تفسير سورة الضحى


تفسير سورة الضحى

 

عدد آياتها: إحدى عشرة آيةً، وهي مكية.

 

سبب نزولها:

أخرج البخاري ومسلم عن جُنْدب بن عبدالله رضي الله عنه قال: ((احتبس جبريل صلى الله عليه وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت امرأة من قريش: أبطأ عليه شيطانه، فنزلت: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى: 1 – 3].

 

فضلها:

عن جابر رضي الله عنه قال: ((قام معاذٌ فصلَّى العشاء فطوَّل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟ أين أنت عن ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1]، ﴿وَالضُّحَى [الضحى: 1]، ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار: 1]؟))[1].

 

مناسبة السورة لما قبلها (سورة الليل):

سورة الضحى متصلة بسورة الليل؛ ففي سورة الليل: ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى [الليل: 13]، وفي الضحى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى [الضحى: 4]، وفي سورة الليل: ﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل: 21]، المفسرون على أنها نزلت في أبي بكر، وفي الضحى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى: 5]، نزلت للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

 

مناسبة سورة الضحى لسورة الشرح:

بعد أن عدَّد الله تعالى نِعَمَه على نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الضحى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى: 6 – 8]، تابع ذِكْرَ النعم كذلك في سورة الشرح: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح: 1 – 4].

 

مقاصد السورة:

(1) القسم من الله ببعض مخلوقاته، وفيه التنويهُ على شرفها.

(2) ذِكْر فضائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

(3) بيان بعض نِعَمِ الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم.

(4) التذكير ببعض حقوق الضعفاء من اليتامى والمساكين والفقراء.

(5) التذكير بوجوب شكر الله تعالى على نِعَمِهِ.

 


تفسير سورة الضحى:

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 1 – 11].

 

تفسير الآيات:

قوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى [الضحى: 1] قسم بوقت الضحى؛ وهو من ارتفاع الشمس قِيدَ رُمْحٍ إلى الظهيرة.

وقيل: الضحى أي النهار، وقيل: فيه إضمار، والمعنى: وربِّ الضُّحى.

قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى: 2]؛ أي: إذا أقبل وغطَّى بظلامه كل شيء.

وقال قتادة وابن زيد: ﴿سَجَى [الضحى: 2]: سكن.

وقال مجاهد: ﴿إِذَا سَجَى [الضحى: 2]: استوى.

 

ومعلوم أن الله عز وجل يقسم بما شاء؛ فالكون كونه، والأمر أمره، وأما العباد فليس لهم إلا أن يقسموا بالله عز وجل؛ لِما رُوِيَ في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان حالفًا فليحلف بالله، وإلا فليصمت)).

 

قوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى: 3] جواب القسم، ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ [الضحى: 3]؛ أي: ما تركك، ﴿وَمَا قَلَى [الضحى: 3]؛ أي: وما أبغضك؛ قال ابن عباس: “ما تركك وما أبغضك”، وفي الصحيحين عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: ((احتبس جبريل صلى الله عليه وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت امرأة من قريش: أبطأ عليه شيطانه، فنزلت: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى: 1 – 3])).

 

وفي لفظ لمسلم عن جندب رضي الله عنه، قال: ((أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد وُدِّع محمدٌ فأنزل الله عز وجل: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى: 1 – 3])).

 

وفي الآية دليلٌ على صِدْقِ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ “لأنه لو كان يخترع… لكان لا يحتبس عن الاختراع، ويكون يخترع أبدًا؛ حتى لا يقولوا: إنه ودَّعه، فدلَّ ظهور احتباس الوحي أنه عن أمر يُخبَر، وأنه مأمور بذلك، ثم أُخبر أنه لم يُبعَث إلى هؤلاء الفراعنة والجبابرة لمَّا ذكر أولئك الكفرة أنه خذله وتركه وقلاه، ولكن بعثه وهو ينصره ويُعينه على تبليغ ما أُمِرَ بتبليغه إلى مَن أُمِر بتبليغه، ولم يَقْلَه، ولكنه اصطفاه واختاره؛ حتى يعلو أمره، ويكثُر ذكره، وفي ذلك آية عظيمة على إثبات الرسالة”[2].

 

قوله تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى [الضحى: 4] ترغيب في الآخرة، وتزهيد في الدنيا؛ قال تعالى: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى [القصص: 60]، وقال الله عز وجل: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل: 96].

 

قوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى: 5] اللام للتأكيد، وسوف يعطيك ربك الفتح والتمكين في الدنيا، والثواب في الآخرة.

 

﴿فَتَرْضَى [الضحى: 5]؛ أي: يُعطيه ربه تعالى ما يُرضيه من خيري الدنيا والآخرة.

وقيل: يُعطيه الحوض والشفاعة، وقيل: الجنة.

 

وأخرج مسلم برقم (202)، عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم أُمَّتي أُمَّتي وبكى، فقال الله: يا جبريلُ، اذهب إلى محمد فقل له: إنا سنُرضيك في أُمَّتِك، ولا نسوؤك فيهم)).

 

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [الضحى: 6]، ثم عدَّد تعالى نِعَمَه على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا [الضحى: 6]، واليتيم من مات أبوه، وهو دون البلوغ، ﴿فَآوَى [الضحى: 6]؛ أي: شملك برعايته، فقد كان يتيمًا من أبويه، والمأوى الملجأ والسكن، والمعنى: آواك إلى جَدِّك، ثم إلى عمِّك وهو أبو طالب، وذلك بعد موت جدِّك.

 

قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [الضحى: 7]، فهدى بالوحي، فعلَّمك ما لم تكن تعلم؛ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى: 52].

 

قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى: 8] عائلًا؛ أي: فقيرًا، وقيل: عائلًا: ذا عيال، ﴿فَأَغْنَى [الضحى: 8] بالربح والتجارة، وقيل: بمال خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.

 

قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ [الضحى: 9]، ثم أوصاه الله تعالى باليتيم، ﴿فَلَا تَقْهَرْ [الضحى: 9]؛ أي: فلا تظلمه ولا تذله ولا تنهره، وقال مجاهد: لا تحقِره، والمعنى: كُنْ له كأب رحيم.

 

قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى: 10]، والسائل المستعطي؛ وهو من يطلب المال أو الطعام، ﴿فَلَا تَنْهَرْ [الضحى: 10]؛ أي: لا تزجره، لكن أعطِه أو ردَّه ردًّا جميلًا.

 

وقال أبو الدرداء: “السائل هنا: السائل عن العلم والدين”.

ومنه قول الله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 43].

 

قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11]، والنعمة النبوة والقرآن، وقال آخرون: هي عموم في جميع النعم، ﴿فَحَدِّثْ [الضحى: 11]؛ بلِّغ ما أُرسلت به، وقيل: التحدث بالنعم: شكرها وإشاعتها.

 

انتهى تفسير سورة الضحى.

وصلى الله وسلم، وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.


[1] أخرجه النسائيُّ (997)، وصحَّحه الألبانيُّ في “صحيح سنن النسائي” (997) والحديث أصلُه في الصَّحيحِ دونَ ذِكْرِ: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: 1]؛ [أخرجه مسلم (465)].

[2] تفسير الماتريدي (10/ 558) بتصرف يسير.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
من مخالفات النكاح (3)
Best Sellers – Books – June 2, 2024 – The New York Times