دروس في سقوط المعتدين على القرآن


دروسٌ في سقوطِ المعْتدِين على القرآن الكريم

 

فوجئنا بأحد المجرمين اللاجئين في السويد، يُعلن بأنه سينفّذ جريمته، أمام مسجد المسلمين في (استكهولم) في السويد، في أول يوم من أيام عيد الأضحى وأنه سيحرق القرآن الكريم، وأنه أخذ الموافقة الرسمية من السلطات في السويد! وهذا مقال للحديثِ عن الجريمة ومنفّذها والمتبنّين له ولفعله الشنيع هذا؛ ومناقشة للجريمة وحقيقة دوافعها.

 

توطئة لابد منها:

افتعلَ هذا الرجل التافه هو ومَن أيّده والبلد الذي أيّده (السويد، أو أيّ بلدٍ وقفَ موقفه) سببًا تافهًا وزائفًا في الوقت نفسه؛ للإقدام على جريمة دعْس القرآن الكريم، بحذائه، وتحويله إياه إلى كُرة قدمٍ يَقذفه بحذائه بحقد وجنون غريب!

 

والسبب المزعوم هو ادّعاؤه بأنه حريةُ رأي، لكنه كاذبٌ؛ لأنه لم يُبدِ رأيًا وإنما مارسَ امتهانًا وحَرْقًا لكتاب رب العالمين؛ فهل هذا رأيٌ؟

 

كلا، بل هو فعْلٌ مجرّد عن أيّ قول أو حجة!

 

ونسأل هذا البلد الذي أيّده وحَماه: ما الرأي الذي تدّعونه أو ذَكرَهُ صاحبكم؟ فلن يَجدوا جوابًا!

 

وأمّا لو ادّعى أيُّ مدّعٍ طعنًا في القرآن الكريم:

 

فنحن المسلمين نتحدّى أيّ شخصٍ أن يُثْبت أيَّ طعن في القرآن، بل إنّ هذا التحدي قائمٌ على مرّ التاريخ مِن وقتِ نزول القرآن.

 

بل هذا التحدي دعا إليه اللهُ ربُّ العالمين، مُنزِلُ القرآن مِن أول إنزاله.

 

وهو تحدٍّ في آياتٍ متلوّة في القرآن إلى يوم القيامة.

 

والواقع شاهدٌ أنه لم يستطع أحدٌ أنْ يَتجاوز هذا التحدي حتى يومنا هذا!

 

وهذا في الحقيقة شهادةٌ وإعلانٌ أنّ هذا الكتاب كتاب الله رب العالمين!

 

فلماذا دعوى المغالطة هذه، والزعم بأنّ هذا الرجل غير السويّ يمارسُ بجريمته هذه حقَّه في حريّة الرأي! بل هذا مغالطة وادّعاء أنه مجرد حريّة رأي!

 

أوّلًا:

قد أقدمَ على امتهان كتاب الله وكلامه (القرآن الكريم) وحرْقه شخصٌ تافهٌ أحمق؛ محتميًا بحرية (ليبراليّة) البلد الذي آواه وحمَاه، وأعطاه هو ومَن معه موافقةً على جريمته، ووافق له ولمن معه على عمل مظاهرة لتأييد الجريمة؛ تعبيرًا عن حريّة الرأي -بزعمهم- وذلك في الوقت الذي رَفضتْ السلطات إعطاء موافقة للمعارضين للجريمة لعملِ مظاهرة تَرفض هذه الفِعْلة المتحدّية للعقل والمنطق ولحقوق الإنسان وحريّة الدين!

 

والسؤال هو:

أين حريّة الرأي هذه التي منحتموها له بشأن هذه الجريمة؛ أين حريّة الرأي حين لم تسمحوا بها للمعارضين للجريمة وأصحابها! حقًّا، هذه حريّة لن نستطيع فهمها، ولن يستطيع فهْمها أحدٌ!

 

ولو كنتم صادقين في دعوى أنّ هذا من قَبِيل حريّة الرأي؛ لَمَا رفضتموها في حقّ الطرف الآخَر بعدمِ موافقتكم على طلبهم حين قدّموا لكم طلبًا بالسماح لهم بالمظاهرة لمعارِضة الجريمة!

 

والسؤال الثاني هو:

كيف سَمحتْ لكم قوانينكم بإعطاء شخصٍ واحدٍ تافهٍ فاقدٍ للأهلية وفاقدٍ للياقة الإنسانية السوِيّة! وهذا في الوقت الذي لم تَلتفتوا أنتم ولا قوانينكم لاحترام حريّة الرأي للمسلمين جميعًا ومشاعرهم في أعظمِ مقدّساتهم (القرآن الكريم) مع أنّ عددهم (ملياران) مع العِلم بأنّ المسلمين يَفْتدون المصحف الشريف بأرواحهم؛ وتجاهلتم الدروس الكثيرة والآلام والفوضى التي كانت هي بعض نتائج هذا النوع من التجارب السخيفة الفاقد حاملُو لوائها للمسؤولية!

 

ثانيًا:

أيُّ قانونٍ أو عقلٍ أو منطِقٍ أو مبدأٍ أخلاقيّ يُهدِرُ حقوق (مليارين) هم المسلمون المسالمون، الداعون للسلام بحسَب ما دعاهم إليه القرآن الكريم والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم رُسل الله إلى البشرية، الرحمة للعالمين -على ما وصفَه به ربه سبحانه- وكذلك تعاليمه الإيمانية، الأخلاقية، الحضارية. وأغلبُ هؤلاء المسلمين يتعبّدون الله بهذا الكتاب وهذه التعاليم.

 

فبأي منطق يُهدَر احترام رأي هؤلاء جميعًا ومشاعرهم، أمام مسجدهم! وبأيّ قانون أو خُلقٍ أو إنسانية يُضَحَّى بحقوقهم في مقابل احترامِ شخصٍ واحدٍ مِن مؤهلاته وصفاته التي ضَجّتْ بها الأنباء والمقالات عنه أنه: (شخصٌ طَرِيد، منفيّ مِن بلده؛ لانحراف سلوكه، وجرائمه، بعد سجنه في بلده ثلاث سنوات، وقد دَهَس شخصًا بسيارته، وهو معادٍ للمسلمين، متعصب ضدهم وضد دينهم؛ وكان هو أحد أفراد ميليشيا حالها معروفٌ، ومعروف تاريخها وجرائمها في القتل والتعصب والتكفير، وكان هذا الرجل على دِينٍ غير دين المسلمين، فكان نصرانيًّا، ثم أَعلن إلحاده في البلد الذي قدِم إليه واحتمى بعلَمه -حتى في وقت تنفيذه لجريمته، وقد نفّذها وهو رافعٌ علَمَهُ- وكان هذا الشخص قد تبرّأ منه والده لسوء سلوكه في هذا العام 2023م! كما تبرّأ منه النصارى أتْباع ديانته السابقة)!

 

بل كيف سمحتم وسمحتْ قوانينكم بأن يتحدّى هذا الشخص لمشاعرِ أُمّة هي رُبع سكّان الأرض، بهذه الصورة التي اختارها على قدر حقده وحماقته؛ حيث اختار لارتكاب هذا الفعل:

الزمان: أوّل يوم مِن عيد الأضحى للمسلمين هذا العام، 1444هـ.

 

والمكان: أمام مسجد استكهولم.

 

ووسيلة جريمته: (القرآن الكريم)!

 

ثالثًا:

ما معايير السويد، أو أيّ بلدٍ يؤيده، التي بنى عليها خياراته في هذا الدعم الغريب لشخصٍ تافهٍ فاقدٍ للياقة الإنسانية!

 

هل معيارهم هو تأييد الفرد الواحد في مقابل أُمَّةٍ بكاملها وبمختلف شعوبها في الأرض كلها!

 

أو معيارهم في التبنّي والتأييد لهذه الجريمة هو اختيار التأييد لِشخصٍ خارجٍ عن طاعةِ بلده! وهل تطمعون فيه أن يكون عندكم مواطنًا صالحًا، بناءً على هذا!

 

أو معيارهم هو التأييد لمَن تبرّأ منه والده لسوء أفعاله!

 

أو هو التأييد لشخصٍ تبرأ منه أهل دِيانته السابقة (المسيحية) وقالوا: إنه لا يُمثّلنا!

 

أو معيارهم هو اختيار الحاقد على أُمّةٍ بكاملها، ويُسيء رأيَهُ في دينها المخالف لعقيدته!

 

لقد قُمتمْ بهذه الخطوة، التي تُمثِّل إعلان حربٍ على الإسلام والمسلمين ومقدساتهم ومشاعرهم!

 

إنكم لم تَحسبوا هذه الخطوة بمنطقِ عقلٍ أو دينٍ أو خُلق أو مصلحةٍ مادّيّة؛ فماذا كسبتم! وهل تتوقعون أن يتسامح المسلمون في هذا الاعتداء والاضطهاد!

 

أليس كان من المفترَض قبل تَبَنِّيكم لهذه الحادثة المَشينة، أنْ تكشفوا على عقل الرجل وعلى سلوكه!

 

ألمْ تنظروا للتاريخ ودروسه!

 

ألم تنظروا إلى تاريخ التعايش السلميّ بين المسلمين وغير المسلمين من أهل الكتاب وغيرهم في بلاد المسلمين عَبْرَ مئات السنين، التي لم تستدعِ شيئًا مِن هذه الاستفزازات بين الطرفين!

 

فلماذا هذا الإهدار لمعطيات التاريخ والدِّين طوال هذه السنين كلها!

 

رابعًا:

هذه الإهانة للمصحف الشريف، التي ارتكبها هذا التافه وعِصابتُه؛ لن تَضرّ كتاب الله، وإنما تَضرّ مرتكبها والمؤيد له بقوانينه المزعومة، أو بنفسه.

 

وما هذه الجريمة إلا سببٌ لالتفات المسلمين لكتاب الله، وتجديد العهد به، وإلى مزيدٍ من العناية به.

 

وقد دعاني منظر المجرم وهو يُصارِع بقدميه القرآن الكريم (كلام رب العالمين) إلى الالتفات إلى المصحف الشريف وتقبيله ورفْعه على رأسي، معتذرًا لربي!

 

ولا أشكّ في أنّ كثيرًا من المسلمين ستكون النتيجة عندهم كذلك أو أحسن تُجاه هذا الحدَث، وسَيَجتهدون في مَزيدٍ من العناية بكتاب الله ومَزيدٍ مِن نشْره في العالَمين، والدفاع عنه!

 

القرآن الكريم هو كتاب الله سبحانه، خالق الكون.

 

والقرآن الكريم هو خاتم كُتب الله إلى البشرية!

 

القرآن الكريم كتابٌ إلهيٌّ مُقدَّس محفوظ بحفظ الله له، وهو الكتاب الإلهيّ الوحيد، الذي تكفّل الله بحفظه؛ فلم يَستطع أحدٌ ممن خالف هذا الكتاب، أو تحدّاه تحريفه أو التغيير فيه!

 

والمصحف الشريف هو نَصٌّ كريم يُخاطِبُ الله فيه مخلوقاته من الإنس والجنّ، يُخاطب فيه الله عباده وعبيده، مخاطبةَ الرب الخالق، الرحمن الرحيم، اللطيف بعباده؛ آمِرًا لهم، وهاديًا ومُرشدًا لطريق سعادتهم ونجاتهم في الدارين.

 

ولهذا سمَّى الله كتابه (القرآن الكريم) بعدة أسماء، ووصفه بعدة أوصاف، ومنها -مما له علاقةٌ بموضوعنا- أنّ الله قال عن كتابه، أنه: [هدىً، لا ريب فيه، مُبِين، هدىً للمتقين، بُشرى للمؤمنين، حكيم، هدىً ورحمة للمحسنين]، فمما قاله الله عنه:

﴿ الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1-2].

 

﴿ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل: 1-2].

 

﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ ﴾ [لقمان: 2-3].

 

ومما قال الله عن شأن كتابه القرآن الكريم مع موقف الناس منه، قبولًا أو رفضًا:

﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فُصِّلت: 44].

 

﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23].

 

لقد سقَطَ هؤلاء الجناة، واللهِ، ومِن حماقتهم: إعلانهم لسقوطهم وهزيمتهم بإعلانهم للدنيا تنفيذ جريمتهم بحرْق المصحف الشريف بعد دعْسه المتكرر وركْله بالأقدام، وهم رافعون عَلَم حامِيَتهم (السويد)؛ فصارت الدنيا شاهدةً عليهم!

 

خامسًا:

هذه الإساءة، هي غيرُ مبرّرة بأيِّ وجهٍ مِن الوجوه، وذلك لأنّ:

أفعال هذا الشخص وأسلوبه لا يستند إلى أيّ منطق، أو قانون.

 

فعله واستهتاره هذا تعبير عن حقد دفين، يتوخى من وراء ذلك اكتساب الشهرة!

 

عمله هذا لا يدخل في باب حرية الرأي، وذلك بموجب كل الأعراف والدساتير.

 

إقدامه هو ومَن معه على هذا الاعتداء إنما هو نشرٌ للكراهية والحقد، وتقويضٌ للسلم الأهلي والوئام المجتمعي، وهذا يَجرُّ إلى ردود الأفعال غير المسئولة.

 

هذا العمل يسيء إلى مشاعر ملياري مسلم في العالم، كما أنه إساءة واضحة لمشاعر المسلمين المواطنين في السويد.

 

وأخيرًا:

لا يَصحّ أنْ يَمرّ هذا التعدِّي على المصحف الشريف وعلى عقيدة ومشاعر أتباعه مرورًا عابرًا، دون موقفٍ شجاعٍ حكيم في وجْه هذا الإجرام الآثم؛ وإنما لابد من اتخاذ خطواتٍ عملية؛ وذلك:

1- لمحاسبة المعتدين، وإيقافهم عند حدّهم.

 

2- والسعي في إلغاء تلك القوانين المعكوسة، المعتَمَد عليها في اضطهاد المجتمعات وترهيبها، والتضييق عليها في دينها، والإسهام في صناعة الإرهاب، وزعزعة الأمن في البلدان!

 

3- السعي لاتخاذ قوانين تَمنع الدول مِن السماح، أو تشجيع التصرفات والمذهبيات المحارِبة للرسل والأنبياء، الذين اصطفاهم الله، جلّ جلاله، ليكونوا سفراء إلى خَلْقه، يُبلِّغون رسالات الله إلى خَلْقه، وآخرهم وخاتمهم رسوله محمد، صلوات الله عليهم أجمعين، وكذلك تحريم وتجريم التطاول على الذات الإلهية، أو على كتابه المحفوظ مِن التبديل والتغيير (القرآن الكريم)، أو الإساءة إلى الله وخاتم كتبه بأيّ طريقة أو أسلوب.

 

4- طلب الاعتذار للمسلمين من البلدان التي تَبَنّت الإساءة إلى المسلمين واضطهادهم في دينهم وعقيدتهم وشعائرهم، مع التعهّد لهم بإعطائهم حقوقهم ورفْع التضييق عليهم أو على شعائرهم التعبدية ولباسهم أو عباداتهم.

 

والله غالِبٌ على أمره، ولكن الناس لا يعلمون.



Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Why Cad Bane’s Fate is a Good Thing
15 Highest-Rated Crypto Books for Beginners [2023]