خطبة: شهر الله المحرم وفضائله


خطبة: شهر الله المُحرم وفضائلها

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ – صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

1- عباد الله: حَلَّ عَلَيْنَاْ شَهْرُ الله الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ شَهْرٌ عَظِيْمٌ، مِنْ أَفْضَلِ الْأَشْهُرِ الَّتِيْ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ صَوْمُهَا.

 

2- قال صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَلَيْسَ شَهْرًا فِيْ الْسَّنَةِ بَعْدَ رَمَضَاْنَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ شَهْرِ اللهِ الـْمُـحَرَّمِ، وَقَدْ سَمَّىْ الْنَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، المْحُرَّمَ شَهْرَ اللهِ، وَإِضَاْفَتُهُ إِلَىْ اللهِ تَدُلُّ عَلَىْ شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ.

 

شَهْرُ الحَرَامِ مُبَاركٌ مَيْمُونُ
والْصَّوْمُ فِيْهِ مُضَاْعَفٌ مَسْنُونُ
وَثُوَاْبُ صَاْئِمِهِ لِوَجْهِ إِلَهِه
فِي الخُلْدِ عِنْدَ مَلِيْكِهِ مَخْزُوْنُ

 

3- فَأَحُثُّ نَفْسِيْ وَإِخْوَاْنِي عَلَىْ مُجَاْهَدَةِ أَنْفُسِنَا لِصِيْامِ مَا نَسْتَطِيْعُ صَوْمَهُ مِنْ أَيَّاْمِ هَذَاْ الْشَّهْرِ؛ فَهِيْ – وَرَبِّيْ- غَنِيْمَةٌ ونعم الغنيمة لموافقته أجازة، فَاِحْرِصُوْا عَلَىْ صِيَاْمِ مَاْ تَسْتَطِيْعُوْنَ، وَحُثُّوْا أَهْلِيكُمْ عَلَىْ ذَلِكَ.

 

4- وَأَفْضَلُ مَاْ يُصَاْمُ فِيْ هَذَاْ الْشَّهْرِ؛ صِيَاْمُ يَوْمِ عَاْشُوْرَاْءَ حَيْثُ قَاْلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ: (يُكَفِّرُ الْسَّنَةَ الْمَاْضِيَةَ). رَوَاْهُ مُسْلِمْ.

 

5- وَشُرِعَ صِيَامُ يومِ عاشورَاءَ، شُكرًا للهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى نَجَاةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ أَكْبَرِ طَاغِيَةٍ عَرَفَهُ التَّارِيخُ، حيثُ ذَكَرَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ تِلْكَ القصةَ، الَّتِي تُبَيِّنُ كيفَ اِنتَصَرَ الحقُّ عَلَى البَاطِلِ، لتَبْعَثَ فِي قُلُوبِ المؤمنينَ الثَّبَاتَ؛ فقوةُ البَاطِلِ لَا تُقَاوِمُ الحقَّ مهمَا بلَغَتْ؛ فهي مبنيةٌ على أَسَاسٍ فَاسِدٍ.

 

6- لقدْ كانَ فرعونُ يَسْتَضْعِفُ بنِي إِسرائِيلَ، ويُقتِّلُ أبناءَهُم، ويَسْتَحْيِيِ نساءَهُمْ، ولكنَّ مشيئةَ اللهِ نافذةٌ، وقدرتُهُ قاهرةٌ، فشاءَ اللهُ لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ ينجُوَ مِنْ القَتْلِ، عكسَ مواليدِ بنِي إسرائيلَ في تلكَ السَّنةِ، وأنْ يَتَرَبَّى فِي بيتِ فِرْعَونَ، تحرسُهُ عنايةُ اللهِ، حتَّى كَبُرَ، وبَلَغَ أَشُدَّهُ، وبَعَثَهُ اللهُ برسالتِهِ إِلَى فِرْعَونَ، وآتاهُ من الآياتِ مَا يدلُ عَلَى صِدْقِهِ، ولكنَّ فِرْعَونَ كَمَا قالَ تَعَالَى: ﴿ فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 21 – 24]، ولمَّا غَلَبَهُ مُوسَى بالحُجَجِ والبيِّنَاتِ، وكَشَفَهُ لقومِهِ؛ اِدَّعَى هَذَا الطَّاغِيَةُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى سِحْرٌ، وأنَّ عِنْدَهُ مِنَ السِّحْرِ، والسَّحَرَةِ مَا يَنْتَصِرُ بِهِ عَلَى مَوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَجَمَعَ سَحَرَتَهُ مِنْ جَمِيعِ مَمْلَكَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾  [الشعراء: 38 – 40].

 

7- فَعَرضُوا مَا عِنْدَهُمْ مِنَ السِّحْرِ، وعَرَضَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ، فانتَصَرَ عَليهِم بِالْحَقِّ، قالَ تَعَالى: ﴿ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الأعراف: 119- 121].

 

8- فلَجَأَ فِرْعَونُ إِلَى القوةِ والبطشِ، وهدَّدَ وتوعَّدَ، وقَتَلَ السَّحَرَةَ الذِينَ آمَنُوا باللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَوحَى اللهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أنْ يَخرُجَ بالمؤمنِينَ، فِرارًا مِنْ هَذَا الطَّاغِيَةِ العنِيدِ، فانتَهَى مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ مِنَ المُؤمِنِينَ إِلَى البَحْرِ، فاستَنْفَرَ فِرعونُ جُنُودَهُ وقَوْمَهُ، وخَرَجَ فِي إِثْرِهِمْ بِقُوَّتِهِ وعَتَادِهِ، يُريدُ قَتْلَهُمْ، وإِبَادَتَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وسَارَ فِي طَلَبِهِمْ، وَلَحِقَ بِهِمْ فِرعونُ وجُنُودُهُ، وهُنَاكَ تَزَايَدَ خَوفُ المُؤمِنِينَ؛ البَحْرُ أَمَامَهُمْ، والعَدُو مِنْ خَلْفِهِم، فَوِفْقًا لِلْمَعَايِيِرِ الْبَشَرِيَّةِ الْأَمْرُ مَحْسُومٌ؛ فيَسْتَحِيلُ أَنْ يَنْتَصِرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وأَصْحَابُه على أَعْتَى قُوَّةٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ جَمْعًا وَعَتَادًا، وَهُمْ ضُعَفَاءُ مُسْتَضْعَفُونَ، لَا قُوَّةَ مَعَهُمْ وَلَا عَتَادَ، فَأَنَّى لِقَوْمٍ عُزَّلٍ أَنْ يُوَاجِهُوا أَقْوَى قوةٍ عَسْكَرِيَّةٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ؛ فَضْلًا عَلَى أَنْ يَنْتَصِرُوا عَلَيْهَا؟! وهَذَا مَا أَيْقَنَ بِهِ أَصْحَابُ مُوسَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى حَاكيًا عَنْهُمْ: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61].

 

9- وَلَكِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أيقنَ بِالاِنْتِصَارِ، وَرَفَضَ الْاِنْهِزِامَ؛ فَلَقَدْ نظر إلى الْأَمْرَ بمنظارٍ آخَرَ؛ فلا يمكن أن ينهزمَ مَنْ وَعَدَهُ اللهُ بالنَّصْرِ، إِنَّهُ التَّوَكُلُ عَلَى اللهِ، والثِّقةُ فِي نَصْرِهِ، وَذَكَّرَ قَوْمَهُ بِالْحَقِيقَةِ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بالردِّ الْحَازِمِ الْحَاسِمِ برفْضِ الانهزامِ وَالْاِسْتِسْلَامِ.

 

10- كَمَا ذَكَرَ اللهُ عَنْهُ بقَوْلِهِ تَعَالَى:( قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)،فَلَمَّا أَظْهَرَ التَّوكُّلَ والثِّقَةَ بِنَصْرِ اللهِ؛ مَا خَذَلَهُ اللهُ، فأَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ البَحْرَ؛ فَضَرَبَهُ، فَانْفَتَحَ طُرُقًا يَابِسَةً، فَسَارَ مُوسَى وقَومُهُ، لَا يَخَافُ دَرَكًا، وَلَا يَخْشَى، وَدَخَلَ فِرعونُ وجُنُودُهُ فِي إِثْرِهِمُ، بِظَنِّهِم أنَّ الطُرَقَ الَّتِي اِنـْــفَتَحَتْ فِي الْبَحْرٍ لِلْجَمِيعِ، دَافِعُهُمُ الْخُيَلَاءُ والْكِبْرِيَاءُ، يَمْكُرُونَ فَمَكَرَ اللهُ بِهِمْ، فَلَمَّا تَكَامَلَ قومُ مُوسَى خَارِجَينَ مِنَ البَحْرِ، وتَكَامَلَ قومُ فِرعونُ دَاخِلينَ فِيهِ، أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ البحرَ فانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، وأَغْرَقَهُمْ أَجْمَعِينَ، فَاِنْتَصَرَ الحقُّ عَلَى البَاطِلِ، وَأَعَزَّ اللهُ جُنْدَهُ، وصَدَقَ وَعْدَهُ، حيثُ قَالَ لَهُمْ: ﴿ قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129]، وتَحَقَّقَتْ إِرَادَةُ اللهِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 6].

 

11- لَقَدْ حَصَلَ هَذَا الْحَدَثُ الْعَظِيمُ فِي اليومِ العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ، فهُوَ يومٌ لَهُ فَضَيلَةٌ عَظِيمَةٌ، صَامَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، شُكْرًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، على نَصْرِهِ.

 

12- فَفِي الصَّحِيحَينِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ.

 

13- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

14- وحث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صِيَامِهِ، وبَيَّنَ فَضْلِهُ، فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

15- وقَدْ عَزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَلَّا يَصُومَهُ مُفْرَدًا؛ بَلْ يَضُمُ إِلَيهِ يَومًا آخَرَ، مُخَالَفَةً لِأَهْلِ الكِتَابِ فِي صِيَامِهِ.

 

16- فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

17- وفي مسندِ الإِمَامِ أحمدَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا».

 

18- والأَجْرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الصِّيامِ، هُوَ صَومُ اليومِ العَاشِرِ، فَمَنْ صَامَهُ كَفَّرَ اللهُ عَنْهُ خَطَايَا سَنَةٍ كَامِلَةٍ، ومَنْ صَامَ مَعَهُ يَومًا قَبْلَهُ، أَو بَعْدَهُ؛ نَالَ مَعَ أَجْرِ التَّكْفِيرِ أَجْرَ المُخَالَفَةِ، فَلْيُصَمْ يَوْمَ التَّاسِعِ، معَ صِيامِ اليومِ العاشِرِ، وإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَصِيَامُ يومِ العَاشِرِ وَحْدَهُ، مُحَصَّلٌ بِهِ الأَجْرُ بِإِذْنِ اللهِ. اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًَا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

19- عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَحْدَثَ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ بِسَبَبِ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ثَلَاثَ بِدَعٍ فِي عَاشُورَاءَ:

البِدْعَةُ الأُولَى: يَقْتَرِفُهَا الشِّيعَةُ، وَخَاصَّةً الرَّافِضَةَ؛ حيثُ أَخْرَجُوا عَاشُورَاءَ عَنْ شُكْرِ اللهِ لنجاةِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وجعلُوهُ مُتَعَلِّقًا بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بنِ علِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، فجعَلُوهُ بَدَلَ الصِّيَامِ، وَالشُّكْرِ مُتَعَلِّقًا بِالْحُزْنِ، والنُّوَاحِ، واللَّطْمِ، والصُّرَاخِ، والبُكَاءِ، وجَرْحِ الأَجْسَادِ وإِسَالَةِ دِمَاءِ الصِّغَارِ والْكِبَارِ بِضَرْبِ أَجْسَادِهِمْ، وجَرْحِهَا بِالسَّكَاكِينِ والأَسْيَافِ، وإِظْهَارِ الْجَزَعِ وَإِنْشَادِ الْمَرَاثِي، وقِرَاءَةِ أَخبَارٍ مُثِيرَةٍ لِلْعَوَاطِفِ، مُهِيِّجَةٍ لِلْفِتَنِ، وكَثِيرٌ مِنْهَا مَكْذُوبٌ، وَهَذَا لَا شَكَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، ومِنْ أَفْحَشِ الذُّنُوبِ وأَكْبَرِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ حَيْثُ حَرَّمَ اللهُ النِّيَاحَةَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَطْمَ الخدودِ، بَلْ وَجَعَلَ الرَّافِضَةُ هَذَا الْيَوْمَ الْعَظِيمَ مَنَ الْأَيَّامِ الَّتِي يُكْثِرُونَ فِيهَا مِنْ لَعْنِ وَسَبِّ الصَّحَابّةِ، رُضْوَانُ اللِه علِيهِمْ.

 

20- وقد حذر الرسول من ذلك: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نصيفه “رواه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 

الْبِدْعَةُ الثَّانِيَةُ: بِدْعَةُ النَّاصبِةِ، وهَذِهِ الفِرْقَةُ تَكَادُ أَنْ تَكُونَ مُنْقَرِضَةً؛ حَيْثُ كَانُوا يَحْتَفِلُونَ فِي يَومِ عَاشُورَاءَ؛ مُخَالَفَةً لِلَّرَافِضَةِ، ومُنَاكَفَةً لَهُمْ، واِحْتِفَاءً بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

 

الْبِدْعَةُ الثَّالِثَةُ: مِنْ بَعْضِ جُهَّالِ أَهْلِ السُّـــنَّــةِ، حَيْثُ جَعَلُوهُ يَوْمَ سُرُورٍ وفَرَحٍ، وجَعَلُوا هَذَا الْيَوْمَ عِيدًا، بِحُجَّةِ أَنَّ اللهَ أَنْجَى فِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَوَضَعُوا الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا حَثٌ عَلَى الْاِكْتِحَالِ، وَالْاِخْتِضَابِ، وَالْاِغْتِسَالِ، وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الأَهْلِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُوْضُوعَةِ فِي فَضْلِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَأَحْدَثَ أُولئِكَ الْحُزْنَ، وأَحْدَثَ هَؤُلَاءِ الْأَعْيَادَ، وكُلُّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ؛ فَعَاشُورَاءُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الصِيَامُ شُكْرًا للهِ، لِا فَرَحٌ، وَلَا حُزْنٌ.

 

21- وقَانَا اللهُ وإِيَّاكُمْ شَرَّ الْبِدَعِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ، وَهَدَانَا لِلْسُّنَنِ وَجَعَلَنَا نَقْتَدِي بِخَيْرِ الْبَشَرِ، اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ، وَاتَّبَعَ رِضَاكَ، وسَارَ عَلَى نَهْجِ خَلِيلِكَ وَمُصْطَفَاكَ!

 

اللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيِّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بَنَاصِيتِيهَمْ إِلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَصْلِحْ بِهمْ الْبِلَادُ وَالْعِبَادُ، وَانْصُرْ الْمُرَابِطِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَارْبطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَثَبَّت أَقْدَامَهُمْ، وَانْشُرْ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا، اللَّهُمَّ احْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْإِيمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَام، وَالْخَيْرَات، وَالِاقْتِصَاد، اللَّهُمَّ احْفَظْ لِجَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، الْأَمْنَ وَالْإِيمَانَ، وَاكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارهِمْ، الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِزَرْعِ الفِتْنَةِ فِي بُلْدَانِهِمْ.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمْ إِلَى البِّرِ وَالتَّقْوَى، وأَصْلِحْ بِهِمْ البِلَادُ وَالعِبَادُ، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، والاستقرار، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا، الَّلهُمَّ أَصْلِحْ الرَّاعِيَ وَالرَّعِيَّةَ، وآلِفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ امْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، يَا ذَا الجـلَالِ، والإِكْرامِ، أَكْرِمْنَا وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
تحميل كتاب إعجاز القرآن وأسماء الله الحسنى pdf
{وقالت طائفة من أهل الكتاب..}