خطبة أحكام وفضائل يوم النحر وأيام التشريق


خطبة أحكام وفضائل يوم النحر وأيام التشريق

 

الخطبة الأولى

الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده سُبْحَانَهُ وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا؛ أَمَّا بَعْدُ:

عباد الله! فاتقوا الله حق التَّقْوَى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإنَّ أجسادنا عَلَىٰ النَّار لا تقوى.

 

عباد الله! هٰذَا اليوم يوم عيد، عيد الأضحى، خير أيام الله عَزَّ وَجَلَّ، وهو يوم الحج الأكبر، هٰذَا اليوم من أدَّى فيه صلاة العيد؛ فإنه لا يجب عليه شهود الجمعة، وَإِنَّمَا يصليها ظهرًا جماعةً، أما الجمعة فَلَا بُدَّ من إقامة هٰذِه الشعيرة في كل مسجدٍ تُقام فيه الجمعة، ولو صلوها عيدًا؛ فإنه يجب إقامة الشعيرة عَلَىٰ الإمام، وعَلَىٰ من حضر معه من المسلمين، هٰذِه سنة نبيكم مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهٰذَا هو الهدي المتبع، أما شهود العوام للجمعة بعد شهودهم العيد؛ فهي سنة ليست واجبة في حقهم، أما الواجب هو الفريضة، وهو أن يؤدوها ظهرًا.

 

ويوم العيد يا عباد الله! يومٌ لا يصح صيامه بإجماع المسلمين، فقد نهى النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام يومي العيد، وعيد الأضحى هو يوم العَاشِر، ويتلوه أيام التشريق الثلاثة؛ فإنها ملحقة بيوم العيد، فصحَّ أن عيد الأضحى وما يلحقه أربعة أيام، جاء في السنن من حديث أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: “لم يرخِّص النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أيام التشريق أن يُصمن إِلَّا لمن لم يفِ بالهدي[1]، فمن كان مُعتادًا عَلَىٰ صيام الأيام البيض؛ فليعلم أن يوم الْثَّالِث عشر من ذي الحجة يوم لا يصح صيامه، وَإِنَّمَا يبدأ صيام أيام البيض من يوم الرَّابِع عشر، وَالخَامِس عشر، ويعوض ذلك بيوم السَّادِس عشر.

 

كذلكم يا عباد الله! يوم عيد الفطر لا يصح صيامه، وليس عيد الفطر ثلاثة أيام كما ينتشر عند بعض العوام، وَإِنَّمَا هو يوم واحد.

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ الَّذِي أعاد مواسم الخيرات عَلَىٰ عباده تترًا، فلا ينقضي موسم إِلَّا ويعقبه آخر مرة بعد أخرى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شهادةً نرجو بها الفلاح وَالنَّجَاة في الدنيا وفي الأخرى، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى، ونبيه المرتضى صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أولي النهى؛ أَمَّا بَعْدُ:-

عباد الله! فإنَّ أيام التشريق سُميت بهذا لأنهم كانوا يشرِّقون فيها لحوم هداياهم، ولحوم أضاحيهم، وهي:

اليوم الحادي عشر، ويُسمى بـ”يوم القر“؛ لأن الحجيج يقرون في منى، فلا يجوز لهم مغادرتها.

 

ويوم الْثَّانِي عشر، ويُسمى بـ”يوم النحر اَلْأَوَّل“؛ لأنه للحجاج أن يتعجلوا، ويُسمى أَيْضًا بـ”يوم الرؤوس” لأنهم قد اشتغلوا بعد تشريقهم لحمهم، اشتغلوا بالرؤوس.

 

ويوم الْثَّالِث عشر، وهو “يوم النحر الْثَّانِي” قَالَ في هٰذَا نَبِيّنا صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يوم النحر وأيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذِكْرٍ لله جَلَّ وَعَلَا»[2].

 

وفي هٰذِه الأيام في يوم النحر وأيام التشريق يجتمع فيها الذِّكْر مقيدًا، التكبير المُقَيَّد والتكبير اَلْمُطْلَق.

 

فَأَمَّا التكبير المُقَيَّد؛ فإثر كل صلاة فريضة.

 

وَأَمَّا التكبير اَلْمُطْلَق؛ ففي كل أوان في ليلٍ أو نهار، في البيوت والمساجد، والطرقات والشوارع.

 

ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللهمَّ تَسْلِيْمًا، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة والعشرة والمهاجرين والأنصار، وعن التَّابِعِيْنَ لهم بإحسانٍ إِلَىٰ يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللَّهُمَّ أعِد علينا هٰذَا العيد أعوامًا مديدة، أعده علينا بالرضا والقبول، أعده علينا بالمسرات، أعده علينا وقد أعتقت رقابنا من النَّار، رحمت فيه أولنا وآخرنا، وصغيرنا وكبيرنا، رحمةً من عندك تغنينا عن رحمة من سواك، اللَّهُمَّ تقبَّل من الطائعين طاعاتهم، ومن الحجيج حجهم، وردهم إِلَىٰ أهليهم سالمين غانمين مأجورين يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ اجعل عملنا مبرورًا، وسعينا مشكورًا، وذنبنا مغفورًا، وتجارتنا معك يا ربنا لن تبور، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأمات، اللَّهُمَّ من ضارَّنا أو ضار المسلمين فضره، اللَّهُمَّ من مكر بنا فامكر به يا خير الماكرين، اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، خذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، واجعله عزًّا للإسلام، واجعله عزًّا للإسلام وَالسُّنَّة يا رب العالمين، وأصلح جميع ولايات أمور المسلمين، واجعلها فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ

والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

وقوموا -رَحِمَكُمُ اللهُ- إِلَىٰ صلاتكم.


[1] أخرجه البخاري (1998).

[2] أخرجه مسلم (1141).



Source link

أترك تعليقا

مشاركة
خطبة: عرفة والأضاحي
خطبة عيد الأضحى المبارك 1445هـ