حكم شراء الساعات أو الحواسيب التي بها ذهب يسير تابع (PDF)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فهذا بحث عن:
« حكم شراء الساعات أو الحواسيب التي بها ذهب يسير تابع »
وهو المبحث السابع لباب شراء العملات والذهب عبر الانترنت والمشتمل على عدة مباحث:
♦ علة الربا في الذهب والفضة ودخول الأوراق النقدية في حكمهما.
♦ حكم القبض بالقيد المصرفي.
♦ حكم بيع العملات بنظام الفوركس والمتاجرة بالهامش.
♦ حكم التعامل بالعملات الرقمية (البتكوين).
♦ حكم شراء الذهب والفضة عبر البطاقة الائتمانية.
♦ حكم بيع الذهب والفضة والألماس عبر الانترنت.
♦ حكم شراء الساعات أو الحواسيب التي بها ذهب يسير تابع.
♦ حكم أجهزة الجوالات والأقلام المطلية بالذهب.
أسأل الله القبول والتوفيق والتيسير إنه على ذلك قدير.
المدخل إلى المسألة:
♦ آنية الفضة والذهب استويا في التحريم فكذلك في التضبيب، كالربا بالدراهم والدنانير.
♦ النهي نص على آنية الذهب والفضة ولم ينص على الآنية المضببة بالذهب والفضة.
♦ لبس الحرير لا يجوز للرجال استقلالًا ويجوز إن كان تابعًا أو علمًا بقدر أربعة أصابع فكذلك الآنية.
♦ لا يقاس بالأدنى على الأعلى.
الآنية:
جمع إناء، والإناء هو الوعاء[1].
ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن الاستعمالِ اللُّغوي[2].
الضبة:
قطعة تسمر بها في الإناء ونحوه، وقيل هي حديدة عريضة يضبب بها الباب[3].
والمضبب من الأواني: هو الذي أصابه صدع: أي شق، فسويت له كتيفة عريضة من الفضة أو غيرها، وأحكم الصدع بها، فالكتفية يقال لها: ضبة، وجمعها: ضبات[4].
ويدخل في الأواني أجهزة الجوالات والحواسيب والأقلام ونحوها فليست من اللباس، قال البهوتي رحمه الله في شرحه لأحكام الآنية: “وكذا الآلات كلها كالدواة والقلم والمسعط والقنديل والمجمرة والمدخنة حتى الميل ونحوه“[5].
صورة المسألة:
أن يشتري زيد حاسوبًا في معالجه قدر يسير من الذهب كموصلات لا سيما القديمة منها، فما حكم استعمال الحواسيب المضببة بالذهب.
تحرير محل لنزاع:
ذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة الحنفية [6]، والمالكية[7]، والشافعي[8]، والحنابلة[9]،وحكي الإجماع[10]، إلى تحريم استعمال أواني الذهب والفضة، لما جاء في الصحيحين من حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة, ولا تأكلوا في صحافها, ولا تلبسوا الحرير ولا الديباج, فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)[11].
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذي يشرب في إناء الفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)[12].
واختلفوا في الآنية المضببة بيسير الذهب على قولين:
أقوال أهل العلم في المسألة:
القول الأول:
عدم تحريم استعمال يسير الذهب لحاجة وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه [13]، وعدد من فقهاء المالكية[14]، والخرسانيون من الشافعية ونُقل عن معظم أصحاب الشافعي [15]، وخصه ابن حزم بالنساء دون الرجال[16].
القول الثاني:
تحريم استعمال يسير الذهب في الآنية مطلقًا وهو المشهور من مذهب المالكية [17]، والشافعية [18]، والحنابلة [19].
عرض الأدلة في المسألة:
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بعدم تحريم استعمال الآنية المضببة بيسير الذهب بأدلة منها:
الدليل الأول:
ما رواه البخاري في صحيحه قال: حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن عاصم، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه : (أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ)، قَالَ عَاصِمٌ : رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ[20].
وجه الدلالة: أنه كما جاز استعمال الآنية المضببة بالفضة جاز استعمالها في الذهب، وكما جاز استعمالها في الشرب وهو أشد الاستعمالات جاز استعمالها في غيره، والنهي إنما نص على آنية الذهب والفضة ولم ينص على الآنية المضببة بالذهب والفضة، والأصل الحل ما لم يقم دليل المنع.
ثم إن الذهب الموجود في الإناء يسير تابع، ويثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا؛ فكما أن لبس الحرير لا يجوز للرجال استقلالًا ويجوز إن كان تابعًا أو علمًا بقدر أربعة أصابع فكذلك الآنية [21].
ويناقش: بأن الأصل في استعمال آنية الذهب والفضة المنع وخُصّ منه ضبة الفضة للدليل فيبقى الباقي على استصحاب أصل المنع، فكما أن الأصل في المعازف التحريم وخُصّ منها الدف في مناسبات محددة للدليل ولم يُعمم الحكم على غيره من أنواع المعازف فكذلك آنية الفضة.
ثم إنه لا يقاس بالأدنى على الأعلى فتحريم الذهب أشد من الفضة فهو محرم على الرجال مطلقًا بخلاف الفضة، وباب الآنية أضيق من باب اللباس.
ويجاب عليه: بأن باب اللباس شيء وباب الآنية شيء آخر، فآنية الذهب والفضة مستويان في التحريم في باب الآنية، وإذا استويا في أدلة الباب استويا في الحكم كالربا بالدراهم والدنانير، بل إن النصوص التي نهت عن آنية الفضة أكثر من الذهب.
الدليل الثاني:
ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما من طريق سيف بن أبي سليمان قال: سمعت مجاهدا يقول: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى: أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ، فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ)[22].
وجه الدلالة: أنه كما استوت آنية الذهب والفضة في التحريم فإنها تستوي في حكم الضبة اليسيرة، وكما جازت ضبة الفضة اليسيرة بالدليل فكذلك ضبة الذهب.
ويناقش: بنحو ما ذكر في الدليل السابق.
الدليل الثالث:
إن سلمنا جدلًا بأن أحكام الذهب في الآنية كأحكام اللباس فجمهور أهل العلم ذهبوا إلى عدم تحريم لبس ما فيه ذهب يسير تابع كفص ذهب في خاتم، فكذلك الآنية المضببة بالذهب[23].
ويناقش: بأن هذا من باب اللباس وبابه أوسع من باب الآنية، ولذا أبيح للرجال استعمال الفضة وللنساء الذهب والفضة مطلقًا بخلاف الآنية.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني القائلون بتحريم استعمال الآنية المضببة بيسير الذهب بأدلة منها:
الدليل الأول:
أن الأصل في آنية الذهب والفضة المنع، وخُصَّ منها ما ضُبب بيسير الفضة للدليل، فيبقى حكم ما ضبب بالذهب على أصل التحريم.
ويناقش: بما ذكر في أدلة القول الأول، بأن أصل النهي في باب الآنية للذهب والفضة واحد من غير تمييز، فما أبيح للفضة يباح للذهب.
الدليل الثاني:
أن استعمال جزء من الإناء كاستعمال الكل، فمن استعمل المضبب بالذهب فقد استعمل الذهب المحرم.
ويناقش: بإباحة استعمال الشرب في الآنية المضببة بيسير الفضة من غير تقييد، ويثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا.
الترجيح:
الراجح أن أدلة النهي عن استعمال آنية الذهب والفضة وردت فيهما من غير تفريق كأدلة الربا وأصل وجوب الزكاة، فحكم المضبب بالذهب كالمضبب بالفضة، فلما جاء الدليل بإباحة المضبب بالفضة عُلم منه إباحته في الذهب.
ثمرة الخلاف:
أن المعالجات التي تحتوي على نسبة يسيرة من الذهب كموصلات الكهرباء لها حكم ضبة الذهب اليسيرة فلا يحرم استعمالها وشراؤهما.
وما يكون يسيرًا تابعًا في بعض آلة الساعات فعدم تحريمها أولى إذ إن باب اللباس أوسع من باب الآنية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “فإن قال قائل: إذا كانت الساعة ليست ذهبًا ولا مطلية به، لكن في آلاتها شيء من الذهب هل تجوز؟ الجواب: نعم لا بأس به؛ لأنه إذا كان في الآلات الداخلية، فإنه لا يُرى، ولا يُعلَم به. وإن كان في الآلات الخارجية كالعقرب مثلًا؛ فإنه يصير تابعًا فلا يضر“[24]، والله أعلم.