خطبة عيد الفطر لعام 1445هـ


خطبة عيد الفطر لعام 1445هـ

الْخُطْبَةُ الْأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ:

1- عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ الْعِيدُ يَعُودُ، وَيُطِلُّ عَلَى الْأُمَّةِ، وَتَكْسُو الْمُسْلِمَ الْيَوْمَ فَرْحَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِلصَّائِمِ فرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ)، فَيُعَبِّرُ عَنْهَا الْمُؤْمِنُ بِاحْتِفَالِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْـمُبْهِجِ.

 

2- عباد الله: بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْعِيدِ لَهِجَتِ الأَلْسُنُ بِتَكْبِيرِ اللهِ، فِي بُيُوتِ اللهِ، وَفِي الْـمَنَازِلِ، وَالطُّرقاتِ، وَفِي الْأَسْوَاقِ، وفِي مُصَلَّياتِ الْعِيدِ، يَأْتَـمِرُ الْـمُكَبِّـرُونَ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185] لَقَدْ تَشَنَّفَتِ الأَسمَاعُ، وعِبادُ الرَّحمَنِ يُحْيُونَ سُنَّةً عَظِيمَةً، سُنَّةَ التَّكْبِيرِ، يَلهَجُونَ بِالتَّكْبِيرِ فِي كُلِّ فِجَاجِ الْأَرْضِ، فَشِعَارُنَا مِنْ لَيلِ الْعِيدِ التَّكبيرُ: (اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا)، وَتِلْكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَسْتَـحِقُّ الشُّكْرَ وَالْحَمْدَ.

 

3- عِبَادَ اللهِ: العِيدُ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِلتَّصَافُحِ وَالتَّسَامُحِ، وَنَبْذِ الشَّحْنَاءِ مِنَ القُلُوبِ، وَتَتَطَهَّرِ الْقُلُوبُ، وَتُسَلُّ مِنْهَا السَّخِيمَةُ، وَيُنْزَعُ مِنْهَا دَاءُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، كَمَا صَحَّ عَنِ الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث قَالَ: “دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَهِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُونَ حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ) رَوَاهُ الإِمَامُ أَحـْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

4- عِبَادَ اللهِ: اِحْذَرُوا البِدَعَ وَالمُحْدَثَاتِ، كَتَبَادُلِ التَّعَازِي عِنْدَ فِرَاقِ رَمَضَانَ، فَاللهُ شَرَعَ لَنَا الفَرْحَةَ، وَخَلَقَ لنَا الْعِيدَ؛ لنفرَحَ فيهَ، ونَسْعَدَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185]، وَالشُّكْرُ يَكُونُ بِالسَّرَّاءِ، والْعِيدُ مِنَ السَّرَّاءِ. وَالتَّعْزِيَةُ لا تَكُونُ إِلَّا فِي الْمَصَائِبِ، وَهَلِ الْعِيدُ مِنَ الـمَصَائِبِ حَتَّـى نُعَزِّيَ عِنْدَ دُخُولِهِ؟

 

5- عِبَادَ اللهِ: بِعِيدِنَا هَذَا اِسْتَقْبَلنَا أَوَّلَ أَيَّامِ مَوَاقِيتِ الحَجِّ الزَّمَانِيَّةِ، وَالحَجُّ تَذْكِيرٌ عَظِيمٌ بِيومِ الحَشْرِ المَهِيبِ، وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ، وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَومِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

6- عِبَادَ اللهِ: لَا تَنْسَوا فِي عِيدِكُمْ هَذَا الفُقَرَاءَ وَالمَسَاكِينَ، تَصَدَّقُوا عَلَيْهِمْ، وَأَحسِنُوا إِلَيْهِمْ، وأَطْعِمُوهُمْ، وَاِكْسُوهُمْ، اِرْحَمُوا العُمَّالَ، وَأَشْرِكُوهُمْ فَرْحَتَكُمْ، وَلَا تُحَمِّلُوهُمْ مَا لَا يَطِيقُونَ، وَلَا تَتَعَامَلُوا مَعَهُمْ وَكَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ جِنْسِ الْبَشَرِ، فَلَا فَرْحَةَ لَهُمْ عِنْدَ بَعْضِنَا -هَدَانَا اللهُ وَإِيَّاهُ- بِالْعِيدِ؛ فَلَا لِبَاسَ جَدِيدًا لَهُمْ، وَلَا حَتَّى تَهْنِئَةٌ بِالْعِيدِ، فَمَا أَطْيَبَ أَنْ تُطْعِمَ خَادِمَكَ وَعَامِلَكَ مِنْ طَعَامِكَ، وَتُهَنِّئَهُ بِالْعِيدِ، يَسِّرْ لَهُ الاِتِّصَالَ بِأَهْلِهِ، لِيُهَنِّئَهُمْ وَيُهَنِّئُوهُ، فَلَا تَبْخَلْ عَليهِ، وَلا عَلَى نَفْسِكَ، بِدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ لإِسْعَادِهِ، تُخَفِّفُ عَنْهُ بِعَطْفِكَ وَرَحْمَتِكَ فِرَاقَهُ أَهْلَهُ، فَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ اللهُ؛ فَخَفِّفْ من حُزْنِهِ وَاِرْحَمْهُ، فَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ اللهُ، وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَنِ العَامِلَاتِ فِي الْمَنَازِلِ، اللَّوَاتِي مَا دَفَعَهُنَّ لِلْعَمَلِ عِنْدَنَا إِلَّا الْعَوَزُ وَالْحَاجَةُ، وَشَظَفُ الْعَيْشِ، وَالْفَقْرُ وَالفَاقَةُ فِي بِلَادِهِمْ.

 

7- عِبَادَ اللهِ: صِلُوا أَرْحَامَكُمْ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَاِحْذَرُوا قَطِيعَةَ الرَّحِمِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوليْتُم أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ [محمد: 22]. فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ.

 

8- عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا الأَيْتَامَ وَاِرْحَمُوهُمْ؛ فَبِرَحْمَتِهِمْ تَلِينُ الْقُلُوبُ القَاسِيَةُ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: (وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَشْكُو قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلبُكَ، وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ اِرْحَمِ الْيَتِيمَ، وَاِمْسَحْ رَأْسَهُ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ) رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

9- عِبَادَ اللهِ: اِسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، وَعَاشِرُوهُنَّ بِـالْمَعْرُوفِ، وَأَدُّوا حَقَّ اللهِ لَهُنَّ، وَاِعْلَمُوا أَنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ، إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تُقِيمُوهُ كَسَرْتُمُوهُ، وَكُونُوا عَلَى رِقَابَةٍ بِتَرْبِيَةِ بَنَاتِكُمْ تَرْبِيَةً عَلَى نَهْجِ نِسَاءِ وَبَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

10- عباد الله: الشِّرْكُ وَالتَّوْحِيدُ ضِدَّانِ، لَا يَجْتَمِعَانِ. فَكَمْ مِنْ مُسْلِمٍ لَطَّخَ إِيمَانَهُ بِلَوْثَاتِ الشِّرْكِ، وَدَنَّسَ قَلْبَهُ بِسَيِّئَةِ البِدْعَةِ؟ ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]، يَا عَبْدَ اللهِ، اُنْظُرْ مَاذَا صَرَّفْتَ للهِ تَعَالَى مِنْ عَمَلِكَ، فَهَلْ أَخْلَصْتَ وَاِتَّبَعْتَ فَتَسْعَى لِلْمَزِيدِ، أَمِ اِبْتَدَعْتَ وَرَاءَيْتَ فَتَتُوبُ قَبْلَ يَوْمِ الوَعِيدِ؟

 

11- عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْنَا بِأَنْ رَزَقَنَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ، بِإِقَامَتِنَا لِشَرْعِهِ، وَاِتِّبَاعِنَا لِنَهْجِ نَبِيِّهِ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ؛ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ دُعَاةِ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ، الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لإِبْدَالِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ، إِلَى التَّفَرُّقِ، وَالتَّشَتُّتِ، وَالضَّيَاعِ: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ [إبراهيم: 28، 29].

 

12- عِبَادَ اَللَّهِ: اِتَّقُوا اَللَّهَ حَقَّ اَلتَّقْوَى، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ اَلْمَسْؤُولِيَّةَ اَلْمُلْقَاةُ عَلَى عَوَاتِقِنَا عَظِيمَة، مَسْؤُولِيَّة حِمَايَةِ أَبْنَائِنَا، وَفَلَذَاتِ أَكْبَادِنَا مِنَ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلْفِكْرِيَّةِ وَالْعَقَدِيَّةِ، وَمِنَ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلْأَخْلَاقِيَّةِ، فَعَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَقُومَ بِمَا أَمَرَهُ اَللَّهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ، بِحِمَايَةِ هَذِهِ اَلنَّاشِئَةِ مِنْ جَمِيعِ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. أَوْ تَضُرُّ بِبِلَادِهِمْ، جَعَلَهُمْ رَبِّي قُرَّةَ أَعْيُنٍ لَنَا.

 

13- عِبَادَ اللهِ: رَبُّوا أَبْنَاءَكُمْ عَلَى اِتِّبَاعِ سُنَّةِ المُصْطَفَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِفَهْمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ فَفَهْمُهُمْ مُقَدَّمٌ عَلَى أَفْهَامِنَا، فَهُمْ أَقْرَبُ لِلتَّنْزِيلِ، وَأَفْهَمُ لِلتَّأْوِيلِ، وَكُونُوا مَعَهُمْ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ حَيَاتِهِمْ؛ حَتَّى لَا تَذْهَبَ بِهِمْ الأَهْوَاءُ وَالأَمْزِجَةُ، بِاِتِّبَاعِ مَنَاهِجِ الْخَلَفِ الَّتِي تَقُودُ إِلَى الهَلَاكِ وَالتَّلَفِ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ أَنْ تَلْعَبَ بِهِمُ الْحَمَاسَةُ غَيْرُ الْمُنْضَبِطَةِ، وَالْعَوَاطِفُ الهَوْجَاءُ، فَتَقُودُهُمْ لِلْبُعْدِ عَنْ السُّنَّةِ، وَمُقَارَفَةِ البِدْعَةِ، تَحْتَ تَأْثِيراتٍ خَارِجِيَّةٍ أَوْ دَاخِلِيَّةٍ، تَعْبَثُ بِأَفْكَارِهِمْ، وَتَقُودُهُمْ لِزَرْعِ الفِتْنَةِ فِي بِلَادِهِمْ، وَتُغَيِّرُ سُلُوكَهُمْ، فَيُصْبِحُون بَدَلًا أَنْ يَكُونُوا لَبِنَاتٍ صَالِحَةً، نَافِعَةً لِأَنْفُسِهِمْ وَلِمُجْتَمَعِهِمْ وَلِدِينِهِمْ، شَرًّا، وَوَبَالًا، وَنِقْمَةً عَلَيْكُمْ، وَعَلَى مُجْتَمَعَاتِهِمْ.

 

14- عِبَادَ اللهِ: اِحْرِصُوا كُلَّ الحِرْصِ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ، لِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، فَعَلَيْهِ بِالْمُبَادَرَةِ فِيهِ قَبْلَ صِيَامِ السِّتِّ؛ فَالصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ أَلَّا تُصَامَ السِّتُّ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ مَا أَفْطَرَ فِيهِ الْعَبْدُ مِنْ رَمَضَانَ، فَالفَرْضُ أَوْلَى مِنَ النَّفْلِ، وَاللهُ يَقُولُ فَي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا اِفْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) رواهُ البُخَارِيُّ. وَالقَضَاءُ هُوَ الفَرْضُ الْمُحَبَّبُ إِلَى الرَّبِّ جَلَّ في عُلَاهُ. وَعَلَيْكُمْ بِالمُبَادَرَةِ بِصِيامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ، فَمَنْ صَامَهَا؛ فَأَجْرُهُ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهرِ)، رَوَاهُ مُسلِمٌ؛ أَيْ: الْعَامَ كُلَّهُ.

 

15- عِبَادَ اللهِ: اِحْذَرُوا التَّهْنِئَةَ بِمَا يُسَمَّى عِيدَ الْأَبْرَارِ، عِنْدَ الْاِنْتِهَاءِ مِنْ صِيَامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ، فَلَيْسَ فِي الإسلامِ إِلَّا عِيدَانِ: الْفِطْرُ وَالْأَضْحَى، وَقَدْ نَصَّ شَيْخُ الإِسلامِ عَلَى بِدْعِيَّتِهِ.

 

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًَا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًَا كَثِيرًَا.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

16- أَيَّتُهَا الأَخَوَاتُ الْمُؤْمِنَاتُ، اِتَّقِينَ اللهَ فِي أَنْفُسِكُنَّ، وَحَافِظْنَ عَلَى بُيُوتِكُنَّ، وَحَافِظْنَ عَلَى الحشمة والوقار والحجاب، وَاِحْذَرْنَ دُعَاةَ الْفَسَادِ، وَأَرْبَابَ الشَّهَوَاتِ. أَطِعْنَ الْأَزْوَاجَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ. أَيَّتُهَا الْأُخْتُ الْـمُسْلِمَةُ، الْـحَذَرَ الْحـذَرَ مِنَ اللِّبَاسِ الْعَارِي بَيـنَ الْمَحَارِمِ مِنَ الرِّجَالِ، أَوِ النِّسَاءِ؛ فَبَعْضُ النِّسَاءِ لَا تُبَالِي؛ فَتَخْرُجُ فِي مُـجْتَمَعَاتِ النِّسَاءِ وَبَيْنَ مَـحَـارِمِهَا؛ وَقَدْ كَشَفَتْ عَنْ فَخِذِهَا، أَوْ عَنْ بَعْضٍ مِنْهُ، وَبَعْضُهُنَّ تَكْشِفُ مَا بَيْـنَ سُرَّتِـهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَبَعْضُهُنَّ تَكْشِفُ بَعْضَ صَدْرِهَا؛ فَأَصْبَحَ لِبَاسُهَا لِبَاسًا مُـحَرَّمًا. وَبَعْضُهُنَّ تَلْبَسُ الْـمَلَابِسَ الضَّيِّقَةَ الَّتِـي تُـحَجِّمُ جَسَدَهَا؛ وَقَدْ نَـهَى الإِسْلَاُم عَنْ ذَلِكَ؛ حَيْثُ نَـهَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَقِيلَ لَهْ: يَا أَمِيـرَ الْـمُؤْمِنِيـنَ، إِنَّـهَا لَا تَشِفُّ! أَيْ: إِنَّـهَا لَا تُظْهِرُ لَوْنَ الْبَشْرَةِ، فَقَالَ: لَكِنَّهَا تَصِفُ. فَمَا بَالُكَم بِلِبَاسٍ يَصِفُ وَيَشِّفُ! تَدَّعِي صُوَيْحِبَاتُ هَذَا اللِّبَاسِ أَنَّ هَذَا هَوَ التَّقَدُّمُ والتَّمَدُّنُ، بَل العَجِيْبُ أَنَّ المُحَافِظَةَ عَلَى اللِّبَاسِ المُحْتَشِمِ يَصِفْنَهَا بِالْمُتَخَلِّفَةِ وَالْقَرَوِيَّةِ، أَو كَبِيرَةِ السِّنِّ الْجَّاهِلَةِ بِمَعْرِفَةِ المُوضَاتِ؛ فَأَصْبَحَ المَعْرُوفُ عِنْدَ بَعْضِهِنَّ مُنْكَرًا، وَالمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بالله، وَيَتَحَمُّلَ الْآبَاءُ وَالْأَزوَاجُ وَالْأُمَّهَاتُ جُزْءًا كَبِيـرًا مِنَ الْمَسْؤُولِيةِ.

 

17- وَاحْرصُوْا عِبَادَ الله عَلَى إِحْيَاءِ هَذِهِ السُنَّةَ حَيْثُ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًَا كَثِيْرًَا فِيْ الحَدِيْثِ الَّذِيْ لَا يَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الحَسَنِ: (أَنَّهُ كَانَ لا يُصلِّي قَبْلَ العِيدِ شيئًا، فإذا رَجعَ إلى منْزِلِهِ صلَّى ركعتيْن).أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةَ؛ وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ المُلَقَّنُ: إِسْنَادهُ جَيِّد،كَمَا فِيْ البَدْرِ المُنِيْرِ: وَحَسَّنَهُ ابنُ حَجَر، كَمَا فِيْ فَتْحِ البَارِي؛وَقَالَ عَنْهُ مُحَمَّدُ ابنُ عَبْدِ الهَادِي:إِسْنَادُهُ صَالِح، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُم؛وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْوِي فِيْهَا العَبْدُ هَذِهِ السُنَّة، مَعْ نِيَّةِ سُنَّة الضُحَى، وَسُنَّة دُخُولِ المَنْزِلِ، فَتَمَيَّزَ النَّاسُ بِنِيَّاتِهِمْ.

 

الَّلهُمَّ رَبَّنَا اجعلنا ممن وَفِّقْنَا لِقِيَامِ لَيْلَةِ القَدْرِ،ورزقتنا فِيْهَا عَظِيْم الأجْرِ،، الَّلهُمَّ تَقَبَّل مِنَّا الصِّيَامَ وَالقِيَامَ،وَوَفِّقْنَا لِصِيَامِ سِتٍ مِنْ شَوَّال؛ وَارْزُقنَا حَجُّ بَيتِكَ الحَرَامِ:وَنَحْنُ فِيْ أَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَصِحَةٍ وَعَافِيَةٍ؛ اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وأحطنا بعنايتك؛ اللهم ربنا وفق وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمْ إِلَى البِّرِ وَالتَّقْوَى، وأَصْلِحْ بِهِمْ البِلَادُ وَالعِبَادُ، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، والاستقرار، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا، الَّلهُمَّ أَصْلِحْ الرَّاعِيَ وَالرَّعِيَّةَ، وآلِفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ امْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، ا ذَا الجـلَالِ، والإِكْرامِ، أَكْرِمْنَا وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ,، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
13 must-read books for digital nomads – Worldpackers
الربيحات يكتب: بلاش فلسفة | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية – وكالة عمون الاخبارية