خطبة: كيف نشبع أولادنا بالحب؟


خطبة: كيف نشبع أولادنا بالحب؟

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، وقال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]؛ أما بعد:

فالحب من أهم محدِّدات السعادة لدى الإنسان، وهو من أكثر احتياجات الإنسان الأساسية، ولا يقتصر مفهوم الحب على العاطفة الرومانسية بين الشاب والفتاة، بل هو أكبر من ذلك؛ فهو شعور بالانتماء والاحترام، والراحة والترابط مع الآخرين، سواء مع الوالدين أو الأسرة، أو الأصدقاء أو المجتمع أو الوطن.

 

يا عباد الله: الحب شعور بالسعادة والسرور والرضا عن النفس، عندما تحقق أحلامها ونجاحاتها، وعند تقديم يد العون للآخرين، فتساعدهم وتخفف آلامهم، وعن الآخرين من الرجال والنساء صغارًا وكبارًا، الذين تَكُنُّ لهم الاحترام والقبول، وأشرف منازل الحب حبُّ الله لعبده، وحب العبد لله؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54].

 

وللحب – يا عباد الله – عند الناس أنواع؛ منها:

حب الله ورسوله: وهو أزكاها وأنقاها؛ لأنه من شروط الإيمان بالله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))؛ [رواه البخاري].

 

حب الوالدين: وهي فطرة فَطَرَ الله الإنسان عليها؛ لإحسانهما وتربيتهما وعطفهما.

 

حب الزوجة والأولاد: وهي كذلك من الفطرة التي فطر الناس عليها.

 

حب الدنيا وملذاتها: قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].

 

الحب بين الرجل والمرأة: خلق الله تعالى في كلٍّ من الرجل والمرأة غريزةً تجذب وتقرب كل منهما للآخر؛ ليتمكنا من التزاوج وبناء الأسرة؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، إلا أن الله تعالى ضبط العلاقة بينهما ونظَّمها، وذلك بحثِّهما على صون النفس من الفتن والشهوات.

 

حب النفس والذات: وتأتي مع حب الآخرين، وقد تأتي مع كره الآخرين.

 

الحب الْمَرَضِيُّ: وهو التعلق بشخص آخر بشكل مرضي، ويسمى الحب من طرف واحد.

 

تقول فتاة: تعرفت على شاب منذ شهرين عن طريق أحد المواقع الإلكترونية، وهو من بلدتي، محترم، وأخلاقه عالية، كل يوم نتكلم هاتفيًّا في مواضيع عشوائية، وبدأت أعجب به، ولكني لم أذكر حبي له، المهم قبل أيام استوعبت أنه حرام أن أكلم شابًّا بهذه الطريقة، وأهلي بدؤوا يشكون بي، ولم أرغب أن يعرفوا؛ فمن المحتمل أن يقتلوني، قلت للشاب: إنه حرام، وأهلي يشكون بي، وأخاف على نفسي، ولا أرغب بالحديث معك بعد الآن، قال لي: أحترم رأيك وقرارك، واعملي ما يريحك، تركته، لكني أحبه ولا أريد أن أنفصل عنه، وفي الوقت نفسه لا أريد أن أقع في الحرام وأدخل في علاقات محرمة، مشكلتي أني تعلقت به، تعودت أن أصبح وأمسي معه، ونتشارك معًا تفاصيل أيامنا، تعلقت به بشدة لدرجة أني أتنفس بصعوبة عندما أتذكره، بالأمس بكيت بشكل شديد، لم أتوقع أني أحبه لهذه الدرجة، ماذا تنصحوني أن أفعل لكي أنساه؟ فقد كان يعطيني أملًا وحبًّا واهتمامًا أكثر من أهلي.

 

يا عباد الله: إن على الآباء والأمهات أن ينتبهوا لهذه المشاعر الجيَّاشة، وأن يشبعوها، حتى لا يشبعها الشاب والفتاة من خارج البيت، وقد تكون بالعلاقات المحرمة.

 

نفعني الله وإياكم بهدي نبيه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إن ربي لغفور رحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، خلق فسوى، وقدر فهدى، وصلى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30، 31].

 

يا عباد الله: وأقول هنا للآباء والأمهات إذا أردتم إشباع الحب لأولادكم؛ عليكم بالآتي:

أولًا: الاحترام: احترام الشاب والفتاة بصفاتهما من دون العمل على التغيير من طبيعته، أو إجباره على تغيير شخصيته، وإنما مساعدته على تغيير سلوكياته السلبية.

 

ثانيًا: المعرفة؛ وهي معرفة شخصيته وهواياته وأفكاره، ومحاولة إشباعها وعدم التصادم معها، وتنمية قيمه وأخلاقه.

 

ثالثًا: لغة الحب: وهنا يحتاج الشاب والفتاة إلى الشعور بالحب والرضا من الوالدين عن طريق لغة الحب؛ اللمسة، والقُبلة، والكلمة، والنظرة، والضمَّة.

 

رابعًا: الحوار الصريح: ونحن نحتاج للحوار من أجل معرفة ما يدور في ذهنه، وما يحتاج إليه وما يعانيه، مع الإنصات له وتفهُّم مشاعره وعواطفه.

 

خامسًا: قضاء الوقت: فالشاب والفتاة يحتاجان إلى قضاء أوقات جميلة وممتعة معهما، حتى يشعرا بالراحة والسرور والرضا.

 

سادسًا: تدريبه وتعليمه حبَّ الذات وتطويرها، وحب الآخرين ومساعدتهم، والانخراط بالأعمال التطوعية، والبحث عن رضا الله ورسوله؛ حتى ينال الجنة.

 

يا عباد الله: إن حرمان الشباب والفتيات من الحب قد يؤدي إلى إصابتهم بالاكتئاب، وعدم الثقة بالنفس، وتدني في مستوى احترام الذات، وأن يترجم ذلك إلى أعمال ومبادرات يتأكد منها الشاب أنه فعلًا موضع تقدير واحترام وقبول.

 

هذا، وصلوا وسلموا – عباد الله – على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأعْلِ بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه لِما تحب وترضى، وخُذْ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وإلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقِنْ دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزة على الخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عنا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار، رُدَّ عنا كيد الكائدين، وعدوان المعتدين، ومكر الماكرين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، حسبنا الله ونعم الوكيل.

 

اللهم أبْرِمْ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألِّف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.

 

اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبل شهداءهم، اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، وردَّهم سالمين غانمين.

 

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، ﴿ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 – 182].

 





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
مكتبه السلطان – رواية السجينة / الفصل الرابع/ كتب مسموعة
Book Review: ‘Matrix,’ by Lauren Groff – The New York Times