خطبة عيد الأضحى المبارك 1445هـ


خُطْبَةُ عِيْدِ الأضْحَى المُبَارَك 1445هـ[1]

 

الْحَمْدُ للهِ، مُعيدِ الجُمَعِ والأعْيَادِ، ومُبيدِ الأُممِ والأجنَادِ، وجَامِعِ النَّاسِ ليومٍ لا رَيبَ فيهِ إنَّ اللهَ لا يُخلفُ الميعَادِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا نِدَّ وَلا مُضَادَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدهُ ورَسُولهُ وَخَيْرَةُ خَلْقِهِ مِنَ العِبَادِ، صلَّى اللهُ عَلِيهِ وَعَلى آلِهِ وَأصْحَابِهِ والتَابِعِينَ لَهُم بإحْسَانٍ، إلى يَومِ الحَشرِ وَالتَّنَادِ، وَسلَّمَ تَسْليمًا كَثِيرًَا.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبيرًَا، والحَمْدُ للهِ كَثيرًا، وسُبْحَانَ اللهِ بُكرَةً وأصِيْلًا، اللهُ أكْبَرُ عَدَدَ مَا ذَكرَ اللهَ ذاكرٌ وكبّرَ، اللهُ أَكْبَرُ كلمَا لبّى حَاجٌ وكبّرَ، اللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا حَمِدَ اللهَ حَامدٌ وشَكرَ، اللهُ أَكْبَرُ مَا سَطَعَ فجرُ الإسلامِ وَأسفرَ، والحمدُ للهِ عَلى نعمائِهِ التي لا تُحْصَرُ وعَلى آلائِهِ التي لا تُقَدْرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ.

أمَّا بَعدُ:

فاتَّقوا اللَّهَ – مَعَاشِرَ المُؤمِنينَوالمُؤمِنَاتِحَقَّ التقوَى، وَرَاقبوُهُ فِي السِّر والنَجْوَى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]، واشكرُوهُ عَلى منتِهِ عَليْكُم بهَذا العِيدِ السعيدِ؛ فيومُكُم هَذَا يَومٌ عَظِيمٌ، وعِيدٌ كَرِيمٌ، يومُ الحَج الأكبرِ، ويَومُ النَّحرِ، وَعِيدُ الأضْحَى، يومُ برٍ وَإحْسَانٍ، وَفيهِ يَحْمَدُ المسلمونَ رَبَهُمُ عَلى نِعْمَةِ الإسلامِ، ويُكبرونَهُ عَلى مَا أولاهُمُ مِنَ الفضلِ والإنعَامِ.

العِيدُ -مَعَاشِرَ المُسْلمينَ- تَعبيرٌ صَادِقٌ عَنِ انتمَاءِ الأمةِ لدِينهَا، واعتزازِهَا بشخصيتِهَا؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيْدُنَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ، العِيدُ فَرَحٌ وشُكرٌ، واسْتمتاعٌ بالطيبَاتِ مَعَ اجْتنابِ مُنْكرَاتِ الأخْلاقِ، وإنَّمَا تتبينُ أخْلاقُ الأمِمِ فِي أعْيَادِهَا، ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

 

العِيدُ تذكيرٌ بنعمَةِ الإخُوةِ فِي الدينِ، وتأكيدٌ عَلى الاعتِصَامِ بحبلِ اللهِ المَتينِ ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]،﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2]، ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]؛ فاتَّقوا اللَّهَ -عِبَادَ اللهِ- وَعَليْكُمُ بالجَمَاعَةِ، وَلا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، واحْمَدُوا اللهَ عَلى نِعْمَةِ الأمنِ فِي الأوْطَانِ، والصحةِ فِي الأبدانِ ﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [سبأ: 15].

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

 

العِيدُ سَلامٌ ووئامٌ، وتهنئةٌ ودُعَاءٌ، ونُفُوسٌ صَافِيَةٌ مِنَ الضَغَائِنِ والشحْنَاءِ؛ ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53]، فابتهِجُوا بعِيدِكُم، وتسَامَحُوا، وتَصافَحُوا، وأزِيلُوا الضغَائنَ عَنْ قلوبِكُم، واجعَلُوا هَذِهِ الأيَّامَ؛ أيَّامَ اتِّفاقٍ لا اخْتلافٍ، وَسعَادةٍ لا بَغضَاءَ وَلا شَحنَاءَ؛ فانشرُوا الفرحَةَ عَلى مَنْ حَولَكُم، وَبروُا وَالدِيكُم، وأكرِمُوا جِيرَانَكُم؛ ووقّرُوا كِبارَكُم وعُلمَاءَكُم، وارحَمُوا صِغَارَكُم، وتعاهدُوا مرضاكُم، وتصدَّقوا عَلى فقرائِكُم؛ وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا، وَعَلى الحَقِ أعْوانًا، لا ظُلمَ وَلا عُدْوَانَ، المُسلمُ أخوُ المُسلمِ، لا يَظلِمُهُ، وَلا يَخْذِلُهُ، وَلا يَحْقِرُهُ، وَصِلُوا الأرْحَامَ، وارحَمُوا الأيتامَ، وتخلَّقوا بِأخلاقِ الإسلامِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

 

عِيدُ الأضحَى يَومُ التضحيةِ وَالفِدَاءِ، يَومُ الفَرَحِ وَالصَفَاءِ، يَومُ المُكَافَأةِ مِنْ رَبِ السَمَاءِ، وَالأضْحِيَةُ شَعِيرَةٌ إسْلاميَّةٌ، وَمِلَّةٌ إبرَاهِيميةٌ، وسنةٌ مُحمديةٍ، فعنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَضَحَّى نبيكُمُ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشٍ، وَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ؛ فذَبحُ الأضَاحي مِنْ أفضلِ مَا يُتقرَّبُ بِهِ إلى اللهِ -تَعَالى- فِي يومِ النَّحرِ، وأيامِ التشرِيقِ، وَذبحُ الأضْحِيَةِ أفضلُ مِنَ التَصدُقِ بثمنهَا، وتُجزئُ الشَاةَ عنْ الرجلِ وأهل بيته، والبَدَنَةُ والبقرةُ عَنْ سَبعَةٍ.

 

واعلَموا -رَحِمَكُم اللهُ- أنَّ وَقتَ ذَبحِ الأضَاحِي يبدأُ بَعدَ الفَرَاغِ مِنْ صَلاةِ العِيدِ، ويمتدُ إلى غُروبِ شمسِ اليومِ الثالثَ عَشر؛ ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقيرَ ﴾ [الحج: 28]. فكُلُوا وَتصدَقُوا؛ وَضَحُوُا تقبلَ اللهُ ضَحَايَكُم، وَطِيبوُا بِهَا نَفْسًَا، تقبلَ اللهُ مِنَا وَمِنكُم صالحَ الأعمَالِ، وأعادَ عَلينَا وَعَليكُمُ هذِهِ الأيامَ بأحسنِ الأحوالِ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كْبَيرًا.

الخُطبةُ الثَّانية

الحمْدُ للَّهِوكَفَى، وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الذينَ اصْطَفى، وَبَعدُ؛ فَاعْلَمُوا –رَحِمَكُمُ اللهُ- أنَّ أيَّامَكُمُ هَذِهِ أيامُ هَديٍ وأضَاحٍ، وَعجٍّ وَثجٍّ، وَتكبيرٍ وَتهليل، وَحَمْدٍ وَشُكرٍ، فكبِّروا اللهَ وَاذكرُوُهُ عَلى مَا هدَاكُمُ فِي كلِ وقتٍ، ودبرَ الصَلوَاتِ إلى آخِرِ أيَّامِ التشريقِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

 

يَا نِسَاءَ المُسلمينَ: اتقينَ اللهَ فِي أنْفُسِكُنَّ، ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأحزاب: 33]، ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب: 32]، ولقدْ صَانَكُنَ اللهُ بِالحِجَابِ والجِلبَابُ، وجَعَلَهُ طَهَارَةً للقُلوبِ وَحِراسةً للأعْرَاضِ، فليكُنْ لَكُنَّ فِي أمْهَاتِ المُؤمِنينَ أُسْوةٌ، وتَصَدْقنَ، وَأكثِرْنَ الاسْتِغِفَارَ، واتّقينَ النَّارَ، وقُمْنَ بِحَقِ الأزواجِ، وحُسْنِ تَرْبيةِ الأولادِ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

 

اللهُمَّ أسعِدِ فِي هَذَا العِيدِ قُلوبَنَا، وفرج هُمومنَا، واشفِ مرضَانَا، وارحمْ موتانَا، ياذَا الجَلالِ والإكرَامِ.

اللهُمَّ اجْعلْ بِلادَنَا بِلادَ إيمَانٍ وأمَانٍ، ورَخَاءٍ وسَعَةِ رِزقٍ، واصْرِفْ عنهَا الشرورَ والفتنَ، مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطنَ.

اللهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمينَ، واحْمِ حَوزَةَ الدِينَ، وانْجِ عِبَادَكَ المُستَضْعَفِينَ فِي فلسطينَ وكُلِ مَكَانٍ، وَكُنْ لَهُم وَليًا وَظَهيرًا، وَاحْقِنْ دِمَاءَ إخوانِنَا فِي السُودَانِ.

اللهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرَمَينَ الشَرِيفينَ، وَوليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترضى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ.


[1] للشيخ محمد السبر جامع موضي السديري بالرياض:

https://t.me/alsaberm





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
خطبة أحكام وفضائل يوم النحر وأيام التشريق
تحميل كتاب ديني ؛ سلسلة ديننا pdf