جمع المصلين في المسجد الحرام على إمام واحد
جمع المصلين في المسجد الحرام على إمامٍ واحد
استمر أهل مكة على هذا إلى ولاية الوليد بن عبد الملك، فعن أيوب السختياني قال: «رأيت عبد الله بن أبي مليكة يصلي بالناس في رمضان خلف المقام بمن صلى خلفه، والناس بعد في سائر المسجد من بين طائف بالبيت ومُصلٍّ»[1].
وعن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال: «جئت أسماء رضي الله عنها، فكلمتها في أن تكلم عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أن يأمرني أن أقوم بالناس، فقالت: ذلك له. فقال: ترينه يطيق ذلك؟ قالت: قد طلبه، فأمرني فقمت بالناس حتى قدم عمر بن عبد العزيز، فقال: لقد هممت أن أجمع الناس على إمام واحد، فقلت: سنة قد كانت قبلي، فتركتهم» وكان ابن أبي مليكة يقوم بالناس حتى أصيب في بصره في زمن عمر بن عبد العزيز[2].
وعمر بن عبد العزيز كان أميرًا على مكة للوليد بن عبد الملك سنة 91 ﻫ.
قال الطبري: كانت عمال الأمصار في هذه السنة هم العمال الذين كانوا عُمالها في سنة تسعين، غير مكة؛ فإنَّ عاملها كان في هذه السنة خالد بن عبد الله القسري في قول الواقدي، وقال غيره: كانت ولاية مكة في هذه السنة أيضًا إلى عمر بن عبد العزيز[3].
ثم استعمل الوليد بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسري أميرًا على مكة وذلك سنة 91 ﻫ، أو التي بعدها على ما تقدم، فجمعهم على إمام واحد.
فعن الحسن قال: «كانوا يقرؤون بتسع وثلاثين، أو إحدى وأربعين»، قال: «وكان الناس بمكة زمن عمر وغيره يصلون ويطوفون حتى جمعهم القَسْري»[4].
وقوله عمر لعله يقصد عمر بن عبد العزيز، وإن كان يقصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهو مرسل.
[1] رواه ابن أبي شيبة (2/ 398) حدثنا ابن علية عن أيوب قال: فذكره وإسناده صحيح.
ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم.
[2] رواه الفاكهي في أخبار مكة (1342) حدثني أبو العباس أحمد بن محمد قال: ثنا سعيد بن أبي مريم، ورواه ابن سعد في الطبقات ﭘ متمم الصحابة ﭘ (160): أخبرنا أبو بكر بن محمد بن أبي مرة المكي قالا: حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: فذكره وإسناده حسن.
الفاكهي لم أقف على من جرحه مع شهرة كتابه وكثرة النقل منه وشيخه يغلب على الظن أنَّه مردويه السمسار وهو من شيوخ البخاري.وشيخ ابن سعد لم أقف على من عدله إلا قول ابن سعد: كان عالمًا بأمور مكة وبقية رواته ثقات.
[3] تاريخ الطبري (6/ 467). وانظر: الكامل في التاريخ (4/ 33).
[4] رواه عبد الرزاق (7731) عن معمر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن الحسن قال: فذكره ورواته ثقات لكن سعيد بن ابي عروبة مختلط.
تنبيهان:
الأول: في نسختي «يصومون» والصحيح يصلون.
الثاني: معمر شيخ لسعيد بن أبي عروبة، لكن ليس له رواية عن الحسن، إنَّما شهد جنازته وسعيد له رواية عن الحسن، وروى الأزرقي في أخبار مكة (2/ 65) حدثني جدي، قال: حدثني عبد الرحمن بن حسن بن القاسم بن عقبة الأزرقي عن أبيه، قال: «كان الناس يقومون قيام شهر رمضان في أعلى المسجد الحرام، تركز حربة خلف المقام بربوة، فيصلي الإمام خلف الحربة، والناس وراءه، فمن أراد صلى مع الإمام، ومن أراد طاف بالبيت، وركع خلف المقام، فلما ولي خالد بن عبد الله القسري مكة لعبد الملك بن مروان، وحضر شهر رمضان، أمر خالد القراء أن يتقدموا فيصلوا خلف المقام، وأدار الصفوف حول الكعبة، وذلك أنَّ الناس ضاق عليهم أعلى المسجد، فأدارهم حول الكعبة، فقيل له: تقطع الطواف لغير المكتوبة، قال: فأنا آمرهم يطوفون بين كل ترويحتين سبعًا، فأمرهم، ففصلوا بين كل ترويحتين بطواف سبع، فقيل له: فإنَّه يكون في مؤخر الكعبة وجوانبها من لا يعلم بانقضاء طواف الطائف من مُصل وغيره، فيتهيأ للصلاة، فأمر عبيد الكعبة أن يكبروا حول الكعبة يقولون: الحمد لله، والله أكبر، فإذا بلغوا الركن الأسود في الطواف السادس، سكتوا بين التكبيرتين سكتة حتى يتهيَّأ الناس ممن في الحجر، ومن جوانب المسجد من مُصل وغيره، فيعرفوا ذلك بانقطاع التكبير ويصلي ويخفف المصلي صلاته، ثم يعودون إلى التكبير حتى يفرغوا من السبع، ويقوم مسمع فينادي الصلاة رحمكم الله»؛ إسناده ضعيف.
أبو الوليد محمد بن عبدالله الأزرقي تناقل أهل العلم كتابه محتجين بما فيه، وصحح بعض أهل العلم بعض أسانيده، فهذا توثيق منهم له والله أعلم وجده أحمد بن محمد بن الوليد من شيوخ البخاري وعبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة الأزرقي، ترجم الحافظ ابن حجر له ولأبيه في تعجيل المنفعة، فقال عن عبد الرحمن: روى عنه الشافعي، وقال عن أبيه: غير مشهور، فهما مجهولان، والله أعلم.
وتقدم أنَّ خالد بن عبد الله القسري كان أميرًا للوليد بن عبد الملك.