تعليم الأبناء في المدارس العالمية والأجنبية
تعليم الأبناء في المدارس العالمية والأجنبية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فنعمة عظمى، ومنحة كبرى، أن يُرزَق المسلم بأبناء صالحين، تقرُّ عينه بهم في حياته، ويدعون له بعد موته، ويكون صلاح الأبناء بعد توفيق الله عز وجل بالتأديب والتعليم.
والمقصود التأديب والتعليم الذي ينفعهم في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6] قال الحسن رحمه الله: “مُرُوهم بطاعة الله وعلِّموهم الخير“.
فمن المهم أن يهتم الآباء بتأديب أبنائهم وتعليمهم؛ لأنهم سيُسألون عن ذلك، قال ابن عمر رضي الله عنهما: أدِّب ابنك فإنك مسؤول عنه: ماذا أدَّبْته؟ وماذا عَلَّمْته؟
فليحرص الآباء على اختيار المعلمين الخيِّرين الثقات لأبنائهم، فالطفل في سني عمره الأولى كالإناء يقبل كلُّ ما يُصبُّ فيه من خير وشر، قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يُمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّد الشر وأُهمِل شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه، والوالي له؛ ولهذا كان السلف الصالح يهتمون باختيار المعلمين الخيرين والمربين الصالحين، أصحاب الخبرة والكفاءة لتعليم وتأديب أبنائهم، كتب عبدالملك بن مروان إلى الحجَّاج: انظر لي رجلًا من قبلك جامعًا لأمر الدين والدنيا، فاحمله لي ليؤدب ولدي.
وسبب حرص السلف على اختيار المعلمين الأخيار لأبنائهم معرفتهم بتأثر الصبي بمعلمه، فكم من فساد وسوء خلق حصل للصبي بسبب معلمه، وكم من خير وفضل وصلاح حصل للصبي بسبب مُعلِّمه، قال أبو إسحاق الجبنياني رحمه الله: لا تعلموا أولادكم إلا عند الرجل الحسن الدِّين، فدين الصبي على دينِ معلمه.
فإذا سُلِّمَ الطفل ووضع بين يدي مُعلمٍ قد عُلمت عداوته للدين وحرصه الشديد إلى الدعوة إلى مذهبه وإلحاده، فلا شك أنه سيتأثر بمعلمه، فليحذر المسلم أن يكون معلم ابنه على غير عقيدة الإسلام، فالتعليم رضاع ثاني للصبي، بعد رضاع الأم، وإذا كان الإنسان يحرص على اختيار المرضعة الصالحة لإرضاع ابنه، خوفًا أن ينتقل إليه من طباعها وأخلاقها، فمن باب أوْلى ألَّا يُعلِّمه عند معلمين لا يدينون بدين الإسلام؛ كالنصارى وغيرهم، سُئل الإمام مالك رحمه الله: عن تعليم المسلم عند النصراني؟ فقال: لا، والله، لا أُحبُّ ذلك، وكرهه، قال: ولا يتعلم المسلم عند النصراني.
لقد أصبح بعض أبناء المسلمين يتعلمون عند النصارى وغيرهم وذلك في المدارس العالمية، وهذه المدارس لها أسماء كثيرة، قال العلامة عبدالرحمن البراك: المدارس الأجنبية، وحقيقتها المدارس التنصيرية التغريبية الاستعمارية الإلحادية، وقال العلَّامة بكر أبو زيد رحمه الله: “المدارس الأجنبية” ويقال: “الإفرنجية” و”الغربية” و”الحديثة” و”العالمية“، ويسميها بعض علماء المسلمين: “المدارس الاستعمارية” وهذا من باب التسمية بالغايات والمقاصد…ولقَّبها أنور الجندي بلقب: “الخنجر المسموم” وعنون به كتابه: “الخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون”، ولقبها الأستاذ عبدالعزيز الثنيان بلفظ: “السيوف الخفية” وأرى أن اسمها بلا مواربة: “المدارس الكفرية”.
وهذه المدارس العالمية الأجنبية لها تأثير على من يتعلَّم فيها من أبناء المسلمين، في دينهم وأخلاقهم؛ ولهذا حَذَّر العلماء من تعليم الأبناء في تلك المدارس؛ قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: يجب الحذر والتحذير من دخول المدارس الأجنبية التي تُدرس فيها العلوم الضارَّة…فكيف يرضى من عنده دين وعقل أن يضع ولده وفِلْذة كبده، ويسلمه لمدارس أجنبية قد عُلِم عداؤها لدين الإسلام…ولم تؤسس إلا لصدِّ الناس عن دين الله وتوحيده؟!
وقال العلامة أحمد بن محمد شاكر رحمه الله: “أُريد أن أنصح هؤلاء الآباء المسلمين… الذين يقذفون بفِلذات أكبادهم بين أيدي أعداء دينهم المتعصبين، أتباع المُبشِّرين….
فلا تكون الأُسرة في نظر هؤلاء وأولئك أسرةً راقيةً إلا إذا قذفت بأبنائها وبناتها إلى تلك البؤر التي تخرج منهم شبابًا راقين (خواجات) يحتقرون أول ما يحتقرون دينهم وقومهم وأهليهم، فإن ظننتم غير ذلك كنتم أغرارًا مخدوعين، أو شياطين مخادعين.
واعلموا أيها المسلون أن الله لن يقبل منكم معذرة يوم القيامة عما تجرمون في شأن أبنائكم، و ((الرجلُ راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤولٌ عنهم)) و ((كُلُّ مولود يولدُ على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه))، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد))، فاتقوا الله واحفظوا على أبنائكم دينهم وخلقهم، والله يهدينا ويهديكم”.
وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء: يجب على الوالد أن يُربِّي أولاده ذكورًا وإناثًا تربيةً إسلاميةً، فإنهم أمانة بيده، وهو مسئول عنهم يوم القيامة، ولا يجوز أن يدخلهم مدارس الكُفَّار، خشية الفتنة وإفساد العقيدة والأخلاق.
وقال الشيخ حسين مخلوف رحمه الله مفتي الديار المصرية سابقًا عن المدارس: ظاهرها الحرص على تعليم وتثقيف أولاد المسلمين بما هم في حاجة ماسَّة إليه من العلوم وباطنها بث الدعوات المضادة للإسلام وتلقينها الأولاد في صغرهم لينشأوا نشأة غريبة عن الإسلام؛ بل معادية له، فالحذرَ الحذرَ من هذه المدارس المغرضة الكائدة.
وسُئل العلامة العثيمين رحمه الله: عن الحكم في إدخال الأولاد المدارس الأجنبية؟ فأجاب: أرى ألا نُدخل أبناءنا هذه المدارس مُطلقًا؛ لأنها مهما كانت فمدارسنا خيرٌ منها، والحمد لله وفي المدارس التابعة لوزارة المعارف ما يشفي ويكفي، فأرى أنه لا يجوز لواحد منا أن يُدخِل أبناءه أو بناته هذه المدارس ويجب مُقاطعتها…لا أرى جواز إدخال الولد في المدارس الكافرة، سواء أكانت نصرانية أو غير نصرانية؛ لأن هذا يجعله عُرضةً للضلال في دينه وأخلاقه، فلو بقي جاهلًا لكان خيرًا له من أن يتعلَّم عند هؤلاء.
وقال العلامة عبدالرحمن البراك: الكفار استعاضوا عن الغزو العسكري بالغزو الفكري، ومن محاضن هذا الغزو المدارس الأجنبية…وقد أطبق علماء المسلمين في جميع البلدان على…تحريم إدخال أولاد المسلمين فيها…وحذروا من ذلك أبلغ تحذير، وبينوا أضرارها على الأمة في دينها ودنياها، في عقيدتها وأخلاقها، وفي ولاء شبابها لأمتهم ودينهم.
وقال الدكتور عبدالعزيز بن أحمد البداح: التعليم الأجنبي غزو للأمة وأفرادها في دينهم وأخلاقهم ولغتهم وانتمائهم لأمتهم وبلادهم.
فتنبَّه أخي قبل أن تندم، يقول العلامة السعدي رحمه الله: فهؤلاء الآباء الذين وضعوا أولادهم في المدارس الأجنبية قد خسروا دينهم ودنياهم، ولا بُدَّ أن يجدوا بعض جزائهم في الدنيا قبل الآخرة.