خطبة جريمة الزنا وانتشارها في هذا الزمان
جريمة الزنا وانتشارها في هذا الزمان
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن خير الحديث، كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون عباد الله، لقد كثرت الذنوب، والمعاصي في هذا الزمان، وظهرت الفواحش والمنكرات، فقَلَّ أن يخلو منها مكان، ولا يكاد يأتي زمان إلا وفيه من الموبقات، والمهلكات مما لم نسمع به فيما قد مضى من الأعوام والسنوات، وهذا مصداقٌ لما أخبر به نبينا عليه الصلاة والسلام حين قال: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه!»، نسأل الله السلامة والعافية!
فبين الحين والآخر ونحن نسمع عن عادة سيئة ظهرت، وعن خصلة منكرة انتشرت، وهكذا كل فتنة تأتي ترقق ما قبلها، وتهون من شأن أختها، والله أعلم ما الذي ستحمله بطون الأيام التي سنعيشها.
فما زلنا نذكر حين بدأ ظهور الدشوش والقنوات، حين لم تكن تدخل إلى بيوت، وأماكن معدودات، وكان الناس ينظرون إلى من أدخلها إلى بيته نظرة استنكارية، ويشار إليه ويُتحدث عليه بأن فلانًا أدخل إلى بيته قنوات فضائية، ويصبح في حيه كالأسرة الشاذة، أو الاستثنائية.
وهكذا دواليك، حتى دخلت هذه القنوات إلى كل بيت ومكان، وانعكست الأمور وتغير الزمان، وتبدلت الأخلاق، وقل الحياء في النساء، وضعفت الغيرة في الرجال، وأصبح البيت الذي لا يوجد على سطحه تلك الصحون بيتا نادرًا وغريبا، وصاحبه مستنكرًا ومتخلفًا، ثم بعد ذلك ظهرت الشاشات المصغرة عبر الجوالات، وكثرت الشبكات في القرى والحارات، حتى أصبحت تفعل ما لا تفعله الدشوش، والقنوات. قل مثل ذلك في النساء وحيائهن، وغيرة أولياء أمورهن عليهن.
فلقد كان الناس ينظرون إلى المرأة التي تخرج من بيتها لوحدها – وهي في غاية حشمتها وأدبها – نظرة غريبة استنكارية، ودار الزمان، وتغيرت الأحوال، ثم أصبحنا نرى ثمار القنوات التي أُدخلت على النساء في بيوتهن منعكسة عليهن حال خروجهن؛ فصارت كثير من النساء تقلد وتطبق ما رأته في بيتها أثناء خروجها من دارها وسترها وعفافها، ثم صارت تكثر من الخروج من بيتها، وتلبس اللباس الذي يحجم جسدها، ويعرض مفاتنها، ثم انتشرت الجوالات في أيدي الشباب، والفتيات، واختصرت ما أراده أعداء الإسلام في سنوات، وسنوات.
هكذا بدأ أعداء الإسلام يدبرون ويخططون، حتى وصلوا إلى ما يريدون، وفوق ما يريدون، ابتداءً من النظرة المحرمة عبر القنوات التي في بعض البيوت، ثم بسعي حثيث، واجتهاد خبيث، إما بتسهيل وجودها، وإما بتطوير إصداراتها، وجودتها، أو بخفض أسعارها؛ كي يكثر تداولها وشراؤها.
فها نحن نرى كل الأشياء ارتفعت أسعارها، وخفت جودتها، أو انعدم وجودها؛ إلا وسائل الشر فهي في تطور منذ بداية نشأتها، وذلك تسهيلًا وسعيًا من أعداء الإسلام ليمتلكها كل فرد من أفراد المسلمين من الأغنياء والمساكين، والصالحين والطالحين، عياذًا بالله رب العالمين!
فبعد أن كانت قنوات عبر شاشات في بيوتنا، أصبحت قنوات في الشاشات المصغرة في جيوبنا، وما كان يشاهد بخفية في لحظات، صار يشاهد بلا رقابة في ساعات وساعات، ولم يعد هناك أفلام ورقصات، ومسرحيات، وأغنيات، بل مواقع إباحيات، وأفلام جنسيات، تذيب الحديد، والجبال الراسيات، كل هذا موجود، ومتوفر في الجوالات التي يحملها الأولاد والبنات، والشباب والشابات.
وبعد هذا أقول ما رأيكم وما ظنكم في شباب وشابات، وهم يشاهدون هذه المشاهد المثيرات؟! ماذا يحصل من الفواحش والمنكرات؟ وهذا هو موضوع حديثنا بعد كل هذه المقدمات.
ألا وهو الحديث عن جريمة الزنا التي انتشرت في هذا الزمان، وعن قضية الاختطافات التي سمعنا بها في غير ما مكان، والتي هي علامة من علامات الساعة، كما أخبر بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام؛ فقد روى البخاري ومسلم: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الزنا».
وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: بأعظم من ذلك فقال – فيما رواه أبو يعلى – قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط»[1].
نسأل الله أن يحكم شرعه في بلادنا، وفي جميع بلاد المسلمين.
أمة الإسلام، إن الزنا جريمة خطيرة، ومعصية عظيمة، كيف لا وهو يطعن في شرف الإنسانية المتوارث، ويخلط بين الأنساب الطاهرة، ويحصل من ورائه الخزي والفضيحة في الدنيا والآخرة إن الزنا عار وشنار، يهدم البيوت الرفيعة، ويخرس الألسن البليغة، ويضع القبيلة الشريفة.
ولقد حذر الله عباده من ارتكاب هذه الجريمة، ومن الاقتراب منها، فقال – جل ثناؤه -: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].
قال العلامة السعدي رحمه الله: «والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه؛ فإن: «من حام حول الحمى، يوشك أن يقع فيه»، خصوصًا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه.
ووصف الله الزنى وقبحه بأنه ﴿ كان فاحشة ﴾؛ أي: إثمًا يُستفحش في الشرع والعقل والفطر؛ لتضمُّنِه التجرؤ على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها، وإفساد الفراش واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد.
وقوله: ﴿ وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾؛ أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم»[2].
ولقد جعل الله للزاني والزانية، العقوبة الحسية والمعنوية؛ وذلك بالرجم بالحجارة في جميع جسدهما الذي تسبب في تدنيس شرفهما، وشرف قبيلتهما، وأسرتهما!
ولقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام الأمة من هذه الرذيلة، وأكثر من ذلك، فقد روى ابن ماجه في سننه، وحسنه الألباني رحمهما الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنَّ، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع، التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم»[3].
لا إله إلا الله! صلى الله عليك يا نبي الله.
أيها المسلمون، ألم تظهر الفاحشة في هذا الزمان؟ ألم ينقص الميزان، ويظهر الغش عند كثير من أمة الإسلام؟ ألم تمنع الزكاة؟ ألم يُنقض عهد الله؟ ألم تحكم أئمتنا بغير ما أنزل الله؟ بلى بلى، قد حصل ما أخبر به نبينا، ومنها جريمة الزنا، نسأل الله أن يحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا!
أيها المؤمنون عباد الله، إن الزنا يطفئ نور الإيمان، كما روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»[4].
وقد استنبط بعض العلماء أن الحكمة من تحذيره عليه الصلاة والسلام أمته من الزنا في خطبة الكسوف دون غيره من الذنوب هي أن الزنا يطفئ نور الإيمان في قلب الزاني، كما يذهب الكسوف نور الشمس والقمر على الأرض، وهو استنباط مسدد ومؤيَّد بالأحاديث الدالة على أن الإيمان يخرج من العبد حال زناه، حتى ينزع عن الزنا.
ويزيده موضحًا أثر ابن عباس رضي الله عنهما حين قال: إن الله تعالى «ينزع من الزاني نور الإيمان»[5].
وروى البخاري في صحيحه في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه الطويل في قصة الإسراء والمعراج، وفيه: أن جبريل وميكائيل أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وقالا له: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال، ونساء عراة يتوقد تحته نار، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا هدأت رجعوا فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الزناة والزواني»[6].
أمة الإسلام، إن الزنا جريمة بشعة، وخزي وفضيحة في الدنيا قبل الآخرة.
إن المرأة حين تخلع كرامتها، وتنزع مروءتها؛ فإن كانت بنتًا وضعت رأس والدها، ورأس أمها، ورأس إخوانها، وعائلتها – في الوحل والطين والتراب، فإن حملت البنت، وخافت على ولدها من الزنا فقتلته، ارتكبت كبيرتين من أبشع الكبائر ألا وهما الزنا، وكبيرة القتل، وإن كانت المرأة متزوجة، ووقعت في جريمة الزنا، وسترها الله، وأخفت مولودها، وأدخلته على زوجها، وعلى بيتها وأهلها، تكون قد أدخلت أجنبيًّا عنهم، وخلا بهم وهو أجنبي عنهم، يرثهم وهو أجنبي عنهم.
كبيرة مُرة، تستشعر بمرارتها وأنت تتحدث عنها، فكيف بمن عاشها، ووقع فيها؟! نسأل الله السلامة والعافية!
فلماذا كل هذا؟ ومن أجل ماذا؟ من أجل نزوة عابرة، وشهوة راحلة، من أجل شهوة لحظات، ومتعة دقائق معدودات؛ تجني الزانية والزاني على نفسهما العقوبات، والحسرات، ويلحقان بأهلهما اللوم والتبعات.
ومن مرارة وعقوبة هذه الفاحشة أن الزاني – مع ما تقدم له من عقوبته في دنياه قبل آخرته – أنه قد يعاقب بأحد أفراد أسرته كبناته، أو إحدى أخواته، فكما أنه يخاف على عرضه، ولا يريد أن يطعن أحد في شرفه، وكرامته، كذلك الناس لا يرضونه لأنفسهم.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده، وصححه الألباني رحمهما الله عن أبي أمامة رضي الله عنه قال إن فتى شابًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه! مه! فقال له رسول الله: ادنه، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، فقال: «اتحبه لأمك؟» قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم»، قال: «أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»، قال: «أفتحبه لأختك؟» قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم»، قال: «أفتحبه لعمتك؟» قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم»، قال: أتحبه لخالتك؟ قال: «لا والله جعلني الله فداك»، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم»، قال: فوضع يده صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه! فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء»[7].
صلى الله على المعلم العظيم، وعلى صاحب الخلق الرحيم.
هكذا فليضع العاقل نفسه في وضع غيره، وليعلم أن ما فعله بغيره؛ فسيصبح في داره.
فإذا حدثتك نفسك أيها الرجل بالزنا فتذكر مصير أهلك، إذا حدثتك نفسك بالزنا فسل نفسك هل ترضاه لأمك، أو أختك، أو لزوجتك؟ فإذا خدشت، ولعبت، وطعنت في عرض أحد من أعراض المسلمين، فلا تأمن أن يأتي من يطعن أو يخدش في عرضك وشرفك جزاءً وعقابًا من رب العالمين!
ومن جميل ما يُذْكر، ويُذَكر به في هذا الباب، أن تاجرًا من مدينة الموصل في شمال العراق كان صاحب دين وخلق، وكان كثير الإنفاق في أبواب الخير، والإحسان للفقراء والمساكين، وكان له ولد وبنت، فلما كبر سن هذا الرجل، وقد كان كثير المال، أراد أن يسلم تجارته لابنه فجلس مع ابنه وأوصاه، وعرفه بأسماء تجار دمشق الصادقين، ثم أوصاه بتقوى الله إذا خرج للسفر، فقال له: يا بني، والله ما كشفت عورتي في حرام، وما رأى أحد لحمي غير أمك، يا بني: حافظ على عرض أختك، بأن تحافظ على أعراض الناس؛ لأنه يعلم أن كثير من المسافرين إذا ابتعد عن بلدانهم، وعن أعين الناس الذين يعرفونهم، غابت رقابة الله من قلوبهم، فخرج الشاب في سفره من أجل تجارته، وربح المال الكثير، وحمَّله تجار دمشق السلام الحار لأبيهم الصالح، وفي طريق العودة وقبل غروب الشمس، حطت القافلة رحالها لراحتها، أما الشاب فذهب يحرس تجارته، ويراقب الغادي والرائح، وإذا بفتاة تمر بالطريق التي جلس عليها، فنظر إليها، وفتن بها فزين له الشيطان فعل السوء بها، وهاجت نفسه الأمارة بالسوء فاقترب منها، وحاول أن يمسك يدها بغير إرادتها، لكنه سرعان ما انتبه من غفلته، وتذكر نظر الله إلى معصيته، ثم تذكر وصية والده، فاستغفر ورجع إلى الله نادمًا إلى قافلته، وفي هذه اللحظات كان أبوه في الموصل جالسًا في إحدى زوايا بيته، وإذا بساقي الماء الذي كان ينقل إليهم الماء على عادته يطرق الباب الخارجي لفناء البيت، وكان رجلًا صالحًا وكبيرًا، واعتاد من سنوات طويلة أن يدخل البيت، ولم يُرَ منه إلا كل خير، فخرجت الفتاة التي هي أخت الشاب الذي ذهب في تجارته لتفتح للساقي الباب، فدخل وصب الماء في جرار البيت، وبينما الفتاة عند الباب تنتظر خروج السقا لتغلق الباب، فلما وصل السقاء عند الباب، وفي لحظة خاطفة زين له الشيطان، فعل السوء بالفتاة، فالتفت يمينًا وشمالًا، ثم مال إليها، وأمسك يدها، ثم مضى، كل هذا والوالد جالس في إحدى زوايا البيت الواسع ليرى ما يجري دون أن يراه السقاء، وكانت ساعة الصمت الرهيب من الأب، ثم الاسترجاع بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله!
وجلس يفكر بهذا السقاء الذي ما فعل هذا في شبابه خلال سنوات كيف فعله اليوم، فأدرك أن ما فعله السقا إنما هو دَين قد فعله ولده في سفره؛ فاستوجب السداد من أخته.
ولما وصل الشاب إلى بلده، ودخل إلى بيته، ثم سلم على والده، وأبلغه سلام تجار دمشق عليه، ثم وضع أموالًا كثيرة بين يديه، كان قد ربحها في تجارته، إلا أن الصمت كان سيد الموقف، والبسمة لم تجد لها سبيلًا إلى شفاه أبيه، سوى أنه قال لابنه: هل حصل معك في سفرك شيء يا بني؟ فنفى الابن حصول أي شيء، فكرر الأب عليه السؤال، إلى أن قال الأب: يا بني، هل اعتديت على أحد أثناء سفرك؟
فأدرك الابن أن شيئًا قد حصل في البيت، فما كان منه إلا أن اعترف لأبيه، وجلس يبكي ويستغفر، عندها أخبره والده بما حصل مع أخته، وكيف أنه حين أمسك بيد تلك الفتاة بالشام عاقبه الله بأن جعل السقاء يمسك يد أخته بالموصل؛ لأنه دَينٌ عليه، وقال جملته المشهورة: يا بني دقة بدقة، ولو زدت لزاد السقاء! أي: إنك أمسكت يد تلك الفتاة مرة، فأمسك السقاء بيد أختك مرة، ولو زدت لزاد، ولو فعلت أكثر من ذلك، لفعل بأختك مثل ذلك.
ثق تمامًا وكن على يقين أن ما تفعله بالناس سيُفعل بك ولو بعد حين، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، افعل ما شئت كما تدين تدان، ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول:
أسأل الله أن يحفظ أعراضنا وأعراض المسلمين، وأن يستر نساءنا ونساء المسلمين أجمعين!
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
(الخطبة الثانية)
الحمد لله أمر بتقواه، وأخبر أن من اتقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون عباد الله، لقد انتشر الزنا في هذا الزمان، وأصبحت له دور خاصة في غير ما مكان، كل ذلك بسبب وسائل الإعلام التي يسرها أعداء الإسلام.
نعم، انتشر الزنا انتشارًا باهرًا وعظيمًا، فكم هي الإحصائيات العجيبة التي تعطي أرقامًا غريبة عن هذه الفاحشة، وعن هذه الرذيلة.
ففي أمريكا ما يقرب من 10 مليون أسرة تعيلها الأمهات دون وجود الآباء، وفي فرنسا أُعلنت جائزةٌ عظيمة للفتاة التي تأتي وعمرها ما بين الخامسة عشرة والعشرين، وهي محافظة على بكارتها، وهذا يدل على المستنقع العميق التي تعيشه تلك الدول الكافرة، وكثرة الفواحش التي دبت في أوساطها، فنحمد الله على الإسلام، وأن جعلنا من أمة الإسلام.
وينبغي أن نعلم – أيها الناس – أن هذه الجريمة المنكرة، وهذه الفاحشة القذرة التي تختلط بها الأنساب الطاهرة، لا يلج الشباب بابها، ولا تتلطخ المجتمعات بأقذارها، وينغمسون في وحلها ومستنقعها، إلا بعد فعل الأسباب التي تتقدمها، والخطوات التي تجرهم، وتسحبهم إليها، فحري بنا أن نتعرف على بعض أسبابها الموصلة إليها، قبل أن نتعرف عليها، فإن الله لما حرم الزنا حرم وسائله، وطرق بابه، فقال: ﴿ ولا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ [الإسراء: 32].
والنهي عن قربان الشيء أبلغ من مجرد فعله، ومحسوس وملموس، أن كل من تجرأ على هذه الفاحشة، لا يصل إليها إلا بعد فعل الأسباب التي تهيجه، وتشعل غريزته عليها.
ومن أبرزها وأعظمها اختلاط المرأة بالأجانب عنها، الاختلاط وما أدراكم ما الاختلاط؟! الذي يشبه اقتراب النار واختلاطها بالمواد التي تشعلها وتحرقها!
فاختلاط الرجل بالمرأة التي لا تحل له، ولا يحل لها، سبب خطير من أسباب ارتكاب فاحشة الزنا، والعياذ بالله!
ولقد عمت البلوى لهذا السبب العظيم، وأصبحت تراه في جميع بلاد المسلمين، سواء كان ذلك في الجامعات، أو في المستشفيات، وكثير من الأشغال والقطاعات، فترى الرجل بجوار المرأة في الدوائر الحكومية، والقاعات الجامعية، والمدارس الأهلية، والعيادات، والمستشفيات، العامة، والخصوصية، كل ذلك بإقرار واختيار من الآباء، ومن لهم ولاية على النساء؛ والله المستعان!
فبالله عليكم، هل هذا من شأن الرجال الذين يعتزون برجولتهم، ويغارون على محارمهم وأعراضهم؟ هل هذا من عادات الأكفاء الذين جعل الله لهم القوامة على النساء، أن يجعلوا نساءهم، وبناتهم، ومن لهم ولاية عليهن؛ يخالطن الرجال، ويعملن من أجل لقمة عيشهم، وهم في مراقدهم، أو على مقايلهم؟!
ليس من صفات العقلاء أن يرضوا لبناتهم، ونسائهم أن يتعلمن على حساب عفافهن وحيائهن، ألا فليتق الله الآباء، ومن لهم ولاية على النساء، وليحافظوا على حيائهن، وعفافهن! وليجعلوهن يقرن في بيوتهن؛ إلا ما لابد منه من ضروريات حياتهن.
ومن الاختلاط ما يكون بين الأقارب، ممن هم على النساء أجانب، كإخوان الزوج، وأبناء الأخوال والأعمام، فحذارِ ثم حذارِ من التساهل في مخالطة الأجانب من الأقارب؛ فهي – والله – خطوات من خطوات الشيطان التي تقود إلى فاحشة الزنا والحرام، وكم وكم هي الأخبار المحزنة، والقصص المزعجة المؤلمة التي كانت سببها تلك الخطوات السيئة؛ نسأل الله الستر والعافية!
كذلك من الأسباب الموصلة إلى هذه الفاحشة الكبيرة: الخلوة بالمرأة الأجنبية التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها أيما تحذير، فلقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم»، فقال رجل: يا رسول الله: إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا، وكذا، فقال له: «اذهب فحج مع امرأتك»[8].
نعم! اذهب فحج مع امرأتك، الغيرة الغيرة أيها الرجل، حفاظك على عرضك أولى من جهادك، فماذا فعل هذا الرجل؟ هل تفلسف وقال: إني أثق بزوجتي، وبأخلاقها، ولا أشك في تربيتها؟! كلا وألف وكلا، فالمرأة هي المرأة والرجل هو الرجل، والسلامة لا يعدلها شيء، نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله السلامة والعافية.
كذلك من أسباب فاحشة الزنا، والفجور: التبرج، والسفور؛ فإن المرأة حينما تخرج من بيتها، وقد لبست اللباس الذي يجعلها عارية، وإن كانت كاسية، كما قال – عليه الصلاة والسلام -: «كاسياتٌ، عاريات»، فإنها بذلك تهيج الشباب، وتشعل غريزتهم، وتدعوهم إلى الافتتان بها، والتعلق بها.
وهكذا يظل الشباب يعيشون بأعين زائغة، وبقلوبٍ مريضة وشاخصة، حينما يرون مثل هؤلاء السافرات والعاريات، حينها لا تسأل عن عزوف الشباب عن الزواج، حتى أصبحنا نرى منهم من قد جاوز الثلاثين، وهو مقتدرٌ على الزواج، ومع ذلك يرفض ويأبى أشد الإباء، لماذا؟ لأنه قد ألِف الحرام، وأصبح يمتع ناظريه بالحرام، وأصبح معه لقاءات وعلاقات، بالحرام، كل ذلك بسبب قليلات الحياء لا كثرهن الله، ولا تدري تعجب من قلة حياء هؤلاء الساقطات، أم من أولياء أمورهنَّ؟! ولا تدري هل عندهم نخوة، أم قد ماتت نخوتهم، وغيرتهم؟ أم قد ضاعت رجولتهم؟! عندما يرى ابنته أو زوجته، تخرج بهذه الملابس التي تلفت أنظار الشباب إليها، وتجعلهم يتعلقون بها، وربما يلاحقونها ويؤذونها.
قل لي بربك: هل ماتت غيرتك، أم هل ضاعت رجولتك وقوامتك، أم أنك غير قادرٍ على شراء لباسٍ يسترها ويحفظها، ويحفظ عفتها وكرامتها، ويصونها عن أنظار السفهاء إليها؟!
فالشاب عندما يرى المرأة بلباسها الضيق الذي يحجم جسدها، ويبرز مفاتنها، تثور ثائرته، وتشتعل غريزته، فيسعى جاهدًا بكل الأسباب التي توصله إليها؛ لأنها ما لبست هذه الملابس الفاتنة إلا لتصرف الأنظار إليها، فقد يلاحقها، وقد يكلمها، وقد يغريها بماله، أو بسيارته، وقد يجتهد في البحث عن رقم جوالها.
فعند ذلك يحصل ما يحصل من المراسلات، والعلاقات، ثم اللقاءات، ثم الوقاحات، وبعد ذلك الجرائم الفاضحات، نسأل الله الستر والعافية.
همسةٌ، فسلام، فكلامٌ، فموعدٌ، فلقاء، كل هذا بسبب ماذا؟ بسبب التبرج، بسبب السفور، بسبب ترك اللباس والحجاب الشرعي، وإلا – والله – لو كانت تلك المرأة محتشمة في لباسها، تلبس الحجاب الذي يسترها، ويعبر على حيائها وعفافها، ما تجرأ عليها أحد، ولا رغب في النظر إليها أحد، بل – والله – لدافع عنها كلُّ أحد، حتى قال بعض الشباب: والله إني إذا رأيت الفتاة المتجلببة، المحتشمة في لباسها، نظرت إليها وكأنها إحدى أخواتي.
ويقول بعضهم: من أصحاب المحلات: والله إن المرأة المتحجبة المحتشمة في لباسها إذا مدَّت يدها لتشتري مني شيئًا، أخذت منها المال ويدي ترتعش مهابةً منها، وخشيةً أن تمس يدي يدها، لا إله إلا الله، ما أعظم هذا الدين! وما أجمل التمسك بشرع رب العالمين!
من أعظم وسائل الزنا، وأقوى عوامله: هي النظرات المحرمات عبر القنوات، أو الجوالات، فالنظرة سهم من سهام إبليس، وهي أولى الخطوات، ومن أعظم السبل إلى الفواحش والمنكرات.
فكم حصل بسبب النظرات من الفساد والمنكرات! وكم أفسدت النظرات كثيرًا من الشباب والفتيات!
وصدق الإمام أحمد رحمه الله حيث يقول: «رب نظرة أحدثت في قلب صاحبها البلابل»[9].
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» [10].
ولقد أمر الله عباده بغض أبصارهم فقال – سبحانه وتعالى-: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30]، ويقول عليه الصلاة والسلام: «إياكم والجلوس على الطرقات!».
وقال فيما رواه الترمذي وصححه الألباني رحمهما الله: «لا تتبع النظرة النظرة، فالأولى لك وليس لك الآخرة»[11].
ومن المؤسف أن ترى بعض الشباب كثيرًا في الشوارع والطرقات؛ يقلب نظره في النساء والفتيات، لمحاولة ربط العلاقات مع بعض الساقطات، كما هو حال كثير من الشباب الذين يجلسون، ويلبسون الملابس الضيقات، والملابس الرقيقات، حتى لا تدري هل هو من البنين أم من البنات، وتراهم يشوهون وجوههم ورؤوسهم بأقبح الحلاقات، وكل ذلك محاولة لإشباع غريزته، وامتاع بصره ورغبته، وما درى أنه يعذب نفسه بنفسه، وما درى أن السعادة والطمأنينة هي بطاعة الله، والكف عن محارمه، كما قال بعض الحكماء من السلف رحمه الله.
كذلك من أسباب ووسائل الزنا – عياذًا بالله رب العالمين -: سماع الغناء، والمغنين الذي هو رقية الزنا كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله وصدق -وربي- إن الغناء رقية الزنا، فبسببه تثور الشهوة، وتتحرك الشعور والمشاعر، وينبت العشق، وتبدأ العلاقات، والمواعيد والمراسلات، ولقد كان الزناة يستخدمون الغناء يغنون به لمعشوقاتهم إذا امتنعن من الزنا ليستميلوا به قلوبهن، قال يزيد بن الوليد: يا بني أمية، إياكم والغناء؛ فإنه يذهب الحياء، ويزيد الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه ينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعله السكر؛ فإن كنتم ولا بد فاعلين فجنبوه النساء، فان الغناء داعية الزنا.
وسمع سليمان بن عبد الملك صوت غناء فغضب وأحضر المغنين، وقال: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة – يعني: أن الذكر من الخيل يصهل، فتسمعه الأنثى فتستعد للوطء – وإن الرجل ليغني فتشتاق له المرأة، ثم أمر بإخصائهم ليحمي منهم النساء.
فأين النخوة والرجولة والغيرة في الرجل عندما يرى ابنته، أو زوجته، وهي تسمع الأغاني في بيته، وأسماء المغنين، وأشباه الرجال في جوال ابنته، أو زوجته، ويا ترى، ما هي أغنية المغنين في هذا الزمان؟! وعن ماذا سيغني بعض أولئك الساقطين في هذه الأيام؟ هل سيغني عن الجبال والأشجار؟ أم هل سيغني عن الديار والآثار؟! كلا وألف كلا، وإنما عن الحب والغزل، وعن وصف النساء من أقدامهن إلى رؤوسهن، ومن هامهن إلى إبهامهن، والله المستعان.
ألا فلتتقوا الله يا عباد الله، بترك هذه الأصوات المنكرة، ولتعمروا بيوتكم بكتاب الله والسنة المطهرة: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
كذلك من أسباب الزنا، بل هو أعظم أسبابه: عدم الزواج وغلاء المهور، نعم، الزواج حصن حصين، وللشباب ملجأ أمين، الزواج الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام الشباب بقوله: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج»[12]، وقال: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» [13].
فكثرة العوانس في البيوت واقعة مريرة نعيشها، وظاهرة تعود أضرارها على الأفراد والمجتمعات بأسرها.
فوجود الشابات بدون زواج، خاصة إذا لم يكن معهن ما يشغلهن، أو لم يكن معهم دين يحجزهن ويمنعهن، وهن يحملن الجوالات، ويشاهدن في بيوتهن الأفلام والمسلسلات، وآباؤهن الذين منعوهن من زواجهن، ربما قد يكونون في بعدٍ عنهن، أو ليس في قلوبهم شعور وغيرة عليهن، حينها لا تسأل عن انتشار العلاقات، والمراسلات والمغازلات، وكثرة الخرجات، والملابس الضيقات، لا تسأل عن السحاقات بين الفتيات غير المتزوجات، وغير ذلك من القضايا المزعجات، حينها لا تسأل عن انتشار الزنا، والقصص والأخبار المؤلمات، نسأل الله السلامة والعافية.
وكما أن هناك مفاسد ومخاطر على الشابات إذا حرمن الزواج؛ كذلك مفاسد الشباب أعظم وأخطر وأطم، كيف لا والشاب ليس له مقر يؤويه، وليس عليه رقابة تحميه، فإذا أصبح باب الزواج مغلقًا، وطريقه شاقًّا وصعبًا؛ فقد يفعل الشاب حينها – إن لم ييسر الله له صحبة صالحة تحوطه وتنصحه، وتحفظه – أن يشبع غريزته بجميع الوسائل المتوفرة لديه.
قد يتعلق بشاب مثله – والعياذ بالله – وهذا ما هو معروف، ومشهور، بقضية المردان – عافانا الله وإياكم – عند ذلك تحصل جريمة اللواط النكراء؛ التي عاقب الله بها قوم لوط، فقلب قريتهم وجعل عاليها سافلها.
وقد يتعلق الشاب بفتاة فيعشقها، ويحصل بينهم المراسلات، والمواصلات، واللقاءات، وقد تكون هذه الشابة هي من أراد خطبتها، وتقدم إليها، لكنه مُنع منها عن طريق الحلال، فلجأ هو وهي إلى إشباع رغبتهما عن طريق الحرام، والله المستعان!
وقد يلجأ الشاب إذا لم يتيسر له هذا ولا ذاك، إلى أن يشبع غريزته، وهو في بيته، أو في محل عمله، وذلك عن طريق جواله عبر مشاهدة الأفلام الجنسية، والمقاطع الإباحية التي أصبحت متوفرة، ويتناقلها الشباب في جوالاتهم بكل يسر وسهولة.
وصدق أو لا تصدق أنك لو نظرت في جوالات كثير من الشباب لرأيت كثيرًا منهم من يشاهد ذلك، ووالله ما قلت هذا عن ظن أو جهالة، ولاعن افتئات أو مبالغة، وإكرامًا لأسماعكم الطيبة لن نتطرق ونستعرض بعض المواقف المزعجة التي سمعناها، ورأيناها من الشباب، هدانا الله وإياهم.
ألا فليتق الله الآباء في تربية أولادهم، وليرحموا شبابهم بزواجهم، وزواج بناتهم، ولا يتسببوا في انتشار الفواحش والمنكرات، وتعذيب البنين والبنات، فالظلم ظلمات.
ختامًا أيها الناس، إن ديننا دين العفة والطهارة، ودين الشرف والكرامة، فقد جاء مرغبًا ومرهبًا بترك هذه الفاحشة بكل وسائلها وأسبابها، وهذه بعض أسبابها التي سمح لنا الوقت بذكرها.
ولعلكم تستغربون من ذكر، وعرض هذا الموضوع الخطير في هذا اليوم العظيم، فأقول لكم: إن هذا المنكر، وهذه الجريمة وهذه الفاحشة العظيمة، قد شاعت وذاعت وفاحت رائحتها، وانتشرت وسائلها وأسبابها.
وأسأل الله العظيم أن يجنبنا الفواحش والمنكرات، وأن يطهر بلادنا وجميع بلاد المسلمين من كل أسباب البلاء والعقوبات!
[1] رواه أبو يعلى في مسنده (6183)، وسنده قوي.
[2] تفسير السعدي (ص457).
[3] رواه ابن ماجه في سننه (4019).
[4] رواه البخاري (6810)، ومسلم (57).
[5] رواه البخاري في صحيحه معلقًا (8/157).
[6] رواه البخاري (7047).
[7] رواه أحمد في مسنده (22211)، وإسناده صحيح.
[8] رواه البخاري (3006) ومسلم (1341).
[9] الجامع لعلوم الإمام أحمد (20 /30).
[10] رواه البخاري (6612) ، ومسلم2657).
[11] رواه أبو داود (2149) والترمذي (2777).
[12] رواه البخاري في صحيحه (1905)، ومسلم (1400) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
[13] رواه ابن ماجه في سننه (1697) عن أبي هريرة رضي الله عنه.