تعظيم الصلاة والصيام (خطبة)


تعظيم الصلاة والصيام

 

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الرحيم الغفور، جَعَلَ شهر رمضان خيرَ الشهور، وضاعف فيه الحسنات والأجور، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُهُ ورسوله العابد الشكور، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم النشور؛ أما بعد:

فاتقوا الله معاشر المسلمين، واحمَدوا الله على دوام النِّعَمِ واستمرار العطاء، وألِحُّوا عليه بالدعاء أن يجعلكم من عباده الأصفياء، ومن الذين كتب لهم العتق من النار.

 

عباد الله، إن المسلم لَيسْعَد وينشرح صدره عندما يرى مظاهر التعظيم والاحترام من المسلمين لشهر الصيام، فهم حريصون على صيامهم وعلى حفظه مما يُفسده، فهذا صائم يسأل عن حكم قطرة العين وقطرة الأذن، وهل تفسد الصيام؟ وتلك صائمة تسأل عن حكم تذوق الطعام، وذاك يسأل عن حكم التحليل وعن ريح البخور، وغيرها من الأسئلة التي تُشعرك باهتمام الناس بالصيام وحرصهم على كماله، وعلى حفظه وصيانته مما يُبطله ويضيع أجره، وهذا هو الواجب على المسلم أن يتحرَّى لعبادته ويحرص على كمالها، ولكن يتألم القلب حينما تجد أن من يسألون عن حكم تذوق الطعام، ألسنتهم تلوك في لحوم المسلمين، وتفري في أعراضهم، ومن يسألون عن قطرة العين تتدنس أعينهم بالنظر إلى ما حرم الله في القنوات وفي شاشات الجوالات، ومن يسأل عن قطرة الأذن يقضي ليله في سماع المحرمات، ومن تتحرج من البخور أو تذوق الطعام تخرج من بيتها متعطرة متزيِّنة تخالط الرجال، وتخضع لهم في الكلام، أيها الإخوة، إن دين الله جزء لا يتجزأ، وهو شعائر وأحكام فيها الواجب والأوجب، وفيها الفرض والمستحب، وفيها الحرام والمكروه، وقد أمرنا ربنا تعالى بأن نلتزم بالدين كاملًا، ونطبق شريعته كلها؛ فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208]؛ أي: ادخلوا في جميع شرائع الإسلام، عاملين بجميع أحكامه، ولا تتركوا منها شيئًا، والذي حرَّم الأكل والشرب في نهار رمضان، حرَّم الغِيبة والنميمة، وحرَّم النظر إلى العورات والاستماع إلى المحرمات، والذي فرض الصيام فرض كذلك الصلاة، وإذا كان المسلم يعظم الصيام لأنه فريضة الله وركن من أركان الإسلام، فكيف يتهاون في الصلاة وهي أعظم الفرائض، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين؟ ولم يكن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يَرَون شيئًا تَرْكُه كفر إلا الصلاة، وأي معنى يحققه الصيام لمن تهاون بالصلاة؟ وأين التقوى من قوم ينامون عن إجابة نداء الله؟ إن مما يحزن القلب ويثير الأسى والأسف أن تجد من الصائمين من ينام طول نهاره، وبعضهم إلى المغرب، ولا يؤدي الصلاة في وقتها مع جماعة المسلمين، رضُوا بأن يكونوا مع الخوالف، يجلجل في آذانهم صوت المنادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فلا يجيبون، ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 4 – 6]، ألم يسمعوا إلى جواب أهل النار حين سُئلوا: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ [المدثر: 42، 43]، وأين هؤلاء من وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهو في لحظات حياته الأخيرة؛ كان يقول: ((الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم))، وأين هؤلاء من هَدْيِ أسلافهم المقتدين بنبيِّهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؟ الذين سطَّروا في حب الصلاة والشوق إليها صورًا، تعجِز الكلمات عن تصويرها، وكان يُؤتَى بالرجل يُهادى بين رجلين حتى يُقام في الصف من حبهم للصلاة وشدة تمسكهم بها، ألَا يعلم المتخلف عن الصلاة أنه شابه المنافقين الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، وأثقل الصلاة عليهم صلاة العشاء والفجر؟ ألَا يعلم المتهاون بالصلاة أن الميت في قبره يتمنى العودة للحياة من أجل سجدة أو تسبيحة، ولكن حيل بينهم وبين ما يشتهون؟ ألم يعلم المتخلف عن الصلاة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعذر أحدًا في تركها، ولم تَطِبْ نفسه بالتخلف عنها وهو يصارع سكرات الموت، فكان الحبيب – فداه أبي وأمي – يغتسل حتى يفيق، ثم يُغمى عليه ثلاث مرات؛ حرصًا على إجابة نداء الله، ألم يعلم من يتخلف عن الصلاة أن النبي الرحيم الشفيق لم يعذر عبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه، لما سأله الرخصة ليصلي في بيته، وهو رجل أعمى لا قائد له، وطريقه محفوف بالمتاعب والمخاطر؟ ومع ذلك كان جوابه له: ((هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: إذًا فأجِبْ لا أجد لك رخصة)).

 

أيها المسلمون، حينما حصل التهاون بالصلاة بين الكثيرين ضاقت الصدور، وكثُرت العِلَلُ، وفسدت النفوس، وقست القلوب، وتسلَّطت شياطين الإنس والجن؛ وقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، ومعنى: أن تحافظ على الصلاة: أن ترحل عن خطاياك إلى الله، وتخرج من دركات الشهوات والنَّزوات إلى درجات العبادة والطاعة، وستجد أن ما كان يأسِرك من المحرمات حين كنت متهاونًا بالصلاة هو من أبغض الأشياء إليك حين تكون محافظًا عليها، إن المحافظة على الصلاة علوٌّ وارتقاء في منازل الأولياء، من حافظ عليها كانت له نورًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا نجاة، بل هو من الذين قال الله فيهم: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59]، ويا ليت الذين يتهاونون في الصلاة يفيقون قبل يوم الحسرة، يوم التغابن، ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم: 42، 43].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد أيها المسلمون:

فإن للصلاة في ديننا منزلةً عظيمة، فالواجب علينا تعظيم أمرها كما عظَّمها ربنا تعالى، والواجب على كل واحد منا هو التناصح والتعاون في سبيل إقامة هذه الشعيرة، كما أمرنا ربنا تعالى، وأمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم، وكل منا مسؤول عن مناصحة إخوانه المسلمين، ومُطالَب بالقيام على من تحت يده من الأهل والذرية؛ نصحًا له ووقاية لهم من عذاب الله؛ والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، وكيف لمؤمن يخاف على أهله وعلى أبنائه وبناته، ويحرص على نجاتهم وهدايتهم، أن يتركهم نائمين، أو يراهم متهاونين في أمر الصلاة، ولا يأمرهم بها، وبالمحافظة عليها؟ لو وجد الإنسان ابنه أو ابنته، أو أحدًا من أهله مريضًا، لفزِع به إلى المستشفى، وبحث له عن الدواء، ولو وجده جائعًا لَبَادَرَ بإحضار الطعام له، ولو باع كل ما يملك من أجله، فكيف يهتم بأمر دنياه، ولا يهتم لأمر آخرته، لا يوقظه للصلاة، ولا يأمره بالمحافظة عليها؟ وأي توفيق سيحققه هذا الابن أو البنت؟ وأي سعادة تُرجى لهم وهم مُضيِّعون للصلاة؟ وإن متابعة النصح للأهل والذرية في أمر الصلاة من الجهاد في سبيل الله، ومن الأمر بالمعروف الواجب على كل مسلم، وهو سبب للرزق والتوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، ومع ما عليه البعض من التهاون في الصلاة، إلا أن المسلم لَيشعُر بالغِبطة، وهو يرى شبابًا وصغارًا يُهرَعون إلى بيوت الله، لا يمنعهم حرٌّ ولا برد، ولا يحول دون استجابتهم لنداء الله لذة ولا لهوٌ، فتية آمنوا بربهم وزادهم هدًى، قلوبهم معلَّقة بالمساجد، نشؤوا في طاعة الله، فتعلَّم حين تراهم أن وراءهم مَن أحْسَنَ تربيتهم، وصَدَقَ في توجيههم من آباء ناصحين، وأمهات صالحات، وقد وعدهم الله تعالى أن يجمعهم مع ذريتهم في دار كرامته، ومستقر رحمته، كما اجتمعوا في الدنيا على طاعته؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الطور: 21].

 

عباد الله: صلُّوا وسلِّموا على نبيكم وقدوتكم وإمامكم محمد بن عبدالله؛ فقد أمركم بذلك ربكم ومولاكم فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلم… اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين… اللهم تقبَّل صيامنا وقيامنا، وأصلح نياتنا وذرياتنا، واجعلنا هداة مهتدين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





Source link

Leave a comment

Share
الثلث الأخير من الليل – تنبيهات رمضانية
أبواب مفتحة