تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين من الكفر الأكبر
تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين من الكفر الأكبر
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في رده على محكمي القوانين: إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد – صلى الله عليه وسلم- ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضةً ومعاندةً؛ لقول الله عز وجل: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].
وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عمن لم يحكم النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما شجر بينهم نفيًا مؤكدًا بتكرُّر أداة النفي وبالقسم؛ قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
قال: وتأمل ما في الآية الأولى وهي قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، كيف ذكر النكرة وهي قوله: ﴿ شيء ﴾ في سياق الشرط، وهو قوله جل شأنه: ﴿ فإن تنازعتم ﴾ المفيد العموم فيما يتصور التنازع فيه جنسًا وقدرًا.
ثم تأمل كيف جعل ذلك شرطًا في حصول الإيمان بالله واليوم الآخر بقوله: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النساء: 59]، ثم قال جل شأنه: ﴿ ذلك خير ﴾، فشيء يطلق الله عليه أنه خير لا يتطرق إليه شر أبدًا، بل هو خير محض عاجلًا وآجلًا.
ثم قال: ﴿ وأحسن تأويلًا ﴾، أي: عاقبةً في الدنيا والآخرة فيفيد أن الرد إلى غير الرسول – صلى الله عليه وسلم – عند التنازع شر محض، وأسوأ عاقبةً في الدنيا والآخرة عكس ما يقوله المنافقون: ﴿ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ﴾ [النساء: 62]، وقولهم: ﴿ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ﴾ [النساء: 62].
ولهذا رد الله عليهم قائلًا: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 12]، وعكس ما يقوله القانونيون من حكمهم على القانون بحاجة العالم، بل ضرورتهم إلى التحاكم إليه، وهذا سوء ظن صرف بما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومحض استنقاص لبيان الله ورسوله والحكم عليه بعدم الكفاية للناس عند التنازع، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة إن هذا لازم لهم.
قال: وقد نفى الله الإيمان عمن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – من المنافقين؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 60].
فإن قوله: (يزعمون تكذيب لهم فيما ادعوه من الإيمان)، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – مع الإيمان في قلب عبد أصلًا، بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان – وهو مجاوزة الحد – فكل من حكم بغير ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو حاكم إلى غير ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه، وذلك أنه من حق كل أحد أن يكون إلى خلافه، فقد طغى وجاوز حده حكمًا أو تحكيمًا، فصار بذلك طاغوتًا لتجاوزه حده.
قال: وتأمل قوله عز وجل: ﴿ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ﴾ [النساء: 60]، تعرف منهن معاندة القانونيين وإرادتهم خلاف مراد الله منهم حول هذا الصدد، فالمراد منهم شرعًا والذي تعبدوا به هو الكفر بالطاغوت لا تحكيمه، ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ﴾ [البقرة: 59]، ثم تأمل قوله: ﴿ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 60]، كيف دل على أن ذلك ضلال وهؤلاء القانونيون يرونه من الهدى؛ كما دلت الآية على أنه من إرادة الشيطان هي عكس ما يتصوره القانونيون، فتكون على زعمهم مرادات الشيطان هي صلاح الإنسان، ومراد الرحمن وما بُعث به سيدُ ولد عدنان معزولًا من هذا الوصف، ومُنَحًّى عن هذا الشأن.
وقد قال تعالى منكرًا على هذا الضرب من الناس ومقررًا ابتغاءهم أحكام الجاهلية وموضحًا أنه لا حكم أحسن من حكمه: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]، فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلت أن قسمة الحكم ثنائية وأنه ليس بعد حكم الله تعالى إلا حكم الجاهلية الموضح أن القانونيين في زمرة أهل الجاهلية شاؤوا أم أَبَوْا، بل هم أسوأ حالًا منهم، وأكذب منهم مقالًا؛ ذلك أن أهل الجاهلية لا تنافس لديهم حول هذا الصدد، وأما القانونيون فمتناقضون؛ حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – ويناقضون ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلًا، وقد قال الله في أمثال هؤلاء: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 151]، ثم انظر كيف ردت هذه الآية الكريمة على القانونيين ما زعموه من حسن زبالة أذهانهم ونحاتة أفكارهم بقوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].
قال الحافظ بن كثير في تفسير هذين الآية: ينكر تعالى على من خرج من حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شرٍّ، وعدل إلى ما سواه في الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونه بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية التي يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم.
فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير قال تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ﴾ [المائدة: 50]، وعن حكم الله يعدلون ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]؛ أي: ومن أعدل مِن الله في حكمه لمن عقل من الله شرعه، وآمن به وأيقن، وعلم أن الله أحكم الحاكمين وأرحم من الوالدة بولدها، فإنه تعالى العالم بكل شيء القادر على كل شيء، العادل في كل شيء، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45]، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47].
فانظر كيف سجل تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل الله بالكفر والظلم والفسق، ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرًا ولا يكون كافرًا، بل هو كافر مطلقًا إما كفر عمل وإما كفر اعتقاد.
وما جاء عن ابن عباس في تفسير هذه الآية يدل على أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر؛ إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة.
قال: وهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مفتوحة الأبواب والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم فيما يخالف حكم الكتاب والسنة من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمدًا رسول الله بعد هذه المناقضة، نسأل الله العصمة عن جميع المعاصي، وأن يثبتنا على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة؛ اهـ.
ومما قيل في الحث على التمسك بالقرآن الكريم ما قاله الصنعاني:
اللهم اجعلنا لكتابك من التالين ولك به من العاملين، وبما صرفت فيه من الآيات منتفعين، وإلى لذيذ خطابه مستمعين، ولأوامره ونواهيه خاضعين، والأعمال مخلصين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.