حكم أكل لحم الكلاب
حكم أكل لحم الكلاب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه ومن ولاه؛ أما بعد:
فإن الأصل في الأطعمة واللحوم الحِلُّ والإباحة، إلا ما استثناه الشرع بدليل خاص، ويكون النهي للتحريم؛ لقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، وقوله تعالى: ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام: 119]، ولا يُحكَم بتحريم شيء من ذلك إلا بدليل، والتفصيل كما وضَّحته السنة المطهرة؛ وهي: كل ذي ناب من السِّباع، وكل ذي مِخْلَبٍ من الطير.
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، واللفظ للبخاري من حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه، قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي نابٍ من السباع))[1]، وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: ((حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحُمُرِ الأهليَّة… وتابعه الزبيدي وعقيل عن ابن شهاب، وقال مالك ومعمر والماجشون ويونس وابن إسحاق عن الزهري: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع))[2]، ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي نابٍ من السباع، وعن كل ذي مخلبٍ من الطير))[3]، والأحاديث المتواترة في هذا الشأن كثيرة.
• والله جل وعلا أباح لعباده ما فيه منفعتهم وصلاحهم والفائدة لهم، وحرَّم عليهم ما يضرهم من الخبائث؛ فكل ما أمر به الشارع، أو نهى عنه، فهي عبادة في الأصل، وفيها أيضًا مصلحة للعباد؛ فتناوُلُ لحوم السباع يورِث آكلها شبهًا بها؛ أي تتصف بصفاتها، فيحصل عنده مَيل للاعتداء على الناس وحب للانتقام، وغيرها من الأمور المخالفة للفطرة؛ وكما قال جل وعلا: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾ [المائدة: 4]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، وهو سبحانه أعلم بأحوال العباد، وأعلم بما يضر، وما ينفع.
حكم أكل لحم الكلاب:
قد اتفق جمهور الفقهاء – الحنفية والشافعية والحنابلة – على حرمة أكل لحم الكلب، وهو الراجح أيضًا عند المالكية؛ لأنها من السباع التي ورد بشأن أكلها الأحاديث المذكورة.
المذهب الحنفي:
يؤكد فقهاء الأحناف على حرمة أكل لحم الكلب؛ قال الإمام الكاساني رحمه الله: “وأما المستأنس من السباع؛ وهو الكلب والسِّنَّوْرُ الأهليُّ، فلا يحل”[4].
المذهب الشافعي:
قال الإمام الخطيب الشربيني رحمه الله معلقًا على قول الإمام النووي رحمه الله: “ويحرم بغلٌ، وحمار أهلي، وكل ذي نابٍ من السباع”، فيقول: “ومن ذي الناب الكلب والخنزير والفهد”[5].
المذهب الحنبلي:
شرح الإمام ابن مفلح رحمه الله تحت عنوان (تحريم ما له ناب)، قال: “وما له ناب يفرِس به نُصَّ عليه؛ كالأسد، والنمر، والذئب، والفهد، والكلب”[6].
المذهب المالكي:
أكل لحم الكلب عندهم قولان: قول بالحرمة، وقول بالكراهة، وبالنظر والتدقيق في كتب المذهب وأقوال فقهائه، نجد أن المحققين من علماء المذهب يرجحون القول بحرمته؛ وقالوا: لا تُؤكَل الكلاب[7].
يقول الإمام ابن الجلاب المالكي رحمه الله: “وقال الإمام الحطاب رحمه الله: إن الكلب فيه قولان؛ بالتحريم والكراهة، والذي يأتي على ما مشى عليه المصنف – أي الإمام خليل صاحب المختصر – وصححه صاحب الشامل – أي الإمام الدميري المصري المالكي – القول بالكراهة، وصحح ابن عبدالبر التحريم، قال ابن عسكرٍ في العمدة: قال الشيخ أبو عمر بن عبدالبر: الصحيح تحريم الكلاب والسباع العَادِيَة، وهو مذهب الموطأ، ثم يعرج الإمام الحطاب رحمه الله: ولم أرَ في المذهب مَن نَقَلَ إباحة أكل الكلب، والله أعلم”[8].
وهذا أيضًا ما نطق به موطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى؛ حيث بوَّب الإمام في موطئه بابًا بعنوان: (باب تحريم أكل كل ذي نابٍ من السباع)[9].
هذا، وقد أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بيانًا، تناول فيه الحكم الشرعي في أكل لحم الكلاب قال في فتواها: “أكل لحم الكلاب حرام شرعًا، عند الأحناف والشافعية والحنابلة، وهو الراجح عند المالكية”[10].
قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 119].
هذا، ونسأل الله تعالى أن يجنِّبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن.