خطبة الاعتداء على الوطن
خطبة الاعتداء على الوطن
الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى، ونبيه المُجتبى، فصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَىٰ نَهْجِهِم، وَاقْتَفَى أَثَرَهُم، وأحبَّهم وذَبَّ عنهم إِلَىٰ يَومِ الدِّيْنِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا؛ أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فـ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون! إنَّ نعمة الأمن نعمةٌ عظيمة، امتنَّ الله جَلَّ وَعَلَا بها عَلَىٰ الأولين والآخرين، وهي نعمةٌ تلي نعمة الإيمان، فإنَّ أعظم نعمتين منَّ الله بهما عَلَىٰ عباده: أن جعلهم مؤمنين أولًا، ثُمَّ أمنهم في أوطانهم وأنفسهم وبلادهم ثانيًا: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 67]، امتنَّ الله بهذه النعمة عَلَىٰ أهل مكة وعَلَىٰ العرب: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 – 4].
والأمن يا عباد الله! لا يعرف قدره ولا يقدِّر قيمته إِلَّا من أحسَّ بفقده، أو أتى ما يناقض هٰذَا الأمن، وإنكم لتعلمون عباد الله ما أصاب بلادنا في هٰذَا الأسبوع من هٰذَا الهجوم الغاشم عَلَىٰ هٰذِه المصافي النفطية ومقدرات بلادنا، تولَّاها هؤلاء الأعداء، هؤلاء الأعداء الَّذِينَ يُظهِرون لنا المودة في الظَّاهِر، وقلوبهم تغلي علينا غيظًا وحقدًا، لِمَ؟ لأنَّ العداوة في حقيقتها عداوة دينٍ ومنهج، عداوة توحيد وكفر، عداوة سنةٍ وبدعة.
قَالَ الإمام الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
كل العداوات قد تُرجى مودتها إِلَّا مودة من عاداك في الدين
نعم يا عباد الله! يريدون أن تكون بالدكم كبلاد سوريا، وبلاد الشام، وبلاد اليمن، وغيرها من البلدان المضطربة، حسدوكم عَلَىٰ هٰذَا الأمن، وحسدوكم عَلَىٰ هٰذَا الرغد في العيش، وحقدوا عليكم عَلَىٰ دينكم وعقيدتكم لمَّا قامت بلادكم عَلَىٰ كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ وعَلَىٰ سنة رسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا، بل وحسدوكم عَلَىٰ دينكم التَّوحِيْد الَّذِي فيه إفراد العبادة لله وحده، دونما شريك، وهم يرتعون في مراتع الشِّرْك في دعاء غير الله، في تقديس المقامات والعتبات الَّتِي زعموها مقدسةً، في اللجوء إِلَىٰ غير الله دعاءً واستغاثةً من عليٍّ وحسينٍ والعباس، وغيرهم تَعَالَىٰ اللهُ عَمَّا يقول الظّالِمون في حقه عُلُوًّا عظيمًا.
فالله الله عباد الله! الله الله بتفويت الفرصة عَلَىٰ أعدائكم، ويكون هٰذَا:
أولًا: باللجوء إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، والانطراح بين يديه أن يديم علينا نعمة أمنه وإيمانه، وأن يحفظ هٰذِه البلاد من كيد الأعداء، وشرورهم ومكرهم.
وثانيًا: باجتماع الكلمة، وتفويت الفرصة عَلَىٰ عدونا أن يشقوا صفَّنا، باجتماع كلمتنا عَلَىٰ ولاة أمورنا.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده سُبْحَانَهُ وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إقرارًا بألوهيته وربوبيته، ومؤمنًا بأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك من عاند أو جحد أو كفر، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَىٰ سيد البشر، الشَّافِع المُشَفَّع في المحشر، صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السادة الغُرَر خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليل وأقبل عليه نهارٌ وأدبر؛ أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله! فاتقوا الله جَلَّ وَعَلَا، وأعظموا رجوعكم ولجأكم إليه، أنه سُبْحَانَهُ هو الَّذِي يدبر الأمور، وبيده مقاليدها، فلا تلتفتوا إِلَىٰ شرقٍ ولا إِلَىٰ غرب، وَإِنَّمَا اركنوا إِلَىٰ ربكم جَلَّ وَعَلَا، فَهٰذَا نبيكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد من أعدائه ما وجد، وهموا بقتله، وكان في معركة أحد ما تعلمون من هٰذِه المصائب: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ﴾ [آل عمران: 140].
أمر النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه الَّذِينَ حضروا المعركة بالمسير خلف عدوهم وطردهم، فاستجابوا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُم، حَتَّىٰ بلغوا حمراء الأسد، ولا يبعد الموقع عن أحد إِلَّا بضع كيلو مترات، فأنزل الله جَلَّ وَعَلَا آيةً تقرؤونها، ومنكم من يحفظها، فإنَّ أهل مكة لمَّا سمعوا أن النَّبِيّ يطردهم ومعه الصَّحَابَة قالوا لقومٍ يمتاروا المدينة: أخبروا مُحَمَّدًا وأصحابه لئن رجعنا إليهم لنستأصلن شأفتهم، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لما بلغته رسالة الكفار: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»، فَقَالَ ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا بعد ذلك: “«حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» قالها إبراهيم حين أُلقي في النَّار، وقالها مُحَمَّدٌ حين ﴿ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173، 174][1].
نتأسَّى بأنبياء الله ورسله، فنقول لأعدائنا اعتقادًا بقلوبنا أولًا، ونطقًا بها بألسنتنا ثانيًا، وعملًا بمقتضاها بجوارحنا ثالثًا: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾، ومعناها: اللجأ إليه جَلَّ وَعَلَا، لا إِلَىٰ شرقٍ ولا إِلَىٰ غربٍ، اللجأ إِلَىٰ الله جَلَّ وَعَلَا، فإن كنا صادقين في ذلك؛ فأبشروا بهذا الوعد الكريم، ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾[آل عمران: 173، 174].
فاتبعوا رضوان الله عَزَّوَجَلَّ بالسير عَلَىٰ منهاج دينه، بائتماركم بأمره، وانتهاؤكم عن نواهيه، وخلوصكم العبادة له وحده، واللجأ إليه جَلَّ وَعَلَا وحده، والله ناصرًا عباده؛ لأنه جعله حقًّا عليه جَلَّ وَعَلَا: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].
ثُمَّ اعلموا -رحمني الله وَإِيَّاكُمْ- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وسلِّم اللَّهُمَّ تسليمًا، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن العشرة وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَىٰ يَومِ الدِّيْنِ، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللَّهُمَّ عزًّا تعزُّ به الإسلام وأهله، وذِلًّا تُذِلُّ به الكفر وَالشِّرْك والرَّفض وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ سدِّد رأيه وقوله ومستشاريه، واجعلهم عِزًّا للإسلام وكهفًا للمسلمين يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ من ضارَّنا أو ضارّ بلادنا أو مقدراتنا أو ولاتنا أو علماءنا، اللَّهُمَّ من ضارَّنا فضره، ومن مكر بنا فامكر به يا خير الماكرين، اللَّهُمَّ أحصي أعداءنا عددًا، اللَّهُمَّ أحصي أعداءنا عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبقي منهم أحدًا يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ عليك بهؤلاء الثوريين من المجوس الغاصبين، ومن اليهود الصهاينة المعتدين، ومن كل من ضارّنا أو ضارّ المسلمين، اللَّهُمَّ عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللَّهُمَّ أفشل تخطيطاتهم وتدبيراتهم، اللَّهُمَّ من أرادونا بهذا السوء اللَّهُمَّ فاجعله منقلبًا عليهم يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ ارحم هؤلاء الشيوخ الركع، والبهائم الرتع، اللَّهُمَّ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لنا إِلَّا بِكَ، اللَّهُمَّ إنَّا بك نحول، وبك نصول، وبك نجول، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لنا إِلَّا بِكَ يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ عليك بأعدائنا جميعًا، اللَّهُمَّ عليك بهم جميعًا، اللَّهُمَّ إنا نذرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللَّهُمَّ من شرورهم، اللَّهُمَّ ربّ السَّمٰوات السبع وما أظللن، ورب الأراضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، كن لنا جارًا من شر خلقك كلهم جميعًا، أن يفرط علينا أحدٌ منهم أو أن يطغى، عزَّ جارك، وجَلَّ ثناؤك، ولا إله غيرك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، عباد الله! إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكَّرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَىٰ نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.
[1] أخرجه البخاري (4563).