تفسير سورة الأعلى
سُورُةُ الْأَعْلَى
سُورَةُ (الْأَعْلَى): سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ[1]، وَآيُها تِسْع عَشْرَةَ آيَةً.
أَسْمَاءُ السُّورَةِ:
وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمائِهَا: سُورَةُ (سَبِّحِ اسْمَ ربِّكَ الْأَعَلَى)، وَسُورَةُ (سَبِّحْ)، وَسُورَةُ (الأَعْلَى)[2].
الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:
حَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الْكَثيرَ مِن اْلمَقاصِدِ وَالْمَعَانِي الْعظيمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ[3]:
• تَنْزيهُ اللهِ سبحانه وتعالى، وَالإِشَارَةُ إلى وَحْدانِيَّتِهِ؛ لِانْفِرادِهِ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ وَخَلْقِ مَا في الْأَرْضِ مِمَّا فِيهِ بَقَاؤُهُ.
• الأَمْنُ مِنْ نَسْخِ الْآيَاتِ، وَبَيَانُ سُهُولَةِ الطَّاعَاتِ.
• الْحَثُّ عَلى الصَّلَاةِ وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ.
• ذِكْرُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيَا، وَلَا يَعْبَؤُونَ بِالْحيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ.
مِنْ فَضَائِلِ السُّورَةِ:
جَاءَ فِي فَضْلِ هَذِهِ السُّورَةِ كَثيرٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
أولًا: ما ورد عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَجَعَلَا يُقْرِئَانِنَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلَالٌ وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ جَاءَ، فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأْتُ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾ [سورة الأعلى: 1] فِي سُوَرٍ مِثْلِهَا»[4]، وفي هذا: مَشْروعِيَّةُ تَعَلُّمِ وَحِفْظِ سُورَةِ الْأَعْلى.
ثانيًا: ما ورد عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشيرٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِـ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾، وَ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾»[5]، وفي هذا: مَشْروعِيَّةُ قِراءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ في صَلَاتَي الْعيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ.
ثالثًا: ما ورد عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُوْل اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِـ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾»[6]، وفي هذا مَشْروعِيَّةُ قِراءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ في صَلاةِ الظُّهْرِ.
رابعًا: مَا وَرَدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِـ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾، وَ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، وَ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾»[7]، وفي هذا: مَشْروعِيَّةُ قِراءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ في صَلاةِ الْوِتْرِ.
خامسًا: ما ورد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ: «فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِـ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ﴾، ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الحَاجَةِ»[8]، وفي هذا: مَشْروعِيَّةُ الْقِراءَةِ بِهذِهِ السُّورَةِ في صَلاةِ الْجَماعَةِ تَخْفِيفًا عَلى النَّاسِ.
شَرْحُ الْآيَاتِ:
قَوْلُهُ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ﴾، أَيْ: نَزِّهْ رَبَّكَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الشَّرِيكِ وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النَّقَائِصِ[9]، ﴿ الأَعْلَى ﴾، الَّذِي لَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ: عُلُوُّ الذَّاتِ، وَعُلُوَّ الْقَدْرِ، وَعُلُوُّ الْقَهْرِ[10].
قَوْلُهُ: ﴿ الَّذِي خَلَقَ ﴾، أي: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنَ الْعَدَمِ، ﴿ فَسَوَّى ﴾، أَيْ: فَأَتْقَنَ خَلْقَهُ عَلَى أَحْسَنِ صُورَةٍ[11]، وَجَعَلَهُ مُتَناسِبَ الْأَجْزاء غَيْر مُتَفاوِتٍ[12]، كَمَا قَالَ اللهُ: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [سورة القيامة: 38]، وَقَالَ اللهُ: ﴿ يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَك ﴾ [سورة الانفطار: 6-8]، وَقَالَ اللهُ: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم ﴾ [سورة التين: 4].
قَوْلُهُ: ﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾، أَيْ: قَدَّرَ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيءٍ[13]، كمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [سورة الفرقان: 2]، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»[14] [15]، ومعنى: (هدى)، أَيْ: يَسَّرَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ مَا قَدَّرَهُ لَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ: بَيَانُهُ لِلْإِنْسَانِ سَبِيلَ الْخَيْرِ وَالشَّرِ[16]، كَمَا قَالَ اللهُ: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن ﴾ [سورة البلد: ١٠].
قَوْلُهُ: ﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ ﴾ مِنَ الْأَرْضِ، ﴿ الْمَرْعَى ﴾ مِمَّا تَرْعَاهُ الدَّوَابُّ مِنْ أَنْوَاعِ النَّبَاتِ وَالْعُشْبِ[17].
قَوْلُهُ: ﴿ فَجَعَلَهُ ﴾، أي: بَعْدَ خُضْرَتِهِ، ﴿ غُثَاء ﴾، أَيْ: هَشِيمًا جَافًّا[18]، ﴿ أَحْوَى ﴾، أَيْ: مَائِلًا إِلَى السَّوَادِ بَعْدَ الخُضْرَةِ[19]؛ لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ نِهَايَةٌ.
قَوْلُهُ: ﴿ سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنسَى ﴾، أَيْ: سَنُعلِّمُكَ أيُّها الرَّسُولُ الْقُرآنَ عَلَى لِسانِ جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام، فَتَحْفَظُهُ، ولا تَنْسَى مِنْهُ شيْئًا[20].
قَوْلُهُ: ﴿ إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ ﴾، أيْ: نِسْيانَهُ مِمَّا اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ[21].
قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾، أَيْ: إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا ظَهَرَ مِنْ أَحْوالِكُمْ وَمَا بَطَنَ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكِ[22].
قَوْلُهُ: ﴿ وَنُيَسِّرُكَ ﴾، أَيْ: وَنُوَفِّقُكَ، ﴿ لِلْيُسْرَى ﴾، أَيْ: لِلشَّرِيعَةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ، وَهِيَ الإسْلامُ[23].
قَوْلُهُ: ﴿ فَذَكِّرْ ﴾، أَيْ: عِظْ بِالْقُرْآنِ، ﴿ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾، أَيْ: ذَكِّرْ مُطْلَقًا إِن نَّفَعَتِ الْمَوْعِظَةُ، وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ[24].
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرينَ إِلَى الْأَخْذِ بظَاهِرِ الْآيةِ، وَأَنَّهُ مَأْمورٌ بِالتَّذْكيرِ إِن نَّفَعَتِ الْمَوْعِظَةُ فَقَطْ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ تَنْفَعْ فَلَيْسَ بِمَأْمورٍ[25].
وَالْأَقْرَبُ -واللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمُرادِهِ- هُوَ: ما ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرينَ؛ لِوُجوهٍ أَهَمُّها ثَلاثَةٌ[26]:
الْأَوَّلُ: الْأَدِلَّةُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلى وُجُوبِ التَّذْكيرِ وَالْمْوْعِظَةِ نَفَعَتْ أَوْ لمْ تَنْفَعْ، كَقوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِين ﴾ [سورة الذاريات: 55]، وقَوْلِهِ: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر ﴾ [سورة الغاشية: 21]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين ﴾ [سورة المائدة: 67]، وقَوْلِهِ: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَاب ﴾ [سورة الرعد: 40]، وَغَيْرِهَا مِنَ الْآياتِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِـ: (إنْ) عَلى الشَّيْءِ لا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ آياتٌ؛ مِنْهَا: هَذِهِ الْآيَةُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: ﴿ وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ﴾ [سورة النور: 33]، وقَوْلُهُ: ﴿ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون ﴾[سورة البقرة: ١٧٢]، وقَوْلُهُ: ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ ﴾ [سورة النساء: 101]،فَإنَّ القَصْرَ جائِزٌ وإنْ لَمْ يُوجَدِ الخَوْفُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْآيَةَ اكْتَفَتْ بِذِكْرِ أَحَدِ الْأَمْرَينِ لِدَلالَتِهِ عَلى الثَّانِي، وَالتَّقْديرُ: (فَذَكِّر إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى أَوْ لَمْ تَنْفَعْ)، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ﴾ [سورة النحل: 81] الآيَةَ، وَالْمَعْنى: وَتَقِيكُمُ الْبَرْدَ، فَحُذِفَ الْبَرْدُ لِلْعِلْمِ بِهِ.
قَوْلُهُ: ﴿ سَيَذَّكَّرُ ﴾، أَيْ: سَيَتَّعِظُ وَيَنْتَفِعُ بِالْمَوْعِظَةِ[27]،﴿ مَن يَخْشَى ﴾، أَيْ: مَنْ يَخافُ اللَّهَ تَعَالَى، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴾ [سورة النازعات: 45][28].
قَوْلُهُ: ﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا ﴾، أَيْ: يَتْرُكُ الْمَوْعِظَةَ وَلَا يَلْتَفِت إِلَيْها[29]،﴿ الأَشْقَى ﴾، بِمَعْنى: الشَّقِيِّ، وَهُوَ الشَّدِيْدُ الشَّقْوَةِ، وَهُوَ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ شَقَاءً فِي الْآخِرَةِ؛ لِخُلُودِهِ فِي النَّارِ[30].
قَوْلُهُ: ﴿ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ ﴾، أَيْ: يَدْخُلُهَا[31]، ويُقَاسِي حَرَّهَا،﴿ الْكُبْرَى ﴾،وَهِيَ نَارُ الْآخِرَةِ[32]، كَما قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى ﴾ [سورة الليل: 14-15]، وَوَصْفُ النَّارِ بِ: (الْكُبْرى) لِلتَّهْوِيلِ وَالْإِنْذَارِ، وَالْمُرَادُ بِهَا: جَهَنَّمُ[33].
قَوْلُهُ: ﴿ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا ﴾، فَيَسْتَرِيحُ، ﴿ وَلاَ يَحْيَى ﴾، أَيْ: حَيَاةً طَيِّبَةً تَنْفَعُهُ[34].
قَوْلُهُ: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾، أَيْ: ظَفِرَ وَفازَ، ﴿ مَن تَزَكَّى ﴾، أَيْ: طَهَّرَ نَفْسَهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي وَسَيِّئِ الْأَخْلاقِ، وَحَلَّاها بِالْإيمانِ وَالطَّاعَةِ[35].
قَوْلُهُ: ﴿ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ ﴾، أي: بِمَا شَرَع مِنْ أَنْواعِ الذِّكْرِ بِقَلْبِهِ وَلِسانِهِ، ﴿ فَصَلَّى ﴾، أَيْ: الصَّلَواتِ الخَمْسَ فِي أَوْقاتِهَا وَغَيْرَها مِنَ النَّوافِلِ، وَقِيلَ: الْمُرادُ بِالصَّلاةِ هُنا: صَلاةُ الْعِيدِ[36].
كَما أنَّ الْمُرادَ بِالتَّزَكِّي في الْآيَةِ الأُولى: زَكاةُ الْفِطْرِ[37]، وهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، ولَمْ تُفْرَضْ زَكاةُ الْفِطْرِ وَصَلاةُ الْعِيدِ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ[38].
قَوْلُهُ: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ ﴾، أَيْ: تُقَدِّمونَ وَتُفَضِّلونَ أَيُّهَا النَّاسُ[39]، ﴿ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾، أَيْ: الْفَانِيَةَ عَلى الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ[40].
قَوْلُهُ: ﴿ وَالآخِرَةُ ﴾الْمُشْتَمِلَةُ عَلى الجَنَّةِ، ﴿ خَيْرٌ ﴾ مِنَ الدُّنْيا ﴿ وَأَبْقَى ﴾؛ لِمَا فيهَا مِنَ النَّعيمِ الدَّائِمِ الَّذِيْ لَا يَنْقَطِعُ وَلَا يَزوْلُ[41]؛ وَلِهَذا فَالدُّنْيا لَا شَيْءَ بِالنِّسْبَةِ للآخِرَةِ، كَمَا فِيْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَوْضِعُ سَوْطٍ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا فِيَهَا، وَلَغَدْوَةٌ في سَبيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[42].
قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ هَذَا ﴾ الْإِشَارَةُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾[43].
وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرينَ: الْمُشَارِ إلَيْهِ بِلَفْظِ: ﴿ إِنَّ هَذَا ﴾: جَمِيعُ السُّورَةِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ السُّورَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ وَالْوَعِيدِ عَلى الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالْوَعْدِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى[44].
قَوْلُهُ: ﴿ لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى ﴾، أَيْ: الْمُنَزَّلَةْ قَبْلَ الْقُرْآنِ[45].
قَوْلُهُ: ﴿ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾، قوله: (صُحُفِ): بدل من (الصحف) في الآية السابقة مجرور، وعلامة جرِّهِ الكسرة[46]، وَالْمُرَادُ بِهَا -الصُّحُف-: صُحُفٌ أَنْزَلَهَا اللهُ تَعَالَى اشْتَمَلَتْ عَلى جُمْلَةٍ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْمَواعِظِ[47].
بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:
الْأَمْرُ بِالتَّسْبِيْحِ وَفَضْلُهُ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾ [سورة الأعلى: 1]: الْأَمْرُ بِالتَّسْبيحِ، وَفي ذَلِكَ وُجوبُ تَسْبيحِ اسْمِ اللهِ وَتَنْزيهِهِ عَمَّا لَا يِليقُ بِهِ، فأَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِتَسْبِيْحِهِ الْمُتَضَمّنِ لِذِكْرِهْ وَعِبَادَتِهِ، وَالْخُضُوْعِ لِجَلَالِهِ، وَالْاسْتِكَانَةِ لِعَظَمَتِهِ، وَأَنْ يَكُوْنَ تَسْبِيْحًا، يَلِيْقُ بِعَظَمَةِ اللهِ تَعَالَىْ، بِأَنْ تُذْكَرَ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنِىْ الْعَالِيَةِ عَلَىْ كُلِّ اسْمٍ بِمَعْنَاهَا الْحَسَنِ الْعَظِيْمِ، وَتُذكَرَ أَفْعَالَهُ الَّتِيْ مِنْهَا أَنَّهُ خَلَقَ الْمَخْلُوْقَاتِ فَسَوَّاهَا”[48].
وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِالْأَمْرِ بالتَّسْبِيحِ في الرُّكوعِ وَالسُّجودِ؛ كَمَا فِي حَديثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه: أَنَّهُ قالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم ﴾ [سورة الواقعة: 74]، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : اجْعَلُوهَا فِي رُكوعِكمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾ [سورة الأعلى: 1]، قالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجودِكُمْ»[49]. وَثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم ؛ كما ورد عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ لَيْلَةٍ»، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَديثَ، وَفِيهِ: «ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، فَكَانَ رُكوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيامِهِ، ثُمَّ قالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قامَ طوِيلًا قَريبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَد، فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى»[50].
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهاءُ فِي حُكْمِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ علَى قَوْلَيْن:
القول الأول: أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وهذا مَذَهَبُ الْجُمْهورُ[51].
القول الثاني: أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَهذا مذَهَبُ الإِمَام أَحْمَد وَغَيْره[52]، وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِهِ وَأمْرُهُ لِلْوُجوبِ، وَقَالَ: «صَلُّوا كَما رَأَيْتُمونِي أُصَلِّي»[53].
(الْأَعْلَى) مِنْ أَسْماءِ اللهِ الْحُسْنى، وَبَيَان دلالَتِهِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾ [سورة الأعلى: 1]: أَنَّ (الْأَعْلَى) مِنْ أَسْماءِ اللهِ الْحُسْنى، وَيَدُلُّ عَلى الْعُلُوِّ الْمُطْلَقِ الْكَامِلِ لَلهُ سبحانه وتعالى، وَقَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ سُبْحانَهُ بِالْأَعْلى؛ لِأنَّهُ تَعَالَى يَخْضَعُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ.
تَسْوِيَةُ اللهِ تَعَالَىْ لِخَلْقِهِ علَىْ صُوَرٍ مُخْتَلِفَة، لكُلِّ مخْلُوقٍ هَيْئَةٌ تُنَاسِبُه:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [سورة الأعلى: 2]: أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ مَخْلوقٍ خِلْقَتَهُ الْمُناسِبَةَ وَالْمُلائِمَةَ لَهُ، كَما قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [سورة السجدة: 7]، وَقَالَ: ﴿ مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ ﴾ [سورة الملك: 3]، وَهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتُ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا الْخَالِقُ سُبْحانَهُ، وَهِيَ عَلى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَطِبَاعٍ مُتَبَايِنَةٍ، ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [سورة النمل: 88][54].
الاسْتِدْلَالُ عَلَىْ وُجُوبِ تَنْزِيْهِ اللهِ تَعَالَى بِالنَّبَاتِ وَالزَّرْعِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى ﴾ [سورة الأعلى: 4-5]: أَنَّ مِنْ أَجَلِّ وَأَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تُوجِبُ تَنْزِيهَ اللهِ تَعَالَى وَتَسْبيحَهُ: تَفَرُّدُهُ سُبْحانَهُ بِالْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَإِنْباتِ الزَّرْعِ، وَإِثبَاتُ رُبُوبيَّةِ اللهِ تَعَالَى مُسْتَلْزِمٌ لِإِثْبَاتِ أُلُوهِيَّتِهِ سُبْحانَهُ.
الدَّعْوَةُ إِلَى التَّفَكُّرِ فِي إِبْدَاعِ اللهِ فِي خَلْقِهِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى ﴾ [سورة الأعلى: 2-5]: دَعْوَةٌ لِلتَّفَكُّرِ فيمَا أَبْدَعَهُ اللهُ في خَلْقِهِ، تَقودُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِلى عُبودِيَّتِهِ، وَالْإِخْلَاصِ لَهُ، وَالتَّعَلُّقِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَيَزدادُ إيمَانُهُ، وَيُواجِهُ الْحَياةَ وَشِدَّتَهَا وَهُمُومَهَا بِقَلْبٍ عامِرٍ بِالْإِيمانِ، ثَابِتٍ بِاليَقينِ، قَوِيٍّ بِالتَّوَكُّلِ، لَا تُزَعْزِعُهُ الْخُطوبُ وَالْمُدْلَهِمَّاتُ.
وَجْهُ تَشْبيهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِالنَّبَاتِ:
في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى ﴾ [سورة الأعلى: 5]: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا كَالنَّبَاتِ تَبْدُو زَاهِيَةً جَمِيلَةً ثُمَّ تَذْبُلُ وَتَنْتَهِي، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور ﴾ [سورة الحديد: 20].
لَفْتُ الانْتِبَاهِ إِلَى مُرَاقَبَة اللهِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ [سورة الأعلى: 7]: أَنَّهُ يَنْبغِي عَلى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُراقِبَ اللهَ في أَقْوَالِهِ وَأَفْعالِهِ، وَأَحْوالِهِ وَخَطَرَاتِهِ، وَأَنْ يَسْتَحِيَ مِنَ اللهِ أَنْ يَرى مِنْهُ سُوءَ سِيرَةٍ أَوْ سَريرَةٍ.
تَيْسِيرُ اللهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حِفْظَ الْقُرْآنِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ [سورة الأعلى: 6-7]: بِشارَةٌ كَبيرَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ تَعَالَى سَيُعَلِّمُهُ هَذا الْقُرآنَ، وَيَحْفَظُهُ عَلَيْهِ، كَما ثَبَتَ في الْحَديثِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنه قالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ كَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه ﴾ [سورة القيامة: 16] أَخْذَهُ ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه ﴾، أي: إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ فَتَقْرَؤُهُ؛ ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه ﴾[سورة القيامة: 18]، قَالَ: أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ لَهُ، ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه ﴾ [سورة القيامة: 19]: أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللهُ»[55].
فَدَلَّ الْحَديثُ عَلى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَادِرُ إِلَى أَخْذِ الْقُرْآنِ الْكَريمِ، وَيُسابِقُ الْمَلَكَ في قِرَاءَتِهِ؛ حِرْصًا عَلى حِفْظِهِ، وَخَشْيَةَ نِسْيانِهِ وَتَفَلُّتِهِ، فَأَمَرَهُ اللهُ عز وجل إِذا جَاءَهُ الْمَلَكُ بِالْوَحْيِ أَنْ يَسْتَمِعَ لَهُ، وَتَكَفَّلَ لَهُ سُبْحانهُ أَنْ يَجْمَعَهُ في صَدْرِهِ، وَأَنْ يُيَسِّرَهُ لِقِراءَتِهِ عَلى الْوَجْهِ الَّذِي أَلْقاهُ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُ وَيُفَسِّرَهُ وَيُوَضِّحَهُ، فَقالَ سُبْحانَهُ: ﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه ﴾[سورة القيامة: 16-19].
وَفي ذَلِكَ: تَيْسيرٌ مِنَ اللهِ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ أَرادَ أَنْ يَحْفَظَ الْقُرآنَ الْكَريمَ: أَنْ يَجْتَهِدَ في تِلاوَتِهِ وَحِفْظِهِ وَمراجَعَتِهِ، وَيَتَوَجَّهَ إِلى اللهِ بِالدُّعاءِ أنْ يُيَسِّرَهُ عَلَيْهِ وَيُثَبِّتَهُ فِي قَلْبِهِ.
بِشارَةُ اللهِ لِنَبِيِّه بِتَيْسيره لِلْيُسْرَى في جَمِيعِ أُمورِهِ، وَيَجْعَلُ شَرْعَهُ وَدِينَهُ سَهْلًا مُيَسَّرًا:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ [سورة الأعلى: 8]: بِشارَةٌ عَظيمَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُيَسِّرُ رَسولَهُ صلى الله عليه وسلم لِلْيُسْرَى في جَمِيعِ أُمورِهِ، وَيَجْعَلُ شَرْعَهُ وَدِينَهُ سَهْلًا مُيَسَّرًا[56]. قال ابن كثير رحمه الله: “نُسَهِّلُ عَلَيْكَ أَفْعَالَ الْخَيْرِ وَأَقْوَالَهُ، وَنُشَرِّعُ لَكَ شَرْعًا سَهْلًا سَمْحًا مُسْتَقِيمًا عَدْلًا لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا حَرَجَ وَلَا عُسْرَ”[57].
أَهْلُ الْخَشْيَةِ هُمْ أَهْلُ التَّذَكُّرِ وَالاِتِّعَاظِ، بِخِلَافِ أَهْل الشَّقَاوَةِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى ﴾ [سورة الأعلى: 10-11]: أَنَّ النَّاسَ تجَاهَ التَّذْكيرِ عَلى فَريقَيْنِ: فَرِيقٍ يَخْشَى، وَآخَرَ يَشْقَىْ؛ فَالذِي يَخْشَى هُوَ الَّذي يَنْتَفِعُ بِالْمَوْعِظَةِ، وَحُصُوْلُ التَّذَكُّرِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لَهُ. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: “وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَخْشَى فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَذَكَّرَ، فَقَدْ يَتَذَكَّرُ فَتَحْصُلُ لَهُ بِالتَّذَكُّرِ خَشْيَةٌ، وَقَدْ يَخْشَى فَتَدْعُوهُ الْخَشْيَةُ إلَى التَّذَكُّرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَهُ قتادة فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا خَشِيَ اللَّهَ عَبْدٌ قَطُّ إلَّا ذَكَرَهُ»[58]“[59]، وَأَمَّا الْأَشْقَى فَهُوَ الَّذي لَا ينْتَفِعُ بِالْمَوْعِظَةِ، وَلا يُلْقِي لَهَا بَالًا -وَالْعِياذُ بِاللهِ-، وَلِكُلِّ فَرِيقٍ مَآلُهُ وَنْهايَتُهُ.
وَجْهُ وَصْفِ النَّارِ بِالْكُبْرَى :
في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴾ [سورة الأعلى: 12]: تَسْمِيَةُ النَّارِ بِالْكُبْرى؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ وَأَشَدُّ حَرًّا مِنْ نَارِ الدُّنْيَا[60]؛ وَلِهَذا ضُوعِفَتْ عَلَى نَارِ الدُّنْيا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كَما فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ»[61].
الْعَذَابُ وَالْخَسَارُ لِلْكَافِرِ فِي النَّارِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى ﴾ [سورة الأعلى: 11-13]: أَنَّ الْأَشْقَى -وَهُوَ الْكَافِرُ- يُعَذَّبُ عَذابًا أَلِيمًا مِنْ غَيْرِ رَاحَةٍ وَلَا اسْتِراحَةٍ، حَتىَّ إِنَّهُ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ فَلا يَحْصُلُ لَهُ -وَالعِيَاذُ باللهِ-، كمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ﴾ [سورة فاطر: 36][62].
الْفَلَاحُ وَالْفَوْزُ لِمَنْ زَكَّى نَفْسَهُ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ﴾ [سورة الأعلى: 14]: أَنَّ الْفَلاحَ وَالْفَوْزَ لِمَنْ زَكَّى نَفْسَهُ بِطَاعَةِ اللهِ، وَطَهَّرَهَا مِنَ الرَّذائِلِ وَالأَخْلَاقِ الدَّنِيْئَةِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [سورة الشمس: 9-10][63].
فَعَلَى الْمُؤْمِنِ: أَنْ يُجاهِدَ نَفْسَهُ أَشَدَّ الْمُجاهَدَةِ؛ لأَنَّ النَّفْسَ مِنْ أَشَدِّ الْأَعْداءِ، فَهِيَ تَدْعُو إِلَى الطُّغْيانِ، وَإيثَارِ الْحَياةِ الدُّنْيَا، وَأَمْراضُ الْقَلْبِ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنْ جَانِبِهَا؛ وَلِهَذا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسِتَعِيذُ بِاللهِ كَثِيرًا مِنْ شَرِّ نَفْسِهِ كَما في خُطْبَةِ الْحاجَةِ وَغَيْرِهَا، وَكانَ يَقولُ: «اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا»[64].
التَّزْهيدُ في الدُّنْيَا، وَتَرْقيقُ الْقُلوبِ بِذِكْرِ الْآخِرَةِ، إِيثَارُهَا عَلَى الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [سورة الأعلى: 16-17]: التَّزْهيدُ في الدُّنْيَا، وَتَرْقيقُ الْقُلوبِ بِذِكْرِ الْآخِرَةِ، وَهَذا أَصْلٌ مِنْ أُصولِ الْمَواعِظِ، وَفيهِ إصْلاحٌ لِأَحْوالِ الْعِبادِ، فَإِنَّ الانْغِماسَ في الدُّنْيَا يُلْهِي عَنْ تَذَكُّرِ الْآخِرَةِ[65].
اتِّفَاقُ الْقُرْآنِ مَعَ بَقِيَّةِ الشَّرَائِعِ، واشْتِمالُهُ عَلَى كُلِّ مَا سَبَقَهُ مِنْ كُتُبٍ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [سورة الأعلى: 18-19]: أَنَّ ما سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنَ الْآيَاتِ مَذْكورٌ فِي الصُّحِفِ الْأَولَى؛ صُحُفِ إِبْراهيمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اتِّفاقِ الشَّرائِعِ في هَذِهِ العِبادَاتِ الْعَظيمَةِ[66]. وأَنّ الْقُرآنَ قَدِ اشْتَمَلَ عَلى كُلِّ مَا سَبَقَهُ مِنْ كُتُبٍ، وَهُوَ سَليمٌ مِنْ أَيِّ تَحْريفٍ، فَالقُرْآنُ مُصَدِّقٌ بِالْكُتُبِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ الْمَرْجِعُ الْوَحيدُ لِبَيانِ مَا فيهَا مِنْ حَقٍّ، قالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [سورة المائدة: 48][67]، وَقَدْ جاءَ في حَديثِ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمِئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ»[68].
ومِنْ جُمْلَةِ الْكُتُبِ السَّماوِيَّةِ الْمُنَزَّلَةِ الَّتي يَجِبُ أَنْ نُؤْمِنَ بِها: صُحُفَ إِبْراهيمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، كَما قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير ﴾ [سورة البقرة: 285][69].
فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظيمَةِ أُصولُ الدِّينِ الَّتي جَاءَ بِهَا الرُّسُلُ عليهم السلام:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [سورة الأعلى: 18-19]: أَنَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظيمَةِ أُصولُ الدِّينِ الَّتي جَاءَ بِهَا الرُّسُلُ عليهم السلام، وَلِذا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ ما حَوَتْهُ قَدْ جاءَتْ بِهِ الكُتُبُ السَّابِقَةُ[70].
[1] ينظر: زاد المسير (4/ 431).
[2] ينظر: التحرير والتنوير (3/ 271).
[3] ينظر: بصائر ذوي التمييز (1/ 514). مصاعد النظر بالإشراف على مقاصد السور (3/ 181)، التحرير والتنوير (3/ 272).
[4] أخرجه البخاري (4941).
[5] أخرجه مسلم (878).
[6] أخرجه مسلم (460).
[7] أخرجه أحمد (15354)، وأبو داود (1423)، والنسائي (1730) واللفظ له، وابن ماجه (1171).
[8] أخرجه البخاري (705) واللفظ له، ومسلم (465).
[9] ينظر: تفسير الجلالين (ص803)، تفسير القاسمي (9/ 454).
[10] ينظر: اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 197).
[11] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 379)، تفسير السعدي (ص920).
[12] ينظر: تفسير الجلالين (ص803).
[13] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 305)، تفسير أبي السعود (9/ 143).
[14] أخرجه مسلم (2653).
[15] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 379).
[16] ينظر: تفسير البغوي (8/ 400)، تفسير ابن كثير (8/ 379).
[17] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 305)، فتح القدير (5/ 514).
[18] ينظر: معاني القرآن للزجاج (5/ 315)، فتح القدير (5/ 514).
[19] ينظر: تفسير البغوي (8/ 400)، البرهان في علوم القرآن (3/ 280).
[20] ينظر: الوجيز للواحدي (ص1194)، تفسير البغوي (8/ 401)، تفسير القرطبي (20/ 18).
[21] ينظر: تفسير السعدي (ص920).
[22] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 305).
[23] ينظر: تفسير البغوي (8/ 401).
[24] ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (4/ 470)، تفسير البغوي (8/ 401)، تفسير القرطبي (20/ 20).
[25] ينظر: زاد المسير (4/ 432).
[26] ينظر: تفسير الرازي (31/ 132)، مجموع الفتاوى (16/ 153-155)، فتح القدير (5/ 515-516).
[27] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 306)، تفسير ابن كثير (8/ 380).
[28] ينظر: مجموع الفتاوى (16/ 171).
[29] ينظر: الوجيز للواحدي (ص1195)، تفسير الجلالين (ص804).
[30] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 306)، تفسير النسفي (3/ 631)، التحرير والتنوير (30/ 285).
[31] ينظر: تفسير النسفي (3/ 632).
[32] ينظر: تفسير الجلالين (ص804).
[33] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 286).
[34] ينظر: تفسير الطبري (24/ 318)، تفسير البغوي (8/ 402).
[35] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 381)، تفسير السعدي (ص920).
[36] ينظر: تفسير الطبري (24/ 321)، تفسير أبي السعود (9/ 146).
[37] ينظر: تفسير الطبري (24/ 320)، تفسير البغوي (8/ 402).
[38] ينظر: فتح القدير (5/ 516-517).
[39] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 382).
[40] ينظر: تفسير أبي السعود (9/ 146)، فتح القدير (5/ 517).
[41] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 24)، فتح القدير (5/ 517).
[42] أخرجه البخاري (6415).
[43] وهذا اختيار ابن جرير كما في تفسيره (24/ 324). وقال ابن كثير في تفسيره (8/ 383): “وَهَذَا اخْتِيَارٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ”.
[44] ينظر: تفسير الرازي (31/ 137)، تفسير النسفي (3/ 632).
[45] ينظر: تفسير الجلالين (ص804).
[46] ينظر: فتح القدير (5/ 517).
[47] ينظر: أضواء البيان (8/ 507).
[48] أخرجه أحمد (17414)، وأبو داود (869)، وصححه ابن حبان (1898).
[49] أخرجه أحمد (17414)، وأبو داود (869)، وصححه ابن حبان (1898).
[50] أخرجه مسلم (772).
[51] ينظر: البحر الرائق (1/ 333)، الذخيرة للقرافي (2/ 224)، المجموع للنووي (3/ 413).
[52] ينظر: المغني لابن قدامة (1/ 362).
[53] أخرجه البخاري (631).
[54] ينظر: أضواء البيان (8/ 501).
[55] أخرجه البخاري (5)، ومسلم (448).
[56] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 282).
[57] تفسير ابن كثير (8/ 380).
[58] أخرجه الطبري في تفسيره (24/ 317).
[59] مجموع الفتاوى (16/ 173-174).
[60] ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (4/ 471)، تفسير البغوي (8/ 401).
[61] أخرجه البخاري (3265) واللفظ له، ومسلم (2843).
[62] ينظر: اللباب في علوم الكتاب (20/ 284)، تفسير السعدي (ص920).
[63] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 412).
[64] أخرجه مسلم (2722).
[65] ينظر: تفسير السعدي (ص448).
[66] ينظر: تفسير الخازن (4/ 419).
[67] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 477).
[68] أخرجه أحمد في المسند (16982).
[69] ينظر: معارج القبول (2/ 675).
[70] ينظر: تفسير الرازي (29/ 274).