توفيق الله تعالى وخذلانه للعبد (خطبة)


توفيق الله تعالى وخذلانه للعبد


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، أما بعد:

 

عباد الله، خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، فأعطاه سمعًا وبصرًا ولسانًا، ومنحه عقلًا ميَّزه به عن جميع المخلوقات، فبه يعرف ما ينفعه وما يضرُّه، ثم بيَّن له عز وجل طريقَي الخير والشر والحق والباطل بما أرسل به الرُّسل، وأنزل من الكتب، فقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 8 – 10]، ومع ما منحه الله تعالى للإنسان من آلةٍ لمعرفة الخير من الشر والتمييز بينهما، فإنه لا توفيق ولا هداية له إلا من الله سبحانه وتعالى، ومن لم ينله التوفيق سقط وهوى في الضلالة والغواية؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من دعاء الله تعالى التوفيق للهداية، وهو المُؤيد بالوحي من ربه عز وجل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم ربِّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم”؛ رواه مسلم، ومعنى ذلك: أي ثبِّتْني وزدني هداية إلى الطريق المستقيم الذي دعا له الأنبياء والمرسلون عليهم السلام بتوفيقك وتيسيرك، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا… إلى قوله: واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت”؛ رواه مسلم.

 

فإذا كان نبي الله عليه الصلاة والسلام يُكثر من دعاء الله تعالى بالتوفيق، فكيف بمن دونه! فالعبد في حياته لا غنى له عن التوفيق والهداية من الله تعالى طرفة عين في جميع شؤونه الدينية والدنيوية صغيرةً كانت أم كبيرةً، ومتى تخَلَّى عنه ربُّه عز وجل ضلَّ وخُذِل، نسأل الله السلامة والعافية.

 

ومن دعاء الأنبياء عليهم السلام بطلب التوفيق من الله تعالى ونسبته إلى الله وحده سبحانه دون سواه ما ذكره عز وجل عن نبيِّه شعيب عليه السلام حيث قال: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]، قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيرها: “أي ما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى، لا بحولي ولا بقوَّتي”، وقال الإمام البغوي رحمه الله: “التوفيق… تسهيل سُبُل الخير والطاعة”، وهذا نبي الله تعالى موسى عليه السلام كان من دعائه ما ذكره الله عز وجل في كتابه: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ [طه: 25، 26]، فشرحُ الصدر وتيسيرُ الأمور إنما هو محض توفيق من الله تعالى وفضل.

 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد‏.‏ وكل شر فأصله خذلانه لعبده…، والتوفيق: ألا يكلك الله إلى نفسك، والخذلان: أن يخلي الله بينك وبين نفسك، والعبيد متقلبون بين توفيقه وخذلانه، بل العبد في الساعة الواحدة ينال نصيبه من هذا وهذا، فيُطيعه سبحانه ويذكره ويشكره بتوفيقه له لذلك، ثم يعصيه ويُسخطه ويغفل عنه بخذلانه له، فمتى شهد العبد هذا المشهد علم شدة ضرورته وحاجته للتوفيق في كل لحظة وطرفة عين، وأن أعظم ما يملك وهو إيمانه بيده تعالى، لو تخلَّى عنه طرفة عين لهوى هذا الإيمان وضل، فدأب قلبه ولسانه: “يا مُقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك””، وهذا الدعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر منه.

 

أيها المسلمون، التوفيق وإن كان العباد محتاجين إليه في أمور دنياهم من مسكن وملبس ومأكل ومشرب ومركب وذرية وصلاح لهم وجميع ما يتعلق بأمور معاشهم؛ إذ لا يمكن لهم تحقيق ذلك إلا بتوفيق الله تعالى لهم وتيسيره لهم إلا أن توفيق الله تعالى للعبد في أمور دينه بإرادته سبحانه للعبد ما يُصلحه بأن يجعله قادرًا على فعل ما يُرضيه مريدًا له، محبًّا له، مُؤثرًا ذلك على غيره، ويُبغض إليه ما يُسخطه ويكرهه سبحانه آكد وأهم، فهذا من أعظم المنن والفضل منه سبحانه على عباده، كما قال تعالى لصحابة نبيِّه صلى الله عليه وسلم: ((ولكن الله حبَّب إليكم الإيمان وزيَّنه في قلوبكم، وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون، فضلًا من الله ونعمة، والله عليكم حكيم))، فلولا توفيقه عز وجل بتحبيب الإيمان لكم وتزيينه في قلوبكم، وتكريهكم ضده لما وقع ذلك منكم، قال الإمام ابن رجب رحمه الله: “لا يقوى العبد على نفسه إلا بتوفيق الله إياه وتوليه له، فمن عصمه الله وحفظه تولَّاه ووقاه شُحَّ نفسه وشرَّها، وقوَّاه على مجاهدتها؛ فلهذا كان من أهم الأمور سؤال العبد ربَّه ألَّا يكله إلى نفسه طرفة عين، فإذا خُذِل العبد تسلَّطت عليه الشياطين -شياطين الإنس والجن- وتسلطت عليه الشهوات، وخُذِلَ فوُكِلَ إلى نفسه”، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: “وعلى العبد أن يعرف حاجته إلى حفظ الله له ومعونته وصيانته، وأنه كالوليد الطفل في حاجته إلى من يحفظه ويصونه؛ فإن لم يحفظه مولاه الحق ويصونه ويعينه فهو هالك ولا بد، وقد مدَّت الشياطين أيديها إليه من كل جانب، تريد تمزيق حاله كله، وإفساد شأنه كله، وإن مولاه وسيِّده إن وكله إلى نفسه وكله إلى ضيعة وعجز وذنب وخطيئة وتفريط، فهلاكه أدنى إليه من شراك نعله”.


فمن شرح الله صدره للإسلام، فاستنار بنور الإيمان، وقوي بضوء اليقين فؤاده، واطمأنت بذلك نفسه، وأحب الخير، وتلذذ بطاعة ربِّه وأبغض الشر؛ فإن هذا علامة على أن الله قد هداه، ومنَّ عليه بالتوفيق، وسلوك أقوم الطريق، كما قال عز وجل: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 125]، ومن هذه الآية يتبين لنا أن علامة من يردِ الله أن يضله، أن يجعل صدره في غاية الضيق والحرج عن الإيمان والعلم واليقين؛ فينغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، ولا ينشرح قلبه لفعله، كأنه من ضيقه وشدته يصعد في السماء، وكلف بصعودها، ولا حيلة له فيه.


ومن لم يمنحه الله سبحانه العون ويرزقه التوفيق للقيام بالتكاليف الشرعية والرغبة في الخير والحرص عليه، فهو كمن يصَّعَّد في السماء، فيضيق صدره ويحرج نتيجةً لقلة الهواء، وقد ضرب الله سبحانه هذا المثل التقريبي ليبين مدى الفرق بين من وفقهم الله تعالى لنيل رضاه، ومن أوكلهم إلى أنفسهم؛ لسوء نيَّتهم وطويتهم، فلا ينتفعون بهدى الله سبحانه الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، وقد روي أن جماعة من الصحابة قرأوا أمام عمر رضي الله عنه قوله سبحانه:﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [الأنعام: 125] بكسر الراء، فقال عمر: يا فتى، ما الحَرِجَة فيكم؟ قال: الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأحجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية. فقال عمر: “كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير“.


أيها المباركون، لا لحاق بركب المؤمنين المتقين وهو أعظم توفيق إلا بإذن الله تعالى وتوفيقه للعبد وهدايته له، فهو سبحانه القائل: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [يونس: 100]، قال الإمام الطبري رحمه الله: “يقول تعالى ذكره لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: وما كان لنفس خلقتُها من سبيل إلى تصديقك يا محمد، إلا بأن آذن لها في ذلك، فلا تجهدنَّ نفسك في طلب هداها، وبلِّغها وعيدَ الله، وعرِّفها ما أمرك ربُّك بتعريفها، ثم خلِّها، فإن هداها بيد خالقها”، فالفضل والتوفيق للإيمان إنما هو من الله تعالى، فالمنة له والفضل على العبد؛ ولذا أنكر سبحانه على الأعراب حين منُّوا بإسلامهم على نبيِّه صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات: 17]، فالعبد لا غنى له عن توفيق ربِّه طرفة عين، ولو تخلَّى عنه سبحانه طرفة عين لضَلَّ وهلك، وإذا استحضر العبد ذلك دائمًا أصبح قلبُه معلقًا بربِّه سبحانه في كل لحظة وهمسة.


فالعبد الموفق لا يستغني عن ربِّه طرفة عين في شؤون دينه ودنياه، قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران: 160]؛ أي: فإن يمددكم الله بنصره ومعونته﴿ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ، ولو اجتمع عليكم مَنْ في الأرض جميعًا بما لديهم من العُدَّة والعدد؛ لأن الله عز وجل لا غالب له، وقد قهر العباد وأخذ بنواصيهم، وإن أراد خذلانكم، فمن بيده أمر نصركم؟! فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق، فالمعونة من الله سبحانه تنزل على العباد على قدر ما في قلوبهم من الهمة والثبات والرغبة والرهبة، والخذلان ينزل عليهم بتخلُّف ذلك.


عباد الله، إن النعم كلها الدنيوية وكذا الأُخروية من الرغبة في الخير والتوفيق له والمسارعة إليه من الله تعالى وحده، وإذا حصل للعبد اليقين بهذا، فعليه أن يرغب إلى مولاه أن يلهمه ذكرها، ويوزعه شكرها؛ إذ إن ذكرها وشكرها لا يُنَال إلا بتوفيقه سبحانه، فعن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَال: “يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، ثم قَالَ:ُ “أوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ؛ رواه أبو داود، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5].


أما الخذلان والعياذ بالله تعالى فهو أن يَكِل الله عز وجل العبد إلى نفسه لتحقيق مصالحه الدنيوية وحاجاته، عندها لا تسأل عن حياة الضنك والضيق والشقاء التي سيعيشها ذلك المخذول، نسأل الله السلامة، وأما خذلان الله تعالى العبد في أمر الدين فهو ترك العبد ونفسه؛ فيُعامَل بالعدل، لا يُعان على فعل طاعة، ولا يُحبب إليه فعل الخير وقوله، والسعي لتحصيله، ولا المنافسة في الطاعات والقُرُبات، بل تجده قد ركن إلى الدنيا وتعَلَّق بها، وزهد في كثير من أعمال البر، وقد يرتكب الكبائر ويقصر أو يترك كثيرًا من الواجبات، ولا شك أن هذا من خذلان الله تعالى له، فإذا خُذِل العبد تسَلَّطت عليه الشياطين -شياطين الإنس والجن- وتسَلَّطت عليه الشهوات والشبهات عندها لا تسأل عنه في أي وادٍ يهلك.


بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي غفور رحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، والصلاة والسلام على خير خلقه، وأزكى رُسُله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 

أيها الفضلاء، كل إنسان في هذه المعمورة يبحث عن التوفيق ويسعى جاهدًا لنيله والفوز به، ولتحصيله وإصابته أسباب كثيرة، من أبرزها:

1- الإيمان الصادق بالله تعالى، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [يونس: 9]، قال الشيخ السعدي رحمه الله: “والباء في قوله: ﴿ بِإِيمَانِهِمْ للسببية؛ أي: إن الله تعالى يوفق ويهدي عباده المؤمنين، فيعلمهم ما ينفعهم، ويمنُّ عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم”، فالمؤمنون هم أولى الناس بنيل التوفيق الديني والدنيوي، والآيات والأحاديث المبينة لثمار الإيمان بالله تعالى ومنها التوفيق كثيرة، فمن أراد التوفيق فليلزم الإيمان بربِّه عز وجل وليتعاهده ويرعاه حق الرعاية والحفظ.


2- الافتقار إلى الله تعالى، وإظهار الحاجة له سبحانه بكمال الحُب والذل له عز وجل، والإلحاح في الدعاء بطلب التوفيق، فإن ذلك من أقوى الأسباب الجالبة للتوفيق، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “إذا كان كل خير فأصله التوفيق، وهو بيد الله، فمِفْتاحه الدعاء، والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أُعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد الله تعالى أن يفتح له، ومتى أضَلَّه عن المفتاح بقي باب الخير مُرْتَجًا دونه!‏ وما أُتي من أُتي إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء“، وقد تقدم بيان كثرة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله الله عز وجل الهداية والتوفيق، والسنةُ والسيرةُ النبويةُ مليئةٌ ببيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الافتقار إلى الله عز وجل وإلحاحه في دعاء ربه سبحانه في حال السلم والحرب، والشدة والرخاء، وكيف استجاب الله تعالى له وحقق له ما رجاه ودعاه، وكذا سلف هذه الأمة الذين ساروا على هديه عليه الصلاة والسلام بلزوم عتبة العبودية والافتقار لله سبحانه وكثرة دعائه، وما نالوه من الخير العظيم بسبب ذلك؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ [فاطر: 15]، قال الشيخ السعدي رحمه الله: “يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه؛ فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله ألَّا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربِّه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها”، ومما يدل على أهمية الدعاء ومكانته لتحقيق التوفيق ما جاء في سورة الفاتحة أعظم سورة نزلت قد تضمنت سؤال الله الهداية في قوله سبحانه: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، فلا هادي وموفق إلا هو سبحانه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ربما طالعتُ على الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم وأقول: يا معلم آدم وإبراهيم، عَلِّمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها، وأمرغ وجهي في التراب، وأسأل الله تعالى وأقول: يا معلم إبراهيم، فَهِّمْني“، فمتى لزم العبد هذا الباب وأكثر طرقه بالدعاء الصادق الخالص مع شدة الذله والافتقار لله سبحانه نال مطلوبه وحظه من التوفيق بإذن ربه عز وجل وكرمه.

 

3- ملازمة الطاعة والصبر ومجاهدة النفس عليها، وكذا طلب العلم الشرعي والعمل به، فهذان الأمران سببان عظيمان لنيل توفيق الله تعالى وهدايته، كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سُبُل ثوابنا…، وهي في الذين يعملون بما يعلمون”.

 

وقال الإمام البغوي رحمه الله: “المجاهدة هي الصبر على الطاعات”، وقال الشيخ السعدي رحمه الله: “دل هذا على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، ومن أحسن فيما أُمر به أعانه الله ويسَّر له أسباب الهداية، ومن جهد واجتهد في طلب العلم الشرعي فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية خارجة عن مدرك اجتهاده، ويُيُسَّر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله، بل هو أحد نوعي الجهاد الذي لا يقوم به إلا الخواص من الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان للكفار والمنافقين، والجهاد بتعليم أمور الدين”.

 

4- تجنب المعاصي والمنكرات وكل ما يغضب الكبير المتعال، فإن المعاصي والإصرار عليها سبب موجب لحرمان التوفيق ونيل الخذلان، قال سبحانه: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [المائدة: 49]، قال الشيخ السعدي رحمه الله: “إن للذنوب عقوبات عاجلة وآجلة، ومن أعظم العقوبات أن يُبتلى العبد ويُزيَّن له ترك اتباع الرسول، وذلك لفسقه”، وهذا من الخذلان، قال ابنُ القَيمِ رَحِمهُ اللهُ: “وللمَعَاصِي من الآثارِ المُضِرَّةِ بالقلبِ والبَدَن في الدنيا والآخرةِ ما لا يَعْلمُهُ إلا الله، فمنها: أنها مَدَدٌ مِنَ الإِنسانِ يَمُدُّ بِهِ عَدُوَّهُ عليهِ، وَجَيْشٌ يُقَوِّيهِ بهِ على حَرْبِهِ، ومِن عُقُوباتِها أَنَّهَا تَخُونُ العَبْدَ أَحْوَجَ ما يكون إلى نفْسِهِ، ومنها: أنها تُجَرِّئُ العبدَ على مَنْ لم يكُنْ يَجْتَرئُ عَليهِ. وَمنها: الطَبْعُ على القلب إذا تكاثَرَتْ حتى يَصيرَ صَاحبُ الذَنْب منَ الغافِلين، كما قال بعضُ السلَفِ في قوله تَعَالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] هو الذنْبُ بعدَ الذنْب، وقال: هو الذنْبُ على الذنْبِ حتى يَعْمَى القلبُ. وأصْلُ هذا أنَّ القَلْبَ يَصْدأُ مِنَ المعصية، فإِذا زادَتْ غَلَبَ الصدأُ حتى يَصيرَ رَانًا، ثم يغلبُ حتى يَصِيرَ طَبْعًا وَقفْلًا وَخَتْمًا فَيَصِير القلبُ في غِشَاوةٍ وَغِلاف”، وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: “إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه”؛ رواه ابن ماجه وأحمد، والرزق من التوفيق، فمن كان مصرًّا على المعاصي مستكثرًا منها، فقد أتى بابًا عظيمًا وخطيرًا لحرمانه التوفيق.


5-كثرة الاستغفار والتوبة، فهما باب للتوفيق، والنصوص من الكتاب والسنة الدالة على ذلك كثيرة، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110]، قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: “أي من تجرَّأ على المعاصي واقتحم على الإثم، ثم استغفر الله استغفارًا تامًّا يستلزم الإقرار بالذنب، والندم عليه والإقلاع، والعزم على ألا يعود، فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة، فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويُعيد إليه ما تقدَّم من الأعمال الصالحة، ويوفقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلًا عن توفيقه؛ لأنه قد غفره، وإذا غفره غفر ما يترتب عليه”، وفي تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 106] قال: “واستغفر الله مما صدر منك إن صدر، فإنه يغفر الذنب العظيم لمن استغفره، وتاب إليه وأناب، ويوفقه للعمل الصالح بعد ذلك الموجب لثوابه وزوال عقابه”، ومما يدل على أن ملازمة الاستغفار والتوبة موجب للتوفيق، قول الله تعالى على لسان نبيِّه شعيب عليه السلام في خطابه لقومه: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود: 90]، وكذا قول الله تعالى على لسان نبيِّه صالح عليه السلام في خطابه لقومه: ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61]، فإذا كان الاستغفار والتوبة موجبين للرحمة وإجابة الدعاء فهما بابان عظيمان للتوفيق؛ إذ الرحمة وإجابة الدعاء يتحقق بهما التوفيق والعطاء والفضل والإحسان من الله تعالى للعبد، وقال سبحانه: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود: 3]، قال الإمام القرطبي رحمه الله: “﴿ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا: هذه ثمرة الاستغفار والتوبة؛ أي: يمتعكم بالمنافع، ثم سعة الرزق ورغد العيش، ولا يستأصلكم بالعذاب، والأجل المسمَّى: هو الموت، ﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ؛ أي: يؤتي كل ذي عمل من الأعمال الصالحات جزاء عمله”، فالمتاع الحسن في هذه الحياة الدنيا وسعة الرزق ورغد العيش بسبب ملازمة الاستغفار والتوبة توفيق من الله تعالى بلا ريب، وغير ذلك من الآيات وكذا الأحاديث الدالة على فضل الاستغفار والتوبة وثمارهما الطيبة ومنها التوفيق.


6- كثرة الصدقة والإحسان بشتى صوره في أوجه البر المختلفة، فهما سببان عظيمان لنيل التوفيق من الله تعالى، والآيات والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، منها قوله سبحانه: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل: 5 – 7]، ولا شك أن التوفيق من التيسير لليسرى، وقوله عز وجل: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195]، فمن أحسن في أوجه البر المختلفة بماله وجهده وما أُوتي فإنه ينال محبة الله سبحانه، ومن أحبه عز وجل نال توفيقه يقينًا.


7- شُكر الله تعالى على نعمه، وتجنب الكبر والعجب والغرور وكفران النعم، فقد وعد الله تعالى الشاكرين بالمزيد من فضله، فقال سبحانه: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 7]، وقال عز وجل: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [الأنعام: 53]، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “أي أليس هو أعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم، فيوفقهم ويهديهم سُبُل السلام، ويُخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى الصراط المستقيم”، ومن تأمل حال كل من تكبَّر وجحد نِعَمَ الله تعالى، وجد الخذلان والخسران المبين ملازمين له، فهذا قارون مع ما أُعطي من النِّعَم والكنوز والخير العظيم لم يقابل ذلك بالشكر والاعتراف بالمنعم بها عليه سبحانه، ويسخرها في طاعته ومرضاته، بل نسب سببها لنفسه حين دخله العجب والكبر، كما قال سبحانه عنه في كتابه: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص: 78]، فكان عاقبة أمره أن خسف الله تعالى به وبداره الأرض، وهذا من أبشع الخذلان، نسأل الله السلامة والعافية، وعلى العكس من حاله، حال نبي الله سليمان عليه السلام حين أعطاه الله تعالى ملكًا عظيمًا وفضلًا كبيرًا، قال كما في كتاب الله تعالى: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ [النمل: 40]، ومن الكبر المانع من التوفيق ما ورد في قوله سبحانه: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف: 146]، قال الشيخ السعدي رحمه الله: “يتكَبَّرون على عباد اللّه وعلى الحق، وعلى من جاء به، فمن كان بهذه الصفة حرمه اللّه خيرًا كثيرًا وخذله، ولم يفقه من آيات اللّه ما ينتفع به، بل ربما انقلبت عليه الحقائق، واستحسن القبيح”.


عباد الله، هذا شيء من الأسباب المباركة الجالبة لتوفيق الله تعالى، فلنسعى جاهدين لتحقيقها لنفوز بالتوفيق في الدارين. اللهم وفِّقْنا لهُداك، واجعل أعمالنا في رضاك.


عباد الله، صلوا وسلموا على من أمرنا المولى بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحب والآل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وعنا معهم بمَنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.


اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودَمِّر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحِّدين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، اللهم مدَّهما بعونك ونصرك وتوفيقك، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا، واحفظهم بحفظك وسدِّد رميهم، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وألِّف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سُبُل السلام، وجنِّبْهم الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح نيَّاتنا وذرياتنا، وبَلِّغنا فيما يرضيك آمالنا، وحرِّم على النار أجسادنا، اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغنى، ونسألك ربنا من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.


﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 180 – 182].





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
الشتاء عبر وأحكام
فضل القرآن الكريم (خطبة)