جلسة تتناول الأنماط الموسيقية التقليدية العمانية وتستعرض كتاب «اللغات الرمزية»
الأربعاء / 14 / جمادى الآخرة / 1445 هـ – 21:02 – الأربعاء 27 ديسمبر 2023 21:02
وأقيمت بعدها جلسة حوارية حول «الموسيقى التقليدية العُمانية» في ورقتي بحث تحدث في الأولى الدكتور عبدالله بن سعيد السعيدي المدرب بمركز التدريب التابع لوزارة التربية والتعليم بمحافظة شمال الباطنة وقرأ بشكل موسع في كتاب اللغات الرمزية في شمال سلطنة عمان «دراسة وصفية»، وقال «السعيدي»: كتاب اللغات الرمزية في شمال سلطنة عمان لمؤلفه ناصر بن محمد الناعبي، يتألف من مقدمة وسبعة فصول وخاتمة، تناول المؤلف في المقدمة توصيفا عاما للغات الرمزية من حيث المفهوم والجانب التأريخي للرمزية، ثم تناول في الفصل الأول للغة الجمّل معالجا مفهومها وعلاقتها بالحساب والأجرام السماوية وعلاقتها بالفنون الشعبية والمفردة الشعرية، وتناول في الفصل الثاني لغة الريحاني ووصفها بأنها قائمة على الحروف الهجائية في اللغة العربية ودلالاتها وهي مبنية على كل حرف يدل على شيء من المكونات الأربعة: الجماد والحيوان والإنسان والنبات، وتناول في الفصل الثالث لغة الدرسعي وقسمها على قسمين؛ الدرسعي الكبير والدرسعي الصغير، وفي الفصل الرابع تحدث المؤلف عن لغة الآي بلا وأعطانا لمحة تاريخية عنها وعلاقتها بلغة الدرسعي، وتناول في الفصل الخامس لغة البشري فتحدث عن مفهومها وسبب تسميتها وقاعدتها التي تعتمد على الحروف الهجائية، وفي الفصل السادس تناول لغة الريم وعلاقتها بالأرقام العربية وتشابهها مع لغة الجمّل، أما في الفصل السابع فقد تناول الكاتب لغة التخاطب والمراسلات التي كانت منتشرة بين القبائل وبعض المكاتبات الرسمية بين تلك القبائل، ثم ذكر كيف تسربت للخطاب الشعبي وأصبحت لغة بعض المحادثات التي تحتاج إلى سرية وكتمان، كما تناول الكتاب في خاتمته بعض التوصيات والأفكار التي تفتح آفاقا جديدة للبحث والدراسة في هذه اللغات.
وأشارالسعيدي في ختام ورقته إلى أن الكتاب يعد فريدا من نوعه لتأصيل هذه اللغات الرمزية، لافتا إلى أن الكاتب لم يغفل عن وضع الأمثلة للتوضيح ولكي يرشد القارئ بمفهوم كل لغة إضافة إلى جهده الواضح من خلال المقابلات الميدانية التي أجراها.
وفي الورقة الثانية قدم ناصر بن محمد الناعبي، مدير مركز عُمان للموسيقى التقليدية ورقة بحثية بعنوان «الإشكاليات والحلول في بعض الأنماط الموسيقية التقليدية العمانية: نمط الباكت نموذجا» حيث انطلق في مقدمته إلى أن النمط الموسيقي ينحصر في بقعة جغرافية محدودة، وتتم ممارسته من قبل فئة معينة من الناس، يكون أكثر عرضة للتلاشي والاندثار مع مرور الزمن وتعاقب الأجيال، وذلك عكس ذلك النمط الذي يتمتع ببقعة جغرافية واسعة؛ لأن الاتساع الجغرافي سيخلق تنوعا طبوغرافيا، مما سيتوسع المسرح الأدائي لذلك النمط الموسيقي، وتوسع ذلك المسرح سيساعد على اتساع وتنوع الأداء الكيفي والكمي للنمط من قبل الممارسين، وهذا بطبيعة الحال سيضمن له الاستمرارية والصيرورة، من خلال تناقله وتعاقبه مع الأجيال.
وقال «الناعبي»: عندما اتخذت نمط الباكت نموذجا، هذا يعني أنه ليس الوحيد من الأنماط الموسيقية التقليدية في سلطنة عُمان معرّضة للتلاشي والاندثار، فهناك الكثير من الأنماط التي اندثرت، والأخرى منها تعيش فترة الاحتضار، وهناك منها ما تعاني من مرض مزمن، إذا ما تحدثنا عن الحالة الصحية الثقافية للتراث غير المادي بصورة عامة، فإنها فقدت الموهبة الفطرية الموسيقية بالتقادم مع مرور الزمن، وذلك بسبب غياب الجيل القادر على أخذ معرفتها الأدائية وتقاليدها الحركية من المصادر الأساسية لها. من الإشكاليات التي واجهتها تلك الأنماط تمثلت في الواقع الديموغرافي الحديث، والذي تسبب فيه التنقل والحركة السكانية من أوساطها الأصلية، وكذلك العولمة ودخول الماكينة الحديثة، وهنا أعني بتلك الأنماط الموسيقية المرتبطة بالحرفة، كفنون الزراعة والبحر، ولقد تناولت كلمة الفنون قصدا، ولم أذكر الأنماط؛ لأن الحرفة وما ارتبط بها من أشغال يدوية هي مجموعة من الفنون، والأنماط الموسيقية المصاحبة لتلك الحرف والمفردات اليدوية الصناعية ما هي إلا جزء من فضاءات تلك الفنون التي ارتبطت بالمناسبات والأزمنة والأمكنة لأولئك الأفراد وتلك المجتمعات.
وأضاف مدير مركز عمان للموسيقى التقليدية: عندما نتناول الحديث عن نمط الباكت وما تنتابه من إشكاليات كنموذج، أولا علينا أن نعطي تعريفا مبسطا لهذا النمط، وهو فن فُرجوي قريب إلى الأداء المسرحي يتضمن أحد عشر مشهدًا يؤدى بطابع هزلي يحاكي قصصا واقعية، يتضمن مجموعة من الأغاني حسب طبيعة كل مشهد، تؤديه مجموعة من الرجال، وتسمى المشاهد التي يتضمنها نمط الباكت: الشيبة وأبو الخرطوم الشيبة والدبس الشيبة والعجوز الشيبة وأم الرحى الخيول أو الخيل المعرس والعروسة: الرجل والأحدب الشيبة والعرائس الفلاح أو المزارع البانيان باكت السيروان، ومن أهم الإشكاليات محدود الجغرافية، حيث يُمارس في حارتين لكل من ولايتي صحم وصحار بمحافظة شمال الباطنة، كذلك يُمارس من قبل طائفة واحدة في كلا الحارتين، وهذا ما يعرضه إلى الاندثار والتلاشي وجميع هذه الإشكاليات حجمت من مناسبات أدائه؛ لأن المناسبة دائما مرتبطة بتنوع العادات والتقاليد والطقوس، وبما أن هذا النمط محدود المجتمع إذن ستكون المناسبة مسقطة على عادات وطقوس ذلك المجتمع الصغير، الذي بطبيعة الحال سيتعامل مع المناسبات الخاصة به دون الاكتراث بالمناسبات التي يشترك بها مع المجتمع الكبير المحيط به. وفي ختام ورقته أشار ناصر بن محمد الناعبي، مدير مركز عُمان للموسيقى التقليدية إلى أنه كلما تكوّر النمط بطائفة أو فئة معينة أصبحت مناسبات أدائه منحصرة بعادات تلك الطائفة، ولقد تم توثيقه آخر مرة من مركز عُمان للموسيقى التقليدية في عام 2019م كبرنامج تلفزيوني ثقافي، ولكي نسعى إلى إعادة إنعاش الحياة لهذا النمط لا بد من دراسة المتغيرات التي طرأت عليه، وكذلك تشجيع الممارسين على الاستمرارية، وتقديم الدعم المعنوي والمادي لهم.
وفي ختام الفعالية قام ناصر بن محمد الناعبي، مدير مركز عُمان للموسيقى التقليدية بتكريم المشاركين من الشعراء والباحثين.