تفسير سورة التين
تفسير سورة التين
عدد آياتها: ثماني آيات وهي مكية.
فضلُها: أخرج البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: “﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾ [التين: 1] في العشاء، وما سمعت أحدًا أحسنَ صوتًا منه أو قراءةً”.
مناسبة السورة لِما قبلها (سورة الشرح):
خُتِمت سورة «الانشراح» بالدعوة إلى الكدِّ والنَّصَب في طاعة الله، وبدأت سورة التين بهذه الأقسام من الله سبحانه وتعالى؛ لتقرير أن الله سبحانه خلق الإنسان في أحسن تقويم، بأن أودعَ فيه القُوى التي تمكِّنه من الرِّفعة والمكانة، وذلك باستقامته على العمل الصالح إلى آخر ما في السورة من معانٍ كريمة جليلة.
مناسبة السورة لِما بعدها (سورة العلق):
لما ذَكَرَ سبحانه في سورة (التين والزيتون) خلق الإنسان في أحسن تقويم، بيَّن عز وجل هنا أنه تعالى خلقه من عَلَقٍ، فكان ما تقدم كالبيان لكمال تصويره، وهنا كالبيان للمادة التي خُلِق منها، وذكر سبحانه هنا أيضًا من أحواله في الآخرة ما هو أبسط وأكثر مما ذكره عز وجل هناك[1].
مقاصد السورة:
(1) بيان نِعَمِ الله على الإنسان بأن أحْسَنَ خَلْقَهُ وتصويرَه.
(2) حقُّ الْمُنْعِمِ سبحانه أن يُشكَر؛ وذلك بعبادته وطاعته.
(3) بيان وعد الله للذين آمنوا بالأجر غير المقطوع أو المنقوص.
(4) النَّكير على من كذَّب بعد أن جاءته البيناتُ والبراهين.
(5) بيان أنَّ الله يفصل ويحكم بين الناس، وهو أحكم الحاكمين.
تفسير سورة التين:
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ [التين: 1 – 8].
تفسير الآيات:
قوله تعالى: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾ [التين: 1] قسمٌ بالتين وهو الفاكهة المعروفة، والزيتون الذي يعصرون منه الزيت، وقيل: المعنى: ورب التين والزيتون.
قوله تعالى: ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾ [التين: 2]؛ أي: جبل الطور، وسنين: الحَسن بلغة الحبشة، وقيل: المبارك، وقيل: هو الجبل الذي نادى الله منه موسى؛ قال سبحانه: ﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ﴾ [مريم: 52]، وقال: ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 20].
قوله تعالى: ﴿ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 3] البلد الأمين مكة، ﴿ الْأَمِينِ ﴾ يعني: الآمن؛ كما قال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67].
وكما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 97].
قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4] جواب القسم، ﴿ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4] قال ابن عباس: “يعني: في أعدل خَلْقِ”؛ أي: في أحسن صورة، استواؤه واعتداله؛ قال تعالى: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [التغابن: 3].
وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ [الانفطار: 6، 7].
قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ [التين: 5]، يعني: إلى أرذل العمر؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54].
وقيل المعنى: رد الإنسان الكافر إلى النار.
قال الشوكاني: “وقال مجاهد وأبو العالية والحسن: المعنى: ثم رددنا الكافر إلى النار، وذلك أن النار درجاتٌ بعضُها أسفلُ من بعض، فالكافر يُرَدُّ إلى أسفل الدرجات السافلة، ولا ينافي هذا قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ [النساء: 145]، فلا مانع من كون الكفار والمنافقين مجتمعين في ذلك الدرك الأسفل”[2].
قوله تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ [التين: 6]؛ أي: غير منقوص أو مقطوع، فإذا بلغ المؤمن أرذلَ العمر، وكان يعمل في شبابه عملًا صالحًا، كَتَبَ الله له من الأجر مثل ما كان يعمل في صحته وشبابه، ولم يضره ما كان يعمل في كِبَرِهِ، ولم تُكتب عليه الخطايا التي يعمل بعدما يبلغ أرذل العمر[3].
أخرج أحمد والبخاري وابن حبان، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرِض العبد أو سافر، كتب الله تعالى له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحًا مقيمًا)).
وكذلك لهم النعيم الدائم في الجنة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾ [الواقعة: 27 – 34].
وقوله تعالى: ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25].
قوله تعالى: ﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ﴾ [التين: 7]: توبيخ وإلزام الحُجَّةِ للكافر المكذِّب، والمعنى: فما الداعي لك أيها الإنسان ألَّا تؤمن بالدين الحق؛ دينِ الإسلام، بعد ظهور هذه البينات؟ أو أي شيء يحملك – أيها الإنسان – على أن تكذِّب بالبعث والجزاء، مع وضوح الأدلة على قدرة الله تعالى على ذلك؟
ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6].
قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ [التين: 8] استفهام تقريري، ومعنى: ﴿ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ [التين: 8]: أتقن وأسرع الحاكمين؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62].
والمعنى: بلى، هو أحكم الحاكمين صنعًا وتدبيرًا، وحكمًا وقضاءً، لا عبث في صنعه، ولا جَورَ في حكمه.
انتهى تفسير سورة التين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.