفلة تكون عما يكون، والسهو يكون عما لا يكون، تقول: غفلت عن هذا الشيء حتى كان، ولا تقول: سهوت عنه حتى كان؛ لأنك إذا سهوت عن الشيء لم يكن، ويجوز أن تغفُل عنه ويكون، وفرق آخر وهو أن الغفلة تكون عن فعل الغير، تقول: كنت غافلًا عما كان من فلان، ولا يجوز أن يُسهى عن فعل الغير”[12].

 

قال الشيخ العدوي موضحًا لما ذكره الخرشي من الفرق بين الغفلة والسهو؛ وهو أن الغفلة تكون عن فعل الغير: “أي: والسهو عن فعل النفس، بذلك يُعلَم أن هذا الفرق ملازم للفرق الأول، بل هو موضح له كما تبين من تقريرنا، ويظهر بذلك التباين بين الغفلة والسهو، وأما بين النسيان والغفلة فلم يتعرض له ويظهر أن يكون بينهما التباين؛ لأن النسيان يكون عن فعل النفس، تقول: نسيت أن أفعل، نسيت أن آكل، ونحو ذلك”[13].

 

وقد قرر الإمام ابن القيم التباين بينهما باعتبار آخر؛ قال رحمه الله: “والفرق بين الغفلة والنسيان: أن الغفلة ترك باختيار الغافل، والنسيان ترك بغير اختياره؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف: 205]، ولم يقل: ولا تكن من الناسين، فإن النسيان لا يدخل تحت التكليف، فلا يُنهى عنه”[14].

 

تعريف السهو اصطلاحًا:

عرفه الشيخ زروق بقوله: “هو الذهول في الشيء أو عنه بما يؤدي إلى الإخلال به بزيادة أو نقصان أو كل منهما، وكلٌّ يقع في الصلاة فيُجبر بالسجود ما لم يكثر جدًّا، فتبطل، أو يقل جدًّا فيُغتفر كما إذا أُبيح”[15].

 

وعرفه الدكتور عبدالله معصر بقوله: “الذهول عن الشيء تقدمه ذكر أو لا، بحيث لو نُبِّه بأدنى تنبيه لتنبَّه، وهو بهذا المعنى فقد التوجه، أو الوقوع في النسيان”[16].

 

ويظهر أن تعريف الشيخ زروق أحكم وأدق، فقد عبر بفي، وقد تقدم معنا أن السهو الذي يتحدث عنه الفقهاء، ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم يتعدى بفي، كما أنه عبر بعن أيضًا ليشمل من لم يعتبر هذا الفرق، كما أنه ذكر بعض خاصيات سجود السهو في التعريف التي هي الزيادة والنقصان، وذكر قيودهما.

 


[1] مقاييس اللغة لابن فارس ص:419، سنة الطبع 1429- 2008دار الحديث القاهرة.

كتاب السين: باب السين والهاء وما يثلثهما.

[2] لسان العرب لابن منظور 7/ 290، 291، ط: دار صادر، بيروت.

[3] المصباح المنير 1/ 293 باب السين مع الهاء وما يثلثهما.

[4]القاموس 1297، باب الواو والياء، فصل السين.

[5] لسان العرب: 7/ 291.

[6] أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك للكاندهلوي 1/ 201، ط: 2، دار الكتب العلمية، سنة 2010.

[7] القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب، نشر: دار الفكر، دمشق، ط:2، 1408ه – 1988م، ص: 186.

[8] أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك 1/ 200-201.

[9] المصباح المنير 1/ 293 السين مع الهاء وما يثلثهما.

[10] الكليات لأبي البقاء 505، مؤسسة الرسالة، بيروت.

[11] مشارق الأنوار للقاضي عياض 2/ 229، سنة النشر: 1333ه، ط: دار التراث، القاهرة.

[12] شرح الخرشي 1/ 306-307.

[13] المصدر السابق 1/ 307.

[14] مدارج السالكين لابن القيم 2/ 349، ط: دار الحديث، القاهرة، 1424-2003.

[15] شرح الرسالة للشيخ زروق، ص:295، ط:1، دار الكتب العلمية، 2006م.

[16] تقريب معجم مصطلحات الفقه المالكي، دار الكتب العلمية، 2007م، ط:1، ص:76.





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
تحميل كتاب علم النفس الفسيولوجي pdf
تحميل كتاب الدعاية السياسية والاستعلام pdf