خطبة: الولاء والبراء
خطبة (الولاء والبراء)
المقدمة:
قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾ [المائدة: 51، 52].
وقال جل جلاله: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22].
وروى الإمام أحمد عن جرير بن عبدالله البجلي “أن رسول الله بايعه على أن ينصح لكل مسلم، وأن يتبرأ من الكافر”؛ حسن، وصحَّحه الألباني.
وروى ابن أبي شيبة بسنده قال: قال رسول الله: “أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله”؛ حسن، وحسَّنه الألباني.
أيها المسلمون، عنوان الخطبة “الولاء والبراء في الإسلام”.
الولاء والبراء عقيدة، الولاء والبراء من مقتضيات كلمة التوحيد، الولاء والبراء مبدأ إسلامي رباني، الولاء والبراء منهج قرآني، الولاء والبراء شريعة إبراهيمية وشريعة محمدية، الولاء والبراء من أصول دعوة الرسل والأنبياء جميعًا عليهم السلام ومَعْلَم بارز من معالم وركائز الرسالات والدعوات السماوية.
أيها الناس، لماذا الحديث عن الولاء والبراء في هذه الأيام؛ وذلك لأنه قد اختلط الحابل بالنابل، وغفل الناس عن الولاء للمؤمنين، وضعف البراء من الكافرين والمنافقين والمشركين وسائر أعداء الدين.
أيها الناس، إن الولاء والبراء مظهران من مظاهر إخلاص المحبة لله ثم لأنبيائه وللمؤمنين، والبراء مظهر من مظاهر كراهية الباطل وأهله، وهذا أصل من أصول الإسلام والإيمان.
أيها الناس، إننا اليوم نرى أن الولاء بدلًا من أن يكون لمن حقق الإيمان، وعمل بالإسلام عقيدة وشريعة، إذا بنا نشاهد أن الكثير من أبناء الإسلام يوالون أعداء الدين من يهود ونصارى ومشركين، إلا من رحم ربي.
أيها الأفاضل، ربما الكثير منا جهل عقيدة الولاء والبراء، وزهد في هذه الشعيرة العظيمة، ويحسب أن ذلك من القشور، فترى من كان ذلك حاله يُسارع في موالاة الكفار وحبهم ومراضاتهم وإعانتهم، وفي المقابل يزهد في البراءة من الكفار، ويُشنِّع على من يذكر هذا المبدأ العظيم من مبادئ الإسلام ومن شعائر هذا الدين العظيم.
وكل ذلك حصل نتيجة ضعف الإيمان، وجهل بإحكام الشرع المطهَّر، حيث ظهرت صور من موالاة الكفار منها:
• محبة الكفار وتعظيمهم ونصرتهم على حرب أولياء الله، وتنحية شريعة الله عن الحكم في الأرض، ورميها بالقصور والجمود، وعدم مسايرة ومواكبة العصر، وعدم مواكبة التقدم الحضاري.
• ومن صور موالاة الكفار استيراد القوانين الغربية الكافرة، وإحلالها محل شريعة الله الغراء.
• ومن صور موالاة الكفار التشكيك في سنة رسول الله.
• ومن صور موالاة الكفار الغزو الفكري في شتى المجالات؛ الإعلامية وفي المناهج… وغير ذلك.
وأمام هذه الصور من موالاة الكفار تأتي هذه الأسئلة:
• لمن ينتمي المسلم؟
• ولمن يكون ولاؤه؟
• وممن يكون براؤه؟
• وما حكم تولي الكفار ونصرتهم؟
قال أحد العلماء: “إن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحَّد الله وترك الشرك إلا بعداوة الكافرين والمنافقين والمشركين”.
كما قال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22].
أيها المسلمون، من أهداف أعداء الدين من يهود ونصارى ومشركين وملاحدة وصهاينة وغيرهم من أعداء الإسلام من أهل الضلال وأهل الشبهات وأهل الشهوات، كل هؤلاء هدفهم تمييع عقيدة المسلمين، وتذويب شخصيتهم المتفردة، وخلخلة أخلاق أمة القرآن والسنة، كي يصبحوا خدمًا وعبيدًا وحميرًا لشعب الله المختار “على حد تعبير كبار اليهود الصهاينة” كما نصَّ على ذلك في “برتوكولات خبثاء صهيون”.
فعندها يتضح للمسلم الموحِّد الصادق الذي التزم بكتاب الله تعالى والتزم سُنَّة رسول الله، وعلى ما كان عليه الصحابة الأخيار الأبرار الأطهار.
فعندها يتضح للمسلم الحق أن الولاء للمؤمنين عقيدةً وشريعةً، وأن البراء من الكافرين والمنافقين والمشركين وسائر أعداء الدين عقيدةً وشريعةً، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 11]، ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51].
وفي الحديث: “لا تقولوا للمنافق سيد…. “، “من قال للمنافق سيد فقد أغضب الله”.
فإذا كان قول كلمة سيد للمنافق يغضب الله، فكيف بموالاة اليهود والنصارى وغيرهم من الكافرين؟! نعوذ بالله من الخذلان.
فاتقوا الله عباد الله، وحققوا عقيدة الولاء والبراء، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 57].
أيها المسلمون، إن موالاة الكفار كفر بالله، قال تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 28].
عباد الله، فأي وعيد فوق هذا الوعيد؛ يعني: “فقد برئ من الله، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر…”.
ويقول تبارك وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾ [المائدة: 51، 52] فهذه الآية البينة حرَّم الله فيها موالاة أهل الكتاب، وحكم تعالى فيها على من ارتكب هذا الجرم وتلبس به بأنه من الكافرين الذين تولاهم، نعوذ بالله من الخذلان.
قال العالم ابن سيرين رحمه الله: قال عبدالله بن عتبة-رحمهما الله-: “ليتق أحدكم أن يكون يهوديًّا أو نصرانيًّا وهو لا يشعر”.
قال ابن سيرين: “فعلمنا أنه يريد هذه الآية: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [المائدة: 51]”.
وقال ابن حزم-رحمه الله-: “صَحَّ أن قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]، إن ذلك على ظاهره بأنه كافر في جملة الكُفَّار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين”.
اللهم اهدنا وسدِّدْنا، واجعل لنا من لدنك وليًّا ونصيرًا.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وأصحابه وأزواجه أجمعين.
أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الدين بالعروة الوثقى، وحققوا عقيدة الولاء والبراء، واعلموا أن الولاء والبراء من أصول الإسلام ومن مبانيه العظام، وبهذه العقيدة الصحيحة، تحصل النجاة من أهوال يوم الحساب، والنجاة من العذاب في القبر والعذاب في النار.
أيها الناس، أين نحن اليوم أهل الإسلام من الولاء للمؤمنين، والبراءة من الكفر والكافرين وسائر أعداء الدين، لماذا موالاة الكفار وحبهم ومراضاتهم وإعانتهم؟! ولماذا تقوية شوكتهم بالسكوت عن إجرامهم، ودعمهم بالمال واللسان؟! لماذا خذلان أهل الإسلام؟! لماذا الوقوف مع الكافرين المحاربين لله ولرسوله وللمؤمنين؟! وفي المقابل البراءة من المؤمنين، وتركهم فريسة سهلة لليهود والنصارى وسائر الكافرين، أين حمية الدين؟! وأين عزة المؤمنين؟! وأين نصرة المظلومين من أبناء ديننا ومن أبناء أمتنا؟! أين الغيرة على ديننا ومقدساتنا وعلى أعراض الحرائر من نساء المؤمنين؟! أين ذلك كله؟!
إن ما حصل في أرض الإسراء، في أرض فلسطين وغزة، أمور تفتَّت لها الأكباد، وتقرحت لها العيون، وسالت لها الدموع، وشابت لتلك المناظر والمواجع والفجائع رؤوس الولدان، فأين النصرة؟! وأين النجدة؟! وأين الغيرة؟!
امرأة في عهد الخليفة المعتصم لطمها علج من علوج النصارى في مدينة عمورية فصاحت: وامعتصماه! فوصلت تلك الصيحة إلى غيرة المعتصم، وخالطت شهامته ودينه وإسلامه، فقال بلسانه وأتبع ذلك بفعاله: لبَّيْكِ يا أختاه، فجهز جيشه وحرك جنده، وخاض معركة الكرامة وأدب الروم الكفرة، ومثل بين يديه ذلك النصراني الكافر النجس، وحضرت المرأة المسلمة معززة مكرمة، وقال: لقد نصرناك يا أختاه.
واليوم آلاف الحرائر من نساء المؤمنين أمهات وشابات وصغيرات، في سجون أحفاد القردة والخنازير، يصرخن وتتعالى أصواتهن: يا مسلمون، يا عرب، يا أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والزعامة والرياسة؛ ولكن:
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لمن تنادي
|
لماذا؟! لأنه ومع الأسف الشديد، ماتت الغيرة، ودفن مبدأ الولاء والبراء في القلوب إلا من رحم الله، أليس كذلك؟
57 دولة تجتمع من أجل الخروج بقرارات شجاعة وحاسمة نصرة للمظلومين وحقن دماء الأطفال والنساء والعجزة، فتمخض الجبل وولد فأرًا.
إنها العمالة ومحبة الكافرين، وذهاب غيرة المعتصم، الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “والله لو تعثرت دابَّة في أرض العراق لسألني الله عنها: لمَ لمْ تُعَبَّد لها الطريق” رضي الله عنك وأرضاك أيها الفاروق، ونحن في هذا العصر لم تتعثر دابَّة أو حيوان؛ إنما تعثرت أمم وشعوب يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلبت مقدسات أهل الإسلام، وانتهكت الحرمات، واحتلت بلاد الإسلام، وسالت الدماء من الأطفال والنساء والعجزة، ولم يحرك المسلمون ساكنًا إلا من رحم ربي.
وكل ذلك حصل نتيجة ضعف الولاء للمؤمنين، وضعف البراء من الكافرين.
﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 138، 139].
وقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا ﴾ [الحشر: 11].
أيها المسلمون، ختامًا على العلماء الصادقين المخلصين ممن يترسم في دعوة كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيه عليه الصلاة والسلام ويترسم خطا ذلك الجيل الفريد المجاهد الصادق الذين حققوا مبدأ الولاء والبراء في حياتهم ولم يداهنوا ولم يخضعوا للروم ولا للفرس، بل حققوا التوحيد والإيمان، وحققوا مبدأ الولاء والبراء في حياتهم ومع أقرب الناس إليهم وهم الصحابة الأخيار الأبرار الأطهار رضي الله عنهم جميعًا، فعلى العلماء أن يعملوا جاهدين على تربية الأمة والأجيال على ذلك المنهج، وأن يسعوا جاهدين إلى تصحيح مفهوم كلمة التوحيد، وتصحيح مفهوم العبادة، وطرد آثار الغزو الفكري، وتعميق قضية ولاء المسلم للمسلم، وتعميق قضية المعاداة والبراء من أعداء الله من سائر الكافرين والمنافقين والمشركين، وسائر أعداء الدين.
التأكيد على قضية عداوة أولياء الشيطان وجنده لأولياء الرحمن.
بث الأمل وتقويته في النفوس بقرب نصر الله لدينه وجنده “لتقاتلن اليهود حتى يقول الشجر والحجر….”؛ مسلم.
﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 4، 5].
ألا وصلوا وسلموا…..