حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه (خطبة)


حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه


 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فيا أيها الناس:

اتقوا الله، وتذكروا نِعَمَه عليكم، واشكروه عليها بالعمل الصالح؛ فإن من شَكَرَ زاده الله توفيقًا ونعمة؛ ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

 

أيها المؤمنون عباد الله:

في زمن الإخفاقات المتكررة، والهزائم المتتابعة، والإحباط المتوالي، واليأس الذي يلُفُّ قلوبَ كثيرٍ من أهل الإسلام، وكل ذلك سببُه الوهن الذي أصاب المسلمين؛ حتى جعلهم يقدِّمون مصالحهم على مصالح أُمَّتِهم، ويهتمون بذواتهم أكثر من اهتمامهم بالدين.

 

نعم، الوهن سبب ذلك؛ حب الدنيا وكراهية الموت، وضعف اليقين بالآخرة، وعدم التفريق بين النصر والهزيمة، وعدم المبالاة بالغزو والمسخ والتزوير الذي يُمارَس على تعاليم الإسلام وشرائعه.

 

في هذه الأجواء الْمُعْتِمة، والأحوال المتردِّية، نحتاج إلى مُطالَعة تاريخ الصدر الأول، والنظر في سِيَرِ الصحابة المجاهدين، والشهداء والمهاجرين، الذين بذلوا النفس والنفيس لإعلاء كلمة الدين، ونشر الإسلام في أرجاء المعمورة.

 

وهذه سيرة بطل من أبطال الإسلام، وأسَدٍ من أُسْدِ الله تعالى، كان قويًّا في إسلامه، بطلًا في جهاده، عظيمًا في استشهاده، لقَّبه النبي صلى الله عليه وسلم: أسدَ الله، وسمَّاه: سيدَ الشهداء، رضع هو والنبي صلى الله عليه وسلم من ثديٍ واحدة؛ فكان أخاه من الرضاعة.

 

إنه ابن عبدالمطلب رضي الله عنه؛ حمزة، عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

كان من خبر إسلامه: أن أبا جهل مرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم فآذاه وشتمه، ونال منه ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف له، فلم يكلِّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاةٌ لعبدالله بن جدعان في مسكنٍ لها فوق الصَّفَا تسمع ذلك.

 

ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم، فلم يلبث حمزة أن أقبل متوشِّحًا قوسه، راجعًا من قنص له – وكان صاحبَ قنصٍ – وكان إذا رجع من قنصه بدأ بالطواف بالكعبة، وكان أعزَّ فتًى في قريش، وأشدَّهم شكيمةً، فلما مرَّ بالمولاة قالت له: يا أبا عُمارة، لو رأيتَ ما لَقِيَ ابن أخيك آنفًا من أبي الحكم، وجده ها هنا جالسًا، فآذاه وسبَّه وبلغ منه، ولم يكلمه محمدٌ.

 

فاحتمل حمزةَ الغضبُ؛ لِما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى متعمِّدًا لأبي جهل، فلما رآه جالسًا في القوم أقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه، رفع القوس فضربه بها، فشجَّه شجَّةً مُنكرةً، ثم قال: أتشْتِمُه؟ فأنا على دينه، أقول ما يقول؛ فرُدَّ عليَّ ذلك إن استطعت.

 

فقامت رجالٌ من بني مخزوم إلى حمزةَ لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دَعُوا أبا عُمارة، فوالله لقد سَبَبْتُ ابنَ أخيه سبًّا قبيحًا.

 

وتم إسلامُ حمزة؛ فعرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزَّ وامتنع، وأن حمزة رضي الله عنه سيمنعه، فكفُّوا بعض الشيء؛ [أخرجه البيهقي والحاكم].

 

ولما كانت الهجرة، هاجر إلى المدينة، وشهِد بدرًا، وأبلى فيها بلاءً عظيمًا مشهورًا، بارز أبطالَ قريش فصرَعهم، وأتى على صفوفهم فهدَّها، حتى قال أحد أسرى المشركين: مَنِ الرجل المعلَّم بريشة نعامة؟ قالوا: حمزة رضي الله عنه، قال: ذاك فعل بنا الأفاعيل؛ [أخرجه ابن سعد في الطبقات].

 

ثم في شوال من السنة الثالثة شهِد أُحُدًا وقاتل قتالًا عظيمًا؛ قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: “كان حمزةُ يقاتل يوم أُحُدٍ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين، ويقول: أنا أسد الله”؛ [أخرجه الحاكم وغيره]، كان يسير فرسه بركبتيه، وفي يمينه سيفٌ، وفي يساره سيفٌ يقاتل بهما.

 

كانت شهادته رضي الله عنه في أُحُد، يروي قصتها قاتلُه؛ فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث جعفر بن عمرو أنَّ وحشيًّا قال: “إن حمزةَ قتلَ طُعَيمةَ بن عَدِيِّ بن الخيار ببدرٍ، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلتَ حمزة بعمِّي، فأنت حرٌّ، قال: فلما أن خرج الناس عام عَينَين – وعينين جبلٌ بحيال أحد، بينه وبينه وادٍ – خرجت مع الناس إلى القتال، فلما اصطفوا للقتال، خرج سِباعٌ فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزةُ بنُ عبدالمطلب، فقال: يا سباعُ، يا بنَ أمِّ أنمار مُقطِّعة البُظُور، أتحادُّ اللهَ ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثم شدَّ عليه، فكان كأمس الذاهب، قال: وكمَنتُ لحمزةَ تحت صخرة، فلما دنا مني رميتُه بحربتي، فأضَعُها في ثُنَّتِهِ، حتى خرجت من بين وَرِكَيه، فكان ذلك العهد به”؛ [أخرجه البخاري]، وفي رواية: “فجعل حمزةُ يهدُّ الناس بسيفه، وفي أخرى: فرأيت رجلًا إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا، فقلت: من هذا؟ قالوا: حمزة، قلت: هذا حاجتي”، ثم ذكر بقية الحديث.

 

أيها المسلمون:

قُتِلَ حمزة رضي الله عنه ومثَّل به المشركون؛ انتقامًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تأثر لذلك كثيرًا، فوقف على حمزة، فرآه قد شُقَّ بطنه، وقد مُثِّل به، فكرِهَ أن ينظر إليه، ثم وقف بين ظهرانَي القتلى فقال: ((أنا شهيدٌ على هؤلاء، لُفُّوهم في دمائهم؛ فإنه ليس من جريح يُجرَح في الله إلا جاء يوم القيامة يَدْمَى، لونه لون الدم، وريحه ريحُ الْمِسْك، قدِّموا أكثرهم قرآنًا فاجعلوه في اللحد)).

 

وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حيث استُشهد، فنظر إلى منظرٍ لم ينظر إلى شيء قط كان أوجعَ لقلبه منه، ونظر إليه وقد مُثِّل به فقال: ((رحمةُ الله عليك، فإنك كنت – ما علمتُ – وصولًا للرحم، فعولًا للخيرات، ولولا حزن من بعدك عليك، لسرَّني أن أتركك حتى يحشُرَك الله من أرواحٍ شتى، أمَا والله عليَّ ذلك لأُمثِّلَنَّ بسبعين منهم مكانك، فنزل جبريل عليه السلام بخواتيم النحل: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]، فكفَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وأمسك عن الذي أراد، وصَبَرَ)).

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لما قُتِلَ حمزة أقبلت صفيةُ أخته، فلقِيَت عليًّا والزبير، فأَرَياها أنهما لا يدريان، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فإني أخاف على عقلها، فوضع يده على صدرها، ودعا لها، فاسترجعت وبكت، ثم جاء فقام عليه وقد مُثِّل به فقال: لولا جَزَعُ النساء لَتركتُه حتى يُحشَرَ من حواصل الطير وبطون السِّباع)).

 

وفي رواية الزبير: أن صفية رضي الله عنها جاءت بثوبين لتَكْفِينِ حمزةَ، وكان إلى جنب حمزة قتيلٌ من الأنصار، فكرِهوا أن يتخيَّروا لحمزة؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسهِموا بينهما، فأيهما طار له أجود الثوبين، فهو له، فأسهموا بينهما؛ فكُفِّن حمزة في ثوب، والأنصاري في ثوب، ولكن ثوب حمزة كان قصيرًا، فجعلوا يجرُّونه على وجهه فتنكشف قدماه، ويجرونه على قدميه فينكشف وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوه على وجهه، واجعلوا على قدميه من هذا الشجر.

 

ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فإذا أصحابه يبكون فقال: ما يُبكيكم؟ قيل: يا رسول الله، لا نجد لعمِّك اليوم ثوبًا واحدًا يَسَعُهُ فقال: إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف، فيُصيبون فيها مطعمًا وملبسًا ومركبًا))؛ [أخرجه ابن سعد]؛ أي: من كثرة الخيرات وانفتاح الدنيا.

 

كان حمزة رضي الله عنه من شهداء أُحُدٍ؛ بل هو سيد الشهداء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سيد الشهداء حمزة، ورجلٌ قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقَتَلَهُ))؛ [أخرجه الحاكم، وصححه الألباني].

 

وشهِد صلى الله عليه وسلم لشهداء أُحُدٍ بالجنة؛ فقال: ((لمَّا أُصيب إخوانكم بأحُدٍ، جعل الله أرواحهم في أجواف طيرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديلَ من ذهب، معلَّقةٍ في ظل العرش، فلما وجدوا طِيبَ مأكلهم ومشربهم ومَقِيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياءٌ في الجنة نُرزق؛ لئلا ينكُلوا عند الحرب، ولا يزهَدوا في الجهاد، قال الله: أنا أبلغهم عنكم؛ فأُنزلت: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ﴾ [آل عمران: 169]))؛ [أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه].

 

وحرَّم الله أجسادهم على الأرض أن تُبليها؛ فبعد أربعين عامًا من وقعة أحد، أراد معاوية رضي الله عنه أن يُجرِي عينه التي بأُحُدٍ؛ فكتبوا إليه: إنا لا نستطيع أن نُجرِيَها إلا على قبور الشهداء، فكتب إليهم: انبشُوهم، قال جابر: فرأيتُهم يُحمَلون على أعناق الرجال كأنهم قومٌ نيامٌ، وأصابت المسحاة طرفَ رِجلِ حمزة بن عبدالمطلب، فانبعث دمًا؛ [أخرجه ابن سعود].

 

كان عُمْرُ حمزةَ رضي الله عنه لما استشهد سبعًا وخمسين سنة، فرضِيَ الله عنه وأرضاه، ورضي عن الصحابة أجمعين.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى بفعل ما أَمَرَ، واجتنبوا الفواحش ما بطن منها وما ظهر، واعلموا أن الله مع المتقين.

 

أيها الإخوة المؤمنون:

تُظهِر سيرة حمزة رضي الله عنه المعانيَ العظيمة للإسلام، حينما فعل المشركون في أُحُدٍ الأفاعيلَ بشهداء المسلمين؛ من جَدْعِ أنوفهم، وبَقْرِ بطونهم، وشَرْطِ أجسادهم، حتى استخرجوا كبِدَ حمزةَ من بطنه، ويحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليمثِّلَنَّ بهم إذا ظهر عليهم، لكن ينزل عليه الوحي في موقفه ذاك؛ ليبين أن العقاب لا بد أن يكون على قدر الجريمة، وأن الْمُثْلَةَ بالْمُثْلَةِ، وأن الصبر خيرٌ من ذلك كله، وما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن صَبَرَ وكفَّر عن يمينه.

 

فأي تزوير يُمارَس في حق الإسلام والمسلمين وتاريخهم، على أيدي أعداء الله من الملاحدة واليهود والنصارى والمنافقين، حينما يَصِمُون المسلمين بالعنف والأصولية، ومحبة الدماء، والتلذذ بتعذيب الضحايا، وعلى الرغم من أن تاريخهم يحكي شرفهم في القتال، ويُثبت نزاهتهم في حروبهم، وما أكثر ما عَفَوا وصفحوا في حال ظهورهم وانتصارهم!

 

فالمرأة والوليد والشيخ الكبير لا يُقتَلُون، ومن لم يشارك في الحرب لا يُقتَل، والأسير يُكرم حتى يُقضَى في أمره، والجريح لا يُجهز عليه، والثَّمر لا يُقطَع، والزرع لا يُحرَق، والآمن لا يُرَوَّع.

 

والمسلمون ينفذون تلك الوصايا؛ لأنهم لا ينطلقون في جهادهم من تحقيق مصالح ذاتية، وليس يدفعهم للقتال أحقادٌ دفينةٌ، أو أضغانٌ قديمةٌ.

 

ومع ذلك تُخفى الحقائق، ويُمارس التزوير في حق المسلمين في كل وسيلة تُسمع أو تُقرأ أو تُرى، بينما يصوَّر غيرهم بأنهم رحماء، ومن العفو أقرب، وعن الانتقام أبعد.

 

ماذا فعل الصليبيون في بيت المقدس لما اغتصبوه، وبقِيَ في أيديهم ما يزيد على تسعين سنة؟ إن التاريخ يذكر أن الدماء في الأقصى بلغت الرُّكب، وأن الصليبيين لم يفرقوا بين طفل رضيع، أو امرأة ضعيفة، أو شيخ طاعن في السن؛ بل كانت سيوفهم تُعمِلُ القتل في الرقاب كلها، ولست محتاجًا لأن أرجعكم إلى ذاكرة التاريخ؛ لأن ممارسات الصليبيين الصِّرب الدموية قريبةُ العهد، ولأن أفعال اليهود بمسلمي الأقصى تُنقَل إلى الأسماع والأبصار كلَّ صباح ومساء.

 

وما من فِرْيَةٍ تُلصق بالإسلام إلا ويتولى كِبْرَها منافقو العرب ممن نزع الله منهم الإيمان، فامتلأت قلوبهم أحقادًا زُرقًا على الإسلام وأهله، ولكنهم يضرون أنفسهم، ولن يضروا الله تعالى شيئًا، ولن يضروا المسلمين ما بقِيَ المسلمون مستمسكين بشريعتهم، عاضِّين عليها بالنواجذ، وإن كيدهم ومكرهم عائدٌ عليهم بأمر الله عز وجل، ولا تزال الأيام تفضحهم، وتُظهر عوراتهم ونفاقهم: ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 54]، ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾ [الطارق: 15 – 17].

 

ألَا وصلوا وسلموا على خير خلق الله، كما أمركم بذلك رب العزة والجلال.

 

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أرِنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم ارحم موتانا واشفِ مرضانا وتولَّ أمرنا، اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعَفاف والغِنى، اللهم اجعلنا نشكرك ونذكرك حتى ترضى، اللهم اجعلنا ممن أحْسَنَ الظنَّ بك، اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك، وأفقر عبادك إليك، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، اللهم ارفع ذكرنا، وثقِّل موازيننا، واختم بالصالحات أعمالنا، اللهم انتقم لنا ممن عادانا في أنفسنا، وفي ديننا، وفي أخلاقنا، اللهم عوِّضنا فيمن يسعدنا، ويجمع شملنا، ويريح قلوبنا، اللهم أنْزِلْ علينا سَكِينة من عندك، تثبت بها قلوبنا، وتعصمنا بها من ارتكاب معاصيك، اللهم إنك تعلم ما في السرائر، فحقِّق آمالنا وأحلامنا، اللهم اكتب لنا سعادةً تُزيل غشاوة ما قد سبق.

 

عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90، 91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





Source link

Leave a comment

Share
Top 100 Most Frequently Challenged Books: 2010-2019 | Banned Books – ala.org
50 most important Arabic novels of the 20th century – The National