حق الزوجات على أزواجهن (خطبة)
خطبة حق الزوجات على أزواجهن
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102 ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:
أيها المسلمون عباد لله، روى الإمام الترمذي في سننه، وصححه الألباني رحمهما الله، عن عمر بن الأحوص الجشني رضي الله عنه، قال:
خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال – وهو يودع أمته، ويوصيهم بمجموعةٍ من التوصيات، وكان مما أوصاهم به وصية عظيمة، فرط فيها كثيرٌ من الرجال، وتعدُّوا حدودَ الله فيها، ألا وهي الوصية بالنساء، فقال الرحمة المهداة، والنعمة المسداة صلى الله عليه وسلم: «ألا واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن عوانٌ عندكم – أي: كالأسيرات – أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ألا فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بالنساء خيرا، ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم فاشهد! اللهم فاشهد!»[1].
نشهد أنك قد بلَّغت الأمانة، وأديت الرسالة، وتركت الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
أيها المسلمون عباد الله، إن الله حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرما، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: «أن الظلم ظلماتٍ يوم القيامة».
ألا وإن من أعظم الظلم أن يظلم الإنسان زوجته، ومن جعلها الله مقرًّا، وسكنًا، ومأوىً يأوي إليه».
أيها الناس، أيها الرجال، إن المرأة ضعيفة، وإنها أمانة عند زوجها، ولا يكرمها إلا كريم، ولا يهينها إلا لئيم.
ولقد حث النبي عليه الصلاة والسلام على حقوق النساء في حياته، حتى وهو يودع هذه الدنيا في آخر حياته، فقد روى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقًا رضي منها آخر، أو قال: غيره»[2]، فأين نحن من هذه الوصية النبوية؟ أين نحن من الإنصاف، والعدل مع نسائنا، وحياتنا الزوجية؟ أين نحن من وصية حبيبنا صلى الله عليه وسلم؟!
أين أولئك الرجال الذي يريد الواحد منهم أن تكون زوجته على أكمل وجه، وأتم حال، أين الرحمة؟ أين التعامل الحسن؟ أين أولئك الذين لا يذكرون من نسائهم إلا المعايب؟ أين أولئك الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إن صدر من زوجاتهم خطأٌ، أو غير ذلك؟ أين نحن من هذه الوصية النبوية؟ أين أولئك الذين يجرحون، ويسبون، ويهددون، ويلعنون، ويشتمون؟ أين أولئك القساة من هذه الوصية النبوية؟ لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة؛ أن كره منها خلقًا، رضي منها آخر.
زوجتك أيها الرجل، إن كرهت منها خلقًا فتذكر محاسنها وإحسانها، إن أخطأت، أو قصرت يومًا- ومن منا يسلم من ذلك – فتذكر أخلاقها، وتذكر صبرها، إن كرهت خَلقها، فتذكر خُلقها، وإحسانها، إن كرهت طعامها تذكر صبرها على فقرك، ومعاناتها لجفائك، وطباعك.
تذكر أنها هي التي تطبخ طعامك، أنها هي التي تغسل ثيابك، أنها هي التي تكرم أضيافك، أنها هي التي تقوم بتربية أولادك، فالله الله بوصية رسول الله، لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر.
ثم انظر في نفسك هل تؤدي حقوقها؟ هل تلبي رغباتها؟ هل تقوم بحاجاتها؟ هل تهتم بطعامها، ومسكنها، وملبسها؟ هل تؤدي حقوق الله فيها التي قال الله عنها: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228]، وروى أبو داود في سننه، وصححه الألباني – رحمه الله – عن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ – ما الذي يجب علي تجاه زوجتي-؟ قال: «أن تطعمها مما طعمت، وأن تكسوها مما اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت»[3].
الله المستعان أيها الناس، أين نحن من حقوق زوجاتنا علينا؟ لنكن صرحاء مع أنفسنا، فاليوم حياة، وغدًا سنرحل عن هذه الحياة.
أين أنت أيها الزوج من هذا المال الذي وهبك الله إياه؛ من أجل أن تتمتع به مع زوجتك، وأولادك؟
أين أولئك الذين ينفقون الآلاف المؤلفة فيما ينفعهم، وفيما يضرهم، وزوجته ربما ما معها شيءٌ من ذلك؟!
لماذا نرى بعض الأزواج يأكل، ويتمتع بأمواله، وزوجته ربما لها مدةٌ من الزمن تشتهي أكلة تأكلها، أو لباسًا تلبسه؟! لماذا كثيرٌ من الزوجات لا تعرف من زوجها إلا السب والتعيير، واللعن، والتجريح، والتهديد؟ لماذا؟ أهي بهيمةٌ عندك؟ لماذا تجرحها، وتسبها، وتلعنها، لماذا؟ وقد كنت قبل ذلك تتمسكن بين يدي أهلها، من أجل أن يزوجوك بها، والآن هذه هي معاملتك لها؟! هذه هي وصية النبي عليه الصلاة والسلام فيها؟
لماذا كثرت الشكاوى من النساء؟ وأصبحت النساء يأتين والآهات تخرج من صدورهن، ودموعهنَّ تسيل على خدودهنَّ، وهن يشتكينَ من أزواجهنَّ؟ لماذا أصبحنا نرى، ونعيش ألوانًا، وصورًا من ظلم الأزواج؟!
وكم وكم هي الشكاوى التي تأتي من قِبل النساء؟!
إحداهن تشكو من زوجها بأنه يهجرها، ومبتعدٌ عنها، ويقسو عليها!
والثانية تقول: زوجي منشغلٌ بالمقايل عني، وعن أولادي، ولا يقوم بحقوقنا! لأنه مشغول بأصحابه، أو بجواله عنا!
وثالثةٌ تقول: زوجي لا يبالي بمشاعري، ولا بصحتي، ولا يبالي بتربية أولادي، بل ربما حتى إلى المستشفى لا يأخذني!
وأخرى تقول: زوجي لا يسمح لي أن أذهب إلى أمي، وأبي، وأكثر من مرةٍ وهو يعيِّرني بإخواني، ويهدِّدني بطلاقي، ويقول: كلما خرجتِ، وكلما دخلت، وكلما فعلت، أو لم تفعلِ؛ فأنت طالق، وكبرت كلمةً تخرج من أفواههم!
هكذا يظن بعض الناس، وبعض أشباه الرجال أن رجولته وإبراز شخصيته هي بهذه الكلمة، وكأنه يشعر بنقصٍ في رجولته، فيريد أن يكملها بهذه الكلمة الآثمة، إن خرجت فأنت طالق، وحرام وطلاق إن فعلتِ، وإن دخلت، وإن لم تفعلي أو خرجتِ، الله المستعان!
بالله عليك لو كنت عاملًا، أو أجيرًا عند رجل وكان يهددك بلقمة عيشك، أو يهددك بفصلك من وظيفتك، كلما فعلت شيئًا، أو قصرت بشيءٍ هددك أنه سيفصلك، أو يطردك من عملك، كيف سيكون شعورك؟! كيف سيكون عيشك مع هذا الرجل الذي يهينك، ويهدِّدك بقوتك، وقوت عيالك؟!
فعامل الناس – رحمك الله – بما تحب أن تُعامل به، واعلم – أصلح الله بالك – أن الأيام دُول، والزمن دوار – كما يقال – وأن الحياة لا تستقيم، ولا تدوم على حال.
وكما أنك تريد من أصهارك، ومن أزواج بناتك أن يعاملوهن بالحسنى، وأن يقوموا بحقوقهن، كذلك أنت تعامل مع زوجتك بما تحب أن يعاملك به أصهارك، حتى ييسر الله من يقوم بحق بناتك، وإن لم تفعل فارتقِب، وانتظر حتى تكون معتَبَرًا لكل معتبرٍ، والتاريخ مليء بمصرع كل ظالم متجبرٍ!
فكم هم أولئك الذين يشكون من الضيق، والكآبة، كم من رجل يشكو من الخسارة، أو عدم الراحة، وما علم أن سبب ذلك هو ظلم الزوجة، كيف لا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحرِّج عليك حق الضعيفين -اليتيم، والمرأة-»[4]؛ أي: أُلحق الحرج على من ظلمهما، واعتدى عليهما!
وعقوبة الظالم – وخاصةً لأهل بيته وأرحامه – معجلةٌ في الدنيا قبل الآخرة.
فحذارِ، ثم حذار أيها الزوج من ظلم زوجتك؛ فلعلها ستدعو عليك، وبدعوتها قد يبتليك الله بمالك، أو بجسدك، فثلاث دعوات لا يردهنَّ الله؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله، ومنهن: دعوة المظلوم، وكيف إذا كان المظلوم امرأة، بل كيف إذا كانت زوجة، والله المستعان.
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: «يعمِد أحدكم إلى زوجته فيجلدها جلد العبد، فلعله يضاجعها في آخر يومه»[5]؛ استغفر الله العظيم!
وهل يوجد من يضرب زوجته؟ هل يوجد من يمد يده على سكنه، ولباسه، وأم عياله؟! نعم – والله – يوجد من يفعل ذلك، إنهم أولئك القساة الأجلاف الذين يظن الواحد منهم أن رجولته، وقوامته هي بسطوته على زوجته، فكلما فعلت شيئًا ضربها، أو يهددها بضربها، وهكذا ربما لا تصبح ولا تمسي إلا على ضرب زوجها، أخزاها عند جيرانها، جرَّأ عليها أولادها، وهي صابرةٌ من أجل بيتها، ومن أجل تربية أولادها!
ويلٌ لك ثم ويلٌ لك، من الذي جرَّأك عليها؟ ومن الذي أذن لك بضربها؟ أتستضعفها لأنوثتها، أم تضربها لقوامتك عليها؟ أما تخشى أن ينتقم الله منك بدعوتها، أو يسخر لك من الخارج من يأخذ بحقها؟ ألا فلنتقي الله جميعًا، ولنعلم أن لأزواجنا علينا حقوقًا، وإن لنا على أزواجنا حقوقًا، وما قدمت هذا الموضوع بين أيديكم، وطرحته على مسامعكم، إلا لكثرة المشاهد، والشكاوى، التي نسمعها عن بعض النساء اللاتي يعشن قسوةً، وجفاءً من قبل أزواجهن. أسأل الله أن يهدينا وإياهم!
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين، من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم!
(الخطبة الثانية)
الحمد لله أمر بتقواه، وأخبر أن من اتَّقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده، ورسوله. معاشر المسلمين العقلاء، أيها الرجال القوامون على النساء.
لقد سمعتم فيما مضى شيئًا من حقوقكم على نسائكم، فدعونا نسمعكم بعض حقوق نسائكم عليكم، ولا سيما وقد وصَّى بهن نبيكم، وحبيبكم صلى الله عليه وسلم.
نعم أيها الزوج، إن لزوجتك عليك حقوقًا؛ فهي التي تقوم بخدمتك، هي التي تصلح طعامك، هي التي تكرم أضيافك، هي التي تربي أولادك، وإذا أردت أن تستشعر هذا فانظُر حين تصاب بمرضٍ في جسدك، أو حين تسافر، أو تبتعد عن زوجتك، كيف يكون حالك مع أولادك، ومع ملابسك وطعامك وضيوفك؟
أيها الزوج، زوجتك هي التي حملت أولادك في بطنها، وما حصل لك عُشر معشار ما حصل لها من تعبها ومعاناتها أيام حملها، يروى أن أبا الأسود الدؤلي تخاصم مع زوجته إلى الحاكم: أيهما أحق بحضانة ولده؟ فقالت المرأة: أيها القاضي حملته مشقة، وتسعةُ أشهر وهو في بطني، ثم وضعته، وها هو الآن يترعرع في حجري كما ترى أيها القاضي.
قال أبو الأسود: أيها القاضي لئن كانت حمَلته، فقد حملتُه قبل أن تحمله، ولئن كانت وضعته، فقد وضعته قبل أن تضعه، قال القاضي: أجيبي أيتها المرأة، قالت: أيها القاضي لئن وضعه خفًّا، فلقد وضعته ثقلًا، ولئن وضعه شهوةً، فلقد وضعته كرهًا، قال القاضي: سَلِّم لها ولدها ودعنا من سجعك!
نعم زوجتك هي التي ربت أولادك، وكانت تنام تسعة أشهر وهي تحملهم في بطنها، لا تهنأ في طعامها، ولا تغمض في منامها، فاعرف حقَّها، واعرف ما افترضه الله عليك نحوها.
إن من حق زوجتك عليك أن تصبر على أخطائها، وتتحمل بعض اعوجاجها، وعنادها؛ فقد كانت أمهات المؤمنين يناقشن النبي عليه الصلاة والسلام وهو يسمع إليهن، ويتحمل نقاشهن، كما ستسمع، ويطرب سمعك من تعامله عليه الصلاة والسلام مع نسائه.
وإذا أردت أن تعرف خيرية الرجل؛ فانظر إلى ذلك الرجل الذي تسيء زوجته إليه وهو يتحملها، هو الذي تحرمه ويعطيها، ويتحمل أذاها،
بل – والله- لقد بلغ الحال ببعضهم أن زوجته كانت تسبه، وتشتمه، حتى سمع الجيران سبها وشتمها، فقالوا: ألا تسرحها؟ ألا تطلقها؟ فسكت، قالوا: ألا تجيبها، وترد عليها؟ – يعني: أين الرجولة نحوها – فرد عليهم قائلا: أستحي أن يسمع الله مني كلمةً تجاه زوجتي؛ فتغضبه عني!
الله أكبر! هذه هي الرجولة، هذه هي القوامة، حين أن يكون الطلاق بيدك، وزوجتك تحت قبضتك وقدرتك، ومع ذلك تتحملها، وتصبر عليها من أجل الله سبحانه وتعالى، هذه هي القوة، وهذه هي الشدة، فليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد هو الذي يمسك نفسه عند الغضب.
إن من حق زوجتك عليكأن تراعي مشاعرها، وأن تعلم أنها الأسيرة عندك، لا تهددها، وتجرح مشاعرها وتهدد حياتها، وتكثر من الحلف بالطلاق عليها، فلعل الله سيغنيها عنك، ويخلصها منك، فإياك أن تهددها، وتكثر من إذلالها.
أيضا من حق زوجتك عليك أن تهتم بمطعمها، وتهتم بملابسها، وبحاجات بيتها، بالقوامة التي فضلك الله بها عليها، لا كما يفعله كثير من الأزواج ممن لا يهتمون بنسائهم، ولا بمطعمهنَّ، وكسوتهنَّ، وفي الوقت نفسه يصرف الآلاف والأموال الكثيرة فيما ينفعه وفيما يضره، وقد تضطرُّ بعض النساء إلى أن تعمل بيدها من أجل أن تُطعم نفسها، وأولادها، وربما تدعوها الحاجة إلى أن تبيع حليها من صدرها، ولا يكتفي بعض الأزواج الظلمة بتقصيره بحقها، وحق أولادها، وإنما يأخذ عليها حليها، وزينتها، فيعريها من ذهبها، ربما في السنوات الأولى من زواجها، فتظل المسكينة محرومةً من زينتها،
ولعلها تستحي من نظر أخواتها إليها، أو عند ما تُسأل عن ذهبها، وكلما طالبت زوجها بحقها، صرف لها مواعيد مطاطة، وكاذبة، وإذا ألَّحت عليه نهرها، وقهرها، وهدَّدها، وربما مدَّ يدَه عليها، ألا فاتقوا الله أيها الأزواج في زوجاتكم، واعلموا أنكم ستسألون عنهن، ولعلهن سيكن خصمًا لكم بين يدي ربكم.
ختامًا نقول: إن من حق زوجتك عليك أن تعدل معها إذا ما تزوجت عليها، وكذلك تعدل مع الثانية إذا تزوجت بها، فكم هي الآهات، والأنَّات، والزفرات التي تخرج من بيوت المعدِّدين – أصلحهم الله – ربما يظلم زوجته الأولى، أو ربما يظلم زوجته الأخرى، فإذا ما تزوج على الأولى تنكر لها، وقهرها، ونهرها، وهي التي صبرت عليه، وعاشت معه حلو الحياة ومرها، وقد ربما يظلم الأخرى، ويصرف حبه، وماله للأولى؛ باعتبار أنها رفيقة حياته، ومربية أولاده، وأنها التي صبرت عليه في حال فقره، إلى آخره…، وكأن الثانية ما جاءت إلا لمتعته، وخدمته، والله المستعان.
ألا فاتقوا الله أيها المعدِّدون، اتقوا الله أيها المعدِّدون، وإن لم يكن لنسائكم من يأخذ بحقهنَّ، فعدالة الله لن تنساكم، عدالة الله لن تنساكم: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم: 42].
ثم نقول – أخيرًا -: أيها الأزواج، لتعلموا أننا ما فتحنا هذا الموضوع من أجل أن نجرئ نساءكم عليكم، فحقكم أيها الأزواج عظيم، وقد تحدثنا عنه في الجمعة الماضية، ولو لم يكن فيه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها!»[6]؛ لكننا – كما سمعتم – طرقنا هذا الموضوع لكثرة الشكاوى التي نسمع بها من كثيرٍ من النساء المستضعفات، ولأجل العدل، والإنصاف الذي أمرنا به الأرض والسماوات، فكما أننا تحدثنا عن حقوقنا على زوجاتنا، فكان لزامًا علينا أن نتحدث عن حقوق زوجاتنا علينا.
أسأل الله العظيم أن يوفِّقنا لأداء حقوق زوجاتنا، وأن يوفق زوجاتنا للقيام بحقوقنا…….