خطبة عيد الفطر 1445هـ {وحسن أولئك رفيقا}
خطبة عيد الفطر 1445ه
وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَبَلَّغَنَا شَهْرَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَوَفَّقَنَا بِفَضْلِهِ لِلتَّمَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْبَرَرَةِ الْكِرَامِ. اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُوَلِلَّهِ الْحَمْدُ.اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
عَلِمَ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ، وَلَهُ الْحَوْضُ الْمَوْرُودُ، وَلَهُ الْكَوْثَرُ، وَلَهُ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى الَّتِي لَنْ تُعْطَى لِأَحَدٍ سِوَاهُ؛ فَكَانُوا يُحِبُّونَهُ أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَآبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَمَا كَانُوا يُطِيقُونَ الْبُعْدَ عَنْهُ، وَمَا كَانُوا يَصْبِرُونَ عَلَى فِرَاقِهِ؛ بَلْ كَانُوا يَتَقَرَّبُونَ مِنْهُ لِيُمَتِّعُوا أَبْصَارَهُمْ بِرُؤْيَتِهِ.
وَلَكِنْ أَقَضَّ مَضَاجِعَهُمْ، وَأَحْزَنَهُمْ حُزْنًا شَدِيدًا؛ أَنَّهُمْ – بَعْدَ الْمَوْتِ – لَنْ يَنْعَمُوا بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّهُ سَيَكُونُ فِي مَقَامِ النَّبِيِّينَ، وَهُمْ سَيُكُونُونَ فِي مَنْزِلَةٍ دُونَ مَنْزِلَتِهِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الْجَنَّةَ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَةٍ وَأُخْرَى كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ! فَهَذَا الْخَاطِرُ آلَمَهُمْ، وَأَدْخَلَ الْحُزْنَ فِي قُلُوبِهِمْ.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي، وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ؛ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ، فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ؛ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ”. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النِّسَاءِ: 69]» صَحِيحٌ – رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.
﴿ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ ﴾ تِلْكَ الْمُرَافَقَةُ لِلْأَخْيَارِ تَفَضُّلٌ مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمِنَّةٌ، وَعَطَاءٌ، فَهُوَ الَّذِي وَفَّقَهُمْ لِلطَّاعَةِ، وَأَدْخَلَهُمْ جَنَّتَهُ، وَرَزَقَهُمْ هَذِهِ الْمُرَافَقَةَ بِرَحْمَتِهِ، لَا بِأَعْمَالِهِمْ؛ ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النِّسَاءِ: 70] بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهِدَايَةَ، وَالتَّوْفِيقَ، وَالْفَضْلَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَمِنْ أَعْظَمِ فَوَائِدِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ:
1-فَضْلُ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالتَّدَرُّجِ فِي ذِكْرِ الْأَخْيَارِ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَقَلِّ.
2-فَضْلُ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَصُحْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ طَاعَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا تُورِثُ مُرَافَقَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَفَضْلُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْزِلَةُ الْعُلَمَاءِ، وَفَضْلُ أَهْلِ الصَّلَاحِ.
3-فَضْلُ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ؛ وَلِذَلِكَ اخْتَارَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمَّا خُيِّرَ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ». قَالَتْ: «فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ [شَيْءٌ يَعْتَرِضُ مَجَارِيَ التَّنَفُّسِ، فَيَتَغَيَّرُ بِهِ الصَّوْتُ، وَيَغْلُظُ] يَقُولُ: ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ قَالَتْ: «فَظَنَنْتُهُ خُيِّرَ حِينَئِذٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
4-أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَرَوْنُ الْأَنْبِيَاءَ فِي الْجَنَّةِ، وَيَحْصُلُ اللِّقَاءُ وَالرُّفْقَةُ بَيْنَ أَهْلِ الدَّرَجَاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ، وَلَا يُحْرَمُ الْأَدْنَى مِنْ رُؤْيَةِ الْأَعْلَى.
5-أَنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ؛ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ…
وَمِنْ فَوَائِدِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ:
6-أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ لَا يَصْبِرُونَ عَنْ رُؤْيَةِ نَبِيِّهِمْ، وَأَئِمَّتِهِمْ.
7-الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عَلَى لِقَاءِ الْأَخْيَارِ؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ”؛ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
8-فَضْلُ طَاعَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمُنَاصَرَتِهِمْ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى مَا جَاءُوا بِهِ، وَفَضْلُ نُصْرَةِ الدِّينِ بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ، وَفَضْلُ نُصْرَتِهِ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ.
9-أَنَّ فَضْلَ اللَّهِ عَظِيمٌ، وَفَضْلَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عِلْمِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ المُسْتَحِقَّ لِفَضْلِهِ؛ فَيُوَفِّقُهُ لِلْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْفَضْلِ.
عِبَادَ اللَّهِ.. إِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ يُقَرِّبُ صَاحِبَهُ مِنْ مَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا» صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِمَحَبَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعِهِ فِي الدُّنْيَا، وَبِشَفَاعَتِهِ وَصُحْبَتِهِ وَمُرَافَقَتِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. أعادَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالْعَفْوِ وَالْعَافِيَةِ، وَتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الْأَعْمَالِ.